لا شك أن بريق الشهرة الذي يمنحه الظهور على أغلفة المجلات وحياة الإثارة التي تغلف عروض الأزياء تمثل إغراءً لملايين الفتيات للعمل كعارضات أزياء. ولكنه مجال قاس والمنافسة فيه شرسة، ومن الوارد جداً أن تشعر فيه أي مبتدئة بالضياع. لكن ثمة حالات لا تنطبق عليها بالضرورة هذه الافتراضات، وذلك حين تصنع الملامح الفريدة والشخصية الجذابة مزيجاً رائعاً لا يقاوم. وقد يقول البعض إنها جاذبية النجوم، وقد يسميها البعض الآخر كاريزما، إلا أن عالم الموضة يناديها باسم “أدوا أبواه“.
وكانت أبواه، التي تنحدر من عائلة نافذة في مجال الموضة (هي ابنة كاميلا لوثر، مُؤَسِسَة وكالة التصوير سي إل إم)، قد ذاع اسمها سريعاً في عالم الشهرة عندما ظهرت على أغلفة مجلات ڤوغ الأمريكية، والإيطالية، والمكسيكية، والإسبانية، والبريطانية، وحالياً على غلاف ڤوغ العربية. كما نالت جائزة “أفضل عارضة في العام” في 2017 من مجلس الأزياء البريطاني. ولكن ماريا غراتسيا كيوري، المديرة الفنية لدار ديور، ترى أبواه أكبر كثيراً من مجرد وجه جميل، حتى وإن كان غير مألوف. فوجهها يأخذ شكل القلب ويتألق بلون عسلي مع بعض النمش المتناثر، فيما تبدو عيناها العسليتان الواسعتان كما لو كانتا تحملان حكمة تتجاوز كثيراً سنوات عمرها الخمس وعشرين. وتقول كيوري في حديثها عن أدوا: “شاهدت أدوا للمرة الأولى على منصات العروض. وكان أكثر ما أدهشني فيها هو فهمها للموضة كمهنة تتطلب رؤية ثاقبة، وبالتالي، مسؤوليات كبيرة”.
وقد تعاونت المصممة الشهيرة مع العارضة للمرة الأولى في باكورة المجموعات التي أطلقتها كيوري بعد التحاقها بالعمل لدى ديور، وتلا هذا التعاون جلسة تصوير أنجزتها أبواه لمجلة ديور ماغ. ولكن ما بدأ كعلاقة عمل عادية بينهما سرعان ما تطورت لتغدو علاقة تحمل معنى أكثر عمقاً. تقول كيوري: “عندما التقيتها أخيراً وجهاً لوجه وتمكنت من الحديث معها عن مشاريعها و’كفاحها‘ في مجال الأنشطة الإنسانية، أدركت أنها خير من يمثل روح ديور ’التي تخيلتها‘”، مضيفةً: “أصبح لدينا جيل جديد من العارضات اللواتي يعملن في هذا المجال ولكنهن يسعين إلى إنجاز مشاريعهن الخاصة بنفس القدر. وأدوا واحدة منهن. ورؤية فتاة شابة تستغل وقتها لمساعدة نساء أخريات أمرٌ يثير بقوة المشاعر والحماس”.
وتشير كيوري إلى المنصة التي أطلقتها أدوا على انستقرام وأطلقت عليها اسم ’غيرلز توك‘ [أي: حديث الفتيات]، والتي تحظى بمتابعة 165 ألف متابع، وكذلك إلى صفحتها على الإنترنت، والفعاليات التي تنظمها احتفاءً بالنساء، ومنحها مكان آمن لهن لنشر قصصهن. وعلى النقيض من صورة البكيني التقليدية التي تختار العارضات الشهيرات نشرها على مواقع التواصل لزيادة رصيدهن من المتابعين، تفضل أبواه نشر رسائل تحث على عدم الإقصاء، والحب، والتمكين. وتنشر صفحتها Gurlstalk.com على الإنترنت مقالات تناقش موضوعات قد تشعر الفتيات بالحرج عند السؤال عنها. وتواصل كيوري حديثها عن أدوا قائلةً: “ما يثير إعجابي هو ما تتمتع به من قوة وحب دفعاها لإطلاق منصة ’غيرلز توك‘. فلديها إحساس فريد بالمسؤولية”. وتضيف: “قد تكون أدوا فتاة شابة، ولكنها اتخذت لنفسها خيارات واضحة، ومشاركتها حقيقية وقوية على نحو لا يصدق. ولقد تعلمت كثيراً من نساء شابات مثلها، قررن أن يشعرن بالإيجابية تجاه أنفسهن ويطالبن بالحق في أن يظهرن على حقيقتهن، مستعينات بتجاربهن الخاصة للتنديد بمواقف معينة”.
وهنا تلتقي كيوري بأدوا للحديث عن النساء اللواتي يمثلن نماذج يُحتذى بها، وكيفية مساندة الفتيات، والأمور التي تثير اهتمام النساء حالياً.
ماريا غراتسيا كيوري: كيف اكتشفكِ عالم الموضة؟
أدوا أبواه: تم اكتشافي خلال عرض أزياء أقيم في المدرسة، ثم وقفت خارج متجر توبشوب في شارع أوكسفورد بضع مرات. ولم يكن لديّ آنذاك أي اهتمام بعرض الأزياء، لذا انتظرت حتى التقيت سارة دوكاس من وكالة ستورم موديلز، التي كانت صديقة للأسرة. وقد بدا العمل كعارضة أزياء شيئاً مثيراً بالطبع، وأحببت فكرة ارتداء الأزياء. ولكن لم أكن أشعر بالثقة في نفسي، ولم أكن فكرت في أن أغدو عارضة أزياء. كان الأمر بعيد المنال تماماً.
ماريا غراتسيا كيوري: هل اكتسبتِ هذه الثقة بمرور السنوات؟
أدوا أبواه: الثقة تنمو مع التقدم في العمر وكلما عملت أكثر، أدركت أكثر طبيعة العلاقة التي تربط بين العارضة والمصور، وبين العارضة وطاقم العمل في الإصدارات المختلفة؛ ما الذي يريدونه وكيف يمكن أن نصنع شيئاً من عملنا سوياً. أصبحت الآن أفهم ما يُراد مني. ولا يتعلق الأمر بتواجدي في موقع العمل وكوني عارضة، ولكنه يتعلق بالثقة في حدسي وابتكار ملامح الشخصية التي أمثلها.
ماريا غراتسيا كيوري: كيف واتتكِ فكرة إطلاق منصة ’غيرلز توك‘؟
أدوا أبواه: بالنسبة ليّ، منصة ’غيرلز توك‘ مكان ومجتمع آمن – أو قبيلة أمضيت جانباً كبيراً من سنوات شبابي أحاول العثور عليها لكي يتراجع إحساسي بالوحدة. وهي منصة لا مكان فيها لوصمات العار والتابوهات. وقد أسسناها بناءً على فكرة بسيطة هي أننا عندما نتحدث عن موضوعات، نكسر الحدود ونصنع مساحة جميع ما بها منشور في العلن.
ماريا غراتسيا كيوري: عندما أسستِ تلك المنصة، مَن هي الفتاة التي أردتِ مساعدتها من خلالها؟
أدوا أبواه: لم تكن هناك فتاة بعينها شعرت بأنني أريد مساعدتها. أعتقد أنَّ هذا هو ما يميّز منصة “غيرلز توك”، فهي تستهدف جميع الفتيات، ولا تتوقف على التوزيع السكاني أو التجارب التي مرَّت بها كل منهن.
ماريا غراتسيا كيوري: هل لعبت ظروفكِ الشخصية دوراً في تحفيزكِ؟
أدوا أبواه: كانت قصتي مؤلمة بعض الشيء. أتألم حينما أتذكّر وقتاً عصيباً مرّ عليّ وعلى عائلتي [حيث خاضت أبواه صراعاً مع الإدمان]، لكني اعتدت عليه ولم يعد مخيفاً كما كان في السابق. وعوضاً عن التركيز على نفسي، أفضِّل مدَّ يد العون إلى الأخريات ومنحهن منصة لمساعدتهن. أنا فخورة بما وصلتُ إليه اليوم وبقدرتي على المضي قُدُماً خلال المواقف الصعبة.
ماريا غراتسيا كيوري: ما هو أجمل جانب من جوانب تأسيس مجتمعٍ تدعم فيه النساء بعضهن البعض؟
أدوا أبواه: ربما وبشيء من الأنانية: ابتكرت شيئاً أشعر بأنني جزءٌ لا يتجرأ منه ألا وهو: جماعة من النساء المتشابهات فكرياً ممن يجعلنني أشعر بالأمان والراحة والمحبة. إنَّ نجاحي في إنشاء مكانٍ آمنٍ لهن بمثابة إنجاز سحريٌ أشعر بعظيم الامتنان لأجله.
ماريا غراتسيا كيوري: ما هي أهم القيم بالنسبة للنساء اليوم؟
أدوا أبواه: الصداقة والمودة والتضامن والاحترام المتبادل، بغض النظر عن اختلاف الآراء. كلما كنَّا ملتحمات ومتضامنات مع بعضنا البعض، كلما حظينا بفرصة أكبر لإحداث تغييرات. أنا فخورة جداً لكوني امرأة الآن.
ماريا غراتسيا كيوري: من أين تسمدين قوتكِ وإلهامكِ؟
أدوا أبواه: من فريق منصة “غيرلز توك” ومجتمعها، ومن كلِّ فتاةٍ تأتي وتتحدَّث إليَّ. كما أستقي الإلهام من أختي وعائلتي، والنساء المذهلات اللواتي أقابلهن في كلِّ يوم.
ماريا غراتسيا كيوري: هل تشعرين بالحاجة إلى تخصيص بعض الوقت لنفسكِ؟
أدوا أبواه: أحتاج دائماً لتخصيص وقتٍ لنفسي، فبالنسبة لي لا يقتصر الأمر على الجلوس لوحدي وقضاء الوقت على الهاتف دون التحدث إلى أحد، بل يتعلق بإقامة علاقات والعمل مع أولئك الناس مرةً أخرى – هذا إن انسجمنا معاً بالطبع. وعندما أكون مرهقة وأشعر بأنني قد نلتُ كفايتي من كل شيء، يصعُبُ عليَّ القيام بذلك. أعمل بجهدٍ كبيرٍ للظهور بصورة جميلة، ومن خلال منح جزءٍ من نفسي، أمنح أيضاً الكثير من الطاقة. عندما يكون المرء في مكانٍ بغيض، يصبح من المهم أن يحتفظ لنفسه بمساحة خاصة. خلال أسبوع الموضة، أُحيط نفسي بالأصدقاء؛ الأمر الذي يبقيني واقعية. كما أنني محظوظة لأكون في عصرٍ ومكانٍ في مهنتي حيث يحيط بي فريقٌ داعم.
ماريا غراتسيا كيوري: تذهلني الوشوم التي تضعينها، وخصوصاً الوشم على يدكِ ومفاده “قوة”. هل لكِ أن تخبرينا ما الذي دفعكِ للحصول عليه؟
أدوا أبواه: أتمنى لو كان يحمل معانٍ خلفه أكثر مما يفعل! فقد كنت أشارك في سلسلة وثائقية لصالح مجلتيّ Vice وID، ورأيت أنني سأبدو جذابة أمام الكاميرا إن وضعتُ وشماً [تضحك].
ماريا غراتسيا كيوري: هل تودِّين ترك رسالة للنساء العربيات اللواتي يقرأن الحوار؟
أدوا أبواه: أحترم بشدة شجاعتهن في إحداث تغييرات، وأشعر بأن مشاهدتي من بعيد لما حققته جميعهن أمراً ممكِّناً وأرغب بتعلِّم المزيد منهن. أعتقد أنَّ الأجزاء الأخرى من العالم ستودُّ سماع المزيد عن قصَّتهن.
فريق الإنتاج:
المكياج: هانا موراي
مساعدة المكياج: كيتي روبنسون
العناية بالأظافر: لولي كون
مدير الإضاءة: جون هيلر
مساعد التصوير: كلاي هوارد سميث
مساعدا الإضاءة: زين شافر وتايلر روست
الفني الرقمي: أنطوني ميلر
مساعدو إدارة الأزياء: محمد حازم رزق، وألكسندرا ماركوفيك، ونِك براون
مصمم الديكور: جاك فلاناغان
إنتاج: تايلر ستروهيكر
موضوع متصل: أدوا أبواه هي نجمة عدد شهر أبريل من ڤوغ العربيّة