تُرى، هل يعالج سمُّ النحل حقاً مرضَ لايم؟ وهل ينطوي عصيرُ الكرفس على قوى علاجية تشفي مرض الإكزيما الناتج عن التهاب الجلد كما تعالج كسلَ الغدة الدرقية؟ لنترك جانباً هذه المعركةَ الدائرة بين عقلٍ يعارض وقلبٍ يؤكد، ونستكشف مواقع الإنترنت التي يلجأ إليها المرضى بحثاً عن أي وسيلة للشفاء
لو كنَّا نعيش في عالم مثالي، كانت العافية ستمثل بذاتها منهجاً متكاملاً ومتوازناً. ولكن في عالم اليوم، حيث يُصاب الناس بالأمراض وتفشل العلاجات المعتادة مراراً وتكراراً في تحقيق الشفاء، قد تبدو المدارات البعيدة خارج الفضاء الصحي المكانَ الوحيد الذي يمكن للناس من خلاله التعبير عن آرائهم والشعور بالتحسُّن.
وبالطبع، لا يزال البشر يلجؤون إلى الدجالين وأهل البدع ومروِّجي العلاج بزيوت الأفاعي منذ زمن انتشار وباء الطاعون وحتى عصرنا الذي تُخفي فيه السياسةُ الحقائق، وتنجح العلاجات التي تتصدّر عناوين الأنباء أكثر من تلك التي تعتمد على أبحاث المتخصصين، ما أسفر عن نمو شركة مثل “غووب” Goop، التي تتبنّى وسائل غير تقليدية للعافية، حتى باتت أنشطتها التجارية تقدر بقيمة 250 مليون دولار أمريكي.
وقد أسفر هذا التحوّل المجتمعي عن ظهور منهج عملي ولكنه أكثر تطرُّفاً للشفاء من العلل – أدّى بالنساء المصابات بأمراض غامضة إلى تربية نحل العسل في منازلهن ليشفي بقَرَصاته أمراضهن، كما دفع رجلاً لتناول 500 ملليلتر من عصير الكرفس على معدة خاوية كل صباح للتخلّص من مشاكل صحية عديدة. وبمَ نُفسّر اندفاعَ الناس نحو استعمال مكونات محددة للغاية كدواء –أو كطوق نجاة لهم حقاً– ورغبتَنا الشديدة في التمتّع بصحة جيدة في 2019؟ إنها أمور تفوق التصوّر.
كانت إيلي لوبيل ذات صباح تتنزّه سيراً على الأقدام في كاليفورنيا حين هاجمها سرب من النحل. لم تتمكن من النجاة من قَرَصاته، ولكنها أحسّت بعدها بحيوية وتجدد في نشاط جسمها. كانت لوبيل مصابة بنوع خبيث من داء لايم، وهو مرض ينتقل عبر القُرَادَة [حشرة تمتص الدم] وقد يصعب علاجه إن لم يُكتشَف مبكراً. وبعد هذا الهجوم، أدّى دمُها وظائفه بالمعدلات الطبيعية، وعندئذ شرعت في الترويج للعلاج بسمّ النحل عبر نشر مقاطع فيديو تعليمية على موقع يوتيوب للمرضى وخاصة اليائسين الذين غرقوا في الديون بسبب تكلفة العلاجات ورغم ذلك لم يعد لديهم بارقة أمل. وفي تلك المقاطع، توضح لوبيل للجمهور كيف تتحكم في قَرَصات النحل بوضع الإبرة اللاسعة لنحلة العسل أولاً على بُعد بوصة تقريباً من العمود الفقري للمريض.
يُستخدَم العلاج بسمّ النحل منذ حين كوسيلة لتخفيف آلام المصابين بداء لايم، والتصلّب المتعدد، والتهاب المفاصل الروماتويدي، رغم أنه لم يخضع لدراسات مستفيضة وينظر إليه المجتمعُ الطبي عامةً بعين الشك والريبة. ولكن، في عام 2017، قارنت دراسة أجرتها جامعة نيوهيفن بالولايات المتحدة الأمريكية ونشرتها دورية Antibiotics بين استخدام سمّ النحل المجفف (لا يُوضَع عبر الإبرة اللاسعة ولكن يستخرج من النحل ويجفف لشحنه ثم يعاد تسييله) والمضادات الحيوية التي ثبتت فعاليتها في علاج مرض لايم، وتوصلت الدراسة إلى أن سمّ النحل يحتوي على نوع من البروتين، يسمى ميليتين، يتسم بفاعلية أكبر في علاج الأعراض الشائعة لهذا المرض. ولكن الباحثة الرائدة كايلا سوكاراس، مؤلفة هذه الدراسة، تؤكد: “إنها لا تزال تمهيدية. ولم نقترب بعد من التوصية بها خارج المعمل”. بيد أن هذا لم يمنع متابعي مجموعة لوبيل المغلقة على فيسبوك، التي يزيد عدد أعضائها عن 7900 متابع ويعاني كثيرٌ منهم أعراضاً مشابهة للوبيل، من تبادل نصائح بعضها يتعلّق بطرق ممارسة العلاج بالنحل رغم غياب أي توصية علمية بشأنه.
“سمّ النحل يحتوي على نوع من البروتين، يسمى ميليتين، يتسم بفاعلية أكبر في علاج الأعراض الشائعة لمرض لايم”
وتملك بروك جيهان، المقيمة في نيويورك، مجموعةً أخرى لا تقل قوةً عن مجموعة لوبيل. وتتفاعل مُؤَسِّسةُ مجتمع Heal Hive البحثي والتعليمي، الذي يركز على علاج الأمراض المزمنة بالنحل، مع متابعيها البالغ عددهم 10 آلاف و300 متابع على انستقرام، بنشر صور زاخرة بـ”إيموجي” النحل والقلوب لطمأنتهم. تقول: “في السنة الأولى من إصابتي بمرض لايم المزمن، سعيتُ للتعرّض لقرصات النحل. وكان الأمرُ برّمته أشبه بالصراخ في مدينة مجنونة ما أخافني بشدة، لذا تخليتُ عن تلك الفكرة”. ولكنها تراجعت بعد عامين بعد أن أنفقت 160 ألف دولار أمريكي على علاجات الطب الغربي. وفي غضون شهر من تلقيها عدة قَرَصات على ظهرها (بعض الناس يتلقون عشر قَرَصات بمعدل ثلاث مرات أسبوعياً)، تقول: “لم أعد بحاجة إلى عصا للمشي أو كرسي متحرك”. ومثل هذه القصص تمنح بصيصاً من الأمل قد يساهم في قطع الشك باليقين.
ومن ناحية أخرى، يدّعي متابعو أنتوني ويليام، عبر قليل من وسوم الهاشتاغ، أنه يمكن العلاج من الصدفية والإكزيما وتنشيط الغدة الدرقية باستخدام نبات واحد فقط لا غير، ألا وهو الكرفس. ويقف ويليام، الذي أطلق على نفسه لقب “الوسيط الطبي”، وراء انتشار صور هذا العصير الرغوي ذي اللون الأخضر الزاهي في تحديثات صفحاتكم على انستقرام.
انضم ويليام إلى لجنة خبراء شركة “غووب”، ويظهر كثيراً في البرامج التلفزيونية الصباحية، ويملك قناة على يوتيوب يتابعها أكثر من 92 ألف مشترك، وألّف خمسة كتب عن التغذية تناول فيها علاج اضطرابات المناعة الذاتية، رغم أنه ليس طبيباً ولا خبير تغذية ولم يحصل على رخصة طبيّة. وليس هذا فحسب، بل وزعم لجمهوره أن الأبحاث الطبيّة لم تتمكّن من التوصل إلى أفكاره، وأن إحدى الأرواح التي يتواصل معها طلبت منه نشر العلاج بالكرفس.
بالطبع، أثارت هذه الادعاءات ضحك المتخصصين في مجال الطب. وتعقب ليزا ساسون، أخصائية التغذية المعتمدة والأستاذة الإكلينيكية المساعدة بقسم التغذية في كلية ستاينهاردت للثقافة والتعليم والتنمية البشرية بجامعة نيويورك قائلةً: “الكرفس وجبةٌ خفيفة وجيّدة لغناه بفيتامين “أ” والألياف، ولكن لا يمكن لنوع واحد من الطعام علاج أمراضكِ”. وهذا ما يجب أن يعلمه المتابعون الأوفياء لهذا “الوسيط الطبي” على موقع التواصل الاجتماعي والبالغ عددهم مليونيّ شخص. وفي تحديثاته، ينشر صوراً لأشخاص تملؤهم البهجة مقسّمة عند منتصفها إلى “ما قبل وما بعد” – حين كانت القروح تغطي بشرتهم، ووجوههم منتفخة، وكانوا عاجزين عن الشفاء – ثم انتصارهم بعد تناول عصير الكرفس، وكيف أصبحوا يتمتعون بالحيوية والبشرة الناعمة. ولم يكتفِ المؤمنون بآراء ويليام بالاحتفاء بنجاح الكرفس في علاج مشكلاتهم البدنية فحسب، بل أشادت به أيضاً صاحبة حساب باسم @foodsinmykitchen على انستقرام لأنه خفف من توترها. وكتبت تعليقاً جاء فيه: “عالج عصيرُ الكرفس ضيق صدري، وخوفي، وتوتري خلال دقائق، بالمعنى الحرفي للكلمة، وجعلني أشعر بإحساس رائع وبحيوية! ولم يترك شيءٌ مثل هذا الأثر الكبير في نفسي ويجعلني أكثر إيماناً به”.
ولا عجب في ذلك، ففي هذه العوالم الرقمية تنتشر الكلمات الملتوية والأفكار الخادعة. وحين يخذل النظامُ الطبي الإنسانَ ويتحدث معه الأطباء بلغة مبهمة، من المنطقي أن تحمل كلماتٌ مثل “السموم” و”التطهير” دلالات مختلفة، وأن يكون الكبد من الأعضاء التي نحتاج إلى تحييد عملها، وأن أي مرض غامض كامن في عظامكِ يمكن علاجه باستخدام الحجامة؛ فالإيمان بذلك أقوى دواء.