ظلت ملايين الأُسر في كل أنحاء الوطن العربي والشرق الأوسط لأكثر من ستة عقود متتالية تواظب على الاجتماع في غرفة المعيشة لتتعالى أصوات ضحكاتهم النابعة من القلب فيما يشاهدون الفنان المعروف والكوميديان الرائع الذي أدّى بعض الأغنيات، النجم سمير غانم. وُلِدَ سمير غانم عام 1937 بقرية عرب الأطاولة بمحافظة أسيوط في مصر. وانطلق في أولى خطواته المهنية نحو عالم الشهرة والمجد عندما التقى بجورج سيدهم والضيف أحمد، حيث كوّنوا معاً فرقة ثلاثي أضواء المسرح الاستعراضية الكوميدية التي حققت نجاحات مدويّة وشهرة لا تُبارى في المنطقة. وما بين تقديم فوازير رمضان للتليفزيون المصري وتلفزيونات العالم العربي، والمشاركة في بطولة عدد من الأفلام التي لاقت نجاحاً كبيراً آنذاك، مثل فيلم “آخر شقاوة”، و”30 يوم في السجن”، و”المجانين الثلاثة”، استطاع الثلاثي أن يعيدوا تشكيل ساحة الكوميديا خلال فترة الستينيات. وبعد رحيل الضيف أحمد المفاجئ عام 1970، أثبت سمير غانم موهبته المنفردة بلا منازع من خلال تقديم شخصية “فطوطة” في بذلته الخضراء الشهيرة. يذكر أن سمير غانم شارك مؤخراً ابنتيه دنيا وإيمي في بطولة مسلسل تلفزيوني، بالإضافة إلى أنه يعمل حالياً على التحضير لمسرحة جديدة، مؤكداً أنه لا يزال ثابتاً على العهد أكثر من أي وقت مضى، وسيظل يتفانى في تقديم رسالته ونشر الضحكة في كل مكان.
ما الذي يضحك سمير غانم؟
ليس من الصعب إضحاكي أو حتى دفعي للبكاء. فأنا أضحك على النكات و”الإفيهات” التي أطلقها أنا بنفسي، وهذا يظهر على خشبة المسرح. الجمهور أيضاً يثير ضحكاتي، فردود أفعالهم وضحكاتهم الصافية دائماً ما تؤثر بي. وعلاوة على ذلك، ما من أحد يستطيع إضحاكي أكثر من ابنتي إيمي وحفيدتي، فهما لا تنفكان عن مفاجأتي بروحيهما المرحتين العفويتين. ويعتقد الناس أنني لا أكفّ عن إطلاق النكات في حديثي، فدائماً ما يسألون ابنتيَّ عن ما إذا كنتُ أمضي كل وقتي في المنزل أمزح وأطلق النكات. ولكن هذا لا يحدث في الواقع. فأنا شخص هادئ بطبعي ولا أحب أن أتكلم كثيراً.
ما أسعد اللحظات في حياة سمير غانم؟
أسعد لحظات حياتي عندما أرى القاعة ممتلئة عن آخرها بالجمهور الذين جاءوا إليّ خصيصاً وقطعوا كل هذا الطريق من أجل مشاهدتي ليضحكوا من قلبهم على نكاتي و”إفيهاتي”. كما أحب أن أستمع لتعليقاتهم عقب انتهاء العرض. فالضيوف العرب، على سبيل المثال، دائماً ما يدعون لي تعبيراً عن شكرهم لي عن إسعادهم ورسم الضحكة على وجوههم. وكما يقول لي ضيوف كثر أيضاً إنني سأدخل الجنة مباشرة لأني نجحت في إسعاد الجميع في تلك الليلة. مثل هذه التعليقات تملأ قلبي بالحب والسعادة.
هلا أخبرتنا كيف تكوّنت فرقة ثلاثي أضواء المسرح؟
بدأتُ التمثيل مع جورج سيدهم وعادل ناصف بينما كنتُ أدرس في آخر سنة في البكالوريوس بجامعة الإسكندرية. ولكن عندما اختار ناصف السفر، كان علينا البحث عن شريك ثالث لنا. كان الضيف أحمد آنذاك طالباً بجامعة القاهرة، وكان شغوفاً بالإخراج، ولكنه كان يتمتع بحس فكاهي منقطع النظير وضحكاته تنتقل كما العدوى، بالإضافة إلى مظهره المميز الذي لا ينسى. ما أن قابلناه حتى أدركنا على الفور أن هذا هو الشخص الذي كنا نبحث عنه. وبالفعل، التقينا جميعاً بالمخرج محمد سالم صاحب الفضل في إطلاق اسم ثلاثي أضواء المسرح على فرقتنا.
كيف أثّر رحيل الضيف أحمد المفاجئ على الفرقة؟
جاءت وفاة الضيف أحمد على نحو مفاجئ، وأفجعتنا جميعاً. كنا نعلم أنه ما من أحد يستطيع أن يحل محله. وتقدم إلينا الكثيرون ممن يشبهونه تماماً للحصول على فرصة مشاركتنا العمل، ولكننا كنا على يقين أن أحداً لن يكون مثله أبداً. احتفظنا باسم الفرقة، ولكننا لم نعد “ثلاثي” مجدداً. كان أول إنتاج لنا بعد وفاة الضيف مسرحية المتزوجون. في الواقع، لم نكن نتوقع أن تلاقي هذه المسرحية كل هذا النجاح وأنها ستعيش لعقود عديدة لاحقة.
هل كنت تتوقع لشخصية “فطوطة” أن تصبح ظاهرة على مستوى المنطقة وأن تلاقي كل هذا النجاح الهائل؟
لكي أكون أميناً، كان يمتلكني الخوف من تقديم هذه الشخصية في بادئ الأمر. فعلاوة على مدى اختلاف هذه الشخصية وتميزها، كانت عملية التصوير في حد ذاتها معقدة ومرهقة. فقد كانوا يسلطون عليّ كميات مفرطة من الإضاءة حتى يتمكنوا من تقليص حجمي لاحقاً في مرحلة التحرير. وفي المقابل، كان عليّ أن أتحدث بنبرة صوت عالية، وأن أغني ببطء شديد ليتمكن فنيو الصوت من تحويله إلى ذلك الصوت المميز الذي كنا نسمعه على شاشة التلفزيون. ولكن سرعان ما انتشرت هذه الشخصية، واجتازت كل الحدود حتى قبل أن نعلم بذلك. وبعدها، بدأنا تنظيم فعاليات خاصة في كل أنحاء منطقة الشرق الأوسط. وكان يحضر هذه العروض في كل مرة أكثر من 2000 طفل بصحبة عائلاتهم، كلهم سعداء بمشاهدة “سمورة وفطوطة” في عرض حيّ على المسرح. كانت هذه العروض بالغة الصعوبة – فكل الأطفال كانوا يرغبون في مقابلة فطوطة والتقاط الصور معه. ورغم نشاطهم المحموم وحماسهم الزائد، كانوا يدخلون السعادة إلى قلبي.
ما رأيك فيما يُقدَّم على الساحة الكوميدية هذه الأيام؟
يمتاز الجيل الجديد بعناصر كوميدية رائعة حقاً، ولكن المهم في الأمر أن يتمكن هؤلاء من أن يتركوا وراءهم إرثاً من الأعمال الكوميدية، ولم يصنع أيّاً منهم حتى الآن بصمة خاصة به في عالم الكوميديا. إنهم مرحون جداً، ولكن لنكاتهم و”إفيهاتهم” تأثير مؤقت لا يدوم، فلن تضحكك هذه “الإفيهات” سوى لمرة واحدة أو مرتين وكفى. إنها فقط مسألة وقت حتى يزول أثر هؤلاء وينتهي من الوجود.
ترى، ما الذي يشجع سمير غانم على الاستمرار في هذه المهنة طوال كل هذا العمر، والتفاني في تقديم الكوميديا بالذات؟
أرى أنه ينبغي على الفنانين الكوميديين مواصلة العمل حتى آخر يوم في حياة كلٍ منهم، ليس لأنهم في حاجة لكسب المال ولكن لأن الوقوف أمام الجمهور ترفٌ بحد ذاته. ولا أعتقد أني فقدت إحساسي الداخلي بالكوميديا، فأنا أعمل في الوقت الحالي على التحضير لمسرحية جديدة باسم “سيبوني أتجوز” والتي تدور أحداثها حول رجل كبير في السن مهووس بالزواج من النساء، الواحدة بعد الأخرى، دون أدنى احترام لسنّه. ومن المقرر أن يبدأ عرض هذه المسرحية خلال شهر ديسمبر.
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد نوفمبر 2019 من ڤوغ العربية.
اقرؤوا أيضاً: تعرفي إلى العارضة التونسية التي تشارك للمرة الأولى في عرض شانيل