كان المطر ينهمر في الخارج، وبمجرد دخولي ساحات القصر الكبير (غراند بالي) سمعت صوت سحق حبات الرمال تحت الأحذية، فنظرتُ للأسفل ولاحظتُ ممراً من حبات الرمل يقود الطريق نحو عرض مجموعة كروز 2017 من شانيل. ولدى وصول الضيوف إلى مقر العرض، أخذوا يغطون أعينهم بفعل التغاير المفاجئ للضوء من الرمادي إلى الأبيض الصادر عن الأضواء الساطعة. لقد نقلنا كارل لاغرفيلد إلى اليونان المثالية من منظوره. وعن ذلك قال: “عالم الواقع لا يعنيني، فأنا أستعملُ ما يعجبني”. وكان ذلك المنظر الطبيعي –والذي تبيّن لاحقاً أنه مجموعة- منسوجاً من كتب التاريخ والأحلام. اتخذتُ مقعدي في مواجهة شجرة زيتون بالحجم الطبيعي تضرب بجذورها في “صخرة” يتناثر فوقها إكليل الجبل، ولاحظتُ كيف أنَّ تلك الشجرة كانت تحرس بأسلوب شاعري المدخلَ المؤدي إلى مسرح تتناثر فيه آثار يونانية أمام خلفية تمثل البحر المتوسط، ويُكمِلها مشهدٌ قرمزي لغروب الشمس. وفجأةً، تلاشت ذكرى طقس باريس المروِّع من الأذهان مع جلوس الضيوف في مقاعدهم التي تشبه مقاعد المسرح الروماني. ووصلت أميرة موناكو شارلوت كاسيراغي بفستان كحلي ضيق، وتبعتها الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير؛ والمدير بيدرو ألمودوبار؛ وكيرا نايتلي التي وصلت بصحبة زوجها مغني الروك.
وبشرائط تزّين شعورهن وصنادل ذات أربطة في أقدامهن، دخلت العارضات المكانَ في صفٍ واحد مثل الحوريات، وقد ارتدوا معاطف فضفاضة ومشرشبة من صوف التويد، وفساتين كتانية منسابة بتطريزات بأحجار متعددة الألوان، وفساتين كريب وجيرسي وموسلين. وقد زيَّنت قمصان التونيك طبعات بشكل حرفيّ C متقاطعين (شعار شانيل)، فيما استحضرت تيجان من الأوراق الذهبية وقمصان وتنانير إلى الأذهان الفستانَ الإسبارطي. لقد راعت تلك المجموعة طبيعة العصور القديمة، وفيها اكتسبت المِشيات المتهادية ولمسات المرح المزيد من العفوية عبر الخامات الخفيفة والتصاميم المميّزة التي بدت وكأنها تطفو فوق الجسم. حقاً إنَّ مَن يريد التقدم لابدَّ أن ينظر دائماً نحو الماضي.
وبعد انتهاء العرض، نزل الضيوف إلى الطابق السفلي للاستمتاع بمجموعة من الملذات اليونانية، مثل ورق العنب وأسياخ اللحم. وقد تجوَّل كارل لاغرفيلد بين الضيوف لتحية الأصدقاء، في حين ترك ابنه بالتبنّي، هدسون كروينغ، يده ليقف مع المحرِّرين الذين رغبوا بالتقاط صور “سيلفي” معه. وعلى الشرفة، المحمية من وابل المطر المتواصل، ارتفعت المعنويات بعد عرضٍ شعَّ بأناقةٍ مميّزة كتلك، ولكن بعد ذلك بوقتٍ قصير بدأ القليل من الحضور ينظرون إلى ساعاتهم، إذ أن المناظرة الرئاسية الفرنسية كانت ستبدأ بعد قليل. آه لو كان بالإمكان أن يستمر ذلك الملاذ المريح لبعض الوقت!