ليس الأمرُ بيسير أن تكوني واحدة من أكثر عارضات الأزياء رواجاً على مرِّ التاريخ. وفي الليلة التي سبقت وصول جيجي حديد إلى باريس لتصوير غلاف عدد العيد السنوي الثاني لــڤوغ العربيّة، كانت تتهادى فوق منصة عرض مارك جيكوبس خلال أسبوع الموضة في نيويورك. تُرى، هل نطلب لها مروحية لتتمكن من الوصول إلى المطار في الموعد المناسب؟ وماذا عن طائرة نفاثة خاصة بحيث لا تضيِّع من وقتها ولو ثانيةً واحدة؟ وعلى الجانب الآخر، ليس لدى المصور الفوتوغرافي الشهير بيتر ليندبيرغ سوى يوم واحد فقط لالتقاط صور هذه الجلسة، لذا فإن الأوقات الاستثنائية تتطلب إجراءات استثنائية كذلك. وفي النهاية وصلت العارضة إلى موقع التصوير في الموعد المحدد، ما جعل تلك الظهيرة المشرقة من أحد أيام شهر فبراير في باريس أكثر إشراقاً. “مرحباً، أنا جيجي”، هكذا قدمت العارضةُ نفسها لفريق العمل، بنبرة ودودة تفسِّر سبب وقوع العالم في غرامها عندما بدأت عرض الأزياء باحترافٍ قبل خمس سنواتٍ فقط لا غير. وبعد الفاتنات البرازيليات والمجموعة الروسية، ها هي حديد تقود طائفة من العارضات يُشار إليهن بلقب “فتيات انستقرام”، ما يوحي بأن شعبيتهن تزايدت بفضل حضورهن القوي على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يُنظَر إلى هذا المصطلح نظرةً إيجابية على الدوام، حيث تحدثت عارضات مخضرمات مثل ناومي كامبل غير مرة عن الخصال التي تحلَّى (أو لم يتحلَّ) بها هذا الفوج الجديد من العارضات، مقارنةً بالعارضات المتألقات في الثمانينيات والتسعينيات. ولكن دعونا نواجه الحقيقة، فبالرغم من أن حديد واحدة من أكثر العارضات إثارةً للاهتمام والمتابعة على وجه الأرض -لديها أكثر من 46 مليون متابعٍ على انستقرام- لا يستطيع أحد أن يواصل العمل في صناعة الموضة والأزياء دون التزامٍ فولاذي وأخلاقيات عملٍ فولاذية كذلك.
نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2019 من ڤوغ العربية.
وحديد، التي تبلغ من العمر الآن 23 ربيعاً، نشأت في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا، وهي ابنة عارضة الأزياء الهولندية ونجمة مسلسل تلفزيون الواقع يولاندا حديد وقطب العقارات الفلسطيني محمد حديد. بدأت جيجي عرض الأزياء لصالح علامة “جيس” وهي في الثانية من عمرها لا غير، لكنها تؤكد لي أن طفولتها كانت عادية تماماً. “كثير من الناس يطرحون افتراضات عن عائلتي، ولكن نحن لم ننشأ بأسلوب ’هوليوود‘. قمتُ بعرض الأزياء عندما كنتُ صغيرة لكن أمي جعلتني أتوقف عمداً عن ذلك قبل أن أتخذه مهنةً لي”، وتردف: “نشأتُ مع خيولي، التي كنتُ أمتطيها وأعتني بها، وأخترعُ مهام لأقوم بها حول الإسطبل. وعندما كبرتُ قليلاً، في الصف الثالث أو الرابع، بدأتُ أحبُّ الكرة الطائرة كذلك، ولعبتُ في فرق مدرستي. وقد شدَّد والداي على أهمية قيامي بواجباتي الدراسية على أكمل وجه، وكانا داعمين لأي شيءٍ أردتُ تجربته خارج نطاق الدراسة. وكغالبية الأطفال، استغرق معظمَ وقتي التركيزُ على الرياضات التي كنت أمارسها، إلى جانب الرسم والتواجد في الخارج وقضاء الوقت برفقة الأصدقاء. ولم يسمح لي والداي باستغلال نجاحهما. أثناء دراستي، كنت أعرف أنه من المتوقع مني أن أعمل على استقلاليتي بعد إنهاء الثانويّة العامّة، لذا لم أضع مطلقاً كل البيض في سلة عرض الأزياء”.
وفي حين كانت خطة حديد الأساسية هي دراسة علم الجريمة، إلا أنها انتهى بها المطاف بالانتقال إلى نيويورك لتصبح عارضة أزياء، حيث شاركت لأول مرة فوق المنصة في عرض العلامة الإسبانية ديسيغوال في فبراير 2014. ومنذ ذلك الحين تغيَّرت حياتها بالكامل، حيث أصبحت حديدُ الوجهَ الدعائي لبعضٍ من أشهر العلامات في دنيا الموضة والأزياء، بما فيها ڤيكتوريا سيكريت، وتومي هيلفيغر، وريبوك. ومؤخراً، وبالابتعاد عن نهج العمل “الأمريكي الخالص” والأكثر ميلاً نحو الطابع التجاري، أصبحت الوجهَ الدعائي لعلامة برادا. وتألقت أيضاً فوق منصة عرض ڤيرساتشي في ميلانو – ودوناتيلا ڤيرساتشي هي واحدة من أبرز داعمي حديد، إذ تقول: “أنتِ حقاً فتاتي وستظلين كذلك دوماً”.
ولدى سؤالها عن شعورها حيال مسيرتها المهنية المزدهرة للغاية والحديثة العهد في آنٍ معاً، لا تخفي حديد حماسها وشعورها بالامتنان، حيث تقول: “كثيرٌ مما أفعله يبدو خيالياً. ما يزال هناك أحلام تتحقق لم أكن أعلم أنه بإمكاني حتى الحلم بها عندما بدأت”، وتقرُّ مضيفةً: “المشاركة في حملة برادا وعرضها هذا الموسم مثالٌ على ذلك – لم أعتقد يوماً أن هذا الأمر ممكنٌ لي. ولكن هذا هو سحر ميوتشا، إنها عظيمة، وتحبُّ المخاطرة. تفعل ما لا يتوقعه أحد، وأنا ممتنة لدعمها للغاية. ولكن، وفوق كل عمل أو محطة مهنية بارزة، يظل الشرف الأكبر بالنسبة لي هو فرصة التعرُّف إلى المصممين والمبدعين في هذا المجال وقضاء وقتٍ معهم، والتعامل معهم كأشخاص. تلك هي اللحظات الأكثر سحراً والأعزُّ على قلبي”.
وبدأ القمر يختلس النظر عبر النافذ الزجاجية الضخمة للاستوديو الذي نصوّر فيه في حين يبدو أنَّ حديد وليندبيرغ في غاية الانسجام الفني، وذلك رغم أنهما تقابلا للمرة الأولى منذ عدة ساعاتٍ فقط لا غير. ودون توجيه، تتحرك حديد في موقع التصوير بلباقة تامة، في حين ترتدي مزيجاً من تصاميم العلامات العالمية والمصممين العرب، ومنهم إيلي صعب ومصمم الأزياء الراقية السعودي آشي. ولطالما كان تسليط الضوء على إرثها العربي جزءاً مهماً في جلسة التصوير هذه، حيث تشير على نحو متواصل إلى الجانب الشرق أوسطي في عائلتها. وفي العام الماضي، التُقِطَت صورٌ لها وهي تحتفل بالعيد بصحبة نجم البوب زين مالك، كما شاركت في العام 2017 في مظاهرة بشوارع مدينة نيويورك برفقة شقيقتها بيلا حديد احتجاجاً على حظر السفر المناهض للمسلمين الذي أقره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. “أصولي الفلسطينية أضفت ثراءً كبيراً على حياتي”، وتضيف: “كنتُ دوماً أشعر بأن الأطفال من ذوي الأعراق المختلطة يستمتعون بازدواجية فريدة في حياتهم. أعتقد أنه وإلى جانب الأمور البديهية، مثل حبي للمأكولات والتقاليد العربية أثناء نشأتي، فإن كَوني عربيّة جعلني أكثر انفتاحاً ومحبة لكل الخلفيات، وأدركتُ أن امتلاك المرء لقدر أكبر من شيء ما لا يجعل نصيبه أقل في شيءٍ آخر، ويمكن لنا جميعنا أن نكون أكثر نضوجاً واكتمالاً من خلال تقبُّل كلِّ جزءٍ من أنفسنا”.
إنه هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه المنطقة ما جعل حديد توافق بكل حماس على الظهور على غلاف أول أعداد مجلتنا، قبل عامين. وفي حين بدت خلابة وهي تضع وشاح الرأس المطعّم بالكريستال ذاك، أشعلت تلك الصورة وسائل التواصل الاجتماعي، مع تشكيك العديد من النقاد بإرث حديد العربي. وكانت هناك أيضاً المنطقة الرمادية من الناحية الثقافية والخطوة المحفوفة بالمخاطر المتمثّلة في ارتداء غطاء للرأس في حين أن العارضة تُعرَف في واقع الأمر بخصل شعرها الشقراء الرائعة. ولدى التفكير في تلك اللحظة الأيقونية والمثيرة للجدل في آنٍ معاً، تقرُّ حديد أنها شعرت بمسؤولية ثقيلة عندما وقفت لالتقاط صور ذلك الغلاف، ليس تجاه إرثها وعائلتها وحسب، بل أيضاً تجاه النساء والشابات العربيات. تقول العارضة: “أردتُ أن أضع غطاءً كإشارة احترام، وأيضاً للمساعدة في تحطيم الوصمة التي تحيط بتلك الصورة في عالم الأزياء. تستحق النساء المحجبات أو اللواتي يرتدين أزياء محتشمة أن يشعرن بوجود تمثيلٍ لهن وأن يشاهدن أنفسهن في صور الموضة، وهذا دورٌ هامٌ تلعبه ڤوغ العربية على الساحة العالمية”.
العائلة والإرث والأزياء، يبدو أن هذه المحاور الثلاثة تلعب دوراً أساسياً في مسيرة حديد، خصوصاً أنها تنحدر من أسرة يقبع معظم أفرادها تحت مجهر مراقبة الجمهور؛ فمع شقيقها أنور، وبصورة أكبر مع شقيقتها بيلا، تتشارك أضواء عالم الأزياء، بوصفهما ثنائي عرض الأزياء اللامع الأكثر رواجاً حتى يوماً هذا. ولكن هل من منافسة بين الشقيقتين؟ تجيب: “نحن أفضل صديقتين. ولطالما احتفينا بأوجه التشابه والاختلاف بيننا، ونواصل ذلك في عملنا”، هكذا تختتم حديد حديثها بعد انتهاء آخر لقطة، والآن تجلس على أريكة في زاوية الاستوديو حالك السواد. “أحبُّ مشاهدة أوجه اختلاف المسيرة المهنية لكلٍّ منا، ومن ثم نجتمع من أجل اللحظات المميزة. ودائماً ما نقضي أفضل الأوقات معاً، وحتى وإن لم تتوافق جداول أعمالنا خلال أسابيع الموضة، نجتمع في نهاية اليوم ونطلب ليلاً خدمة الغرف بالإضافة إلى فيلم”. وبعد يومٍ كاملٍ من العمل، تلا وصولها مباشرةً من رحلةٍ عبرت المحيط الأطلنطي، قد تكون هذه إحدى تلك الليالي.
والآن اقرؤوا: حقائق قد لا تعرفونها عن جيجي حديد
تصفيف الشعر: أوديل جيلبير من صالون L’Atelier 68
المكياج: ستيفان ماريه من صالون Studio 57
مساعدو التصوير: ستيفان رابو، وجوريس روسي، وستيڤن بايّان
مساعدة تصفيف الشعر: فاني فراسلين
مساعدة المكياج: ميكي ماتسوناغا
مساعدا تنسق الأزياء: غوتييه ناڤار، وسيلين صبّاغ
منسقة الأزياء: دانيكا زيڤكوڤيتش
أخصائية التقنيات الرقمية: أميلي أمبرواز لافون
فنّي تنقيح الصور في موقع التصوير: كريستيان توخترمان
تصميم الخلفية: جان هوغ دو شاتيّون
مساعد تصميم الخلفية: أليكس بوتمان
إنتاج: أنتوني غرانيري
مدير الإنتاج: مارغو هوغيت