تابعوا ڤوغ العربية

حوار بين ليڤيا فيرث وتوم فورد عن أزمة موضة الأزياء السريعة

من المعروف أن كلاً من ليڤيا فيرث، المحررة العامة للاستدامة الجديدة في ڤوغ العربية، وتوم فورد من روّاد الثورة الداعية إلى أزياء أكثر استدامةً ومراعاةً للاعتبارات الأخلاقية، وهنا يجمعهما حوار خاص جداً يناقشان خلاله أزمة موضة الأزياء السريعة، والاحتفال بمرور 10 سنوات على انطلاق ’تحدي السجادة الخضراء‘، والحفلات التي يحضرانها بالبيجاما…

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

“أعرفُ  توم فورد منذ أن كان يعمل مع زوجي كولين في تصوير فيلم A Single Man (رجل وحيد)، ومنذ ذلك الوقت أصبحنا صديقين”، بهذه الكلمات استهلّت حديثَها الناشطةُ البيئية، ليڤيا فيرث، وهي محاوِرة لها باع طويل في تناول التغيير التدريجي، ومؤسِّسَة ’تحدي السجادة الخضراء‘، كما تتولى ظهور العلامات التي تراعي الاستدامة والمبادئ الأخلاقية على السجادة الحمراء، وهي المؤسِّسَة الشريكة في “إيكو إيدج” ومديرتها الإبداعية، وهي شركة استشارات تقدم حلولاً عن الاستدامة حسب الحاجة. انضمت فيرث إلى حملة ’قيم ڤوغ‘ بإجراء هذا الحوار الثاقب مع زميلها الناشط توم فورد. “أستطيعُ القول ودون شك إن ثقافتي في الأزياء بدأت مع توم. فمن دونه، ومن دون فيلم ’رجل وحيد‘ لما بدأتُ  ’تحدي السجادة الخضراء‘ مطلقاً. وباقي القصة معروف”.

ليڤيا فيرث: هل تتخيل يا توم أن حفل غولدن غلوب لهذا العام يصادف الاحتفال بمرور عشر سنوات على إطلاق ’تحدي السجادة الخضراء‘؟

توم فورد: واو! عشر سنوات بالفعل… لقد قمتِ بعمل رائع حقاً. أتذكر كيف بدأتِ على نطاق صغير، أما الآن، فالأمر مختلف تماماً. مبروك.

ليڤيا فيرث: علينا أن نحتفل معاً، فقد بدأ اهتمامي بالأزياء المستدامة برمّته معك. فلولا إخراجك لفيلم ’رجل وحيد‘ وترشيح كولين للجائزة، لما خضتُ تحدي ارتداء أزياء مستدامة خلال موسم توزيع الجوائز، وربما لما بدأت ’تحدي السجادة الخضراء‘ من الأساس. والفضل في بدايتي يعود لك، فبدايتي مرتبطة جداً بك.

توم فورد: لا إطلاقاً، أنا لم أفعل شيئاً، ولكني سعيد بما حققتِه.

ليڤيا فيرث: بات الكل يتحدث اليوم عن الأزياء المستدامة، ولكن علامة أزياء مثل علامتك هي بالنسبة لي خير مثال على الاستدامة. فهي تُعنى بكل التفاصيل الدقيقة. فعندما تشتري فستاناً أو بذلة من توم فورد، فإنك لن تفكر أبداً في الاستغناء عنها، بل ستظل في خزانة أزيائك إلى الأبد. هذا هو جوهر الأزياء المستدامة بالنسبة لي في المقام الأول.

توم فورد: ما الذي بوسعي تحسينه في رأيك؟

ليڤيا فيرث: هناك اهتمام كبير اليوم بالخامات، وقد تحدثنا كثيراً فيما سبق عن الأقمشة…

توم فورد: ماذا عن الحرير الإيطالي، والكشمير الإيطالي، وصوف الميرينو؟ هل يمكن أن يكون أيٌ منها غير مستدام؟

ليڤيا فيرث: لا، فالأقمشة الطبيعية رائعة. هل سبق واستخدمت البوليستر من قبل؟

توم فورد: نعم، أستخدمه بين الحين والآخر، هل هو رديء؟

ليڤيا فيرث: نعم!

توم فورد: في الحقيقة، أنا مشتت تماماً، مشتت بين استخدام الجلد والفراء الطبيعيين واستخدام الأنواع الاصطناعية منهما، فالفراء الاصطناعي يستغرق آلاف السنوات حتى يتحلل حيوياً، في حين يتحلل الفراء الطبيعي في غضون ستة أشهر فقط. فإذا ما استخدمت الفراء الطبيعي، فمعنى ذلك أن هناك قسوة ستمارس ضد الحيوانات، وهو أمر مريع بالطبع. ولكن من ناحية أخرى، من الممكن استخدام الفراء الذي يخرج كناتج ثانوي عن صناعة الغذاء، ولكنك بذلك تلوثين كوكبنا بسبب غاز الميثان الذي تطلقه الماشية. فما أفضل حل في رأيك؟

ليڤيا فيرث: هنا بالضبط يكمن الجدل. في العالم المثالي، لن يدور بيننا مثل هذا الحوار، لأنه لن يتم إنتاج شيء ما بكميات كبيرة لهذه الدرجة واستهلاكه اليوم. الأمر يتعلق بالمواقف المتطرفة. ففي النقاشات البيئية، يرى مناصرو البيئة أن الأمور ستتحسن كثيراً لو تحول العالم إلى النظام الغذائي النباتي. فكيف تغيّر مجال الأزياء خلال الـ20 عاماً الماضية من وجهة نظرك كمصمم أزياء؟

توم فورد: بالنسبة لي، وحسب نوعية عميلاتي، لم يشهد مجال الأزياء أي تغيير. ولازلت أصنع السترات بالطريقة نفسها التي كانت تصنع بها منذ 75 عاماً، وكذلك الأمر بالنسبة لفساتين السهرة. إنني لا أتطرق لعلاج الكثير من المشكلات التي يجب على موضة الأزياء السريعة حلها بالضرورة أو تلك التي تعتبر هي المسؤولة عنها. وبالنسبة لمجال تخصصي، لم يتغير شيء على الإطلاق باستثناء التغليف. فقد استغنينا عن كل الدهانات ونبحث عن طرق أفضل وأقل استهلاكاً للتغليف.

ليڤيا فيرث: ولكن يجب أن تنظر حولك، فمجال الأزياء والموضة يمضي قدماً على نحو سريع – والكثير من المصممين لديهم عبء زائد من العمل، أليس كذلك؟

توم فورد: يمضي مجال الموضة بسرعة شديدة جداً لدرجة أنك لن تتمكني من الإشادة بهذا الجمال، لأنه ببساطة ينتهي قبل أن تعلمي بوجوده حتى. أصبح الأمر يتعلق باقتناء أحدث الصيحات – وبالطبع، زاد الاستهلاك. وحين دخلتُ هذه الصناعة كان لها موسمان فقط، ولم يكن لدينا أربعة مواسم كما هو الحال الآن.

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

ليڤيا فيرث: ألمس تغييراً كبيراً في نظرة الناس. إذ باتوا يستاؤون من موضة الأزياء السريعة، ناهيك عن رغبتهم المتزايدة في معرفة القصة وراء ما نرتديه.

توم فورد: هل هناك تباطؤ في استهلاك الأزياء السريعة؟

ليڤيا فيرث: نعم هناك تباطؤ لا يمكن إنكاره. إذا اطلعت على منحنيات الأرباح لدى كبرى مراكز بيع الأزياء السريعة بالتجزئة، لأدركت أنها في هبوط. المشكلة أنهم يعزون هذا الهبوط إلى أسباب أخرى. على سبيل المثال، تلقي إتش آند إم باللوم على عدم وجودها بقوة في قطاع البيع الإلكتروني. ولكن تكمن الحقيقة في أن الناس قد سئموا، سئموا من الشراء بلا توقف، وأصبح هناك نوع من رفض التخلص من قطع الأزياء. إذ يفخر كثير من الشباب اليوم بارتداء الملابس نفسها مرتين أو صنع أزيائهم الخاصة. الأوضاع تغيّرت. وعليك كمصمم أن تنتبه لهذه الأمور. فهؤلاء الأطفال سوف يصبحون عملاءك القادمين، ولذا عليك الانتباه لسلوكهم.

توم فورد: لأن أزياءنا باهظة الثمن، يضطر الناس إلى الادخار، وبعدها يأتون إلينا ويشتري كل منهم سترتين وزوجاً من الأحذية ليرتدوها خلال الموسم.

ليڤيا فيرث: وهذا ما ينبغي أن تسير عليه الأمور! أذكر أنني حين بدأت العمل في الثامنة عشرة من عمري، كان على الجميع في إيطاليا أن يكون لديهم معاطف باللون الجَمَلي من ماكس مارا. فأخذتُ أدخر لعامين حتى أشتري معطفاً من ماكس مارا كان ثمنه 700 ألف ليرة، ولا يزال عندي. وعندما تحسب عدد مرات ارتدائه مقابل الثمن الذي دفعته، تكتشف أن شراء فستان من توم فورد قد يكون أرخص من شراء فستان من “إتش آند إم” على مدار 10 سنوات. وإذا اشتريت فستاناً من توم فورد، لن أتخلى عنه أبداً. إنه أمر يتعلق بالأناقة التي لا يخبو بريقها واقتناء قطع خالدة في خزانتك. لم يعد الجيل الجديد اليوم يتمتع بحس الموضة، ولكنك عندما تنظر إلى هذه الأيقونات، مثل جدتك ووالدتي، تشاهد صورة مختلفة تماماً.

توم فورد: حسناً، أجل، أنا في حياتي لم أرَ جدتي دون مكياج قط. حتى حين كنت أقيم في بيتها. إنه عصر آخر ولا أعلم ما إن كان ذلك لا يزال يُعتبر عصرياً بمقاييس اليوم. كانت والدتي تصفف شعرها دائماً في صالون التجميل وأنا على يقين من أن والدتك كانت تفعل المثل. كان هذا بالتأكيد يبدو لي ساحراً في طفولتي، لأن الأمهات كنّ يبدين مميّزات حقاً. كانت رائحتهن دائماً جميلة ومظهرهن رائعاً على الدوام. في رأيي، الجمال يعد وسيلة للإحساس بأن كل شيء على ما يرام. إنه مثل الدرع. عندما تشعرين بالاكتئاب، ترتدين أزياء راقية فتجعلك تشعرين بتحسن. لقد تطرقت إلى هذا الموضوع في “رجل واحد”؛ ويجب علينا أن نتمسك بتلك اللحظات الخاطفة من الجمال في الحياة. وأرى أن هذه الأشياء الجميلة وسيلة تدفعك إلى الحلم مثلما تفعل الأفلام. إنها تنقلك.

ليڤيا فيرث: أعتقد أن هذا السلوك وحس الأناقة والجمال يسيران جنباً إلى جنب الأساليب المختلفة للموضة، وهو ما نفتقده اليوم.

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

ليڤيا فيرث وتوم فورد. الصورة: Getty

توم فورد: حين تعاودني ذكريات الطفولة، أجد أن جدتي جعلت طفولتي أجمل كثيراً. حتى حين أبدأ في التفكير بها، في رائحتها، ومظهرها، وصوتها… أشعر بالسعادة. أتعلمين أنها لم تكن تلقي أي شيء، لم تكن تملك نفس ثقافة التخلص من الأشياء التي يتبعها الناس حالياً.

ليڤيا فيرث: وهذه هي المشكلة. ربما فقدنا هذا النوع من الأناقة مع موضة الأزياء السريعة. عندما بدأت موضة الأزياء السريعة، باعوا لنا خرافة أنها من قبيل الديمقراطية، وأنها ستجعلنا جميعاً سواسية. وما حدث أننا غرقنا في هذا الحلم دون أن نفكر في العواقب. لقد عدت تواً من رحلة لتصوير فيلم في بتسوانا، وحين كنت هناك لاحظت أن بتسوانا، في رأيي، تعد النقيض تماماً لبنغلاديش. فحين سافرت إلى بنغلاديش، صدمني الفقر المدقع الذي تعيش فيه النساء اللواتي يصنعن منتجات هذه العلامات وطريقة استعبادهن. ولكن في بتسوانا ترى شركات الألماس تعمل بالشراكة مع الحكومة المحلية، وتستثمر في البلاد وفي بنيتها التحتية، وتسدد تكاليف المعيشة. ويشعر الجميع بالفخر بأداء هذا العمل، وليس هناك فقر. وهذا ما يجب أن تسير عليه الأمور. لذا، كمُنتِج، بغض النظر عن ما تصنعه، سواء أكان الأزياء أم الألماس، يجب أن تعمل بالشراكة مع مصانعك. ما العلاقة التي تجمعك بمصانعك؟

توم فورد: نعمل دائماً مع نفس المصانع. ويعد المصنع الذي ينتج جمع ستراتنا الرجالية في مدينة بادوڤا الإيطالية من آخر المصانع التي تصنع الكثير من التفاصيل يدوياً للسترات الرجالية. وأعمل معهم منذ أن بدأت تصميم أولى ستراتي الرجالية. لذا فهي تعتبر شراكة. ونحن لا نغير المصانع. ونعمل بالشراكة معها، ولكني أعتقد أن معظم شركات المنتجات الفاخرة تفعل المثل.

ليڤيا فيرث: أخيراً، ما خططك المستقبلية في مجلس مصممي الأزياء في أمريكا؟

توم فورد: في رأيي، يجب أن ينصب الاهتمام أولاً على دعم الطلاب والمصممين الشباب الناشئين على نطاق عالمي. لدينا بالفعل برامج لذلك. ونعمل على إضافة جائزة للاستدامة أيضاً. من الواضح أن الاستدامة مهمة، وأرى أن مجلس مصممي الأزياء في أمريكا يجب أن يقدم توجيهاته في هذا الصدد. يجب أن نتشاور مع كل مصمم يأتي إلينا ويرغب في معرفة كيف يصنع منتجاته بأكثر الطرق استدامةً. من الرائع أن يكون لدينا خبير في المجلس يعمل على توجيهك نحو الموارد المناسبة للتصنيع بأكثر الطرق مراعاةً للأخلاق.

ليڤيا فيرث: ستكون عظيماً في هذا الشأن، مثل كل شيء تفعله! لا أستطيع الانتظار طويلاً لرؤيتك مجدداً وتناول العشاء ونحن نرتدي البيجامات في المنزل… بيجامات توم فورد، طبعاً.

توم فورد: بكل تأكيد!

 

نشر للمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2020 من ڤوغ العربية.

اقرؤوا أيضاً: ليفيا فيرث تروي القصص التي نرتديها 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع