تابعوا ڤوغ العربية

وداعاً فرانكا

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-01

فرانكا سوتزاني مع ابنها فرانشيسكو كاروتزوني في روما احتفالاً بالعرض الأول لفيلمه الذي يسلّط الضوء على علاقة والديه ببعضهما البعض ويحمل الاسم Franca: Chaos and Création  حقوق الصورة: suzymenkesvogue/انستقرام

بعد صراع مرير استمر لمدة عام مع نوعٍ نادرٍ من سرطان الرئة، ترقد الآن بسلام تام في العالم الآخر الراحلة فرانكا سوتزاني، والتي جعلتها خصلات شعرها الذهبية وابتسامتها الجميلة تبدو تماماً كإحدى لوحات بوتيتشيلي المذهلة.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-02

فرانكا مع جيل ساندر وسوزي مينكيس حقوق الصورة: سوزي مينكيس

وافت المنيّةُ رئيسةَ تحرير مجلة ڤوغ الإيطالية الراحلة فرانكا سوتزاني، والتي شملت اهتماماتها قضايا ومواضيع فاقت بكثير حدود عالم الموضة والأزياء، عن عمر يناهز الـ66 عاماً قضَت منها 28 عاماً تولّت خلالها إدارة المجلة التي استعرضت مقالات مصوّرة جريئة، كتصوير أجساد تتلوّى في البُقع النفطية، إضافة إلى تشكيل رؤية استثنائية مسبقة لوجوه وأجساد خضعت لتعديلات جذرية بعمليات التجميل. وكانت الراحلة جريئة جداً في إبراز الجوانب السخيفة لهذا المجال، غير أنها دأبت على تشجيع مواهب الأزياء الصاعدة، فضلاً عن دعم الأعمال والمنظمات الخيرية العالمية.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-03

فرانكا مع سيلـﭬيا وكارلا فندي حقوق الصورة: سوزي مينكيس

وكان آخر ظهور علني للراحلة في وقت سابق من هذا الشهر عندما حصلت على جائزة سواروڤسكي للتغيير الإيجابي خلال حفل توزيع جوائز الموضة 2016 في لندن، ثم حضرت في اليوم التالي آخر عرض لها، وهو عرض شانيل ميتييه دار الذي أقيم في فندق ريتز بباريس، حيث كانت محاطةً بصديقها وأبرز معجبيها كارل لاغرفيلد، وكذلك برئيسة تحرير ڤوغ الأمريكية آنّا وينتور، إضافة إلى ابنها فرانشيسكو كاروتزوني الذي عُرِضَ فيلمه الوثائقي الرائع Franca: Chaos and Creation الذي يتحدث عن والدته وعلاقتهما ببعضهما البعض، في مهرجان البندقية السينمائي في وقت سابق من هذا العام.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-04

فرانكا مع شقيقتها كارلا حقوق الصورة: سوزي مينكيس

بدأتُ أنا وفرانكا وآنّا بلعب أدوارنا المهمة في عالم الأزياء في وقتٍ واحدٍ عام 1988. وخلال حفل غداء خاص أقمناه في باريس احتفالاً بمضي 25 عاماً على تولينا مراكزنا المختلفة تلك، كانت فرانكا كعادتها ذكيةً ومرحةً وملتزمةً بعملها إلى أبعد حدٍ، غير أن جسمها النحيل كان يعطي انطباعاً خاطئاً يتناقض مع مواقفها الشجاعة وآرائها المستقلة وقوة إقناعها في العديد من المشاريع الأخرى التي اطلعت بها.

وقد اعتمدت على تلك القوة ذاتها حتى النهاية لتقنع نفسها بشفائها من المرض، لتصمم على إثر ذلك على الذهاب إلى نيويورك لحضور عرض فيلم فرانشيسكو، ثم تحقق الحلم المستحيل في القيام برحلة إلى لندن وباريس هذا الشهر.

وقد أصبحت عبوة الأوكسجين التي كانت فرانكا مجبرةً على إبقائها بجانب سريرها أو حملها معها خلال رحلاتها، رفيقةً لا غنى عنها في مناسبات حياتها كافة، تماماً ككلبها الأليف الذي يصر على مرافقتها، أو كالقرطين المتدليين من أذنيها.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-06

حقوق الصورة: سوزي مينكيس

بدأت قصة فرانكا الفريدة في مدينة مانتوا التي تحظى بأهمية ثقافية فائقة شماليّ إيطاليا، حيث حصلت الراحلة على إجازات في الفلسفة والآداب واللغة، وهي المؤهلات التي برزت من خلالها حتى نهاية حياتها لتشتهر بثقافتها الكبيرة وإطلالاتها الأنيقة على حد سواء بين الجميع. وقد وُثِّقت تعليقاتها المضحكة ذات الطبيعة الساخرة حول زواجها وطلاقها في عمر الـ20 عاماً في الفيلم الذي أخرجه ابنها. لكنها ارتبطت بعالم الأزياء وأخلصت له منذ أن بدأت مشوارها المهني في مجلة الأطفال ڤوغ بامبيني عام 1976 وحتى عام 1990 عندما افتتحت شقيقتها كارلا المتجر المتعدد العلامات 10 كورسو كومو في ميلانو. وتولّت فرانكا سوتزاني إدارة مجلة ڤوغ الإيطالية عام 1988، وحصلت على لقب رئيسة التحرير عام 1994.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-07

حقوق الصورة: سوزي مينكيس

وقد برز ولاؤها الشديد لإيطاليا ولتصاميم الأزياء المبتكرة والاستثنائية إثر تعاونها مع المصور الشهير ستيـﭬن ميزل، صاحب الصور الخالدة لعارضات الأزياء المقيدات وكأنهن عصافير غارقة بسبب تسرُّب النفط في البحر، إضافة إلى قصص مصوّرة أخرى التقطها مصورون فوتوغرافيون مبدعون أمثال پيتر ليندبيرغ وپاولو روڤرسي وبروس ويبر.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-8

حقوق الصورة: سوزي مينكيس

ولم تتوقف فرانكا يوماً عن طرح المواضيع الجريئة والمثيرة للجدل والبعيدة نسبياً عن جوهر المجلة المرتبط بالموضة والأزياء، إذ منحتها أهمية وقوة بشكل يفوق أي محرر آخر على الإطلاق.

وعن ذلك قال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لكوندي ناست إنترناشيونال جوناثان نيوهاوس خلال تصريحه الذي أعرب من خلاله عن أسفه للخسارة الكبيرة التي لحقت بموظفيه في جميع أنحاء العالم مع موت فرانكا قائلاً: “كانت فرانكا إحدى أعظم المحررات اللواتي تسلمن إدارة مجلة على الإطلاق، كما كانت السيدة الأكثر موهبةً وتأثيراً وأهميةً في منظمة كوندي ناست إنترناشيونال”.

تُرى، ما الذي جعل فرانكا أكثر من مجرد خبيرة أزياء عادية؟ أذكرُ أنني سألتها ببرود شديد عن السبب في قرارها إصدار عدد قائم بكامله على العارضات السوداوات، والذي يحتفي بالجمال الإفريقي عام 2008.

وعن هذا الموضوع وغيره من المواضيع الأخرى التي عرضتها بحماسة وجرأة كبيرتين، قالت رئيسة التحرير التي فازت بسلسلة من الجوائز: “كان بإمكان أي شخص القيام بذلك في أي وقت مضى، لكنني كنت أول من تجرأ على فعله”. وقد انطوى إطلاقها نسخة ڤوغ الإلكترونية عبر الإنترنت عام 2010 على القدر ذاته من الجرأة والشجاعة، خاصةً بعد أن أضافت إليها قسماً يدعى “ڤوغ كورڤـي” في العام الذي تلاه للاحتفاء بالشخصيات الرشيقة والجميلة.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-09

مع المصورة الفوتوغرافية إلين فون أنويرث حقوق الصورة: سوزي مينكيس

سلط جوناثان نيوهاوس الضوء على عمل فرانكا كسفيرة للأزياء في الأمم المتحدة، وهي مهمة أتاحت لها فرصة السفر حول العالم لتقديم الدعم لكلٍ من أفريقيا وآسيا والمناطق البعيدة عن مراكز الموضة المعتادة.

وأضاف نيوهاوس قائلاً: “انضمت فرانكا خلال عملها في الأمم المتحدة إلى حملات مكافحة المجاعات في البلدان الفقيرة، وساعدت على رفع الوعي بهذه القضية إضافة إلى جمع التبرعات”، وأردف: “حيث أنجزت تلك الأنشطة بالتزام كبير وحماسة عالية”.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-10

فرانكا مع دوناتيلا ڤيرزاتشي حقوق الصورة: سوزي مينكيس

مُنِحَت فرانكا جائزة سواروڤسكي للتغيير الإيجابي هذا الشهر لتبنيها قضايا كبيرة ومهمة مثل “التنوّع العِرقي، والبيئة، والمساواة بين الجنسين”، إضافة إلى “سعيها الدؤوب لجمع التبرعات لصالح المنظمات والجمعيات الخيرية المحلية والعالمية”.

وكانت فرانكا تشغل منصب المديرة الإبداعية لمبادرة كونـﭬـيـﭬيو التي أطلقها جياني ڤيرزاتشي لمكافحة مرض الإيدز عام 1992، إضافة إلى عملها مع المعهد الأوروبي لعلم الأورام، وكانت فضلاً عن ذلك سفيرةً عالميةً لمكافحة المجاعات لدى برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، مع التركيز على تمكين النساء والفتيات وتعليمهن، كما ساهمت في إنشاء مؤسسة Child Priority Foundation لمساعدة الأطفال المحرومين في الحصول على فرصهم بالتعليم.

suzy-menkes-remembers-franca-sozzani-11

فريدة خِلفة وفرانكا سوتزاني وڤينسنت دير وهاميش باولز في باريس عام 2010. حقوق الصورة: سوزي مينكيس

وأتذكرُ أيضاً حرص فرانكا على رعاية المصممين الشباب أيضاً ضمن مبادرة “Who is On Next” التنافسية لتشجيع المواهب الإيطالية الناشئة. وأذكرُ الأيام الكثيرة التي التقينا خلالها في روما، حيث كانت تترأس طاولة الاجتماعات تلاطفنا وتنتقدنا نحن والمتنافسين للحصول على أفضل مرشحين للنهائيات.

كما أذكرُ أيضاً فرانكا الصديقة، تلك المرأة ذات الرؤية الاستثنائية والذوق الفريد المميز، بدءاً من حوض سباحتها الأسود في بورتوفينو، وحتى الستائر الرائعة الموجودة في منزلها بمراكش والمصنوعة من أفضل أنواع الأنسجة القطنية الخفيفة التي تشبه روعة وحساسية فرانكا ذاتها.

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع