شهد متابعو شهر الموضة الماضي عددًا من الأحداث البارزة مثل: تقديم عروض أزياء لأول مرة شملت مجموعات من الملابس الجاهزة التي طال انتظارها بتوقيع مصممي الأزياء “راف سايمونز” Raf Simons من “ديور” Dior، و”هيدي سليمان” Hedi Slimane من “إيف سان لوران” Yves Saint Laurent، كما شهدت الصفوف الأولى لعروض أزياء مدينة ميلانو حضورًا مميزًا للممثلة الأمريكية “شارون ستون” Sharon Stone وصديقها الذي يصغرها عمرًا بينما كان يلاطفها أمام الجميع، بالإضافة إلى عرض أزياء دار مالبري في لندن حيث بدت المغنية الأمريكية “لانا ديل راي” Lana Del Ray في حالة رضا عن النفس حيث كانت تجلس إلى جانب عارضة الأزياء العالمية كيت موسKate Moss ، أما في عرض أزياء “بالانسياغا” Balenciaga الذي أُقيم في باريس خرجت الممثلة الأمريكية “كريستين ستيوارت” Kristen Stewart من مخبئها لتشرفنا بحضورها، بينما أحضرت المغنية “جنيفر لوبيز” Jennifer Lopez ابنتها في عرض أزياء شانيل التي بدت مضطرة إلى المجيء وكأنها تقول: “كنت أفضل الذهاب إلى مركز تشكي تشيز الترفيهي”. حملتنا إطلالات الشارع إلى تذكر سحر الروسيات وجاذبيتهن، فضلًا عن تذكر إطاحة “تايلور توماس” Taylor Thomas يهيل ب”آناديلوروسو” Anna Dello Russo من على عرش التصوير كملكة للتصوير الفوتوغرافي في الشوارع.
بعد كل ما سبق جاء دور كاتي.
أطلقت الناقدة الأميركية في مجال الأزياء والموضة في صحيفة ”النيويورك تايمز” كاثي هورين” Cathy Horyn كارثة حقيقية متمثلة في ملحمة طويلة جدًّا أثناء أسبوع الموضة في نيويورك باستخدام كلمة “النقانق” لوصف غرور المصمم الدومينيكي الأميركي “أوسكار ديلارينتا” Oscar de la Renta وتباهيه بنفسه، وبهذا زادت حدة الملحمة حيث أصبحت هورين أكثر من ينتقد الأشخاص في شهر الموضة.
لكم شعر أوسكار ديلارينتا بإهانة بالغة لوصفه “بالنقانق” وهو رجل له باع كبير من الخبرة حيث عاصر الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وما كان منه إلا أنه اشترى صفحة كاملة في مجلة “ومنزوير ديلي”Women’s Wear Daily الأميركية ليرد بها على إهانة “هورين” قائلًا: “إذا كان لهورين أن تنعته (بالنقانق)، فلا حرج في القول بأنها “كالبرجر” أو بالأحرى “برجر مُحضر منذ ثلاثة أيام” كناية عن جبن شخصيتها وإهدارًا لشأنها ومكانتها.
شهدت الأعوام القليلة الماضية اهتمام وسائل الإعلام المتنوعة بلفت الأنظار إلى أعمال البلطجة، التي تدل على ضعف الثقة لمستخدمي هذه الإساءات والألفاظ المُهينة، لغة يستخدمها البعض بصورة ظاهرية وواضحة بهدف النَّيل من أفراد محددين وفي سبيل ذلك يبذلون جهودًا رخيصة بطريقة غير مباشرة للوصول إلى غايتهم الكبرى المتمثلة في تسليط الأضواء عليهم وجذب الانتباه إليهم. تنحدر “كاثي هورين” من ولاية أوهايو، ولطالما استخدمت أساليب مستفزة مُنفرة في نقد صيحات الموضة والأزياء على مدار عقدين من الزمان، وعلى الصعيد الرسمي مُنيت بسمعة سيئة نتيجة استخدامها لهذه الأساليب المُنفرة في نقد الأزياء مهما بلغت درجة الإبداع في تصميمها، إنها لا تبالي بأحد، نظرًا لدعم أحد مصممي الموضة والأزياء الأسطوريين لها.
وبالرغم من ذلك، لم يمض وقت كبير وذكرت تبريرًا لما سبق بوجود سوء تفاهم لنقدها الإيجابي عندما قالت: “كنت أعني أن مكانة السيد “ديلارينتا” تتخطى حدود النقانق بكثير، حيث إنه شخص ذو مكانة مرموقة لا يستهان بها في عالم الموضة الأمريكية، وأنها تقصد كونه شخصًا أنيقًا وعصريًّا يتباهى بتصميماته المتميزة”، وبروح رياضية نجد أنها مُحنكة إعلاميًّا لأنها اغتنمت الفرصة لجذب الانتباه إليها وتذكيرنا أنها هي أيضًا أُسيء إليها بنعتها بكاتي هورين الكبيرة السيئة.
انتقالًا إلى رد فعل “ليدي غاغا” Lady Gaga، دونت تغريدة إلى معجبيها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر والبالغ عددهم 30 مليون شخص، تقول فيها: “أحسنت صنعًا يا أوسكار، لقد كانت الطريقة الوحيدة التي تنم عن الكياسة والأناقة أن تشتري صفحة كاملة في مجلة “ومنزوير ديلي” الأميركية وتدلي بتصريحات لا تصدر إلا من مواطن صالح يعمل في مجال الموضة والأزياء”.
وقعت في الشرك كما يقع القريدس في شباك الصياد، فسريعًا ما وضعت وسائل الإعلام التغريدة في محتوى نصي استخدمته “كاثي هورين” العام الماضي لتعنيف مصممة الأزياء الإيطالية “دوناتيلا فيرساتشي” Donatella Versace على تصميمها الفستان الكلاسيكي العتيق الذي ارتدته “غاغا” في فيديو أغنية “إيدج أوف جلوري”، قائلًا لها: “أحسني الاختيار”.
حينذاك لم تنس غاغا هذا الانتقاد واقتصت ل”فيرساتشي” في مقابلة شخصية لها مع مجلة “في” (V) وذكرت: “في ظل عصر الإنترنت الذي تتوفر فيه إمكانية وصول الجمهور إلى مجموعات الأزياء وعروضها ومشاهدتها بمنتهى السهولة، ومع احتفاظ أيٍّ من كان بحقه في وضع نقد على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك أو تويتر، ألا يتوجب على كتاب الأعمدة الصحفية والنقاد، أمثال: “كاثي هورين”، استخدام نهج أكثر عصرية وتقدمًا في عملية النقد، شيئًا يميزها عن جموع الأفراد الجالسين بمنازلهم الذين يتصفحون الإنترنت عبر أجهزة الكمبيوتر المحمولة؟”.
وبالطبع لم يلق هذا الموقف الانهزامي أي صدى عند الآنسة “هورين” سوى ضحكة خافتة أو ضحكتين، وتركت الساحة لمشاهدة دفاع “أرت أورتنبيرغ” Art Ortenberg شريكها لفترة طويلة، الذي كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي السابق لبيت أزياء “ليز كليبورن” Liz Claiborne، حيث تمثل دفاعه في كلمته التالية التي ألقاها في مجلة “ومنزوير ديلي” الأميركية:
إلى رئيس التحرير:
ها أنا أعترف بأن “كاثي هورين” هي خليلتي، وبالرغم من ذلك أشعر بضرورة توبيخ “غاغا” على رأيها المُفتقر إلى المعلومات الكافية لتكوينه، فضلًا عن كونه مُسيئًا وأريد أن أذكرها بضرورة احترام آراء الغير أيًّا كان مصدرها بنفس درجة احترام رأي أي ناقد من النقاد المُحنكين –تعد آراء “غاغا” و”بريدجيت فولي” Bridget Foley المُحررة في مجلة “ومنزوير ديلي” الأميركية أو آراء “ديفيد دنبي” David Denby المُحرر بمجلة “ذي نيو يوركر ” The New Yorker أو آراء بن برانتليBen Brantley المُحرر بمجلة “نيويورك تايمز”New York Times أو آراء “بروكس أتكينسن” Brooks Atkinson أو آراء “بولين كيل” Pauline Kael أو حتى آراء أي ناقد متخصص آخر مجرد رأي آخر، بل وتستحق آراء “غاغا” التافهة نفس الاحترام. تعقلي يا “غاغا”.
نبدو جميعًا في هذه الأيام كما لو كنا أطفالًا على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، عندما يتلقى شخص ما وخزة، تعلمنا أن نرد الوخزة على نحو أقوى. وازدادت التدخلات في شؤون الآخرين كثيرًا وتحولت إلى أغنية، أو يمكننا القول في حالة غاغا أنها تحولت إلى توبيخ عنيف ومتكرر.
وقع اختيار المدير الإبداعي “نيكولا فورميتشتي” Nicola Formichetti على اختيار أغنية “Cake like GAGA” حيث بدت حاجته المُلحة لحضور نوعي للراعي الشخصي له “غاغا” أثناء عرض مجموعة أزياء “تييري ماجلر” Thierry Mugler في جولتها التي طافت حول العالم. نذكر الآن مقطعًا موسيقيًّا محذوفًا من الأغنية:
غاغا:“Ortenberg you can suck my d**k, walk b***h you ain’t Lady Gaga… Cathy Horyn your style ain’t d**k. Walk a mile in these foot-high heels, I run in these you ain’t running s**t. You chew beef, I wear meat – I’m getting fat and so is my bank. From a sold-out world tour, b***h.’”
وكما توقعنا، احتفظت هورين بصمتها، كانت طريقة “غاغا” البذيئة توبيخًا مطولًا ليشبه التوبيخ الذي استخدمه “أورتينبرج” في إثبات وجه نظره.
توقفت المباراة عند هذا الحد، ولكن تورط شخص آخر فيها وهو “هيدي سليمان” المدير الإبداعي حديث التعيين لدى “سان لوران”، حيث تسبب سليمان في نشوب المشكلات عندما ألغى “إيف” من اسم العلامة التجارية، ونقل مكان الأستوديو إلى لوس أنجلوس التي يعشقها، ولكن الأكثر من ذلك عندما تكبَّر على الصحفيين وتعامل معهم كالمنبوذين واستبعدهم إلى الصف الخلفي ولم يسمح بحضور كاتي هورين الناقدة في مجال الأزياء والموضة، تصرف يجعلنا نزعم جهله بمقولة الفيلسوف الإيطالي “ماكيافيللي” Machiavelli: “اقترب من أصدقائك واقترب أكثر من أعدائك”.
على أية حال، استمرت هورين في كتابة أطول نقد عن ظهور سليمان لأول مرة وأكثره سلبية في سان لوران. لم يزعج ذلك سليمان، وانتقلت أيضًا للأرشيف وألقت اللوم على حقيقة أنها فقدت الدعوة الخاصة بها في البريد وذلك لأنها كتبت في عام 2004 أن “راف سايمونز” مهد الطريق لظهور “هيدي سليمان” النحيف. وبدلاً من أن يذهب سليمان –الذي أدرك أنه يقع تحت ضغط شديد- للحصول على التدليك أو فك أزرار سرواله الجينز، فقد وضع مشاعره على الطاولة على هيئة رسالة بها جميع أنواع التشذيب وهي: التلميحات، الحقن الشخصية، ومساعدة مكثفة للترويج الذاتي. على الرغم من أن مصممي الأزياء يجب أن يكونوا هم سادة القماش، إلا أنهم يفتقرون بالتأكيد إلى وجود كُتّاب مخضرمين فيما يتعلق بالورقة والقلم.
“تتمتع الآنسة “هورين” بشجاعتها في ملعب المدرسة بالإضافة إلى كونها أيضًا من ممثلي الكوميديا الارتجالية. يناقش المطلعون بالأمور كونها كاتبة ريفية ومعتدلة بعض الشيء، ولكنني أرفض ذلك، فقد قامت بكثير من الأمور الرائعة. لقد كان أكبر نجاح لها حتى الآن كتابها عن بيل بلاس لم أقرأه بعد. قد يكون هذا الكتاب رائعًا، خاصة إذا ازدادت المبيعات، ويسعدني أن أوصي بقراءته.
كما أنني أسمع كثيرًا عن تمتعها بحس رائع في الموضة، شريطة أن تصبح خبيرة بأزياء القرية. يعد ذلك خارج السياق تمامًا، فبعد كل شيء، لم يتطلع أحد لتصبح إلهامًا للآخرين وفي الغالب لن يتم ذلك بأي حال.
بالإضافة إلى ذلك –وبطريقة عجيبة- كان جدول أعمالها سميكًا للغاية ويمكن التنبؤ به تمامًا. هي امرأة في مهمة، تتمتع في هذا الموسم بالحماسة.
كما تعمل الآنسة هورين أيضًا –كما يعلم الجميع- بصحيفة نيويورك تايمز، حيث قد يبدو تضارب المصالح في غير موضعها وتبدو جزئية أو قد لا تكون الحميمية القوية مع السكان المحليين خيارًا.
في الختام، وبقدر اهتمامي، فلن تحصل على مقعد ب”سان لوران”، ولكنها قد تحصل على مقعدين لفرد واحد في ديور، لذا يجب أن تبتهج لذلك. أنا لا أمانع النقد، ولكن يجب أن يكون نابعًا من نقاد متخصصين في الأزياء وليس من إعلامي متنكر، فأنا مندهش تمامًا لتهربها من العقاب كل هذه السنوات.
وبالمناسبة، قم بزيارة موقعنا الجديد على العنوان التالي: “ysl.com”.
وكان رد هورين أن كل هذه “تفاهات سخيفة”. وغرَّد سليمان قائلاً: بأنها كانت “ماكرة” و”مصدر إحراج”.
وهكذا بدأت الدراما.
وفقًا ل”لورا كريك” Laura Craik –الكاتبة بصحيفة “تايمز أوف لندن” Times of London- فقد كتبت أيضًا رسالة مفتوحة إلى “هيدي سليمان” تلخص فيها هذا الانهيار بدقة إلى حد ما قائلة:
“لا أعلم إذا كان ذلك الأمر متعمدًا، ولكنك لم ترحب بالصحفيين في عرضك بصورة جيدة. فأنت لم تدعُ أحدًا منهم على الإطلاق، واضطر الآخرون إلى الوقوف أو خُصِّصت لهم مقاعد سيئة للغاية بحيث إنهم لم يتمكنوا إلا من رؤية النصف العلوي لعارضات الأزياء مما جعل كتابة التقرير عن الملابس شديد الصعوبة. لا أحد يمانع الجلوس خلف عز الدين عليَّة، ولكن أن يشاهد الأطفال ذوو المظهر المتجهم -الذين يرتدون الملابس السوداء الرثة- للملابس من الصف الأمامي، فإن ذلك يعد مهينًا بعض الشيء. أنا أحترم تقديرك الرائع لأصدقائك، لكنني لا أحترم بعض الأشخاص الذين يعملون بإدارة الرواتب لدى “إيف سان لوران” والذين اتسموا بالوقاحة غير المبررة. لقد وصفك أصدقائي الذين تقابلوا معك من قبل بأنك رجل محبوب وهادئ، لذا يبدو تصرفك غريبًا. وذلك لأنه لا يمكنك التحكم في كل شيء. لا تستطيع ذلك فحسب. يمكنك التحكم في صورة علامتك التجارية إلى أقصى درجة، ويجب عليك ذلك: فقد كان ذلك مفيدًا لبربري، لكن لا يمكنك التحكم في رأي الآخرين، وأنا أتمنى بشدة ألا تحاول القيام بذلك. إذا كنت ثوبًا ما كنت لأنتظر منك أن تفهم ذلك، لكنك لست كذلك، فأنت هيدي سليمان، كل ما تحبه وتهتم به هو الموسيقى والمرح والإثارة، وكل ذلك يتطلب التمتع بالحرية. أنت لديك حريتك وأنا لدي حريتي، وبدونها نحن لا شيء، لذا رجاءً، لا تمنعني من حضور عرضك التالي لأنني أرغب في مشاهدته بشدة، جميعنا نرغب بذلك. نحن معجبون بك، وعلى الرغم من ذلك تعاملنا معاملة سيئة”.
بهذه الملحوظة، تنتهي قصتنا مع الأزياء، أو هكذا نتمنى. سليمان ليس مصمم الأزياء الأول الذي يفشل في التحكم في إعلام الأزياء ولن يكون الأخير. فقد أثبتت “هورين” أنه لا يجب أن تكون في الصف الأمامي لكتابة نقد جيد أو سيئ عن العرض، كما أثبتت أن محاولة إسكات الصحفيين بواسطة الكلمات المكتوبة هو بمثابة إخماد النيران المشتعلة بواسطة مسدس مياه.
لعل النتيجة الأكثر سوءًا لكل هذه الظروف المتشابكة هي ظهور مشاهير الأزياء أمام الجمهور كما لو أنهم متهورون، مغرورون ومشهورون بحبهم لأنفسهم؛ وبغض النظر عن العمر أو المهنة، ما زلنا نستفيد من ثرثرة المدرسة مع الرغبة التي يصعب إشباعها لدى من هم بعمر الاثني عشر عامًا.
صرحت “إينيس دي لا فريسانج” Ines de la Fressange قائلة: “يجب أن تكون الأزياء ممتعة”، لقد استمتعنا بالتأكيد.