تابعوا ڤوغ العربية

ڤوغ العربية تسأل: لماذا ينبغي تغيير مفهوم إساءة استعمال الرموز الثقافية؟

أثار الشعرُ المستعار المجدول، الذي ظهر به مؤخراً عارضو مجموعة أزياء كوم دي غارسون لخريف وشتاء 2020، موجةً من الغضب اتُهِمَت العلامة على إثرها بإساءة استعمال الرموز الثقافية. الصورة: Getty

رغم أنه ليس هناك تقريباً أي جديد يضاف إلى كل ما قيل عن حالات إساءة استعمال الرموز الثقافية [التي تعرف أيضاً بـ”سرقة الرموز الثقافية” أو “الاستيلاء على الرموز الثقافية”]، سنظل نتحدث عن هذه الظاهرة ما دامت قائمة. 

ولا شك أن وضع تعريف عالمي لهذا المفهوم يمثّل نقطة انطلاق جيدة للنقاش، إلا أن مستشارة قانون وسياسة الملكية الفكرية والتراث الثقافي، بريجيت ڤيزينا، ترى أن ذلك يمثّل تحدياً جوهرياً. وخلال معظم سنوات مسيرتها المهنية، سبق وعالجت بريجيت مثل هذه القضايا، سواء في عملها بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية أم كزميلة بالمركز الدولي للحكم الرشيد. 

توضح: “يجب أن تتوافر أربعة عناصر. أولاً: استخدام الرمز الثقافي في سياق يختلف عن سياقه الأصلي المعتاد. وثانياً: اختلال التوازن بين استعمال ذلك الرمز في الثقافة المأخوذ منها مقارنةً باستعماله في الثقافة التي أقبلت عليه. أو بمعنى آخر، أن تهيمن مجموعة منهما نسبياً على المجموعة الأخرى. وثالثاً: عدم انخراط الثقافة المأخوذ منها الرمز الثقافي [في استعماله في الثقافة التي استحوذت عليه]. ما يعني أن الثقافة المأخوذ منها ذلك الرمز الثقافي لم توافق على استعماله، ولم يتم سداد أي مكافآت أو المساهمة بقيمة مالية أو أي مساهمة عينية أخرى نظير استعمال هذا الرمز، ولم يحدث تعاون بين الثقافتين، ولم يُطلَب إذن بشأنه استعماله أو لم يشارك [في الثقافة الأخرى] بأي شكل من الأشكال. أما العنصر الرابع فيتعلق بالأضرار المترتبة على ذلك. وقد تكون أضراراً اقتصادية؛ على سبيل المثال، إذا تضررت مبيعات المنتجات الأصلية بسبب صنع هذا المنتج الذي ينطوي على الرمز الثقافي الذي تم الاستيلاء عليه”. 

لم يعد باستطاعة أفراد الجمهور المطّلعين تجاهل الظلم الناجم عن حالات الاستيلاء على الرموز الثقافية التي تحدث أمام أعينهم

وتضيف: “قد يسبب ذلك أضراراً اجتماعية إذا ما أضعف هويةَ الثقافة المأخوذ منها ذلك الرمز، وخلّد الصورَ النمطية السلبية التي قد تضر بهوية الجماعة. وقد يؤدي أيضاً إلى أضرار ثقافية، إذا شوّه الثقافة وأفقدها معناها، وهو ما يسيء للجماعة ويمكن اعتباره قمة التسفيه والإهانة. وإذا توافرت هذه العناصر الأربعة، فنحن على الأرجح نواجه قضية استيلاء ثقافي”. 

ويمثل مفهوم الاستيلاء الثقافي، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كل شيء، بدءاً من عدم دقة القصص مثلما حدث في فيلم ’علاء الدين‘ الذي أنتجته شركة ديزني، وصولاً إلى إقدام عالم الموضة على تغيير شكل الكوفيّة وتحويلها إلى صيحة عالمية. وكان اهتمام الشرق الأوسط منصبّاً إلى حد كبير على إساءة تمثيل العرب وثقافاتهم، ما رسخ التصورات النمطية الخاطئة عن المنطقة. 

تعرضت شركة ديزني للانتقادات بسبب اختيارها الممثلة ناومي سكوت للعب دور ياسمين في فيلم علاء الدين

ولم يزد العصر الرقمي -الذي أسهم في انتشار العولمة وأدى إلى زيادة التبادل الثقافي- قضية الاستيلاء الثقافي إلا سوءاً. وفي الوقت نفسه، بات المجتمع أكثر حزماً في الدفاع عن قضايا العدالة الاجتماعية، مثل ملكية الرموز الثقافية. فأصبحنا الآن على دراية جيدة بأنماط الاستغلال التي شكلت ملامح القوى المحركة غير العادلة في العالم الذي نعيش فيه. ولم يعد باستطاعة أفراد الجمهور المطّلعين تجاهل الظلم الناجم عن حالات الاستيلاء على الرموز الثقافية التي تحدث أمام أعينهم.

توضح ڤيينا كيم، محررة الفن والأزياء، التي فاز بحثُها عن الاستيلاء على الرموز الثقافية، بمركز متقدم في مسابقة أصوات الموضة المستقبلية لعام 2016 والتي نظمها موقع بيزنس أوف فاشن، قائلةً: “لمستُ بالتأكيد تغييراً في الحوار على الإنترنت… فلدينا حسابات مثل دايت برادا على انستقرام، وهو نوع من الرقابة على صناعة الموضة. وقد لاحظتُ أن هناك علامات معيّنة تتجاوب مع الأصوات المتزايدة المدافعة عن الثقافة؛ إنها تستمع حقاً للشباب”. 

وتستطرد قائلةً: “وأهم مثال أذكره حين عيّنت غوتشي موظفةً جديدة [رينيه تيرادو، الرئيسة العالمية للتعددية والإنصاف والشمولية] تعمل على الحديث مع الناس والتحقق من أن العلامة حين تستخدم شكلاً معيّناً أو أي شيء من هذا القبيل، تدرك سياقها”. 

تحتاج صناعة الموضة بوجه خاص إلى البحث عن أفضل السبل لتمثيل الثقافات (وقيمها المتعلقة بالملكية الفكرية)

ويعد السياق مهماً، ليس فقط عند استخدام هذه العناصر الثقافية، بل لمواجهة ثقافة صاعدة تسعى إلى إدانة العلامات ومساءلتها. إذ غالباً ما تؤدي مناقشة هذه القضايا على منصات مواقع التواصل، التي لم تطلق لتبادل رؤى لا تراعي الفوارق الدقيقة بين الثقافات، إلى تعالي صيحات الجمهور المطالبين بالتوافق بينها ما يتسبب في ضياع نقاط مهمة وسط هذا الضجيج. وخير مثال على ذلك ردود الأفعال العنيفة التي تلقتها ديور نتيجة لتصويرها السكان الأصليين لأمريكا واستخدام رقصاتهم وأزيائهم في أحدث حملات عطرها “سوڤاج”. ولكن غاب عن أذهان الغاضبين أن ديور تعاونت مع جمعية أمريكانز فور إنديان أوبورتيونيتي التي تدافع عن السكان الأصليين. ويعني إشراكها كطرف معنيّ في هذه الحملة أن التعاون بينهما كان منصفاً ونزيهاً، بيد أنه لن يمحو الأذى الذي سببته تلك الحملة، والذي تحدث عنه الجمهور وجماعات الدفاع عن الأمريكيين الأصليين على السواء. 

ومن هذا المنطلق، يتعيّن على العلامات والجمهور تقييم كل حالة من حالات الاستيلاء الثقافي على حدة، وطرح الأسئلة المناسبة التي تقودنا إلى استنتاجات سليمة. وعلاوة على ذلك، تحتاج صناعة الموضة بوجه خاص إلى البحث عن أفضل السبل لتمثيل الثقافات (وقيمها المتعلقة بالملكية الفكرية) على نحو أكثر دقة في هذه المعالجات، إذ على ما يبدو لم تكن جمعية أمريكانز فور إنديان أوبورتيونيتي الخيار الأفضل. 

إن صناعة الموضة لا تحتاج إلى حثها على وضع معايير للدفاع عن التعاون العادل من الهجوم غير الواعي، وإنما تحتاج أيضاً إلى تطوير ممارسات للاستجابة للاتهامات المشروعة بالاستيلاء الثقافي، والتي تتجاوز مجرد وقف الحملة، ونشر اعتذار نموذجي على أمل أن تقضي الدورة الإخبارية على هذه الفوضى. 

اقرؤوا أيضاً: هل كشف اختيار الممثلين في فيلم علاء الدين عن سوء تمثيل العرب في هوليوود؟

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع