يحتفي العالم العربي بعيد ميلاد أيقونته الراحلة أم كلثوم في الثلاثين من شهر سبتمبر الجاري، ونحتفي بدورنا باقتراب هذه المناسبة بتجديد اللقاء الحصري الذي جمع ڤوغ العربيّة مع مصمم الأزياء ماريانو توفانو المسؤول عن تصميم الأزياء في فيلم “البحث عن أم كلثوم” ، وهو الفيلم الذي عرض في مهرجان البدقيّة السينمائي خلال هذا العام، ولقي نجاحاً واسعاً في المهرجانات العالميّة.
لا شكّ أن تأثير نجمة الغناء الأسطوريّة أم كلثوم قد تخطى حدود موسيقاها الخالدة. فمنذ ظهورها على خشبة المسرح تحوّلت، بإبداعها وشخصيتها الفريدة وأناقتها، إلى أيقونة لا تزال تلهمالنساء في العالم العربي وسائر أنحاء العالم. وقد عادت إطلالاتها التي تجمع بين الأسلوب الأنيق والمحافظ إلى الحياة في فيلم “البحث عن أم كلثوم”، الذي استعانت مخرجته شيرين نشأت، الأمريكيّة التي تنحدر من أصول إيرانية، بمصمم الأزياء الإيطالي ماريانو توفانو، ليصوّر أناقة كوكب الشرق. وقد أُعلن أواخر الشهر الماضي عن مشاركة هذا الفيلم في مهرجان البندقيّة السينمائي 2017. وبهذه المناسبة، التقت ڤوغ العربيّة المصمم توفانو لتكشف أسرار صناعة الأزياء في هذا الفيلم المنتظر.
عن الخطوات الأولى:
’’التقيت شيرين نشأت في برلين قبل عامين، وكانت متشوّقة للبدء في صناعة الأزياء الخاصة بفيلمها المقبل‘‘.. هكذا وصف المصمم لقاءه الأول بمخرجة الفيلم، وأضاف قائلاً: “قالت لي حينها إن تصميم أزياء أم كلثوم، وهي أشهر نجمات الشرق الأوسط، يُعدّ حلماً لأي مصمم أزياء، وكانت محقّة في ذلك”. عرضت شيرين على توفانو فرصة المشاركة في هذا الفيلم قبل ثلاثة أشهر من بداية التصوير، وهو ما شكّل تحدّياً بالنسبة إليه، وقد زادت صعوبة العمل في هذا المشروع كونه يصوّر حقبات معيّنة في التاريخ، تبدأ عام 1910 وتنتهي عام 1965.
محاكاة تاريخ مصر:
لم يقتصر عمل توفانو على محاكاة إطلالات أم كلثوم، بل كان مسؤولاً أيضاً عن تصوير حياة المجتمع المصري في كلّ فترة زمنيّة بعينها من خلال أزياء الممثّلين. وقد سافر مع فريقه إلى لندن وروما وحتى مراكش بحثاً عن الأقمشة والاكسسوارات المناسبة، وصنع ما يزيد عن 350 زيّاً للممثّلين فيه. ’’بدأت بحثي بأم كلثوم والأشخاص المحيطين بها، ثم انتقلت إلى صور مصر القديمة في فترة الثلاثينيات، وأرشيف الأفلام لدى وكالة باثي، بالإضافة إلى صور الملك فاروق والوفود المرافقة له، وصور جمال عبد الناصر، وصولاً إلى حفلات أم كلثوم الغنائية‘‘. وعلاوة على ذلك، حرص المصمم على محاكاة أزياء الممثّلين الإضافيين في هذا الفيلم، فزيّن زيّ الملك فاروق بالتطريزات الذهبيّة الفاخرة، وحرص على صناعة أزياء خدم القصر كما ظهرت عام 1937.
وفي هذا الفيلم، تصف شيرين نشأت كل محطّة في حياة أسطورة الغناء العربي بدقّة بالغة. وقد حرصت على تصوير مشاهد المظاهرات في عشرينيات القرن الماضي بالأبيض والأسود. كما تعاونت مع المصمم ماريانو توفانو في اختيار لون الزي المناسب لكلّ المشاهد الأخرى، فوقع اختيارهما على فستان بنفسجي لحفل أحيته أم كلثوم عام 1930، بينما حاكت إطلالتها في الحفل الذي أحيته عام 1940 إطلالات نجمات هوليوود التي تميزت بالألوان الذهبية البراقة، كما ظهرت بفستان أخضر في سنة 1965. ومن ناحية أخرى، تعاون توفانو مع مصمم المجوهرات الإيطالي جيراردو ساكو لتصميم مجوهرات أم كلثوم الماسيّة لصالح هذا الفيلم. ويقول: ’’شكّلت إطلالات الملكة فريدة، إضافة إلى نجمة السينما الأمريكية ڤيڤيان لي، مصدر إلهامٍ لنا، فقد ارتدتا أزياءً من أشهر صانعي الأزياء الراقية في باريس، إلى جانب المجوهرات النفيسة الممهورة بتواقيع أبرز دور المجوهرات في العالم‘‘. وبطبيعة الحال، اطّلع المصمم على قصّة كفاح كوكب الشرق واستمع إلى أغانيها خلال مراحل العمل فكانت أغنية “فكّروني” من الأغاني المفضّلة لديه، كما أعجب تحديداً بتحدّيها للقيود وتحولها من امرأة نشأت في أسرة فقيرة في عشرينات القرن الماضي، إلى واحدة من أشهر نجمات الغناء في العالم عام 1940.
عن أبرز الإطلالات:
ارتدت الممثّلة ياسمين رئيس، التي أدّت دور أم كلثوم في هذا الفيلم، فستاناً طُرّز بخيوط الحرير الذهبيّة لتصوير مشهد حفل الملك فاروق الغنائي. ووصفه توفانو قائلاً: ’’هذا الفستان هو المفضّل بالنسبة إليّ، وقد استوحيته من أحد تصاميم بالنسياغا في الأربعينيات‘‘. أما في مشهد الحفلة الملكيّة، فقد ارتدت «كاب» (رداءً) استغرق تطريزه شهراً كاملاً ليصوّر فخامة الأزياء الراقية.
عن تجربة العمل في هذا الفيلم:
عمِل المصمم ماريانو توفانو في عدد كبير من الأفلام التاريخيّة منذ انطلاقه في مجال تصميم الأزياء السينمائية مطلع الألفيّة الجديدة. ومع ذلك يرى أن تجربة العمل في فيلم ‘البحث عن أم كلثوم’ أكثر التجارب تميزاً بالنسبةِ إليه. وعن ذلك يقول: ’’كانت ثقافة مصر في ذلك الوقت مزيجاً من الثقافة الشرقيّة والتأثير البريطاني، والذي بدا جلياً في أزياء الطبقة المخمليّة في المجتمع، وهذا ما جعل العمل في هذا الفيلم مثيراً بالفعل‘‘.
نعود إلى الماضي ونطلّ على الأعوام الذهبية في عمر السينما المصرية