لطالما بحثنا عن سبل الحصول على الجمال في المسطحات المائية، حيث يُستَمدُّ من ينابيعها المنعشة عديدٌ من العلاجات المفيدة للبشرة، لذا دعونا نغمركم بباقة من الموارد المائية ذات الخصائص العلاجية العجيبة.
فرنسا، مدينة فيشي
مشاكل الهضم، واعتلالات الكبد، وأمراض الشقيقة، والروماتيزم، ومشاكل البشرة.. ثمَّة عددٌ كبيرٌ من المنافع، والأساطير كذلك، التي تحيط بنبع فيشي الفوَّار، عددٌ يكاد يوازي عدد الينابيع الموجودة فعلياً في تلك المنطقة؛ فهناك ما يقارب 200 نبعٍ مائي معدني. وبإمكانكم اختيار المكان الأمثل المناسب لاحتياجاتكم، من منتجعات السبا إلى الغابات، للشرب من المياه القلوية المتلألئة طبيعياً والسباحة فيها – وهو ما يشبه غمر أجسامكم في حوض مياهٍ غازية، وهو ترفيهٌ ضاربٌ في عمق التاريخ: فمنذ نحو 2150 عاماً، غمر الرومان أنفسهم في ينابيع فيشي؛ حتى إن يوليوس قيصر قام بهذه الرحلة (على صهوة الحصان). وقد حذا حذوه الأرستقراطيون من جميع أنحاء أوروبا لقرون طويلة من الزمن. ولاتزال الرحلات إلى فيشي تُجرى على قدمٍ وساق، ولكن مَن يبحثون عن علاجٍ لأمراض خطيرة يرتكزون في ذلك إلى إيمانهم فحسب، لذا ليس هناك من طريقةٍ للتأكد من فاعلية ذلك إلا عبر القيام برحلة إلى هناك بأنفسكم.
نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2019 من ڤوغ العربية.
الأردن، البحر الميت
ثمة رومانسية في اللجوء إلى البحر الميت – فهو في نهاية المطاف المكان الذي قصدته الملكةُ الفرعونية كليوباترا للاستحمام في قواه الخفية (أو هكذا تقول الأسطورة). والبحر الميت هو أخفض نقطة على سطح الكرة الأرضية، وأحد البحار الأكثر ملوحةً، إذ يطفو السباحون فيه كالعوّامات بفعل درجة ملوحة المياه التي تفوق الوصف (تحتوي مياه البحر الميت على نسبة ملوحة تمثِّل عشرة أضعاف الملح الموجود في أي محيط، وجغرافياً هو ليس بحراً، بل بحيرة). وعلى شواطئه يغطي الزوار أنفسهم بالطين الذي يتمتع بخصائص مضادة للبكتيريا، وهذا ما جعل البحر الميت وجهةً يقصدها كلُّ من يعاني من مشاكل في البشرة، مثل داء الصدفية، والأكزيما، وحب الشباب، في حين يقصده آخرون ممن يعانون من الربو والتهاب المفاصل بما أن مياهه تحتوي على بروميد المغنسيوم الذي يُقال إنه يخفِّف من حدة الالتهاب. وليس ثمة حياةٌ بحرية في البحر الميت، لذا لا خوف على حياتكم من الحيوانات المفترسة، إلا أن مياهه المالحة تلسع أية جروح، كما يمكن أن تجرح بشرتَكم كتلُ الملح المسنَّنة المستقرة في قاعه، لذلك لا غنى لكم عن انتعال أحذية السباحة.
تايوان، مقاطعة بيتو
“دموع الأرض الحارة” موجودة في تايوان – وهو وصف شاعري لطبيعة هذه الجزيرة، التي يتناثر على أرضها 130 ينبوعاً حارّاً. وثمة ثقافة ثرية للاغتسال في هذه الينابيع والحمّامات – وهو تقليدٌ نقلته اليابان التي حكمت تايوان في بداية العقد الأول من القرن العشرين (وسنتناول لاحقاً باستفاضة تقديسَ اليابان للاستحمام). ويلجأ سكان البلاد والسيّاح إلى المياه الكبريتية التي يُقال إنها جيدة جداً للبشرة بحيث يمكن أن تعالج حبّ الشباب والصدفية. وتعدُّ مقاطعة بيتو، الواقعة إلى الشمال مباشرةً من مدينة تايبيه، موطناً لبعضٍ من أكثر الينابيع الحارة الرائعة بدرجة مذهلة. ومياهها، التي يكثر فيها البط البري وتحيط بها أشجار خضراء يانعة، تعيد بذاتها تعريف مفهوم اللون الأخضر أمام أنظاركم. وتمنح حرارةُ المياه الدافئة والمُناخُ الاستوائي أيضاً أثراً حالماً مشبعاً بالبخار لهذه الأحواض الطبيعية التي تؤطرها الأحجار. ومتحف الينبوع الحار “هوت سبرينغ ميوزيوم” المجاور، والمكرّس لطقوس الاستحمام التايوانية، مكانٌ رائعٌ يمكنكم الاستمتاع بزيارته.
ألمانيا، بادن-بادن
“بعد عشر دقائق، تنسون الوقت”، هذا ما كتبه مارك توين عن السباحة في بادن-بادن، وهي قرية تاريخية في جنوب ألمانيا تقبع بين الغابة السوداء ووادي الراين. وتشتهر بادن-بادن بكونها بلدة سبا؛ أي أنها بُنيت حول بِرَكٍ دافئة (وكلمة “بادن” تعني “يستحم أو يغتسل” بالألمانية)، مع افتتاح مطاعم ودار أوبرا شهيرة للغاية فيها في مراحل لاحقة. وتنتج ينابيع البلدة الحارة الاثنتا عشرة المياهَ الغنية بالسيليكا والصوديوم، والتي تُضَخُّ إلى الحمّامات المحيطة بها منذ قرابة 2000 عامٍ؛ ولايزال يظهر هناك آثارٌ باقية من تلك الحمّامات الرومانية العتيقة. ويعتبر أقدم حمّام وأكثرها فخامةً اليوم هو حمّام فريدريكسباد، حيث يمكنكم السباحة كما الشخصيات الملكية – قدِمت الملكة ڤيكتوريا إلى هذه المنطقة بفضل وفرة الأحواض المائية فيها، والتي يحيط بها أعمدة رخامية هائلة حقاً وجدران جصية. وقيل إن تلك المياه تساعد في علاج أمراض القلب والمشاكل التنفسية، وقد حمت القرويين من الطاعون الدبلي، واليوم قد تساعد في إزالة البثور من ظهوركم.
اليابان، كينوساكي
تعدُّ اليابان موطن أحد أقدم وأكثر طقوس الاستحمام الباعثة على التأمل والاسترخاء، ألا وهو: تقليد الانتقاع في “أونسن”، وهي كلمة يابانية تعني الينابيع الحارة، لكن “أونسن” يمكن أن تعني أيضاً الحمامات من صنع الإنسان وأحواض الاستحمام في الهواء الطلق. وهناك الآلاف من ينابيع “أونسن” الحارة في بعضٍ من أشدِّ أجزاء اليابان شاعريةً لأن الطبيعة غالباً ما تعتبر جزءاً من هذه الطقوس. وتقع ينابيع “أونسن” على طول الأنهار والمحيطات وتتربع على قمم الجبال الشاهقة مشرفةً على آفاق تخلب الألباب. وقد استحمت أجيالٌ كثيرةٌ في مياهها الكبريتية الثرية بالمعادن حتى وصلوا إلى حالة “يوديداكو”، أو “الأخطبوط المغلي”. وبسبب موقع اليابان على الصفيحة القارية والنشاط البركاني المرتبط بها، فإن معظم ينابيع “أونسن” فيها أكثر سخونةً من الجاكوزي العادي – حيث تبلغ درجة حرارتها بشكلٍ عامٍّ نحو 42 درجة مئوية. وتنصُّ الطقوس على الاغتسال بالصابون قبل الدخول -وهذا الأمر غير قابلٍ للتفاوض- اخلعوا ملابسكم. وهناك ينابيع “أونسن” في طوكيو (تتضاعف قيمة بعض من أحدث الحمّامات لأنها تشبه التركيبات الفنية) وفي المناطق الريفية كذلك. وفي بلدة كينوساكي، بإمكانكم قضاء يومٍ كاملٍ بالتنقل من ينبوع “أوسن” إلى آخر – مثل التنقل بين المقاهي لكنها رحلة أكثر تنويراً بكثير. ويُقال إن زيارة ينبوع “أونسن” كفيلة بعلاج حبّ الشباب والربو، وإراحة العضلات المتشنجة وتهدئة البشرة الملتهبة، وعلاوةً على ذلك، فإن الانغماس في ينبوع “أونسن” يمثّل طريقة مذهلة للاتصال مع الماضي بينما ترسّخون أقدامكم على أرض الحاضر.
والآن اقرؤوا: معرض “طرق التجارة في الجزيرة العربية” يستعرض روائع الآثار السعوديّة في أثينا