تابعوا ڤوغ العربية

خيوط التراث بلغة الحاضر

ريم الكنهل. بإذن من ريم الكنهل

ألهم التراث تصاميم علامات بقجة و“سيب جودان“ وريم الكنهل، فكان لقاء الماضي بالحاضر إبداعاً يستحقّ التقدير 

نشر هذا المقال في عدد شهر مايو 2018 من ڤوغ العربيّة بقلم هالة كوثراني

قصص ريم الكنهل

تحبّ ريم الكنهل القصص وتهتمّ منذ صغرها بالأزياء التقليدية. “أزياء كل منطقة في السعودية تتبع خطاً معيناً. وأنا في طفولتي كنت أختار الزي العسيري بين الأزياء التراثية. التراث في العالم العربي عموماً وفي السعودية خصوصاً أرض خصبة لم يطأها الكثيرون، وقد حرّك فضولي وألهم مخيّلتي. ربما لأنني أحب القصص، فكل تصميم من تصاميمي يسرد قصة. لكنني لم أسرد عبر التصاميم قصصاً تقليدية، فلم تبق العباءة عباءة ولا الثوب ثوباً، بل قدّمتهما في أسلوب حديث، يناسب حاضرنا والنساء في بلاد العالم”.

قدّمت ريم في مجموعة الرحلات أزياء مستوحاة من أزياء البدو، والبرقع الذي استلهمته من قصة مرتبطة بجدتها كما أخبرتنا. “لكنها مجموعة حديثة وطليعية، وقد اختارت فوغ الإيطالية عرضها. لقد حوّلت الثوب النجدي قميصاً أبيض، هو الثوب بخطوطه الواضحة نفسها، لكنه بدا قميصاً أنيقاً حديث الأسلوب. أما شراريب الخيم، فقد جعلتها حواشي من خيوط الصوف”. 

“تلهمني قصص تمسّني لأنها جزء من تراثي لكنها لا تعود تقليدية في تصاميمي بل أقدّمها بأسلوب حديث”

تطرح التصاميم المستوحاة من التراث بعداً أعمق وأشدّ جاذبية. “هذا البعد تقدّمه قصص الناس التي أصبحت تاريخاً” تقول ريم، وتضيف “أنا كمصممة ومحبة للفن، أحب أن أعرض القصص التي هي مصدر التصاميم، وأختار تلك التي تمسّني لأنها جزء من تراثي، لأواجه أيضاً صورة نمطية سلبية عن بلدي. أريد أن يرى الآخرون الإيجابية والإبداع والجمال في بيئتي. وهنا أود أن أقول إن الكثيرين يصدمون صدمة إيجابية بما يرونه من تصاميمي وبما أحكيه عن مصادر إبداعي وعن المرأة السعودية والمرأة الخليجية في شكل عام. هذا الأمر يسعدني”.

من تصاميم ريم الكنهل

اللقاء بين الإلهام المستوحى من التراث، كالعمارة الإسلامية على سبيل المثال، والبساطة الواضحة يجعل تصاميم ريم الكنهل جذابة في عيون الغربيين والخليجيين. “عندما اختارتني فوغ الإيطالية للمرة الثانية لأعرض مجموعتي مع سبعة مصممين معروفين في لندن وإيطاليا، سكنتني الشكوك، وتساءلت كيف يمكنني أن أنافسهم من الرياض حيث الصعاب التي تواجهني كمصممة أزياء كثيرة. لكن المجموعة عرفت النجاح وكُتب عنها الكثير. هذا التقدير دفعني إلى تقديم المزيد والإصرار على الاستمرار”. وحين نسألها عن تحديد هذه الصعاب تشرح ريم أن الموضة كصناعة ما زالت غائبة في السعودية. “يجب أن نسافر لنؤمّن المواد التي نحتاج إليها. وليس سهلاً الاعتماد على اليد العاملة، فليس ثمة خياطون من أهل البلد وصنّاع الأقمشة كلّهم أجانب. لكن لا شك أن المستقبل واعد. أنا شخصياً أحلم بدار تصبح إمبراطورية في عالم الموضة تضمّ أزياء للأطفال والرجال وعطوراً ومجموعات مكياج وأكسسوارات”. 

هدى بارودي وماريا هبري. بإذن من علامة بقجة

“بقجة” هدى وماريا

ليست التصاميم أقمشة وأفكاراً فحسب، هي قصص تعبّر عن الإنسان وتطوّر حاجاته ورؤيته إلى الجمال. للتاريخ حضور في المخيّلات العميقة التي تبدع المزج بين الماضي والحاضر لتصنع قطعاً تليق بالمستقبل. ولأنّنا نقدّر جمال القطع المحمّلة معاني هي تراكم خبرات، سألنا هدى بارودي وماريا هبري مؤسّستَيّْ “بقجة” عن دور التراث في إثراء تصاميمهما وفي التعبير عن قضايا تنتمي إلى الحاضر. “لم نخترع غرزة جديدة، لكننا طوّرنا ما قدّمه إلينا التراث. نستخدم ماكينات قديمة كتلك التي كانت تستخدم في حي “العرايس” في سوريا. ويحتاج التطريز بواسطتها إلى قوة جسدية، لذا يستخدمها حرفيون رجال. لكننا لم نكتف باستعمال التقنيات القديمة بل طوّرناها وتطرّقنا إلى موضوعات تتخطى الجانب الجمالي”. وهنا تكمل ماريا كلام هدى قائلة “نعبّر عن قضايا اجتماعية وسياسية يشهدها محيطنا وعن موضوعات تهمّنا ونعيش تأثيرها. كما أنّنا نستفيد من وجود حرفيين خبراء في التطريز قصدوا بيروت من بلدان عربية مختلفة مثل العراق والسودان وسوريا ومصر. وقد ابتكرنا معهم لغة مشتركة نعبّر بها جميعاً عن أنفسنا. وكل موسم نقدّم مجموعة جديدة، نطرح رسائلنا من خلالها. فالعالم لا يحتاج إلى المزيد من الأرائك أو السترات، إلا إذا كانت تبثّ معاني تتجاوز معناها الجمالي. مجموعتنا الجديدة، على سبيل المثال، تحمل عنوان “عفواً أيها الواقع، الفانتازيا حاجة ملحّة” وتجمع تقنيات مختلفة مثّلت مشاركات كل من الحرفيين لدينا، منها صورة باخرة تعكس واقع الهجرة واللجوء”.

إلى جانب الأثاث وبسط الجدران المزخرفة قدّمت هدى وماريا معاطف وسترات مزيّنة بأفكارهما المطبوعة على الحرير. “نعمل بعفوية وشغف، ولا نشغل أنفسنا بالتخطيط. بدأنا طرح الأزياء بعد تعاوننا مع المصمّمة ميليا مارون التي قدّمت ما يسمّى كيمبايا جامعة بين العباءة والكيمونو”. 

“لم نبك على أطلال الماضي بل حاورناه انطلاقاً من الحاضر لنتواصل مع أولادنا وأحفادنا”

“اسم بقجة يختصر قصتنا” تقول ماريا. “نحن نحكي قصة المرأة. في البداية فتنتا أقمشة طريق الحرير التي تعلّمنا منها الألوان وعفوية جمال الزخارف، والكمال في غياب الكمال. كما تأثرنا بفكرة العطاء في ثقافتنا مثل اجتماع السيدات في العائلة وتعاونهن لتحضير جهاز العروس. هذا العطاء مستمرّ مثل تناقل القطعة من جيل إلى آخر بين الأم وابنتها. لكننا لم نود أيضاً أن نستعيد الماضي ونبكي على أطلاله. فحاورنا الحاضر لنتواصل مع أولادنا وأحفادنا، ومزجنا بين الأقمشة الجديدة والقديمة لنكون معاصرين. كما أننا لا نسعى إلى إحياء التراث العربي تحديداً بل كل ما صُنع يدوياً بحبّ ودقّة. وقد نستخدم مواد من أميركا الوسطى أو اليابان أو الصين لنرسم بالأقمشة والتطريز والألوان حواراً بين حضارات مختلفة”. 

التطريز بالماكينة القديمة. بإذن من علامة بقجة

عندما أطلقت السيدتان مشروع بقجة كانت التصاميم المتأثرة بالتراث محاولات لإعادة إحيائه. فتميّزت تجربتهما بفرادتها من خلال المزج بين خلفيات تراثية مختلفة وبين رؤى وأفكار معاصرة. وهنا تشدّد هدى وماريا على أهمية حرية الابتكار. “لا عوائق توقفنا. نقصّ أقمشة بديعة. وتبدو لنا أحياناً ضرباً من الجنون هذه الجرأة في التصرّف بأقمشة جميلة وقديمة. لكننا نجعلها تتنفس وتعيش حيوات عديدة. بدل أن تبقى في “البقجة”، نوزّعها على تصاميم عديدة”.  

هذه التصاميم مستوحاة من التراث لكنها غير تقليدية، هي قطع تلوّن المكان. “نبيع قطعنا لأنها جميلة في الدرجة الأولى، وليس لأنها تعرض رسائل معيّنة، هذه الرسائل تهمّنا نحن مثلما يهمّنا الجانب الإنساني في عملنا، أن نسرد عبر التصميم والتطريز والأقمشة والألوان حكاية الإنسان، والمرأة في شكل خاص”. 

روبرتا فنتورا. بإذن من سيب جوردان

رسوم الماضي وألوان الحاضر 

أنشأت روبرتا فنتورا “مؤسّسة المشروع الاجتماعي الأردن” SEPJordan-Social Enterprise Project Jordan مدفوعة بإيمانها بحق النساء اللاجئات في تلقّي التعليم والعمل. ومشروع روبرتا قائم على الموضة وإن كان ذا بعد اجتماعي، فهو ينتج أوشحة وحقائب من قماش وسترات وأكسسوارات يضع تصاميمها فريق من المصمّمين الإيطاليين في جنيف ولندن. أما تنفيذ هذه التصاميم المستوحاة من الفن الإسلامي، فيتم على أيدي نساء “فنانات” يعملن في التطريز من مخيم جرش في الأردن.  

تشرح روبرتا أن الميراث الثقافي يلهم “سيب جوردان” عبر ثلاث طرق مختلفة: “أولاً، تقنية التطريز القديمة التي تحفظها اللاجئات الفلسطينيات من جيل إلى آخر وتذكّرهن بجذورهن وماضيهن بالرغم من ابتعادهن عن الوطن. ثانياً، الرسوم المستلهمة من الهندسة الإسلامية. رسومنا المسجّلة الحمراء والكتبية وسلطان هان وبوتراجايا كلّها مستوحاة من روائع الهندسة الإسلامية القديمة. ونحن أول مؤسسة تترجم هذه الرسوم الجميلة إلى غرزات إكس. ثالثاً الأسلوب الإيطالي الكلاسيكي: الألوان والأقمشة المستخدمة والأشكال والقصّات كلّها أنيقة صُمّمت لتكون رائجة خلال مواسم الموضة المختلفة. وكلّ تصاميم سيب غنية بالتطريز الذي يسمح بأن تورّث من جيل إلى آخر، وبالتعرّف إليها بسهولة من خلال الجمع بين التقنيات الشرق أوسطية والذوق الإيطالي التقليدي”. 

“الرابط العاطفي الذي يصنعه فنّ التطريز يقرّب بين الحرفيات والزبائن الفخورين بارتداء تصاميم تسرد قصصاً”

تؤكد روبرتا أن احترام التقاليد هو أساس عمل فريقها لأن النجاح في إعادة الابتكار يتكرّس “بالانطلاق من احترام عميق للماضي. التراث يربطنا بالتاريخ والجذور، ونحن نعانقه بدلاً من أن ننساه ونهمله ونتنكّر له، فنعيد تقديمه بألوان حاضرنا ومواد راقية. نجعل التطريز موضة بدلاً من أن يكون هواية الجدات. وفي أكاديمية SEP في مخيّم جرش نعلّم الحرفيات (الفنانات) القوانين الأساسية التي جعلت التطريز عظيماً في القرن التاسع عشر، بلا عقد أو خيوط متدلّية. نبحث عن أصول الرسوم والتقنيات ونفهم روحانية الأيام الماضية ثم نعتمد الألوان الرائجة في عالمنا والمواد الحديثة”. 

من فيلم “مريم المجلدليّة” الهوليوودي الجديد الذي طرّزت أزياءه فنانات المخيم

ومَن هم زبائن ”سيب“؟ نسأل روبرتا. “هم أشخاص فضوليون مهتمون باكتشاف العالم، مرتبطون بالمجتمع وشغوفون بالأسلوب المميز. يجمع بيننا وبين زبائننا حب للموضة والأسلوب المميّز ومعرفة بالصيحات الرائجة واهتمام فضولي بما يجري في العالم”. أما ما يدفع الزبائن إلى العودة لاقتناء المزيد هو أنّ “كل قطعة فريدة، لأنّ لكل من الحرفيات الفنانات أسلوبها الخاص، وهن يصبّن عواطفهن في عملهن. هذا الرابط العاطفي الذي يصنعه فنّ التطريز يقرّب بين الحرفيات والزبائن الذين نراهم فخورين بارتداء تصاميم تسرد قصصاً”. 

تطمح روبرتا إلى التعاون مع عدد أكبر من الحرفيات. “نود العمل مع عدد أكبر من اللاجئات (نتعاون الآن مع ثلاثمئة) لنشجعهن على تمكين محيطهن. ولتحقيق هذا الهدف يجب أن تصبح علامتنا اسماً ينطلق من المنطقة إلى العالم متمتعاً بشبكة توزيع واسعة. نطمح إلى مستوى أضخم من الإنتاج سيفرح الفنانات في مؤسستنا والزبائن”. 

هؤلاء هنّ نجمات غلاف ڤوغ العربيّة لشهر مايو 2018

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع