لا يعلم الكثير منا أنه ربما يكون هذا الانتفاخ غير المبرر، والشعور بعدم الراحة الذي يدفعنا للذهاب إلى المرحاض، وتهيج الجلد أو الشد العضلي الذي يحدث فجأة ودون سابق إنذار، والأعراض الأخرى أياً كانت، قد تكوم نابعة من مكان واحد، ألا وهو أمعاؤكِ.
وقد أصبحت صحة الأمعاء مصطلحاً يتردد كثيراً في الآونة الأخيرة، وتغلغل بعمق في العقل الجمعي للأستراليين حتى بات شراب الكامبوتشا متاحاً في جميع السوبر ماركت – وأصبحت الأطعمة المُخمّرة مثل الكرنب المُخَمّر والكيمتشي (طعام كوري تقليدي يُشبه المخلل) أساسية في الحميات الغذائية للذين يتمتعون بوعي صحي. ولكن ما العلاقة بالضبط بين أمعائنا وصحتنا العامة ولماذا لم نُدرك أهميتها سوى الآن؟
تُوضح بيني تايلور، أخصائية التغذية وكبيرة الباحثين بقسم الصحة والأمن الحيوي بهيئة البحوث الأسترالية والتي شاركت في تأليف كتاب حمية هيئة البحوث الأسترالية لصحة الأمعاء لـ ڤوغ: “تحتوي أمعاؤنا على مجموعة كبيرة من البكتيريا والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، والتي تشكل الجراثيم المعوية. وتتواصل هذه الجراثيم مع جهاز المناعة وتشارك في العديد من العمليات الأيضية منها تنظيم هرمونات الشهية، وامتصاص المغذيات، والهضم، والتي تُعد عمليات مهمة للمحافظة على إحساسنا بالصحة والعافية. ويمكن أن يؤدي اعتلال الأمعاء إلى تفاقم العديد من المشاكل الصحية المزمنة والشعور العام بعدم الارتياح والذي يمكن بدوره أن يتسبب في تقليل جودة حياتكِ”.
ويؤدي اعتلال صحة الأمعاء إلى ظهور جميع الأعراض من الشعور بعدم الراحة وصولاً إلى الآلام الأكثر خطورة. إذ أن سوء صحة الأمعاء – أو عدم توازنها يمكن أن يؤثر على جميع مَنْ يَتبعون حميات غذائية سواء النباتيين أم الذين يلتزمون بنظام غذائي خالٍ من الغلوتين. ومع تفاقم آثار اعتلال الأمعاء، منها ما يرتبط بسوء الصحة العقلية وانخفاض المقاومة للمضادات الحيوية (وفقاً لما كشفت عنه هذه الدراسة التي صدرت عام 2018)، قد يكون تعزيز صحة أمعائكِ عاملاً رئيسياً في حمايتكِ من عدد من المشاكل الصحية الأكثر خطورة.
في البداية، تقترح تايلور أن نتعرف أولاً على أنواع الألياف التي كشف البحث أن أمعاءنا في حاجة إليها للمحافظة على سلامتها. وتتحدث أخصائية التغذية عن نوع من الألياف يُسمى ’النشا المُقاوم‘ قائلةً: “تُفضل بكتيريا أمعائنا تخميره ما يصنع منتجاً ثانوياً يسمى البوتيرات. وهضم النشا المُقاوم له آثار متتابعة تؤدي إلى سلامة جدار الأمعاء، والمساعدة في الهضم السليم للغذاء، وتحسين عمل الجهاز المناعي ما يُعزز الصحة العامة”، مشيرةً إلى البحث الذي كشف أن تناول كميات أكبر من النشا المُقاوم يمكن أن يساعد في الحد من جميع الأمراض بدءاً من أمراض القلب والأوعية الدموية إلى سرطان القولون والمستقيم وداء السكري من النوع الثاني.
وهنا يتبادر هذا السؤال، ما الأطعمة التي يتعين علينا تجنبها، وما الأنواع المُتهمة بالإساءة إلى صحة أمعائنا؟ تقول تايلور: “تُؤثر الأطعمة والمشروبات المعالجة عموماً، والتي تحتوي على نسبة عالية من الملح أو السكر أو كليهما وتفتقر إلى الألياف الغذائية، تأثيراً سلبياً على الأمعاء بمرور الوقت، ويشمل هذا الكحول. وثمة دليل قوي، سلطت عليه مجلة جورنال أوف ترانسليشيونال ميديسن الضوء عام 2017، برهن على أن الحمية الغربية التقليدية التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون الحيوانية، والملح، والبروتين الحيواني ونسبة قليلة من الألياف الغذائية يُخفض عدد البكتيريا النافعة في الأمعاء”.
وفيما يتعلق بالتخطيط السليم للوجبات المفيدة للأمعاء، تقترح تايلور الشروع بوضع خطة واقعية. إذ ترى أن محاولة الإصلاح الشامل لنظامكِ الغذائي برمته لن يكون مجدياً، ولكن البدء بإجراء تغييرات بسيطة لإدخال ألياف أكثر ونشا مُقاوم في نظامكِ الغذائي يمكن أن يفعل المعجزات.
وتنصح تايلور: “تناولي في الإفطار وجبتكِ التقليدية من الشوفان المطهو والمُغطى بمزيج من البذور وقدراً من الزبادي البروبيوتيك (يحتوي على متممات غذائية من البكتيريا الحية) بالڤانيلا. وللوجبات الخفيفة اليومية في المنزل أو العمل، فإن تناول قدر من الكاجو، والفواكه الطازجة مع طبقتها الخارجية – مثل العنب والتوت البري – يمكن أن يكون وجبة خفيفة ومفيدة”.
وفي الغداء، تنصح تايلور بتناول الخبز المُعد من دقيق القمح الكامل أو المخبوز من الشعير أو اللفائف المحشوة بالخضراوات الورقية الخضراء، ولب نبات الخرشوف (“في محلول ملحي”) المحشو بمصدر من البروتين مثل التوفو (جبن مصنوع من حليب الصويا)، والعدس، والحمص. وبالنسبة للبروتينات الحيوانية، تُوصي تايلور بتناول اللحوم القليلة الدهون أو الأسماك، أو الدجاج، فهم أفضل خيار لكِ”.
وتواصل حديثها قائلةً: “يمكن أن تضعي مع أطباقكِ الرئيسية في وجبة الغداء قدراً قليلاً من سلطة البطاطس المطهوة الباردة مع إضافة كمية كبيرة من البازلاء الخضراء أو سلطة من الخضراوات الورقية مع قدر من البقوليات المطهوة أو إضافة الخرشوف لتعزيز هضم النشا المُقاوم”.
ومن ناحية حمية خارطة الغذاء أو الفودماب الشهيرة (تركز على التقليل من مجموعة الكربوهيدرات والسكريات قصيرة السلسلة والتي تعد قابلة لأن يتم تخميرها في الأمعاء عبر البكتيريا)، تنصح تايلور بأن تتجنبها النساء اللواتي لم يُصرح لهن طبيب ممارس عام أو أخصائي تغذية باتباعها. ويعتمد هذا النظام الغذائي، الذي تحول إلى صيحة انتشرت في الدوائر الصحية عام 2018، على استبعاد بعض المجموعات الغذائية الرئيسية – ولكن يجب أن لا تلتزم به سوى اللواتي يعانين مرض القولون العصبي، لأن هذه الحمية مفيدة فقط للمصابات بأعراض حادة، ولا يجب أن تُشكل بديلاً لحمية الأمعاء الصحية.
وتوضح تايلور: “عادةً ما نجد الفودماب يحدث طبيعياً في بعض الفواكه، والخضراوات، والحبوب، ومنتجات الألبان، والأغذية المصنوعة من القمح – وتمتلك هذه الأغذية بطبيعتها نسبة عالية من الألياف القابلة للتخمر، والألياف القابلة للذوبان المعروفة باسم ’البريبيوتيكس‘ والعديد من العناصر الغذائية النافعة الأخرى. واستبعاد هذه الألياف والعناصر الغذائية من نظامكِ الغذائي دون استشارة أخصائي التغذية المُدرب يمكن أن يؤدي إلى تدهور صحتكِ على المدى الطويل ويظهر آثاره على الأمعاء والصحة العامة”.
وفي النهاية، عليكم جميعاً تجنب حمية الفودماب، وتناول الكثير سلطة البطاطس.
يتوافر الآن كتاب حمية هيئة البحوث الأسترالية لصحة الأمعاء في منافذ البيع.
الآن اقرئي: أستاذ بجامعة هارڤارد ينصح بتناول ستة أصابع فقط من البطاطس المقلية في الوجبة الواحدة للحفاظ على صحتنا
نُشر للمرة الأولى على موقع Vogue.com.au