غمرت ضحكاتنا غرفة المعيشة بإحدى الڤيلات البسيطة بمنطقة البرشاء بينما نشاهد فيديو لطلاب أثناء حفل تخرُّج يرقصون حول امرأة بضة ممشوقة القوام ترتدي فستاناً كشف عن كتفيها. قالت العارضة أماني اسيبي في جذل وهي تشاهد نفسها تلف وتدور متراقصةً بفستانها الذي أبرز قوامها: “صممته بنفسي”. وتُبرِر ذلك بينما تشير إلى قياسها الذي يبلغ 14 أو 16 وفقاً للمقاييس الأمريكية، قائلةً: “دبي ليست من الأماكن التي يسهل فيها لامرأة في حجمي العثور على فساتين سهرة أنيقة. ستجدينها، عموماً، بلا شكل [مميّز] وكلاسيكية جداً. لذا، صممت فستاناً مثلما أردته تماماً”.
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2019 من ڤوغ العربية.
وتبتسم العارضة المولودة في تونس والتي يُشار إليها كأول عارضة ممتلئة القوام في العالم العربي قائلةً: “لا أحب هذا المُسمى، ولكني سأتقبله الآن. آمل أن يصفوني بلقب ’عارضة‘ وحسب، وأن تُلغى تلك التصنيفات التي نصنف بها حسب المقاس واللون والأصل”. وهذا الأمل بالقضاء على هذه المفاهيم النمطية هو ما دفع العارضة البالغة من العمر 20 عاماً إلى السعي في الطريق الذي رسمته بدأب ومثابرة حتى وإن كانت رحلتها شاقة ومضنية. “دائماً ما يسألني الناس كيف تم اكتشافي، ولكن لم يكن الأمر على هذا النحو”. وتوضح: “قررت أن هذا ما أريده، وما أرغب في حدوثه. فأنا محاطة بفتيات لا يحببن أجسامهن؛ وأريد أن أريهن أنه ليس من المهم أن تبدو الفتاة بمظهر مُعين حتى تحصل على ما تصبو إليه”.
وتروي أماني كيف اتصلت بـ”عديد” من وكالات العارضات لتحاول إقناع مسؤوليها بأن ثمة سوق للعارضات من حجمها. “لم يحدث ذلك من قبل. وكنت أتحدث إليهم عن تحطيم القوالب، وملء فجوة في السوق؛ وواصلت السعي لإقناع الوكالات – لقد كنت عنيدة”. وهذه العارضة، التي تتزايد شهرتها وتتمتع بشخصية تسعى لبلوغ ما تريده، تشاهد حوارات تحفيزية على يوتيوب أثناء الإفطار، وتعتبر “دروس الحياة” من أكثر الموضوعات التي تبحث عنها على محرك البحث غوغل، وتردد باستمرار مقولات إيجابية في غرفتها كل صباح. وقد بدأت مشوارها بالتعاون مع مصورين محليين لعمل ملف يتضمن مؤهلاتها، وفي نهاية المطاف أخذت تجني ثمار هذا الإصرار. وبعد التفكير في بعض العروض المقدمة إليها (ورفض عرض تطلّب زيادة وزنها 20 كيلوغراماً)، نجحت أماني اسيبي في توقيع عقد مع إحدى الوكالات المحلية في سبتمبر من العام الماضي.
هل كانت مُحقة بشأن الفجوة الموجودة في السوق؟ هل كان الشرق الأوسط مستعداً لظهور نموذج خاص به من آشلي غراهام؟ أجل، كانت محقة تماماً. فقد غمرتها الدعوات لحضور المناسبات، والاشتراك في جلسات التصوير، والعروض، حتى إنها قررت أن تتوقف لعام كامل عن دراستها في مجال الاتصالات التسويقية. وبعد مدة وجيزة من توقيعها لهذا العقد، طلبت منها علامة “11 أونوريه” أن تعرض أزياءها في افتتاح موقعها للشرق الأوسط، وهو متجر إلكتروني للأزياء مخصص للنساء ذوات القياسات الكبيرة. “هذه المنطقة تتوق بشدة إلى الأزياء الجميلة للنساء اللواتي تبلغ قياساتهن أكثر من 12 وفقاً للمقاييس الأمريكية. وعندما طُلب مني عرض الأزياء في افتتاح الموقع، شعرت بسعادة غامرة. أحسست بأنه أخيراً أصبح للنساء اللواتي يعشن في الظل صوتٌ مسموع”.
وفيما يتعلق بأسلوبها في التأنق، يتبيّن أن لدى أماني أسلوبين: “المريح والمنعش، أو فستان السهرة”، وتوضح ضاحكةً: “أرتدي إطلالات الشارع وأسير بلا مساحيق، أو، إذا خرجت، أتأنق تماماً وأضع مكياجاً كاملاً. وأحب ارتداء أزياء موسكينو نهاراً، أما في السهرات فيجب أن تكون أزيائي من ديما عياد. وأشتري في الغالب أزياء الشارع الأنيقة لأن قياساتها مناسبة لي أكثر، وأتسوق من موقع نمشي لأنه يحتوي على قسم للنساء الممتلئات حيث يمكنني بسهولة رؤية ما يناسبني”.
وإلى جانب توقيعها لعقد تعمل بموجبه كعارضة، فإنها تستعين بوكالة للدعاية لمساعدتها على بناء علامتها، ولكنها متمسكة بالقيام بجميع أعمالها على النحو الصحيح. وتؤكد: “أرفض شراء متابعين على انستقرام. فقد نشأتُ على العمل بجد ونيل ما أستحق. وأي شخص يمكن أن يشتري متابعين له”. وهي تستخدم حسابها كمنبر لمساعدة النساء الشابات على تعزيز ثقتهن بأنفسهن وحث الأخريات على اتباع خطواتها. تقول مبتسمةً: “منذ أن وقعت هذا العقد، استعانت الوكالات في دبي بأكثر من 20 عارضة ممتلئة. وأعتبر مواقع التواصل وسيلتي لإحداث فارق. فأنا أريد من الجميع أن يكون لديهن مُثل عليا وإيجابية من النساء ليرين أن الجمال موجود في مختلف الأشكال والأحجام، وأنكن في حاجة لتعلّم كيف تحببن أنفسكن”.
تُرى، مَن اللواتي تنظر إليهن أماني كمُثل عليا؟ “لدي نساء مذهلات في حياتي. فمُؤسِسة مجوهرات بلعربي نادين قانصو هي والدة صديقة لي، وكان لها تأثير كبير عليّ منذ أن كنت فتاة صغيرة. وبمعاونة والدتي وجدتي، شكلت نادين هوسي بالموضة، و، إلى جانب والدي، ربوني على أكون قوية بعقلي وواثقة من نفسي”. وهذه القوة هي التي اعتمدت عليها أماني عندما أصيبت والدتها بمرض سرطان الثدي عام 2015، بعد رحيل جدتها الحبيبة بستة أشهر. وتتذكر العارضة: “كان عليّ النضوج سريعاً. فقد انتقلت أمي إلى تونس لتتلقى العلاج الكيميائي وتركتني لأرعى والدي وأخي الصغير. فأصبحتُ ربة المنزل”. ورغم أن والدتها تتعافى من المرض منذ أربع سنوات، إلا أن أماني تعترف بأنها عاشت أياماً حالكة. “أعلم أنني فقدتُ جزءاً كبيراً من طفولتي ولكن تجربتي منحتني العزيمة والإصرار”.
تتحدث أماني عن أهمية العافية، وتُدرك أن الأسماء المسيئة التي يطلقونها عليها على الإنترنت ما هي سوى انعكاس لانعدام ثقة الساخرين منها في أنفسهم. وتتندر على حبها للطعام ولكنها تهتم بالسيطرة على الكميات التي تتناولها، وتسارع في الدفاع عن المرأة العربية. وتقول: “تلهمني حقاً ريم السعيدي بريدي. فقد أرتني أن أي امرأة تونسية يمكن أن تغدو عارضة شهيرة”. وتتحدث كثيراً عن حبها لبلدها وتقول: “أزور تونس في جميع الأوقات. ولديّ عديد من الأصدقاء وأفراد العائلة هناك. إنها مكان جميل ومتعدد الثقافات؛ ويجب على الجميع زيارته”، قالتها بنظرة حالمة، وهي تتأمل ملياً صفاً من الصور المؤطرة للعطلات تتخذ شكل البطاقات البريدية تُزين الجدار خارج غرفتها. وتسألني: “هل ترين مدى روعتها؟” وهي تُحدق بجذل في صور البنايات البيضاء الشاحبة والتلال التي يحفها النخيل والمطلة على ساحل سماوي. “أود أن تفخر بي تونس، ويفخر بي الجميع”.
بعدسة مان بيوت لعدد يناير 2019 من ڤوغ العربية
والآن اقرئي: مصممة المجوهرات المصرية هذه تُبرز جمال البشرة التي تعاني البهاق والبرص والنمش