تابعوا ڤوغ العربية

ڤوغ العربية تسأل: لماذا قد حان الوقت لإعادة تعريف مفهوم الجمال؟

صورة من تصميم دونا ويليامز لعدد نوفمبر 2019 من ڤوغ العربية

حين صرح الدالاي لاما، البالغ من العمر 84 عاماً، في وقت سابق من هذا العام بأنه إذا ما خَلَفَته امرأةٌ فيجب أن تتمتع “بجمال فائق الجاذبية” وإلا لن تكون “ذات نفع يُذكر”، أصيب الجميع بصدمة بالغة. فإذا كان الزعيم الروحي للديانة البوذية في التبت لديه مثل تلك النظرة للمرأة في المجتمع الحديث، فعلينا أن نتساءل ما إن كانت كفّة ميزان القوى قد رجحت وبقوة لصالح ضرورة الظهور بطريقة معيّنة. وخلال أسابيع الموضة الأخيرة، لم تصطدم النساء بصيحات الأناقة الجديدة فحسب، بل وبالصيحات الجمالية أيضاً. إذ ظهرت العارضات على منصة بالنسياغا بشفاه ضخمة ووجوه زينتها أجزاء اصطناعية بالغت في إبراز عظام وجناتهن المنحوتة، ما عكس هوس المجتمع في العصر الحديث بالملامح المفرطة الجمال.

ورغم أن الحاجة إلى الظهور بمظهر معيّن لتحقيق النجاح تعدّ من الممارسات التي يمتد تاريخها إلى قرون مضت، إلا أن دافعها في الحقيقة يكمن في تصورنا الخاطئ عن شكل أجسامنا – والأهم من ذلك، ماذا يمكننا عمله إن لم نكن راضين عن مظهرنا. تقول كريستين كريتزاس، الاستشارية النفسية بعيادة لايت هاوس أرابيا: “غالباً ما يكون العيب متمثّلاً في أحد الملامح البدنية أو الشخصية، ويشعرنا بالحرج أو الخجل حين يلاحظه الآخرون. فنحن نتلقى باستمرار رسائل عن أهمية أن يكون الإنسان بلا عيب، والقيمة الكبرى في أن نكون أكثر جمالاً، ونحافةً، وثراءً، وذكاءً في حياتنا اليومية”. 

وقد كشفت إحصائيات الجمعية الأمريكية لجراحي التجميل أن نحو 18 مليون عملية تجميل جراحية وغير جراحية أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها خلال عام 2018 – وأن هذه الأرقام قد ارتفعت على مدار السنوات الخمس الماضية. 

وإذا كان من المبالغة أن نلقي بكل اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي، فمن العسير أن ننكر أن الرغبة في ملء تحديثات هذه المواقع بالصور التي لا تشوبها شائبة أضافت مزيداً من الضغوط – ما زاد الإقبال على استخدام فلاتر تعديل الصور. ودفع ذلك الجمعيةَ الملكية للصحة العامة إلى الإشارة بأن “مواقع التواصل الاجتماعي قد تكون السبب في تفاقم أزمة الصحة العقلية”. 

وضعت عارضات الأزياء أجزاءً اصطناعية في وجهوهن بالغت في إبراز ملامحهن خلال عرض بالنسياغا

وقد أدت هذه النتائج إلى حثّ شركات مثل انستقرام على محاولة تعديل سياساتها، وخاصة بعدما أصبحت “العافية الرقمية” قضية الساعة. وفي وقت سابق من هذا العام، جرب هذا التطبيق للتواصل الاجتماعي تصميماً جديداً لا يُظهِر عدد “الإعجابات” على الصور – سوى لصاحب الحساب ليتمكن من معرفة قدر الاهتمام الذي تتلقاه منشوراته. وقد نجحت هذه التجربة نجاحاً كبيراً في كندا حتى إن انستقرام أعلنت مؤخراً أنها ستطبق هذا التصميم في ست دول أخرى. 

ولا شك أن تصفح تحديثات إيمي جان فوكس، خبيرة الصحة واللياقة البدنية المقيمة في دبي، يكشف عن مدى سعادتها بحياتها الهانئة. فهي إما تستلقي على الشاطئ أو تتمرن في “جيم” فاخر – ما جعل هذه الجنوب إفريقية مصدر إلهام للياقة إلى أقصى حد. 

ومع ذلك كانت هي أول من أشار إلى أن “ما ترونه على مواقع التواصل غالباً ما يناقض تماماً ما يجري للناس خلف الكاميرات. فنحن لن نعرف أبداً القصة الكاملة أو ما يدفعهم إلى نشر هذه الصور التي يلتقطونها”. ورغم أن فوكس تشعر بالارتياح الآن نحو الموضوعات التي تنشرها على انستقرام، إلا أن هذا لم يكن شعورها منذ عام مضى. وتوضح: “أحسست بأن الرغبة في الكمال باتت عبئاً. ولكن لم أعد أشعر بذلك. فقد تعلمتُ التغلب على خوفي من آراء الناس، وفي معظم الأيام، أشعر بثقة تامة في صوري والرسائل التي أرسلها للعالم”. 

وتعزو فوكس سبب تغيّر نظرتها إلى ما تعتقد أنه تغيير حدث في اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي. توضح: “أصبحوا أكثر اهتماماً بالنظرة الإيجابية للجسم، وتقدير الذات وتقبلها. وهو ما يَسر لي نشر ما يسعدني بحريّة. ولكن لا زالت المعركة دائرة بين محاولة الظهور بطبيعتي وشخصيتي الحقيقة قدر إمكاني، ومواصلة نشر المحتوى المبتكر. إلا أن الاحتفاء بمختلف الأجسام وتقوية الجسم هما ما أفخر به”. 

ولكن قد يكون من العسير إلى حد ما على بعض النساء تقبل أنفسهن. لذا لجأت رانيا فواز، إحدى الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل، إلى العمليات غير الجراحية لتساير ما تعتقد بأنه معايير اجتماعية. وتعلل ذلك قائلةً: “انخرطتُ أثناء نشأتي في دبي في بيئة شديدة المادية. لذا تولّد لديّ شعور بعدم الثقة جعلني أنغمس في حقن وجهي بالفيلر. وأخذتُ أحاول الحصول على الشكل المثالي في المرآة ولكني لم أشعر أبداً بالرضا، رغم كل ما فعلته”. 

وضعت عارضات الأزياء أجزاءً اصطناعية في وجهوهن بالغت في إبراز ملامحهن خلال عرض بالنسياغا

ولكن سهولة تعديل مظهرنا على الإنترنت باستخدام تطبيقات مثل FaceTune –الذي يزيل التجاعيد، ويُقوِّم الأسنان، ويُحيل البطون المترهلة إلى أخرى مشدودة– تجعل أولئك الذين يفضلون ترك الأمور على طبيعتها عُرضة للانتقادات. وهو ما حدث مؤخراً للمغنية كاميلا كابييو التي تعرضت للسخرية من جسمها على مواقع التواصل لنشرها صورة لجسمها “دون تعديل”. وقد سارعت النجمة بالرد على منتقديها وكتبت على انستقرام: “شعرتُ بأنني لا أثق في نفسي للغاية لمجرد التفكير في ما يجب أن تكون عليه هذه الصور – آه لا! عندي سيلوليت! آه لا! لم أشفط بطني! ولكني فكرت.. بالطبع هناك صور سيئة، بالطبع هناك زوايا تصوير سيئة، فجسمي ليس مصنوعاً من الحجارة، أو كله عضلات، وهذا ما يهم”. وقد واصلتْ إلقاء الضوء على المعايير الخاطئة التي يفرضها الساخرون من أجسام الناس على الشباب وأشارت: “أكتب هذا للفتيات مثل شقيقتي الصغيرة… فالزيف أصبح حقيقة جديدة. لدينا نظرة غير واقعية تماماً عن جسم المرأة”.

أما من ناحية أحجام الجسم، فقد أصبح يُربَط بين التركيز على “الجمال الذي لا تشوبه شائبة” ووسوم مثل “إلهام النحافة” بارتفاع الإقبال على الحِميات الغذائية. ورغم أن منشورات اللياقة والاهتمام بالغذاء الصحي يمكن أن تكون ملهمة لاتباع نمط حياة صحي، إلا أن هدفها يجب أن يتوقف عند هذا الحد. فإذا كنتِ تعانين زيادة الوزن وترغبين في إنقاصه بضع كيلوغرامات، فعليكِ أن تفعلي ذلك بدافع من رغبتكِ وليس بسبب المنتقدين. فالتخلص من عيوبنا المتخيلة ليس وسيلة لبناء الثقة بالنفس أو إعلاء تقدير الذات. وتدعو حركة الوعي المتنامية إلى تقبّل السمات الفردية لكل منا. تقول الدكتورة لانال دان، إخصائية المداواة الطبيعية والطبيبة المتخصصة في علم طبائع البشر بعيادة تشيرون في دبي: “يمكننا تقبل عيوبنا عبر الوعي بها الذي يتيح لنا رؤية الصلة التي تجمعنا بجميع الكائنات الحية حولنا”. وترى لانال أن الناس قد نسوا ما يعنيه أن يكون المرء إنساناً. وتضيف: “أعتقد أن تَقَبّلَ ما أنتِ عليه والسعي لأن تكوني أفضل صورة من نفسك هبةٌ إنسانية. وتقديركِ لذاتكِ وإلهامكِ للآخرين أن يفعلوا المثل يجعلكِ متسقة مع إنسانيتكِ، وروحكِ، وهدفكِ في الحياة”. وتلقي دان باللوم على الإعلانات لأنها “تحاول وضع الجميع في قالب واحد”، مشيرةً إلى أن “تأثيرها النفسي يزيد من فقدان الثقة بالنفس، وعدم الشعور أبداً بالرضا عنها، بدلاً من أن تلهمكِ أن تكوني على طبيعتك. فهم يرفعون مبيعاتهم بإثارة الخوف وعدم الثقة. وإذا ما فقدت أي امرأة ثقتها في نفسها، فستشتري بكل بساطة الكريمات المقاوِمة للتجاعيد والماسكارا التي تطيل الرموش”. 

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد نوفمبر 2019 من ڤوغ العربية.

اقرئي أيضاً: ڤوغ العربية تحتفي بالعارضات العربيات الصاعدات على غلاف عدد ديسمبر 2019

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع