“الثقافة في كل مكان”.. يبدو هذا التصريح الذي أدلى به مؤسِّسُ مركز ’النقطة‘ الثقافي، سفيان سي مرابط، بسيطاً للوهلة الأولى، إلا أنه يحمل في طيّاته معنى أعمق يهدف سي مرابط للكشف عنه عبر مساحته الإبداعية التي افتتحها حديثاً في السركال أڤينيو. تقع هذه الوجهة الثقافية في المستودع رقم 22 بالحي الفني الصاعد في سماء دبي، وأُطلِق عليها هذا الاسم احتفاءً بقدرة ’النقطة‘ على الإشارة لموقع ما على الخريطة وكذلك تغيير الحروف ومعاني الكلمات في اللغة العربية. ويسعى هذا المركز الثقافي إلى التعمق في فهم الأوجه المتعددة للهويّات العربية ورفع الوعي بتنوعها ووضعها في صدارة النقاشات اليومية.
ونشأت فكرة مركز ’النقطة‘ الثقافي كإحدى بنات أفكار منصة العربي الحائر الرقمية ووكالة كارتا الثقافية، اللتين أقامهما سي مرابط أيضاً، ويدعو المركزُ أفرادَ المجتمع لحضور برنامج حافل بالمناقشات، وورش العمل، والعروض المرتبطة بالعالم العربي للحديث صراحة عن الثقافات وتحدي الأفكار المسبقة عنها. وقد استضاف مركز ’النقطة‘ إحدى تلك الفعاليات يوم السبت 25 يناير، تحت شعار “الهويّات العربية عبر الفضاءات: هل نحن جميعاً ’عرب‘؟”، والتي شارك فيها المخرج السينمائي الإماراتي عبد الله الكعبي، والصحفية الفرنسية السورية ليلى العوف، ومديرة العلاقات العامة في ’نايكي الشرق الأوسط‘ الكندية الفلسطينية ريهام عبورة، وسي مرابط نفسه. وقبل المناقشة، التقت ڤوغ العربية سي مرابط للحديث عن أهمية مثل هذه المساحات في المجتمع، ونصيحته لأولئك الذين يشعرون بالتخبط بسبب هويّاتهم المختلفة، وإجابته عن السؤال العويص “من أين أنت؟”.
كيف ترى تطور الهويّة العربية خلال السنوات القليلة الماضية؟ وهل تعتقد أن مفهوم الهويّة تغيّر أم أن الناس أصبحوا أكثر صراحةً في الحديث عن هويّاتهم متعددة الأوجه؟
لزمن طويل، ظلت الهويّات العربية –وليست “هويّة” وحسب، لأنها شديدة التنوّع بحسب المناطق والأساليب المختلفة التي نفهمها بها– مرتبطة بالسياسة بقوة. وقد أدت الأحداث الصعبة التي شهدتها بعض مناطق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى إحساس بعض العرب بالعار والحرص على عدم التصريح بهويّاتهم. ومن ناحية أخرى، أعاد الجيلُ الشاب الاستحواذَ على الهويّات العربية بثرائها وتنوعها وطالبوا بالحق في سردها بكلماتهم ولغاتهم ولهجاتهم عبر الموسيقى، والفنون، والأزياء. وعلاوة على ذلك، أعتقد أنا شخصياً أن تطوّر العصر الرقمي أتاح لنا أيضاً ولجمهور أكبر إمكانية الوصول إلى الهويّات المتنوعة في العالم العربي على نطاق أوسع، خاصة المغتربين من أمثالي. وبدءاً من الثمانينيات، كان بعض الفنانين -مثل الجزائري رشيد طه- بالفعل يعرّفون الهويّات العربية بعيداً عن الكلمات الجوفاء، وأصرّ رشيد على تمثيلها كمغني روك!
اقرئي أيضاً: الشيخة انتصار تصدر كتاباً لمساعدة النساء اللواتي يعانين مآسي الحرب
لماذا تعتقد أن الناس لديهم مفاهيم متضاربة عن هويّتهم، وهل لديك نصيحة تسديها إليهم؟
إن الهويّات مهمة دائماً للسماح بالتعددية، وهي عبارة عن تراكيب اجتماعية تحددها جماعة معينة. وغالباً ما يحدث التضارب حول الهويّة حين تبدئين في التساؤل عمن تكونين (في سبيلكِ لمعرفة ذاتكِ). وقد تعلمنا أن الرجل حاله هكذا‘، و’العربي أو المسلم الصالح يجب أن يتصرف هكذا‘. وأودّ أن أشير إلى أن سؤال الناس عن هويّاتهم أمر صحي. فحين بدأت إطلاق منصة “العربي الحائر” الرقمية، كان لديّ كم كبير من الأسئلة التي لم أكن راضياً عن إجاباتها التي قدمت لي. وقد أردت أن أبيّن أن الحيرة أمر لا بأس به لأنها تعني أنكِ تتساءلين وتشعرين بالفضول تجاه بيئتكِ وتراثكِ. وفي بعض تراكيبي الفنية، أبرزت أيضاً أنه لا يتعيّن عليكِ الاختيار بين هوياتكِ؛ وأتصوّرها لعبة تلعبين فيها بالبطاقة الأنسب لكِ.
هل ترى أنه من المهم تجربة العيش في الخارج أم داخل ثقافتك الوطنية؟
تتطلب الإجابة تحديد دلالات مفهوم الثقافة الوطنية أو الوطن. تُرى، هل هو المكان الذي جاءت منه عائلتكِ؟ وهل هو مكان فقط أم مكان وشعب؟ لقد ولدتُ ونشأتُ في فرنسا لأسرة جزائرية. ولم أعش قط في الجزائر. والعجيب، أنه بسبب اهتمام والديّ الكبير بالثقافة والتقاليد، لا أشعر بالانفصال عن المجتمع حين أزور الجزائر. لذا أعتقد أن البشر هم الذين يصنعون الوطن. وأنا واضح جداً بأن كوني فرنسياً من أصل جزائري أو جزائرياً من أصل فرنسي يعني أني عشت تجارب معيّنة لم يعشها شاب ولد في الجزائر ونشأ فيها، والعكس صحيح. والحياة في الغربة تضع الناس غالبا في مأزق، فأنتِ تحاولين دائماً رؤية جانب من تراثكِ (وما قد ترغبين في الاحتفاظ به) مقابل ثمرة التأثيرات المتعددة حولكِ.
لماذا ترى أنه من المهم أن يزور الناس مركز ’النقطة‘؟
ليغيّروا تصوراتهم! و’النقطة‘ ستغدو مكاناً للنقاش مع الناس والشخصيات من ذوي الخلفيات المختلفة تماماً. وقد افتتحنا المكان خلال الاحتفال بيناير (رأس السنة الأمازيغية)، وقد أخذ الناس في سؤالنا عن العلاقة بين الأمازيغ والعالم العربي؛ ولقد كانت فرصة طيبة لتقديم مزيد من المعلومات في هذا السياق.
بِمَ تجيب عن سؤال “من أين أنت”؟
لأن الهويّات عبارة عن تراكيب، سأقول بأنه يمكنني تقديم إجابات مختلفة أصيلة بحسب مَن يسألني. لماذا؟ لأني أرى أنه يجب استخدام الهويّات للربط بين الناس وليس وضعهم في قوالب، فقبل كل شيء هم أيضاً تراكيب.
ما تصورك عن مستقبل العالم العربي؟
أحب أن أراه أكثر إشراقاً وشديد الإلهام. وأرى أنه بموقعه –ما بين إفريقيا وآسيا وقبالة أوروبا– وبسكّانه من الشباب ومغتربيه الأثرياء، قد آن الأوان للعرب أن يعودوا ليكونوا أداة وصل. أداة وصل للتنوع، لأننا نتشاطر الكثير من الأشياء.
اقرئي أيضاً: المصمم اللبناني ربيع كيروز يقدم تصاميم مفككة خلال أسبوع الموضة الراقية وسط احتدام الثورة اللبنانية