الفروسية إحدى أعرق وأرقى الرياضات التي مارسها الإنسان على مرّ العصور. اليوم لم تعد الفروسية حكراً على الرجال بل تحوّلت إلى أكثر الأنشطة رفاهية في حياة المرأة العربية حتى بات بين النساء فارسات يُحسب لهن حساب وقد أنجبت المملكة العربية السعودية ست فارسات تربّعن على عرش هذه الرياضة النبيلة.
ستّ نساء سعوديات غيّرن وجه رياضة الفروسية في المملكة العربية السعودية؛ ففي عام 2015 وبينما كنّ يحضرن أحد سباقات اتحاد الفروسية في الجنادرية شمال شرق مدينة الرياض، قررن تأسيس دوري قفز حواجز خاص بفريق من النساء السعوديات أطلقن عليه اسم «الفروسية المتحدة».
أولت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة اهتماماً واضحاً بالرياضة، فالقيادة الرشيدة في المملكة ترى في الرياضة ركيزة أساسية لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 الطموحة. لذلك تحرص وزارة الرياضة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة على اتخاذ خطوات كبرى بهدف تنمية قطاع الرياضة. وقد توّجت هذه الخطوات استضافة المملكة العربية السعودية لكبرى المسابقات والفعاليات العالمية مثل بطولة العالم لسباقات «الفورملا إي» Formula E وبطولة لقب بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل Clash on the Dunes وكأس الدرعية للتنس، وليس آخرها هو فوز مدينة الرياض بحق استضافة دورة الألعاب الآسيوية 2034. وفي ما يتعلق برياضة الفروسية على وجه التحديد، نظمت الوزارة أهم سباقات الخيل في العالم وهي كأس السعودية المصنّفة كأغلى سباق خيل في العالم، واستضافت بطولات قفز الحواجز الدولية فئة 4 و5 نجوم في مدينة الرياض خلال موسم 2020–2021 وفوز المملكة بحق استضافة بطولة كأس العالم للفروسية 2024.
ويمثّل «الفروسية المتحدة» ستة أعضاء هنّ الفارسات سارة الرويتع، الأميرة لولوة آل سعود، شعاع العقيل، الأميرة أجواء آل سعود، سارة الجويعي، ومشاعل بنت منصور بن سلطان. فمن هن هؤلاء الفارسات وما سرّ عشقهن للخيل والفروسية؟
مشاعل بنت منصور بن محمد بن سلطان هي مالكة اسطبل خيل، اسطبل مشاعل بن سلطان – في منطقة الوصيل شمال غرب مدينة الرياض، ومستضيفة فعاليات الفروسية المتحدة منذ تأسيس البطولة. ولدت مشاعل وترعرعت في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، تخرجت في جامعة الملك سعود بشهادة البكالوريوس في العلوم الطبية. هي محبّة وعاشقة للخيل، ويتنوع نشاطها ما بين إنتاج خيل قفز الحواجز في أوروبا وممارسة رياضة قفز الحواجز. تحدثت مشاعل عن نشاطها فقالت: «الخيل شغفي. أمارسها منذ 20 عاماً». حظيت بدعم والدها منذ البداية فتشرّبت حبّ الفروسية وكوّنت أسرةً محبة لها فزوجها فارس قفز حواجز وابنها محمد ذو الأربعة سنوات بدأ أيضاً يميل إليها.
تعلّمت مشاعل من هذه الرياضة التخطيط والصبر والمثابرة والمسؤولية في اتخاذ القرارات اللحظية عنها وعن الجواد الذي تشارك به في السباقات، وقالت: «العلاقة مع الجواد يجب أن تراعي طبيعته وإمكانياته الفنية ووضعه الصحي والنفسي أثناء السباقات لتحديد الخيارات المناسبة». تشجع مشاعل المرأة النظر للمستقبل بنظرة إيجابية وتفاؤل كما تتمنّى مستقبل مشرق للعالم.
بفخرٍ واعتزاز يشتهر كل عاشق للخيل تحدّثت مشاعل عن بدايتها فقالت: «لسنوات طويلة، كنّا كفارسات سعوديات محبّات للخيل ورياضة قفز الحواجز نمارس ركوب الخيل بانتظام. كنا نملك خيول قفز مستوردة ذات جودة عالية، ونتدرب بإشراف مدربين محترفين يوميًا ونعتني بخيولنا في اسطبلاتنا الخاصة، لأن نوادي ركوب الخيل العامة ومسابقات قفز الحواجز في ذلك الوقت كانت تقتصر على الرجال فقط»، وتابعت: «طبعت الفروسية نمط حياتنا، ففي نهاية كل أسبوع، كنا نحضر مسابقات قفز الحواجز في خلال الموسم الرياضي كجمهور لفرط شغفنا وحبنا لهذه الرياضة».
صحيح أن تأسيس هذا الدوري يُعد إنجازاً كبيراً، إلا أن مشاعل تؤكد أن إنجاز المرأة السعودية لا ينحصر في هذا الأمر إنما يُقاس بمجالات عديدة تميزت بها، وقد شرحت قائلةً: «المرأة السعودية حاضرة في الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والعلمية والطبية وغيرها. وحضور المرأة اليوم في الجانب الرياضي يُعد امتداداً لمساهمتها في مختلف المجالات التي نشطت بها»، وتضيف: «من المؤكد أن الجانب الرياضي حالياً يخطو خطى كبيرة بمشاركة المرأة ضمن توجهات وبرامج رؤية المملكة 2030».
والغرض الرئيسي من تأسيس دوري الفروسية المتحدة كان منح الفرسان والفارسات فرصة التنافس المباشر في الميدان، أخذاً بالاعتبار حقيقة أن رياضة قفز الحواجز هي واحدة من عدد قليل من الرياضات العالمية التي يتنافس فيها الذكور والإناث على حدٍ سواء.
بدأت الفارسات الستة التخطيط لفعاليات الفروسية المتحدة خلال فصل الشتاء عام 2015، والتي ركّزت على مسابقات قفز الحواجز بالتحديد، وتضمنت كذلك عدداً من الفعاليات المصاحبة مثل ركوب الدراجات والرماية وتسلّق الجبال ومسارات الخيول، والخدمات الداعمة الأخرى مثل عربات الطعام وغيرها.
وقد كانت النسخة الأولى من منافسات الفروسية المتحدة في شهر أكتوبر لعام 2015، تميّز حينها بتنظيم عالي المستوى وجرت على ميدان الفروسية المتحدة العشبي المحاط بجبال خلابة غرب مدينة الرياض بناءً على المعايير والمقاييس الدولية لميادين الفروسية.
وتشرح مشاعل عن النسخة الأولى قائلة: «اتبعنا أبرز القواعد الخاصة بالاتحاد الدولي للفروسية FEI (الزي الرسمي، مصمم حواجز معتمد، لجنة التحكيم، اجراءات الأمن والسلامة …وغيرها). واستعنا بالمصمم الأولمبي والحكم الدولي السيد منصور المقاطي لتصميم أشواط البطولة وإدارة الفعالية. ونظراً لبراعته وحرفيته، لا زال التعاون مستمراً بيننا في النسخ اللاحقة حتى يومنا هذا». حصل دوري الفروسية المتحدة على دعمٍ إضافي من عدد من الشركات المحلية والدولية التي رعت بعضاً من أشواط بطولة فقز الحواجز ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركة إسطبلات دجوبفيك الدولية المملوكة للفارس النرويجي الأولمبي مورتن دجوبفيك.
من المؤكد أن الجانب الرياضي حالياً يخطو خطى كبيرة بمشاركة المرأة ضمن توجهات وبرامج رؤية المملكة 2030
وفي الوقت الحالي، وضمن سلسلة قرارات حكومة المملكة الرشيدة يحفظها الله التي تضمنت قرارات مهمة تعنى بتمكين المرأة السعودية في كافة المجالات ومنها المجال الرياضي. تم في بداية الموسم الرياضي (2019-2020) إقرار وفتح المشاركة في منافسات قفز الحواجز للفرسان والفارسات على حدٍ سواء، وقد قالت مشاعل: «شكّل هذا القرار دافعاً لنا في الفروسية المتحدة لرفع وتعزيز مستوى التنافسية بين الفرسان والفارسات في الاستحقاقات القادمة بما يتوافق مع التطور الحالي في رياضة قفز الحواجز بالمملكة».
تعتقد مشاعل أن الجميع يستشعر الإصلاح الكبير الذي تمر به المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – أيّده الله – والرؤية الطموحة لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله؛ فرؤية المملكة ببرامجها الضخمة والمتنوعة تمسّ مختلف جوانب الحياة في مختلف المجالات الرياضية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية والصناعية وكل ما يتعلق بجودة الحياة، والتركيز على رفاهية الإنسان.
الأميرة لولوة آل سعود هي أيضاً فارسة ولها أعمالها الخاصة في مجال الخيول وإنتاجها. بدأت مسيرتها مع الخيل قبل 20 عاماً وذلك عندما ضمّتها والدتها إلى نادي «الأغر» بعد أن اكتشفت ميول ابنتها للخيل. علاقة الأميرة لولوة مع الخيل ليست وليدة الصدفة بل توارثت حبها أباً عن جد وهذا كان دافعاً قوياً لانضمامها للفروسية المتحدة وهي تقول: «فخورة جداً لأنني عضو في هذا الدوري. كوني واحدة من النساء الست الملهمات في مجال الفروسية محط اعتزاز لي».
اخلصي لما تحبّين القيام به وكوني قدوة لدينك ووطنك
شأنها شأن الأخريات تؤمن الأميرة لولوة أنّ مستقبل الرياضة في المملكة مشرق جداً نسبة للازدهار الواضح في هذا المجال ونظراً للمكانة التي باتت المرأة تحظى بها في المملكة والاهتمام الذي توليه لها القيادة، وقد توجهت للمرأة بشكلٍ عامٍ قائلة: «اخلصي لما تحبّين القيام به وكوني قدوة لدينك ووطنك».
يشبه شغف سارة بنت عبدالعزيز الرويتع إلى حدّ بعيد شغف مشاعل والأميرة لولوة، فهي تهوى وتعمل في عالم تحيطه الخيول. تخرجت سارة في جامعة الأمير سلطان وحازت شهادةً في التسويق عام ٢٠١٦ وأسست متجر «تاك شاك» المتخصص في بيع مستلزمات الفروسية. منذ صغرها تهتم سارة التي تمتلك حالياً مجموعة خيل بالخيل بشكل عام وبدأت بتعلم الفروسية بانتظام منذ العام ٢٠١٠. وتعلّق سارة بالخيل يبدو واضحاً حين تقول: «لا أتخيل حياتي من دون الخيل، فهي جزء كبير من يومي علمتني الصبر والإصرار والإرادة».
سارة فخورة جداً كونها عضو في الفروسية المتحدة، إذ تعتبر أنّ مستقبل الرياضة في المملكة بشكل عام واعد جداً وفي الفروسية بشكل خاص، وتجد أن ما آلت إليه الأمور اليوم يبعث في نفسها السرور بعد ما واجهته في البدايات وقد علّقت قائلةً: «لم تكن البدايات سهلة. واجهت تحديات جمّة تمثّلت في محدودية خيارات مراكز التدريب التي تستقبل الفارسات وعدم مشاركة الفارسات في البطولات كون البطولات تُكسب الفارس خبرة وثقة لا يمكن اكتسابها من ميدان التدريب». إلا أن هذه التحديات والعوائق لم تردع سارة ولم تقف في وجه أحلامها، وبعد أن حققت ما حققته باتت مؤمنة أن الشغف نهايته النجاح لذلك تنصح كل امرأة عربية بأن تلحق شغفها إلى آخر رمق.
تشارك شعاع العقيل أخصائية التدريب في برنامج الأمان الأسري الوطني مشاعل وسارة والأميرة لولوة الشغف ذاته، فهي تحب الخيل وتمارس الفروسية منذ صغرها. في العام 2005، بدأت تتدرب في نادي «الأغر» على القفز وشاركت في بطولات كان يقيمها النادي؛ وانتقلت في العام 2009 إلى نادي «الدهامي» واقتنت خيلها الخاص وشاركت في بطولات عديدة محلية ودولية.
يمكن وصف علاقة شعاع بالخيل بعلاقة حبّ أبدي فهي لا تتخيل حياتها من دونه وتؤكد أنّ المرأة والخيل يتشاركان صفات عديدة، وقد شرحت وجهة نظرها فقالت: «كثيرة هي الصفات المشتركة بين المرأة والخيل كالجمال والكرم والسلالة والعراقة والهمة العالية».
تشعر شعاع بالفخر كونها من أوائل النساء اللاتي دعمن المرأة في رياضة قفز الحواجز في المملكة العربية السعودية وفتحن المجال أمامها للمشاركة في البطولات، فهي تعتقد أنّ الأنشطة البدنية والرياضة بشكل منتظم تؤثر بشكل إيجابي على صحتنا النفسية والجسدية لذا تشجّع المرأة لاتباع نمط حياة ترافقه الرياضة المنتظمة. وما دعمها هذا إلا نتيجة بدايات شابها الكثير من التحديات تمثّلت بصعوبة اقتناء الخيل والأمومة التي شغلتها بعض الشيء عن الفروسية لما تطلبه من وقتٍ ومجهود.
SIMSIM:تصوير
الموضوع نشر للمرة الأولى على صفحات ڤوغ العربية عدد شهر يونيو 2021
أقرئي أيضاً:علامة أديداس تتخذ مبادرات نسائية مهمة للمرأة السعودية