ليس من المستغرب أن الفضل في شُهرة قميص ألوها [يُشار إليه بوجه عام بـ«قميص هاواي»] في جميع أنحاء العالم يعود لرجل أعمال لبناني ناجح؛ فقد كان لقرار ألفريد شاهين برئاسة شركة العائلة -التي تعمل في تجارة الأقمشة وتعود جذورها إلى جبل لبنان- آثاره التي امتدت إلى هاواي. وكان شاهين، الذي يُعرَف بالأب الروحي لقميص هاواي، أول مَن يؤسِّس صناعة أزياء تمتلك إمبراطورية تصنيع في هاواي، ما أسهم في وضع أزياء هاواي على الخريطة العالمية. وساعدت ابنته كميل شاهين-تونبيرغ في تخليد ذكراه، وقد تواصلت ڤوغ معها في كاليفورنيا للتعرف منها مباشرةً على إرث ألفريد شاهين.
تنحدر عائلة ألفريد شاهين من قرية العربانية في جبل لبنان، والتي تحتضن مصنعًا هائلاً في وادي الحرير، الذي اشتهر بإنتاج الحرير خلال العصر العثماني. وكان غالبية سكّان جبل لبنان يعملون في هذا المجال ولديهم معرفة واسعة بصناعة النسيج، نظرًا لكون لبنان بلدًا رئيسيًا في إنتاج الحرير وتصديره خلال القرن التاسع عشر. ومنذ العصور القديمة، كان لبنان جزءًا من طريق الحرير الشهير الذي امتد من الصين إلى بلاد الشام. وقد تبنى أجداد شاهين هذا التراث الثقافي، ومن ثَم قاموا بتصدير خبراتهم ومعرفتهم بهذا المجال وهاجروا إلى أمريكا.
وفي عام 1902، أسس عاصي، جد شاهين، مصنع حرير في نيوجيرسي يحمل اسم «شاهينز آند صنز»، وفي نيويورك قام عاصي بتصنيع إنتاجه من الحرير المنسوج على هيئة قمصان نوم وملابس داخلية. وبطبيعة الحال، انضم والد شاهين، واسمه جورج (وُلِدَ في لبنان عام 1897) وزوجته ماري (وهي لبنانية أيضًا)، إلى شركة العائلة، وفي نهاية المطاف انفصلا عنها ليعملا بمفرديهما وانتقلا إلى هاواي حاملين معهما تراثًا ثريًا في صناعة المنسوجات.
حصل ألفريد، المولود في كرانفورد بنيوجيرسي عام 1922، على شهادة في هندسة الطيران بكاليفورنيا. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، عاد إلى هاواي للانضمام إلى شركة العائلة عام 1945. وكان والداه يديران مشروعًا تجاريًا للأزياء الراقية وفساتين الزفاف التي تُصنَع بالطلب من الأقمشة الفاخرة. وتضيف كميل أنهما «جلبا معهما كل المعرفة، ودربا السكّان المحليين، وأسسا صناعة أزياء». وبعد ثلاث سنوات، قرر شاهين الانفصال والعمل بمفرده، وتخصص في قمصان «ألوها» الجاهزة والأزياء النسائية.
وتاريخيًا، كان سكّان هاواي الأصليون يصنعون ملابسهم في المنزل. ومع ذلك، وفي عشرينيات القرن الماضي، ظهر قطاع التصنيع نتيجة الحاجة للأزياء العسكرية وقمصان التابا التقليدية. وبحلول الثلاثينيات، أصبح سكّان هاواي أكثر تقليدًا للغرب، وفي ذلك الحين ظهر قميص «ألوها» نتيجة التأثيرات العديدة التي خضعت لها ثقافة هاواي. وفي بادئ الأمر، كانت القمصان تُصنَع من أقمشة الكيمونو اليابانية المستوردة والمزدانة بطبعات غرافيكية، ولكن خلال الحرب العالمية الثانية أصبح استيراد الأقمشة مستحيلاً.
ولأن شاهين يتمتع بغريزة البقاء والذكاء وأيضًا ريادة الأعمال، فقد قاده ذلك إلى إنشاء أول مصنع محلي للطباعة تحت اسم Surf’n Sand Hand Prints. وسرعان ما رسّخ مكانته كمنتج فريد للنسيج، كما كان أول مَن وظّف مصممين للعمل داخل مقر الشركة، والذين قاموا بتصميم طبعات ونقشات حصرية للعلامة. تقول كميل: «ازدهر مشروع أبي بسرعة كبيرة، لأنه كان يقوم بطباعة أقمشته الخاصة كما بنى المعدات بنفسه»، وتضيف: «بل وعيّن عارضات أزياء بدوام كامل وأدرج أسماءهن في كشوف الرواتب».
وتؤكد كميل، وهي هاوية متحمسة لجمع الأزياء الـڤينتج وتتاجر بها عبر متجر على الإنترنت يحمل اسم Shaheen Dream [أي: حلم شاهين] وهو اسم على مسمى بالفعل، قائلةً: «الأمر الفريد في أزياء شاهين يكمن في طريقة طباعة كل قطعة منها على حدة. وبداية من السبعينيات، بدأ أبي في التوسّع نحو الطبعات التي تناسب حجم كل قطعة أزياء ثم تُثبَّت عليها بدقة، ما تطلّب قدرًا هائلاً من العمل، حيث كان من اللازم التخطيط لضمان طباعة كل قطعة على النحو الملائم لحياكتها مع القطع الأخرى كما ينبغي».
وسافر شاهين وفريقه إلى بلدان عديدة في آسيا وجنوب المحيط الهادئ لإعداد لوحات أفكار ملهمة من أجل ابتكار طبعات وزخارف فريدة لديها قصة ترويها، ومستوحاة من النباتات والحيوانات المحلية. وتضيف كميل: «كانت رحلة والدي إلى لبنان بعد الحرب ملهمة لي للغاية، وأعاد أشياءً من لبنان. كما أدخل الكتابة العربية في طبعاته». وعلاوة على ذلك، تخطى شاهين الحدود بإبداع أسلوب طباعة جديد وثوري؛ فقد ابتكر الطباعة المعدنية من خلال تطوير أصباغ مثل الذهب والفضة.
وأصبح شاهين أكبر مصنِّع في هاواي، وقام ببناء نموذج أعمال فريد في تاريخ البلد. ويعود كثير من الفضل في ذلك إلى والدته ماري، التي دأبت على تدريب طاقم العمل وتوجيههم، من عاملي الطباعة إلى عمال الفحص والتدقيق، والخيّاطات وعارضات الأزياء. «كانت هي نفسها فنانة»، على حد قول كميل. وبحلول عام 1956، كان شاهين قد بنى مصنعه الخاص لإنتاج الأزياء، بما في ذلك سلسلة من صالات العرض ومتاجر التجزئة التي يعمل بها أكثر من400 شخص. وتضيف بانبهار: «تحدث أبي عن الحقائق وليس المشاعر. بدأ عمله عام 1948، وبحلول عام 1956 كان قد أنشأ مصنعًا بعدة ملايين في هاواي. كل ذلك في أقل من 10 سنوات. وكان يعمل لديه مئات الأشخاص». وتذكر أنها سألته ذات مرة: «ما إذا كان خائفًا من مشروعه الضخم ومسؤوليته، فأجابني قائلاً: ’كنت مشغولاً جدًا في أداء عملي لدرجة أنني لم أفكر في مشاعري‘».
وقد أحدث شاهين ثورة في عالم الأزياء الراقية من خلال تزيين الفساتين النحتية الجميلة المصممة بالطلب، التي أبدعها الخيّاطون المحترفون في الأتيلييه، بتصاميم على شكل الجزيرة بشتى تفاصيلها، علاوة على دمج الطابع الاستوائي وطبعات مصممة حصريًا داخل الدار. وامتازت الفساتين بالعناصر النموذجية للأزياء الراقية التي تحمل طابع الخمسينيات، مثل حمالات الصدر الداخلية، والصدريات المرنة، وياقات الهولتر الاختيارية التي يمكن تثبيتها أو فصلها عن الفساتين بدون حمالات. وقد استعرضت مجلتا ڤوغ وهاربرز بازار جمال تصاميمه ومرونتها.
وفي منتصف الستينيات، أنشأ شاهين متاجر مؤقتة تحت شعار «الشرق يلتقي الغرب» في أكبر المتاجر متعددة الأقسام في جميع أنحاء البلد، ليتخطى بذلك الحدود ويعيد الجماليات الثقافية والطبعات إلى الواجهة في مجال الموضة.
وقد أقبل المشاهير على ارتداء قمصان شاهين، وكان أبرزهم إلڤيس بريسلي عام 1961، حين ارتدى قميص ألوها الأحمر «تياري تابا» من إنتاج شاهين، والذي ظهر على غلاف ألبومه للموسيقى التصويرية «هاواي الزرقاء» والفيلم الذي يحمل الاسم نفسه عام 1961. وكان القميص مزخرفًا بالغاردينيا الاستوائية (تياري) بإلهام من زهور تاهيتي على قماش اللِّحَاء [قماش بارك] التقليدي (تابا).
وأقام شاهين إمبراطورية ارتقت بأزياء هاواي إلى أعلى آفاق الموضة وجعلته أكبر مُصنِّع للقمصان الراقية والفساتين ذات الطابع الاستوائي. ونمت تجارته حتى تقاعد عام 1988. واليوم، يشتد الطلب على قطعه باعتبارها ڤينتج أيقونية من أزياء هاواي. وفي عام 2012، أصدرت هيئة البريد الأمريكية أربعة طوابع بريدية إحياءً لذكرى ألفريد شاهين، والتي تزدان بتصاميم قمصانه المطبوعة الحصرية.
ومن المناظر الطبيعية الخصبة في جبل لبنان إلى أرض الفرص الجديدة، ظل شاهين وفيًّا لتراثه الثقافي، ناسجًا ببراعة تقنيات أجداده في وطنه الجديد الذي تبناه. تقول كميل: «كان يستوحي من تراثه اللبناني. كنّا لبنانيين للغاية، ونشأنا على الثقافة اللبنانية في هاواي».
لقد صاغ شاهين حلمًا وشغفًا بالسفر، وأبدعه بالقمصان المصنوعة يدويًا ببراعة والفساتين المصممة بإتقان التي تستحضر الحياة على ضفاف المحيط والمغامرات. وكانت تلك القمصان والفساتين بمثابة بطاقات بريدية يمكن ارتداؤها وتقول صارخة: “ليتك كنت هنا”.
جميع الصور من Camille Shaheen-Tunberg
ظهر الموضوع للمرة الأولى على صفحات عدد مايو 2023 من ڤوغ العربية