الكثيرون من نجوم تصميم الأزياء استفادوا من جهود المخرجين المنفذين، وهم الجنود المجهولون الذين يعملون من خلف الكواليس. والجملة التي نسمعها دائما عن جانكارلو جاميتي هو أنه هو الذي جعل فالنتينو يصبح فالنتينو. ربما يكون من الصعب شرح المعنى الدقيق لهذه العبارة، لكن يمكن القول إن الحكاية التي بدأت بانجذاب متبادل تحولت فيما بعد إلى أفضل تعاون مثمر في مجال تصميم الأزياء. ومن خلال دوره الفعال في إنشاء علامة الأزياء الشهيرة، كان جاميتي يضع حجر الأساس لعالم الأزياء كما نعرفه اليوم. يمكن أن توصف علاقته بشريكة بأنها متقلبة بقدر ما هي معقدة، أو هذا ما يبدو عليه الحال في الفيلم الوثائقي “فالنتينو: الإمبراطور الأخير” الحائز على إطراء النقاد والذي أعاد فالنتينو إلى الأضواء في عام 2008 بينما كان الصديقان اللذان اشتركا في صناعة هذا الاسم الشهير معا قد اختارا العيش في عزلة تتسم بالغموض النسبي والثراء في آن واحد. والآن، يقدم جياميتي في كتابه الجديد “خاص: جانكارلو جاميتي” نظرة مختلفة على عالم فالنتينو. صدر الكتاب عن دار “أسولين” في مجلد ضخم يبلغ وزنه 12 رطلا، وهو يعج بالتأملات والصور – التي التقط جاميتي غالبيتها بنفسه – حول الحياة الطويلة والمغرية التي عاشها، والتي تضمنت التعامل مع العديد من أفراد الأسر الملكية ونجوم هوليوود وأبرز الأسماء في عالم تصميم الأزياء، وهو بهذا يقدم توثيقا اجتماعيا مصورا للنصف الثاني من القرن العشرين. وقد تحدث جاميتي إلى Style.com حول تصميم الأزياء بين الماضي والحاضر، و”القبيلة” المتألقة التي كان يتنقل دوما بصحبتها، والدروس التي تعلمها خلال رحلته الطويلة.
يقول فالنتينو في مقدمة كتابك إنه تعرف فيه على بعض المعلومات التي كان يجهلها عنك في الماضي. هل هذا ممكن حقا؟
هذا صحيح. لكل واحد منا أسراره الخاصة، أليس كذلك؟ لقد كان الإفصاح عن هذه الأسرار في الكتاب أسهل من إخباره بها! ربما كانت ستصدر عنه ردود أفعال معينة. الكتاب يبقى صامتا على الأقل.
فيلم “الإمبراطور الأخير” جعل حياتك تكتسب صبغة عامة لم تكتسبها من قبل. هل كان بوسعك أن تصدر هذا الكتاب بدون إنتاج ذلك الفيلم؟
كلا.
كنت دائم الحرص على خصوصيتك. حدثني عن دور الفيلم في تغيير ذلك.
لقد كان الفيلم مفاجأة. عندما ذهبنا لمشاهدته للمرة الأولى غادرنا المكان مصدومين لدرجة أنني شرعت في الاتصال بالمحامين. شعرت بأن خصوصيتي قد تعرضت للاعتداء. كنت أتوقع أن أشاهد فيلما وثائقيا عن تصميم الأزياء، والفتيات الجميلات، ومنصات العرض، والحفلات، لكنني لم أتوقع أن أشعر بأنني عار لهذه الدرجة.
لكنك في النهاية تغلبت على ذلك الشعور
نال الفيلم تصفيقا حارا لمدة ثماني دقائق متواصلة في البندقية، وأخذ الجميع يتحدثون عن مدى روعة أن يشاهدوا جوانب مختلفة من حياتنا. أذكر أن مات [تيرانو، مخرج الفيلم] قال ذات مرة: “هذا الفيلم لا يتحدث عن الثراء والشهرة، وإنما يتحدث عن الحب وعن نهاية حقبة زمنية كاملة”. ويبدو أن الناس انجذبوا إلى هذه الموضوعات. كما أن الفيلم ساعد الناس – وأنا هنا أتحدث عن مثليي الجنس على الأرجح – على رؤية أفراد قادرين على أن يبنوا علاقة معا ويعيشوا سويا.
لماذا صدر هذا الكتاب إذن؟
كانت هناك مجموعة هائلة من الصور التي التقطتها بنفسي، بالإضافة إلى مذكراتي الشخصية. كانت الصور ملصقة بالصمغ في ألبومات خاصة، لذلك قمت قبل ثلاث أو أربع سنوات باستدعاء شركة أرشفة متخصصة في هذا النوع من العمل – وهي بالمناسبة الشركة نفسها التي عالجت وثائق الفاتيكان. أخذت أتأمل هذه الصور على جهاز الكمبيوتر، وكنت قد حصلت على عرض مسبق من دار “أسولين” للنشر، فقلت لنفسي: “لم لا؟”. وهكذا انتقلنا من 57.000 صورة في الأرشيف إلى 500 أو 600 صورة فقط.
يبدو أن الدراما، أو الميني دراما، أصبحت حقيقة ثابتة في الحياة. لقد تحدثت في كتابك عن “انفعالات” لورا هوتون وعن “نوبات” ناعومي كامبل. كيف تعلمت أن تتعامل مع هذه الحالات.
عالم تصميم الأزياء مفعم بالدراما. لكن [المرء يرى أن] بعض المشكلات أكثر أهمية من غيرها. إذا أرادت ناعومي أن تكون الأولى وليس الثانية فيجب أن ندعها تفعل ذلك، لأن الأمر لا يستحق الجدال، ولأن ناعومي – بالرغم من كونها ذات شخصية مختلفة – هي إنسانة رائعة وصديقة مدهشة. كانت نوبة لورين العصبية تجعلني أكثر انزعاجا لأنها جاءت وسط حدث معين. لكنني الآن أملك قدرة على الاحتمال أكثر من ذي قبل.
من وجهة نظر معينة – بصفتكما رفيقين – انفصلت أنت وفالنتينو عن بعضكما عام 1972. ومن وجهة نظر أخرى فإنكما لم تنفصلا مطلقا. إنه ترتيب عمل غير مألوف. هل سبق أن راودتك أية شكوك في إمكانية نجاحه؟
هذا الأمر بالطبع ليس سهلا أبدا، لكنني أكره الانقطاع عن الأشخاص الذين لديهم أهمية في حياتي – ووجود “القبيلة” هو نتيجة لذلك. ولا تنس أننا كنا قد عملنا سويا لمدة 12 عاما. لا أحد يتخلى عن كل شيء لمجرد الفشل في جانب معين.
يرى البعض أن فالنتينو هي أول دار أزياء تحتضن المشاهير. هل كان ذلك نتيجة لتخطيط مسبق أم بمحض المصادفة؟
الواقع أنه نتيجة للاثنين معا. من المثير للاهتمام أن نشاهد الأشخاص الناجحين في حياتهم، وفي ذلك الوقت أيضا كان من المهم أن نشاهدهم يرتدون ملابس من تصميمنا أمام الكاميرا. أذكر أن إليزابيث تايلور كانت في روما عام 1961 أثناء تصوير دورها في فيلم “كليوباترا” وذهبت لحضور افتتاح فيلم “سبارتاكوس” من بطولة كيرك دوغلاس. كانت ترتدي يومذاك فستانا أبيض متعدد الطيات من تصميم فالنتينو مع ريش نعام عند الأطراف، وملأت صورها الصحف آنذاك. وفي اليوم التالي جاءت إلى دار الأزياء وطلبت سبع قطع من الملابس وقالت: “أوه، لقد حصلتم على الكثير من الدعاية معي اليوم – أنا أستحق هذا، وهذا، وهذا، وهذا”. بطريقة معينة، كانت إليزابيث تايلور تتصرف مثل طفل صغير. كانت تريد أشياء معينة، وكانت تستخدم كل الوسائل للحصول على الأشياء التي تريدها.
هل أعطيتموها كل الملابس التي طلبتها؟
بالطبع، وقد اختارت الملابس الأغلى ثمنا. أذكر أن أحدها كان فستانا مخمليا مزركشا مع ياقة سوداء، كان في مقدمة اختياراتها بالطبع. لكنها بالرغم من ذلك كانت امرأة مدهشة. على أية حال، لقد أدركنا أن هذه طريقة جيدة للترويج لعلامتنا التجارية، وكان الجلوس مع إليزابيث تايلور بحد ذاته شيئا رائعا.
هل العمل مع مشاهير اليوم أكثر صعوبة من الماضي؟
نعم، إلى درجة كبيرة. في البداية كان فالنتينو هو الأكثر تعاملا معهم. كانت إليزابيث تايلور أو جاكلين كينيدي تأتي إلى المتجر لتختار ملابسها، وكان يجب أن يتولى أحد التحاور معها، والعراك أو عدم العراك معها. أما الآن فإن مختصي الأزياء هم الذين يقررون الأزياء التي يرتديها المشاهير. إن أشهر فساتين فالنتينو، على سبيل المثال، هو فستان جوليا روبرتس [فستان فالنتينو الذي ارتدته لحضور حفل توزيع جوائز الأكاديمية لعام 2001]- ونحن لم نكن نعلم شيئا عنه. كان محفوظا في غرفة مع خمسة وعشرين فستانا آخر من خمسة وعشرين مصمما. خرجت جوليا وهي ترتدي فستانا آخر لكن ابنة شقيقها إيما قالت: “هذا الفستان لا يعجبني- لم لا ترتدين فستان فالنتينو؟” وهكذا غيرت ملابسها في اللحظة الأخيرة. كان اختيارها موفقا للغاية، وأنا أشكر جوليا على ذلك الاختيار بالتأكيد. لكن الأمر لم يكن شخصيا.
على الرغم من كل ذلك، ما زلت أنت وفالنتينو تملكان علاقات شخصية مع العديد من المشاهير.
لكن هذا لا علاقة له بارتداء ملابس من تصميمنا، والحمد لله. لقد وقع خلاف بيننا وبين آن هاثاوي خلال حفل الأوسكار عندما امتنعت عن ارتداء فستان كنا قد صنعناه خصيصا لها بالكثير من العناية والحب. غير أن لا يعني أنها ليست واحدة من أعز صديقاتنا.
الجزء الأكبر من الكتاب مخصص لسرد وقائع الحياة السعيدة. هناك قسم مخصص للحديث عن العمل، لكنه غير مبين بوضوح في الصور.
تصميم الأزياء لا يتعلق بأشخاص يلهون بالدمى كما تعلم. إنه مجال عمل صعب للغاية، والتنافس فيه شرس جدا. وحيثما توجد المنافسة يوجد الكثير من الضغط والأرق والحرمان من النوم. إذا كانت هناك صور تصف هذا الحال فأنا لا أمانع من نشرها، لكن لا توجد صور كهذه.
من المعروف أن هناك منافسة قوية بين إيف سان لوران وفالنتينو، لكنك ذكرت أن فالنتينو لم يكن يأخذ المنافسة مع المصممين الآخرين على محمل شخصي. هل كان الأمر إذن مجرد منافسة بينك وبين بيير بيرجيه؟
لا، بل كان الأمر أكثر تعقيدا من جهة بيرجيه. أعتقد أن إيف سان لوران مصمم ممتاز، ولا يملك أحد أن يقول غير ذلك. لم يكن الأمر يمثل منافسة حقيقية بالنسبة لي، فأنا لا أحمل احتراما كبيرا للسيد بيرجيه. أنا لا أعتقد أن الطريقة التي تعامل بها مع إيف كانت سليمة. وحتى في الوقت الحاضر، أنا لست راضيا عن الذي يحدث في تلك الشركة الآن. أعتقد أن إسقاط اسم إيف كان أمرا فظيعا للغاية.
ذكرت في كتابك أن العمل الذي قمت به لا يحتاج إلى أي تدريب. لكن الناس يتدربون الآن على ممارسة جميع أنواع الوظائف، فما رأيك؟
الفرق هو أنني كنت أؤدي عملي بنفسي، أما اليوم فإن خمسة أو ستة أشخاص يؤدون العمل نفسه معا. كما أن عملي كان مدفوعا بالشغف والعاطفة، وكنت أملك الشركة التي أعمل بها مما زاد من طموحي للتوسع وليس لمجرد الاحتفاظ بمقعدي ومنصبي. كانت لحظة مختلفة، فجأة لم يعد الأمر متعلقا بالتصميم. كنا نلجأ لتسويق الملابس في الإعلانات والصحف والمجلات- الكثير من الأشياء.
ولم يكن تصميم الأزياء يحظى بالاحترام الذي يتمتع به اليوم، حيث يرغب الجميع في العمل في هذا المجال.
أتذكر أن تعيين محاسب للعمل لدينا في روما خلال الستينيات كان أمرا بالغ الصعوبة لأن الرجال كانوا يشعرون بالعار من العمل معنا! أما اليوم فإننا نستطيع أن نستدعي رئيس كبرى شركات الطيران في العالم لكي يعمل في أي شركة لتصميم الأزياء. هناك جاذبية مدهشة لقطاع تصميم الأزياء في الوقت الحاضر، وهناك الكثير من الأموال الجاري استثمارها أيضا. أنا لا أعتقد أن الرواتب سوف تبقى على حالها في هذا المجال [في المستقبل].
إذا أصبح قطاع تصميم الأزياء أكثر رقيا فإن البعض سوف ينسبون الفضل بدرجة معينة إليك وإلى فالنتينو.
لا أتوقع أنني السبب في وصول كل هذه الأموال! أما الرقي فقد ساهمنا فيه بالتأكيد.
هل سيمثل هذا الكتاب المرة الأخيرة التي تنشر فيها ذكرياتك وأرشيفك على الملأ؟
لا أدري. ربما سأنشر كتابا بآخر بعدد أقل من الصور وبكلمات أكثر- شيء يمكنك قراءته في السرير قبل النوم.
يبدو كأنه كتاب مذكرات.
لم لا؟