هل تعدّ الفلاتر مجرد أدوات لإضفاء نوع من التجديد على مواقع التواصل الاجتماعي أم أنها تشكل أمرًا أكثر تهديدًا؟ يبرهن الواقع على تزايد أهمية تحرير الصور منذ ميلاد هذه الفكرة وخروجها إلى النور، بدايةً من لجوء مصوري السينما في هوليوود إلى وضع طبقة من الڤازلين على عدسات الكاميرات للحصول على تأثير الوهج المتطاير، ووصولاً إلى تلوين الصور الملتقطة بالأبيض والأسود لإضفاء لمسة من الإبداع الفني على اللقطات غير الجذابة. وفي ظل فلاتر اليوم، بدايةً من التصحيح البسيط للألوان باستخدام فلاتر إنستغرام الافتراضية -ويبرز في هذا الخصوص فلتر التنعيم Paris- وصولاً إلى تقنيات الواقع المعزز التي يقدمها مبتكرون آخرون وتنطوي على طمس المسام وتطويع العظام وتقليص الدهون، ثمة نقاش مستمر حول تأثير تحرير الصور بمواقع التواصل الاجتماعي على تشويه شعور المستخدم بالثقة في النفس. ورغم محاولات تقنين استخدام هذه الفلاتر، عبر الإعلان عن أسماء الفلاتر المستخدمة على الصور المنشورة، أصبح استخدام الفلاتر الآن القاعدة وليس الاستثناء، حيث أشار مركز أبحاث الجنس والجنسانية بجامعة لندن إلى أن 90% من النساء اللواتي خضعن للدراسة قمن بتعديل صورهن السيلفي. بينما ذكرت دراسات أخرى، من بينها بحث استقصائي أجرته منظمة ParentsTogether عام 2021 على مراهقين تتراوح أعمارهم بين 13 و21 عامًا، أن الفتيات الشابات هن الأكثر عرضة لخطر التأثر بالفلاتر، علمًا بأن هؤلاء اللواتي يستعملن فلاتر ترتكز إلى الجمال أسبوعيًا يشكلن الفئة المرجح اتجاهها نحو عمليات التجميل. ورغم حظر إنستغرام للفلاتر التي تصنع نسخًا طبق الأصل من عمليات التجميل عام 2019، فإن القائمة السوداء لهذه الفلاتر كانت مؤقتة على أقصى تقدير. وبعد فترة وجيزة، ظهرت فئة التشويه التي تتضمن فلاتر جديدة وجذابة تمنح مستخدماتها شفاهًا أكثر امتلاءً، وعيونًا أكثر اتساعًا، وبشرة مشدودة. وبحسب ما كشفت عنه وثائق شركة “ميتا”، أصدرت مجموعة الآباء الخاصة بإنستغرام تقريرًا في عام 2021 انتهى إلى نتائج مذهلة مفادها أن “32% من الفتيات المراهقات ذكرن أنهن إذا كن يشعرن بالاستياء حيال أجسامهن، فإن إنستغرام يفاقم هذا الشعور لديهن”. وعلى الجانب الآخر، تساءل هؤلاء ممن يرون الجانب الإيجابي للفلاتر: هل هناك إنصاف في النقد الموجه لتقنيات الواقع المعزز، ولا سيما عند مقارنتها بمنتجات تغيير المظهر المتاحة بكل سهولة للجميع، بداية من المكياج وصولاً إلى عمليات التجميل؟
تقول آسيا نسيب، المدربة الإماراتية الأمريكية في مجال التمكين والمدافعة عن الصحة العقلية والمتخصصة في تقبل شكل الجسم وتقدير الذات، إنه في حين أن استخدام الفلاتر قد يكون أمرًا ممتعًا، فإنه يكون مصحوبًا بحدوث تحول سلبي عندما تُطمَس الخطوط الفاصلة بين الحقيقة والواقع المعزز، ولا سيما في فئة التشويه التي تغير شكل ملامح الوجه. وتوضح: “في ظل الوقت الكبير الذي نقضيه على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب التمييز بين ما هو حقيقي وما ليس بحقيقي. وأحيانًا، أحتاج لتذكير نفسي أن ذلك لا يعبّر عن الواقع الفعلي، وحتى إن كان كذلك، فليس له أثر يذكر على ثقتي بنفسي”، مضيفة: “عندما نبدأ جميعًا باستخدام الفلاتر التي تغيّر أشكال وجوهنا، فهذا يخلق نوعًا من الانفصال بين الشكل الذي نبدو عليه مع استخدام الفلاتر وبدونها، كما يجعلنا أكثر خجلاً. كما أنه يرسخ فينا فكرة أننا لسنا على القدر الكافي من الجمال، على النحو الذي نبدو عليه. وفي اعتقادي، هنا يكمن الضرر الحقيقي”. وتوافقها هذا الرأي مؤسسات الصحة العقلية العالمية التي تشير إلى أن الفلاتر وتحرير الصور يعدان من أسباب النظرة السيئة لشكل الجسم، حيث ذكر 37% من المشاركين بإحدى الدراسات التي أجرتها شركة Uvence أنهم يفضلون أشكال وجوههم المطبّق عليها الفلاتر أكثر من أشكالهم الحقيقية. وتقول آسيا إن النساء على الأخص يتعرضن بشكل مفرط للصورة المعدّلة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتوضح: “نحن النساء نضطر لمقارنة أنفسنا بالأخريات اجتماعيًا. ومواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص إنستغرام، تسلط الضوء على أجمل اللقطات، وعندما تضيفين فلاتر الواقع المعزز إليها، تعتقد المشاهدات أنه ينبغي عليهن الظهور بمظهر بعينه حتى يكن ناجحات أو حتى سعيدات”، مضيفة: “الفلاتر نسخة مطورة من برنامج فوتوشوب، وتباع لنا على أنها الحل السهل. وفي عالمي المثالي، ندرك جميعنا قيمة ذاتنا وجمالنا قبل استخدام الفلاتر. وبهذه الطريقة، لن تكون أكثر من مجرد إضافة ممتعة ومبتكرة لمواقع التواصل الاجتماعي دون أن تقودنا إلى الإحساس بشعور سلبي تجاه أنفسنا”.
وفيما أخذت الصحافة في عدد لا يحصى من الأعمدة التأسّف على التوقعات غير الواقعية ومشكلات الصحة العقلية التي تفاقمت على إثر سهولة استخدام تقنية الواقع المعزز، يقر آخرون بوجود إيجابيات لهذه التقنية. ومن جانبها، ترى آسيا أن الفلاتر ربما تعطي صورة غير صادقة وربما مؤذية، بيد أنها تعتقد أن لها جانبًا مشجعًا أيضًا. تقول: “تحظى الفلاتر بسمعة سيئة، ولكني أؤمن بأنها قد تكون أداة للتمكين إذا ما استخدمت بالشكل الصحيح”، وتضيف: “إذا كان أحدهم يعاني من الخجل فعلاً ولكنه يرغب في الظهور على الإنترنت، فهناك فلاتر معينة أكثر واقعية ودقة تعزز الشعور بالثقة في النفس”. وتقول مدربة الحياة إن المنصة تبذل جهودًا رائعة، وإن كانت غير كافية، حتى يمكن التعرف على الفلاتر والإعجاب بها بسهولة، بسبب طبيعة التصفح بلا مبرر، وكيف تتعمد بعض الشخصيات المؤثرة إلى إخفاء استخدامها لتطبيقات تعديل الصور. تقول: “أقدر تلك المنشورات التي تضع عادة اسم الفلتر في الأسفل”، وتردف: “لا أظن أن الجميع يبحث عن هذا، فبعد بضع دقائق من التصفح، تتلاشى أسماء الفلاتر في الخلفية”.
تعدّ صوفي كاتيراي، المقيمة بالإمارات، من النساء اللواتي أدركن مزايا فلاتر الواقع المعزز بشكل مباشر، حيث بنت مسيرتها المهنية من شعبيتها المتزايدة. وقد عززت صوفي، الكندية الجنسية، شهادتها في التصميم الغرافيكي بفهم فطري لمتطلبات هذه التقنية الجديدة، وأخذت ترتقي في هذا المجال حتى أصبحت من أبرز فناني الواقع المعزز في العالم، ليتحول ذلك من مجرد هواية إلى مهنة بدوام كامل. وتطلق صوفي فلاتر جديدة من حسابها @sophie على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدع أعمالاً معدّة حسب الطلب لعلامات مثل “كايلي كوزميتكس” و”نارس”، كما تقوم كل من كيم كارداشيان وبيلا حديد ونيكي ميناج بمشاركة أعمالها. تقول: “اليوم، صرت أقسم وقتي بين إنشاء الفلاتر لتطبيقات إنستغرام وسناب شات وتيك توك لصفحتي الشخصية ولعملائي على حد سواء”. ومنذ أكتوبر 2019، حققت فلاتر صوفي أكثر من 300 مليار مشاهدة، وأثرت بذلك على طريقة استخدام النساء لمواقع التواصل الاجتماعي. وعبر التلاعب بهذه الوسيلة، ابتكرت فلاتر تضيف عناصر لوجه المستخدم، مثل النظارات الشمسية المرصعة بالألماس البراق، بالإضافة إلى الفلاتر التي تعمل على تحسين الملامح وتشكيلها وإعادة هيكلتها، والتي تعرف بفلاتر التجميل. ولأنها مؤقتة، تؤكد صوفي أن تجربة فلتر الواقع المعزز الممتع والجذاب تشبه إلى حد كبير تجربة الإكسسوارات، التي تعد مجرد شيء مؤقت. تقول: “الفلاتر في رأيي مثل المكياج أو الموضة. بوسعنا استخدامها للتعبير عن أنفسنا وللاستمتاع وتغيير مظهرنا. إنها شكل فني يمكن التحلّي به ويتيح لنا التحكم واختيار طريقة تقديم أنفسنا على الإنترنت”. وتضيف أن فلاتر الواقع المعزز، على عكس جراحات التجميل، تحظى بشعبية تحديدًا لأنها خيار مؤقت وليست إجراءً دائمًا. “لا أؤمن بخطورة الفلاتر، ولكن مثل أي شيء آخر حولنا، يمكن أن تسبب مشكلات إذا ما استخدمناها بطريقة سيئة دون تعليمات أو فهم”. وعلى عكس عمليات التجميل، المكلفة والتي لا تضمن رضا العميلة دائمًا، يمكن استخدام الفلاتر للتجربة وتعديل الشكل الذي تود المرأة تقديم نفسها به مثلما يمكن أن تفعل مع المكياج والزوايا الجميلة للكاميرا. تقول صوفي: “نستخدم الفلاتر مثل صور أڤاتار الرمزية لتغيير شكلنا إلى ما نحب أن يرانا الناس عليه”.
وتشير صوفي إلى أن استخدام الكاميرا الأمامية لالتقاط صور السيلفي يمكن أن يفسد نظرة المرأة لنفسها لأن حجم العدسة وزاويتها لا يمكنهما التقاط الشكل بدقة. وعن ذلك تقول: “تشوه كاميرا السيلفي البدائية في الحقيقة نظرتنا لأنفسنا وما نلتقطه بها يختلف تمامًا عن ما نراه عندما ننظر في المرآة. إنها تجعل الأنف أكبر وأعرض والوجه أصغر، وهذا عمومًا ليس جذابًا للغاية”. وتقول فنانة الواقع المعزز إن العديد من فلاترها تحاول علاج المظهر غير المتناسق حتى تستطيع المستخدمة رؤية نفسها أقرب إلى شكلها في الحياة الواقعية. “أحاول تصحيح ذلك وتعديل الملامح حتى تكون أكثر توازنًا وأقرب إلى واقعنا”، مضيفة: “أحب منح المستخدمات حرية التحكم في الفلاتر لذا لدي دائمًا شريط تمرير، على سبيل المثال، لتكبير حجم الشفاه أو إبقائها طبيعية وخيار النقر لإزالة جميع أنواع المكياج والعدسات الملونة”. ويدعم بحث أجرته مجلة “هارڤارد بزنس ريڤيو” نظريتها، حيث خلص إلى أن النساء اللواتي يعانين بالفعل تدني احترام الذات يشعرن بقدر كبير من التقدير لمظهرهن عندما يجربن فلتر التلاعب بالمكياج، ويشير إلى أن رؤية صورتهن المُجملة يقلل من التصور الدائم للعيوب ويتيح لهن تخيل نسخة أكثر مثالية لهن. ولأنها صانعة محتوى، تتلقى دائمًا تعليقات من مستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول: “نحو 90% من الرسائل التي أتلقاها إيجابية، و[النساء] يشكرنني على منحهن الثقة لمشاركة صورهن وقصصهن باستخدام فلاتري. وتختلف الـ10% الأخرى من التعليقات، ولكني أندهش من نوع واحد من الرسائل يبعثها أناس يريدون التحكم في استخدام شخص آخر للفلاتر. على سبيل المثال، ابنة لا تريد أن تستخدم أمها الفلتر أو صديقة سئمت من استخدام صديقتها الدائم للفلاتر”. لعلنا توصلنا إلى إجماع مشترك – أن مقارنة أنفسنا بالآخرين أو مراقبة كيفية استخدامهم لفلاتر الواقع المعزز هو أكبر أضرارها.
اقرئي ايضاً : حديث من القلب مع نادين نسيب نجيم نجمة غلاف ڤوغ العربية لعدد شهر مارس 2022