دائماً ما تنطوي مشاهدة قطع مجموعة ديور خلف الأبواب الخشبية لمتحف ميوزيه رودين على متعة حقيقية. وبفضل جبلٍ من المرايا وآخر من الأزهار، في الطريق لحضور عرض مجموعة كريستيان ديور للأزياء الجاهزة لربيع 2018، رسمت المصممةُ الفنية للدار، المبدعة ماريا غراتسيا كيوري ، معالمَ مدخل متقن يبدو وكأنه يعود لعصور ما قبل التاريخ على الرغم من ضخامته. تخيلي كتلة صخرية ضخمة محفورٌ عليها كلماتٌ مفادها: إن كانت الحياة لعبة ورق، فنحن قد ولدنا دون معرفة قواعدها، من توقيع نيكي دو سان فال. وبالنسبة لمعظم الضيوف الذين ينتمون إلى الجيل الجديد، يبدو اسم دو سان فال غير مألوف لديهم، وهي فنانة أمريكية ذات أصول فرنسية معروفة بمنحوتاتها الضخمة وخاصةً منحوتات النساء الممتلئات، وكانت أيضاً مناصرة قوية ومخلصة للحركة النسوية، ولكنها كانت، في نهاية المطاف، امرأة، ولذا لم يذع صيتها مثل زملائها الذكور خلال الفترة التي عاشت فيها (1930-2002.
وما اكتشفه الضيوف خلف الصخرة كان بلا شك مستوحىً من المهندس المعماري الشهير أنطوني غاودي: قطع من الزجاج المكسور أُلصِقت بغراء إلى أرضية وجدران متموجة، في حين ظهر على نهاية منصة العرض أعمدة شبيهة بتلك الموجودة في المنتزهات والتي تذكرنا أيضاً بتلك الموجودة في كاتدرائية ساغرادا فاميليا التي صممها المبدع غاودي. وفي الواقع، تأثرت دو سان فال بأعماله وسعت بدورها إلى مزج عناصر فنية وطبيعية في أعمالها النحتية.
ومن أجل ربيع 2018، حافظت كيوري على موضوع مناصرة الحركة النسوية الذي قدمته في موسمها الأول مع الدار، إذ استهلّت الإطلالات بالعارضة ساشا بيڤوڤاروڤا وهي ترتدي كنزة البحارة مكتوبٌ عليها كلماتٌ مفادها: ’لماذا لا يوجد فناناتٌ عظيمات؟‘. ومع إطلاقها دعوةً للحوار، عرضت جينزات عملية مرقعة، وبذلة جمبسوت رياضية، وبذلات رسمية ببنطلونات، ومعطفاً مَطَرِياً جلدياً بالأحمر بدرجة اللون Dior red 999، وكان مصقولاً وأملساً جداً بحيث عكس أضواء مئات عدسات الكاميرات الموجهة إليه. كما قدمت كيوري قمصان شبكية مع أحزمة مطاطية للخصر مطبوع عليها شعار ديور، وأحذية طويلة الساق ذات أربطة شبكية بالأسود أو بالمعدن العاكس، وكانت جذابة للغاية (على الرغم من أنها مسطحة)، ومجموعة من أحذية ماري جينز اللطيفة التي سترغب بالحصول عليها كل فتاةٍ عاشقة للموضة بعمر الخامسة عشرة لترتديها في العيد.
لقد أصبحت كيوري أكثر وضوحاً باعتمادها دو سان فال كمرجعٍ لها مع تقديمها صور غير مألوفة لشخصية الوحش الأخضر الخيالية غودزيلا، بالإضافة لصور ساحرات وملائكة مطرزة جميعها على كنزات محبوكة وتنانير. وقد استوحيت هذه التصاميم بشكل مباشر من أعمال الفنانة والأرستقراطية السابقة التي كتبت ذات مرة: ’كما في جميع القصص الخيالية، قبل أن أتمكن من العثور على الكنز قابلت في طريقي تنانين وساحرات وسحرة وكذلك ملاك القناعة‘. كما أن هذه الشخصيات ظهرت أيضاً كإشارة إلى روح النساء: فأحياناً تكون رقيقة وحنونة، وفي أحيان أخرى تظهر قوية وصلبة مثل جذع شجرة، ولكنها أيضاً تثور وتحتد مثل وحشٍ كاسر.
تخلَّل الألوان وصور المخلوقات الغريبة عددٌ متفرق من القطع المفردة والفساتين التي ظهرت لدى اقتراب العرض من نهايته، والتي رسمت معالم خاتمة مشرقة تلت قطع الدانتيل والحرير والجلد وحتى البلاستيك، في حين أتت الحقائب بجميع الأحجام من الكبيرة وتلك الخاصة بالتسوّق إلى حقائب الكلاتش الصغيرة.
وداخل عدد سبتمبر من ڤوغ العربية شرحت كيوري لرئيس تحرير المجلة، مانويل أرنو، أنه ينبغي على المصممين أن يكونوا واقعيين وأن يصمموا أزياء للمرأة المعاصرة. وبعد انتهاء عرض ديور بساعات قليلة، شاعت أنباء تفيد بأن المملكة العربية السعودية سترفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات. ومع ترحيب الناس في جميع أنحاء العالم بهذا الخبر، لا يملك المرء إلا أن يقول: يا له من وقتٍ رائعٍ لتكوني امرأة – وخصوصاً امرأة عربية. قطعة الجمبسوت الجلدية الرياضية تلك قد تكون الإطلالة المثلى لترتديها سيدة سعودية عندما تجلس خلف المقود وتقوم بتشغيل محرك السيارة للمرة الأولى.