ريكاردو تيسكي هو الخيار المنطقيّ ولكن غير المرجّح لتقديم عشاء الافتتاح لمعرض معهد الأزياء لهذا العام تحت عنوان “بانك: من الفوضى إلى الموضة” (Punk: Chaos to Couture). إنّ الأمر غير مرجّح لأنّ ريكاردو كان مجرّد طفل عندما نشأت نزعة البانك. في الواقع، تيسكي نفسه اعتبر أنّ الشرف يجب أن يكون من نصيب مصمّم إنكليزي. ولكن، من ناحية أخرى، الدور يناسبه. فهو يمزح، قائلًا إنّه بات الآن “الابن الصالح لمجموعة “لوي فويتون مويت إينيسّي” LVMH”، ونجاحه التجاري والعقد الذي جدّده مؤخرًا يشهدان على ذلك. ولكنّه كان لعدّة أعوام أمير الظلام للمجموعة الفاخرة وقد أثار تغييره الجذريّ لدار “جيفنشي” Givenchy صرخات النقّاد الذين اعتبروه كافرًا. إذا كانت نزعة البانك تعكس موقفًا معيّنًا قبل كلّ شيء، فتيسكي هو رجل المواقف. جرت المقابلة في غرفة في فندق مورسر في سوهو. عندما قابلنا تيسكي شخصيًا، أدركنا أنّه خجول وفي الوقت نفسه فصيح ولطيف ومُضحك جدًّا. كذلك، يتحلّى بسحر أخّاذ جذب نجوم الهيب هوب وحتى عارضات الأزياء المتحوّلات الجندر إلى حلقته. أمّا علامة التمرّد الوحيدة المفضوحة، فكانت علبة شبه فارغة من دخان American Spirits يستنذفها بسرعة، إلى جانب سيجارة إلكترونية غير ملموسة على الطاولة قرب النافذة المفتوحة.
ديرك: كم كنت تبلغ من العمر في العام 1977؟ 3 سنوات؟ متى اكتشفت البانك؟
تيسكي: تقرّبت من البانك عندما كنت أبلغ 17 عامًا. تركت إيطاليا للذهاب إلى إنكلترّا. وهذا الأمر بحدّ ذاته كان ينمّ عن نزعة البانك التي بدأت تنمو فيّ وذلك لأنّ الأمر ليس عاديًا في وطني. لم أكُن أرغب في العيش في ظلّ تلك الظروف الاجتماعية والسياسية في إيطاليا في ذلك الوقت. أردت أن أعبّر عن نفسي، فذهبت إلى إنكلترّا وأسّست حياتي هناك. كان موقف البانك واضحًا في إنكلترّا في ذلك الوقت وحتّى اليوم. أظنّ أنّ البانك يسري في عروق الإنكليز وهو جزء منهم
ديريك: تقول إنّ البانك هو موقف. هل يمكنك تحديده؟
تيسكي: بالطبع. البانك يعبّر عن النضال من أجل حقوقك وعن الجرأة في التعبير عن الرأي وعن الحريّة
ديريك: أتظنّ أنّه لا يزال موجودًا؟
تيسكي: نعم، أظنّه لا يزال شائعًا في إنكلترّا. عشت هناك لمدّة ثمانية أعوام ويبعث فيك شعورًا بالحريّة…أنا إيطاليّ. عشت لفترة في فرنسا وأزور أميركا كثيرًا. في المجتمعات الإيطالية والفرنسية والأميركية، ولعدّة أسباب اجتماعية وسياسية وثقافية وغيرها، يفكّر المرء كثيرًا قبل التعبير عمّا يراود ذهنه من أجل تفادي إزعاج الآخرين. في إنكلترّا، يختلف الأمر إذ تشعر أنّك تستطيع قول ما تريد فورًا. هذا أمر رائع جعلني أغيّر أسلوب تعاملي مع الحياة. لهذا السبب، عندما بدأت مهنتي كمصمّم، واجهت مشاكل كثيرة لأنّ الإيطاليين لا يقدرون أن يكونوا ثورويين ومنفعلين بسهولة. بطريقتي الخاصّة، تمكّنت من عيش هذه النزعة عندما صمّمت مجموعتي الخاصّة وعندما انضممت إلى “جيفنشي” Givenchy. يشهد هذا كلّه على الجوّ في إنكلترّا لأنّني حتى عندما بدأت في جامعة ساينت مارتنز، كانت التجربة بالنسبة إليّ مليئة بنزعة البانك. كان الأساتذة يصلون متأخّرين وفي بعض الأحيان لم يأتوا حتى. كانوا ينتقدونك، فتشعر أنّك ضائع وسط عدّة طرق تفكير، ولكن بعدها تكتشف أنّك تعلّمت الكثير لأنّ الاستقلالية أمر مهمّ هناك. لهذا، أعتقد أنّ الإنكليز بشكل عام يملكون نفوذًا وقوّة في العالم.
ديريك: إذًا، أنت تعتبر أنّ التغيير الذي أجريته في “جيفنشي” Givenchy كان بمثابة تطبيق نهج البانك على دار قديمة؟
تيسكي: ليس من الناحية الجمالية، ولكن بطريقة البانك الخاصّة بي. لم أكُن أعرف سبب وجودي هناك. لم أكُن أعرف سبب اختيار الناس لي. كنت أصمّم مجموعاتي الخاصّة في ميلانو بطريقة البانك وكنت أجري معارض في مرآب للسيارات وأتحدّث عن نظرتي إلى هويّة الجندر وعن الانتقادات التي واجهتها وعن منع الدولة الإيطالية لي. جاءت الشرطة خلال أوّل معرضين أقمتهما لأنّني كنت أستخدم مكانًا غير قانونيّ. لذا، أنا أتفهّم الظلمة والنزعة الغوطية. اليوم، ثمّة مَيْل إلى الغوطية حتى في مجلّات ربّات المنازل. ولكن، منذ 9 أعوام، عندما بدأت بالعمل، لم يكُن الأمر مقبولًا كاليوم. أتذكّر سنتي الأولى لدى “جيفنشي” Givenchy. قال بعض الأشخاص إنّني دجّال ولكنّني أكثر شخص كاثوليكي مؤمن في العالم…إنّ بداياتي كانت مفعمة بالبانك لأنّني لم أكُن أحترم كثيرًا العامل الوراثي. وداعمو نزعة البانك لم يحترموا الدم الإنكليزي الذي يسري في عروقهم وحاربوا الدولة والسياسة. كنت أحترم أعمال هوبورت دي جيفنشي ولكن فضّلت إضفاء لمستي الخاصّة وتفسيري الشخصيّ الذي كان مُظلمًا للغاية بصراحة. قرّرت ألّا أصمّم أزياء مثل فساتين الحفلات الراقصة الكبيرة وأثواب الملكات اللواتي تصلن مع الأحصنة. فعملت على إنتاج الأنسجة وتدميرها والاختبار بها وصنع أشكال مريحة للنظر وليست جامدة بأسلوب الموضة القديمة البالية. وكان عرض الأزياء النسائي غير تقليديّ كسائر العروض ولكن كان يتمتّع بأداء بطيء جدًّا وعاطفيّ…أنا أيضًا أُفاجأ عندما أعود بالزمن 9 أعوام إلى الوراء. لا أدري إذا كان الوضع عاطفيًا للغاية أو صريحًا، ولكن لم أكُن أكترث لأيّ كان. كنت أتعرّض لانتقادات كثيرة في البداية وهذا لم يردعني أو يشعرني بالخوف. كنت حقًا أعتقد أنّ لوجودي هناك سبب.