امتدت السماء الزرقاء من أعلى طابق في متحف نيو ميوزيام في شارع بويري إلى مانهاتن مباشرة. كانت الجدران في الداخل مطلية باللون الأبيض الناصع مُشكلةً بذلك إطاراً محيطاً بالمتحدثين الثمانية القادمين من إيطالية وأمريكيا والمملكة المتحدة. حملت الندوة التي أقيمت في نيويورك بدعوة من معهد بوليمودا الدولي لتصميم الأزياء والتسويق في فلورنسا اسم “التغييرات الكبيرة في عالم الأزياء”.
صرح دانيلو فينفوري عميد معهد بوليمودا قائلاً: “نظمنا هذا اللقاء التحاوري لمناقشة مستقبل الموضة وعلم الأزياء واتخاذ موقف حقيقي حول المستقبل الذي نريده لطلابنا”. “لا نهدف هنا إلى البروز واكتساب الشهرة بل إلى إجراء محادثات ذكية هادفة”.
كنت إحدى المتحاورين الثمانية في الندوة التي تديرها المديرة ومستشارة الاستراتيجية والرؤية العامة في معهد بوليمودا ليندا لوبا التي سعت إلى تحليل أسباب التغيرات في صناعة الأزياء وكيف يمكن للتعليم مجاراتها والتكيف معها.
قالت ليندا لوبا موضحة ضمن المناقشات “خبراء في التواصل” من أمثالي أنا ومصممة الديكور الداخلي التي تمتلك 4.1 مليون متابع على حسابها على انستقرام “Song of Style” آيمي سونغ “يهدف هذا اللقاء إلى إعادة هيكلة التعليم في عصر التغييرات هذا. حيث تتمتع الأزياء بقوة للتواصل مع أشخاص يعملون في مجالات إبداعية أخرى”. لقد شاركنا في مناقشاتنا كلاً من مستشارة الأزياء والناشطة البيئية جولي جيلهارت ومؤسس علامة جيبسي سبورت ريو يورايب ومديرة التعليم والتطوير المهني في مجلس مصممي الأزياء في أمريكا (CFDA) سارة كوزلوسكي وعميد كلية الأزياء في جامعة بارسونز سكول أوف ديزاين في نيويورك بوراك كاكماك إضافة إلى رئيس قسم الأزياء في جامعة سنترال سانت مارتن بلندن فابيو بيراس.
قادت المجموعة الأولى من الأسئلة المباشرة القوية الحوار إلى صلب الموضوع: “هل مازالت هذه الصناعة بحاجة إلى مصممي أزياء بارزين؟” كانت هذه النقطة هي بداية نقاش حول التعليم العالمي مع مداخلات من ثلاثي التعليم النخبويين: دانيلو فينتوري وفابيو بيراس وبوراك كاكماك.
اعتُبِر منح علامة لمصمم الأزياء نقطة إضافية عندما جلبت نجومية المصممين اهتمام ومشاركة قائمة واسعة من الزبائن والعملاء. غير أنه ما زال التطور الطبيعي للعلامات الكبيرة مستمراً في إثارة الحماس حول تصاميمهم. وحتى لو كانوا يملكون علامات المصممين الشخصية فمن المستبعد أن يتمكنوا من إنجاحها بشكلٍ كبير.
قال ريو يورايب بأنه قد تجاهل قواعد صناعة الأزياء وأصبح مناصراً للحرية الكاملة فيها. وأضاف مصمم الأزياء هذا: “لكني لا أعتبر نفسي ناشطاً في ذلك على الإطلاق. لقد عملت في بيع التجزئة مع بداية الألفية الجديدة غير أنني لمست ضعفاً كبيراً في التنوع قبل أن أجد مكاني الحقيقي في هذا المجال”.
ناقشت سارة كوزلوسكي “مختبر المواهب الافتراضي” الخاص بها في برنامج مجلس مصممي الأزياء في أمريكا بلس وأهمية كونه شريكاً نموذجياً بين التعليم والصناعة عندما كان هناك خريجين من 30 جامعة مختلفة في هذا البرنامج.
لقد أشرت إلى أن مفهوم التعاقد مع مصمم أزياء ديناميكي كمدير إبداعي لعلامة موجودة قد تطوّر كثيراً على مدى الـ20 سنة الماضية حيث أصبحت دور الأزياء القديمة تواقةً لإيجاد وسيلة تساعدها في تجديد علاماتها وإحياء شبابها. وبالتالي أدى وصول جون غاليانو الإبداعي المتعمد في علامة كريستيان ديور عام 1996 إلى استحداث نموذج يتكرر في كافة علامات هذه الصناعة بدءاً من ألكساندر مكوين في علامة جيـﭭنشي وحتى توم فورد في علامة غوتشي.
غير أن الوضع الاضطراري هذا أصبح حالة مؤقتةً حتماً حيث أدركت دور الأزياء هذه عندما انتعشت بسبب مصممي الأزياء المؤثرين هؤلاء بأنه بإمكانهم القيام بالتصميم بأنفسهم. عبرت عن قلقي حول الطريقة التي فُصِل بها المصممون الذين يُعتبرون من النخبة في مدارس الأزياء من قبل دور الأزياء الكبيرة التي يعملون فيها بخطى دؤوبة حثيثة.
شعرت رئيسة مشتريات الأزياء السابقة في علامة بارنيز جولي جيلهارت بأنه لم تكن شخصية المصممين والزبائن هي التي قد تغيرت فقط بل إن كل شيء كان يتغير أيضاً كأساليب التجارة مثلاً التي تتضمن طرق البيع الإلكترونية بالتأكيد. فقد أصبح لدى الشباب المبدعين الآن إمكانية الوصول إلى كل شيء، لذا بات بإمكان طفل يجلس بمفرده في المنزل تصميم مجموعة وتحقق نجاحٍ وشهرة كبيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهو في عمر الـ12 عام فقط! قالت جولي جيلهارت بأن هؤلاء المصممين الصغار “لا يعرفون الملل إطلاقا” وقد كانت اللحظة المفاجئة لها عندما قال لها ألبير إلباز بأنه عمل كمساعد لمصمم الأزياء جفري بين لمدة ثمان سنوات وأنه لم يشعر بالكثير من المتعة خلال عمله.
لخصت ليندا لوبا الوضع الحالي قائلة: “تغّير كلٌ من شخصية المصمم وسلوك الزبائن وحتى إيقاع التصاميم، لذا كيف يمكننا الآن معالجة القضايا العالمية هذه في برنامج علمي؟”
قال دانيلو فينتوري بأن “التحولات” الحاصلة في المجتمع كانت صلب القضية. “تريد المجلات أن تصبح منصات تعليمية وقد بدأت بإنشاء دورات تعليمية وبدأت المدارس الاحترافية الآن بنشر المجلات. فكلما كان لدينا تحولات عامة سنحصل على بعض التغييرات في المسار. نحن ندعو المصممين “مدراء إبداعيين” مما يعني أنهم لا يقومون بالتصميم أو الرسم. كما أن المصممين منسقي الإطلالات لا يقومون بالرسم او إطلاق المجموعات. لذا فعلى شخصٍ ما القيام بالعمل في القطاع الفاخر على وجه الخصوص. هذا هو رأيي: دعونا نتعلم كيف نقوم بذلك فقط”.
وافقه فابيو بيراس قائلاً: “قد يبدو ذلك استفزازياً لكن أعتقد بأننا بحاجة لدعم استخدام القلم العادي. نعم، أنتم لستم بحاجة للذهاب إلى الجامعة لدراسة الأزياء لكن هناك آلية منطقية للقيام بذلك فأنتم بحاجة إلى مصمم للقيام بشيء ما للحصول على الرؤية والدقة والإبداع. لا يمكنكم قص كمية لا متناهية من الأقمشة ومحاولة تصميم الأزياء دون معرفة آليات التصميم ثم تصويرها واعتبارها كتاب التصاميم الخاص بكم. تعتبر الثقافة أمراً مقلقاً حقاً بالنسبة لي. تكمن المشكلة في حقيقة أنه يمكنكم نشر الصورة على انستقرام حيث يمكن للصورة أن تخدعكم كلياً…”
أشار بوراك كاكماك قائلاً: “يعتمد علم الأزياء في النهاية على اكتشاف نفسك وليس على القلق والاهتمام بكيفية التأقلم مع دورة الأزياء مباشرة. حيث يتمحور هذا العلم حول البحث عن الأفكار الواضحة وتعلم تقنيات جديدة لكنه يركز أكثر على المجتمع الذي نشكل جزءاً منه وجمع أفكار جديدة والتعرف على أشخاص جدد إضافة إلى ابتكار طرق جديدة كل يوم. فهو لا ينطلق من الدوائر الموجودة بل من دوائر جديدة يمكن أن تنشأ من تلك الرحلة التي تمتد لمدة أربع سنوات في حياتك الجامعية”.