في السطور التالية، تتحدث من القلب رائدة مستحضرات التجميل وإحدى ألمع مشاهير الإنترنت، الملهمة منى قطان، بكل صراحة عن نشأتها في كنف والدين مهاجرين بولاية تينيسي الأمريكية، وتكشف عن أسباب رفضها لمشاركة الفتيات الصغيرات في مسابقات ملكات الجمال
“نشأتُ في ولاية تينيسي الأمريكية منذ أن كان عمري لا يتجاوز بضعة أشهر، ومكثت فيها إلى أن بلغت 13 عاماً. وأحمل ذكريات سعيدة من حياتي هناك أذكر منها البساطة والمعاملة اللطيفة التي كنا نلقاها من الجميع، وهو على ما أعتقد ما رسّخ فينا قيم التعامل بلطف مع الناس. وبالطبع، كانت الأمور صعبة لكون والداي مهاجرين عراقيين. فلا يستطيع والداي حتى يومنا هذا أن يتحدثا الإنجليزية بطلاقة وبالأخص أمي، لذلك كنا نشعر بأننا منبوذون.
لقد جعلنا هذا الاختلاف نعيش حياة قاسية، إلا أنه قدم لنا بعض المزايا التي أدركناها فيما بعد. بدايةً، كان لهذا الاختلاف الفضل في قربي من أفراد أسرتي، حيث لم نكن نشعر بانسجام مع الآخرين، ما أدى إلى توطيد الروابط الأسرية بيننا إلى حد بعيد. فقد كنا نمضي كل أوقاتنا معاً. وبفضل هذا الاختلاف، أصبحنا أكثر قوة. وكونكِ طفلة لوالدين مهاجرين يستلزم منكِ أن تتحلي بشخصية مرحة وأكثر جاذبية لأنكِ في النهاية عليكِ أن تبذلي مجهوداً أكبر من أجل تكوين صداقات. وكانت هذه ميزة أدركتها على المدى الطويل، ولكن عندما كنت طفلة، لم يكن ذلك بالأمر الهيّن عليّ؛ حيث لم أكن أستوعب الصورة كاملة.
وعندما انتقلنا للعيش في دبي، بسبب أن أيّاً منا لم يكن ينسجم مع الأمور [في أمريكا]، جربت أخيراً كيف يكون هذا الشعور [بالعثور على مكان أنسجم معه]. وبعد انتقالنا إلى هذه الإمارة، أدركت أن أيّاً منا لا ينسجم مع الأمور هنا أيضاً. وبات الشعور بأنكِ تنتمين إلى مكان ما أمراً غريباً. وقد أشركتني والدتي أنا وأختي هدى في مسابقات ملكات الجمال وأنا في الرابعة من عمري. لقد كان هذا أسلوبها في الشعور بالانتماء، ومن ثم، لاقت قبولاً في المجتمع لأن ذلك نقلها إلى فئة “الأمهات الرائعات”. كان هذا هو أسلوبها المتواضع في البحث عن السعادة، على الرغم من أني لا أستوعب سبب قيامها بذلك الآن.
هل تريدين أن أطلعكِ على وجهة نظري في مسابقات ملكات الجمال؟… أنا لست من هواتها. فهي في رأيي تغذي الشعور بعدم الثقة في النفس إلى حد كبير. أعرف أن هذا المجال قد تغيّر مع مرور الزمن، ولكن لا زلت عند رأيي أنها تعلمنا أموراً خاطئة. فأرى أنه ينبغي ألّا يتم الحكم عليكِ كطفلة من خلال مظهركِ. فقد فقدت هدى [شقيقة منى] ثقتها في نفسها لأنها لم تستطع الفوز في المسابقة. أما أنا، فلم أفقد ثقتي بنفسي لأني فزت فيها، ولكن دفعتني هذه المسابقة للشعور بأنه عليّ أن أكون مثالية طوال الوقت. لقد كنت أشارك في مسابقات ملكات الجمال منذ أواخر الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، وكان القائمون عليها ينتظرون منكِ أن تبدين مثل دمية باربي. وإذا انصعتِ لرغبتهم، ضمنتِ الفوز بالمسابقة. إنه لشيء مريع أن تعلّمي الناس شيئاً كهذا. فعلى الرغم من امتلاكي أنا وأختي هدى اليوم علامة لمستحضرات التجميل، فنحن نُعنىَ في المقام الأول ببيع منتجات تشعركِ بالثقة في النفس، وليست منتجات تجعلكِ تبدين مبتذلة أو متصنعة. نريد أن تتعلم عميلاتنا أن يتقبلن أنفسهن، وألّا يحاولن أن يبدين على غير حقيقتهن، لما في ذلك من خطورة عليهن، وهذا بالطبع ليس ما نحاول أن نقدمه من خلال علامتنا “هدى بيوتي”.
منى قطان خلال مشاركتها في مسابقة ملكة جمال ولاية تينيسي عام 1991. الصورة كما وردتنا
منى قطان ترتدي إطلالة تحاكي المشاركات في مسابقات الجمال بالفستان والتاج. الصورة كما وردتنا
منى قطان حينما كانت تبلغ 4 أعوام خلال مشاركتها في معرض بولاية تينيسي عام 1989. الصورة كما وردتنا
إذا كان ثمة نصيحة أودّ إسداءها لكل مَن تريد إشراك طفلتها في مسابقات ملكات الجمال، فهي ألّا تقبل على هذا الفعل من الأساس، ما لم تعتمد المسابقة معايير مختلفة وتنأى بنفسها عن الاعتماد على المظهر في الحكم على الأطفال. ولأني كنت تحت الأضواء في مرحلة مبكرة جداً من حياتي، لم أرد أن أكون تحت الأضواء ثانيةً عندما كبرت، حتى عندما بدأنا تأسيس علامتنا “هدى بيوتي”، آثرت ألا أكون متصدرة للمشهد. وابتكرت أختي هدى مصطلحاً يصف حالتي تلك، فقد كانت تدعوها “متلازمة أميرة مسابقات الجمال”، فكلما اقتربت عدسات الكاميرات مني أتوتر بشدة، وألوح بيدي تلويحة الجمال، كيف لا، وأنا مبرمجة على لبس تلك الإطلالة التي تفيض بالمثالية المتكلفة؟ وكان عليّ أن أخرج من هذه الدائرة المفرغة، وخصوصاً مع برنامجنا للواقع، لأنكِ ببساطة لن تستطيعي مواصلة هذا الزيف.
أعتقد أن المستقبل مفتوح أمام الحقيقة والواقع – فنحن لا نريد أن نشاهد أناساً جامدين مغالين في التأنّق ويتصرفون بطريقة آلية. إنكِ تريدين أن يبدو الناس على حقيقتهم، ومن ثم تتعاملين معهم بالطريقة نفسها. لقد جعلتني أمي أتوقف عن المشاركة في مسابقات ملكات الجمال وأنا في السابعة من عمري، لأنهم طلبوا مني ارتداء مايوه بكيني. وما من أمي، التي تراعي كل التقاليد والأعراف، إلا أن قالت: “لا، لا يمكن أن أسمح لك بالظهور بالبكيني على المسرح”. المضحك في الأمر أني حزنت بشدة بعدما أخرجتني أمي من المسابقة، ولكني أردت فيما بعد المشاركة في مثل هذه المسابقات، ولكن عندما يتعلق الأمر بالبكيني… فهو غير مقبول! ليس لديّ علم إن كانوا لا يزالون ملتزمين بهذا الشرط أم لا، ولكن من الأجدر بهم أن يتخلوا عنه.
لقد أثرت مسابقات ملكات الجمال قطعاً في حياتنا المهنية. فقد كانت هذه المسابقات نقطة انطلاق هوسنا بعالم التجميل والمكياج والجمال بصفة عامة. وقد بدأ الأمر مع هدى على مستوى أعمق بكثير، فقد كانت مهووسة بعالم التجميل. وكانت تحب أن تضع لي المكياج وأن تعبث بشعري حتى أصبحت دميتها الصغيرة المدللة. كما كانت مسابقات ملكات الجمال تبعث في نفسي السعادة. وكنت أجد في الاحتفاء بجمالي متعة كبيرة، ولكن كلما كبرت، أدركت أنه ليس في ذلك شيء من الصحة. فأنا لا أرغب أن نحتفي بجمال البعض على حساب البعض الآخر. فكل أنثى من حقها أن تحتفي بجمالها. الناس بحاجة إلى التركيز على الاحتفاء بالتفرد وبالأشياء المهمة”.
الحوار كما رُوِيَ على مسامع ريتشيل سيلڤستري
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد أبريل 2020 من ڤوغ العربية بقلم منى قطان.
اقرئي أيضاً: هدى ومنى قطان تبعثان برسالة للعالم ملؤها الحب والإيجابية
تصوير: عبد الله الماز
تنسيق الأزياء: محمد حازم رزق
تصفيف الشعر: يزن الدرباني
المكياج: كلوي ويديرا
مساعدتا تنسيق الأزياء: جيها يون، وإيلينا مينيغالدو
إنتاج: أنكيتا تشاندرا
مع خالص الشكر إلى BLOSSOM TREE