تابعوا ڤوغ العربية

لقاء مع المصمم جان لويس صبجي.. النجم الصاعد في سماء مهرجان كان السينمائي

نجمة غلاف ڤوغ العربية هناء بن عبد السلام ترتدي فستاناً من مجموعة الأزياء الراقية لجان لويس صبجي لربيع 2018. بإذن من جان لويس صبجي

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد مايو 2018 من ڤوغ العربية.

خلال رحلة بالسيارة على طول ساحل بيروت باتجاه جونيه، تمرون سريعاً على مشاهد للمباني المهدمة، وأشجار النخيل، والرافعات، وملصقات الدعاية السياسية للانتخابات العامة التي تُجرى هذا الشهر. وإذا سرتم نحو مخرج الطريق قبل تلة حريصا الجبلية، حيث يقف نصب سيدة لبنان، الذي يبلغ ارتفاعه 8.5 متراً، شامخاً ليحرس المدينة المترامية الأطراف، ستجدون مشغل المصمم الصاعد جان لويس صبجي. وهنا، يمتلئ الجو بالغبار – ولكنه ليس قادماً من الصحراء بل من أنشطة البناء التي تُجرى على قدم وساق وحركة المرور الصاخبة في مدينة يتنقل مليونان من سكانها بالسيارات، كلٌ بمفرده.

وتستقبلكم يافطة وحيدة قديمة يعود تاريخها إلى عقود مضت حُفرت عليها كلمتا “أزياء راقية” عند المدخل الذي يُفضي إلى درج سلم مفتوح. وداخل المشغل، يجلس صبجي، الذي يكمل عامه الثاني والثلاثين هذا الشهر، متربعاً على الأرض ليساعد إحدى العارضات على قياس الأزياء، فيما تصدح نغمات موسيقى قبلية إلكترونية في الأجواء. لدقائق، يخيل إليكم أنكم انتقلتم إلى الثمانينيات، إلى أن تخطف أبصاركم الفساتين المعروضة في المشغل.

جان لويس صبجي في مشغله ببيروت. بإذن من جان لويس صبجي

وقد أصبحت أزياء جان لويس صبجي الراقية، التي يعتمد في تصميمها على المفاهيم الفكرية والنحتية، محطَ الأنظار منذ أن أطلق مجموعته لربيع وصيف 2018 التي يشير إليها في حديثه باسم مجموعته “الأولى”. ومن اللافت أن سبعاً من فساتين هذه المجموعة البالغة 12 فستاناً اختارها بعضٌ من أجمل النجمات ليرتدينها على السجادة الحمراء في المحافل العالمية. ففستان الكريب الحريري ذو اللونين الأبيض والأسود والمزين بريش متباين -الذي تألقت به المغنية ماري جيه بلايج في حفل توزيع جوائز ساغ لعام 2018 الذي أقامته نقابة ممثلي الشاشة- لاقى إعجاباً كبيراً من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ولفت أنظار منسقي أزياء النجمات. وسرعان ما ارتدت نجمةُ فيلم “النمر الأسود”، داناي غوريرا، خلال العرض الأول للفيلم في أوروبا، فستاناً أسود يحتضن القوام مزيناً بطائر العنقاء الخرافي تم صنعه بالاستعانة بـ3000 قطعة من كريستال سواروفسكي و2000 حبة من الترتر. وليس هذا فحسب، بل وزُخرف الفستان بقطع من عرق اللؤلؤ التي قُصَّت يدوياً وبلغ مجموعها 380 قطعة ارتقت بالفستان حتى أضحى نموذجاً للإبداع في فنون الأزياء الراقية. وقد نُحتت جميع أصدافها البراقة، وطُليت، وثُبتت يدوياً في فتحة دقيقة، وتمت خياطة كل واحدة في مكانها على حدة لتتداخل جميعاً مثل شكل الريش.

هناء بن عبد السلام ترتدي فستاناً من مجموعة الأزيار الراقية لجان لويس صبجي لموسم ربيع 2018. بإذن من جان لويس صبجي

وبعدها لم يتوقف رنين الهاتف في المشغل. وفضلاً عن ذلك، ارتدت المغنية شيريل كول فستاناً أسود من تصميمه مزيناً بريش حريري على طول ذراعه لتتهادى به على السجادة الحمراء لحفل توزيع جوائز بريت الموسيقية بصحبة المغني ليام باين، فيما اختارت الممثلة أليسون ويليامز فستاناً حريرياً ضيقاً بالأحمر المثير وبلا حمالة مصمماً بتنورة من الريش خلال حضورها الحفل الذي أقامته مجلة ڤانيتي فير بمناسبة توزيع جوائز الأوسكار. يقول صبجي: ” نتلقى العديد من ردود الأفعال الإيجابية”، مشيراً إلى الفستان الذي ارتدته هذه النجمة والموضوع الآن على مانيكان في ورشته. ويتوجه إليه ويفتح ظهره ليريني أبعاد تصميمه.

“أجد جمالياته منعشة حقاً وأزياءه ذات بريق مفعم بالجرأة”

رأيت طبقتين من الشرائط الداعمة، وُضِعَت إحداهما على الكورسيه، والثانية على الصديري الستاني، لكي تشعر مرتديته بالدعم الكامل. كما ارتدت بيونسيه، في حفل غالا لفنون الأزياء الذي أقيم هذا العام بلوس أنجليس، فستانَ الدوقة المصنوع من الحرير ذي الثنيات، والمخضب بأكمله باللون الذهبي، والمطرز والمزخرف برسمين لأبو الهول البابلي. أما والدتها فارتدت فستاناً حريرياً بلون الحجر الرملي مزيناً بكاب من الريش الذهبي. وهؤلاء النجمات هن خير من يمثلن تصاميم مجموعة صبجي، والتي ظهرت في بادئ الأمر ضمن دليل تصاميم تصدرته نجمة غلاف ڤوغ العربية هناء بن عبد السلام. وتصف العارضة التونسية وعضو لجنة تحكيم مسابقة فاشن ستار للأزياء تصاميم صبجي قائلةً: “أجد جمالياته منعشة حقاً وذات بريق مفعم بالجرأة”، مضيفةً: “أشعر بالسعادة دائماً عندما أرى مواهب فردية واعدة تبزغ في المنطقة”.

 

أليسون ويليامز ترتدي فستاناً من تصميم جان لويس صبجي في الحفل الذي أقامته مجلة ڤانيتي فير بمناسبة توزيع جوائز الأوسكار. بإذن من جان لويس صبجي

اسكتش للفستان الأحمر الذي صممه جان لويس صبجي وارتدته أليسون ويليامز خلال الحفل الذي أقامته مجلة ڤانيتي فير بمناسبة توزيع جوائز الأوسكار. بإذن من جان لويس صبجي

يتنقل صبجي عبر الغرفة ليتجه إلى فستان آخر برونزي اللون ومنسوج من التول الحريري ارتدته جاسمين توكس، إحدى “ملائكة” عروض ڤيكتوريا سيكريت، في حفل ڤانيتي فير، والذي جعلها تتصدر فيما بعد قائمة ڤوغ لأكثر النجمات أناقة إلى جانب النجمات اللواتي ارتدين تصاميم أرماني بريڤيه، وزاك بوزن، وڤيرساتشي. ويقول: “أحب أيضاً الثنيات”، ويعرض في الوقت نفسه القماش فأرى حينها الوشوم الكثيرة التي رسمها على ساعديه وعنقه. وينوّه أن معظمها مستوحى من مجموعاته السابقة. فهنالك أوراق الريحان، وشجرة الحياة، وفراشة، وكاردينال، ونحلة، أما أبرزها فرسم لوالده الراحل، جان صبجي، أحد مؤسسي صناعة الأزياء الراقية في لبنان. ويقول: “أطلق عليّ والدي اسم جان لويس تيمناً بجان لويس شيرير –مصمم الأزياء الراقية الباريسي الشهير– الأمر الذي يدلل على أن مصيره كان محدداً منذ بداية حياته. وقد رحل والده ومرشده العام الماضي. ولا تزال مرارة الفراق قاسية على المصمم الشاب، الذي، بصرف النظر عن الانطباع الذي يتركه كشاب مشاكس، إلا أنه في الواقع يتميز بالدفء والدماثة. وقد حوّل هذا الحزن إلى قوة خلاقة تنطلق مع طاقة من المشاعر السلبية التي خلفها هذا الرحيل. ويقول: “أعلم أنه معي”، بينما تتحجر عيناه. “وكل ما حدث هذا العام كان هدية”. ويقدم لي نسخة من مجلة الحسناء تعود لسنة 1987. ويظهر على صفحاتها صبجي الأب، الذي ينتمي إلى عائلة لبنانية الأصل، في نفس المشغل، محاطاً بعارضات يرتدين أزياء راقية بالغة الفخامة تجسد مقولة: “كلما زاد الترف زادت الأناقة”. ويروي المصمم أنه اعتاد الذهاب إلى المشغل طوال الوقت لزيارة والده. وكان والده يعطيه في نهاية تلك الزيارات راتباً ضئيلاً ليحفزه على المجيء. ويعرفه العشرون عاملاً أو أكثر الذين يشغلون المكاتب على يمين ويسار السلم المصنوع من المرمر منذ أن كان رضيعاً، ثم بعد أن أصبح طفلاً يلعب بالأقمشة. والآن يبتسمون بسعادة إلى الرجل الذي أصبح رب هذه الدار.

جاسمين توكس ترتدي فستاناً من تصميم جان لويس صبجي في الحفل الذي أقامته مجلة ڤانيتي فير بمناسبة توزيع جوائز الأوسكار. بإذن من جان لويس صبجي

اسكتش لفستان من مجموعة جان لويس صبجي للأزياء الراقية لربيع 2018. بإذن من جان لويس صبجي

وتعبِّر المجموعة، التي طارت من تلال بيروت الكبرى وحطّت على السجادات الحمراء للمحافل العالمية، عن لمسات المصمم التي استوحاها من تراث بلاد الرافدين. فقد درس المصممُ الكتب وزار متاحف أقدم حضارة عرفها الإنسان ومعارضها ليصنع مجموعة كرّسها للتعبير عن قوة المرأة – امرأة شديدة الصلابة كأنها جاءت من عالم الأساطير. وهنا، تُبعث قصة عشتار –ربة الحب والحرب- من جديد عبر الإبر والخيوط لترينا وحوشها الأسطورية، حيث يرمز عريس البحر إلى الخلق؛ والعقارب إلى الخصوبة؛ والثعابين إلى عالم الخلود؛ والنسور إلى الأخلاق. وزبونات صبجي تشاطرنه شغفَه بالإبداع الفني المترف والابتكار. ونرى في أحد الفساتين التي صممها بطلب خاص جراد البحر يلتف حول جسم عروس البحر كما لو كان غطاء عظيماً من الفرو؛ بينما يلتف على فستان آخر سرطان البحر. ويقول صبجي مبتسماً: “إنه رمز برجها”. ويتحول نحو جدار مغطى برسومات مجموعة مصغرة مؤلفة من ستة فساتين يعمل على تصميمها لترتديها النجمات خلال مهرجان كان السينمائي الذي يقام هذا الشهر. يليها تصميم مجموعة أخرى للشتاء. ويعلق على مهرجان كان قائلاً: “سنرى كيف ستسير الأمور. فأنا أحب أن أخطو خطوات صغيرة”. ويغمر الحماسُ فجأة الغرفةَ. فإذا كان مصيره في أيدي الربات اللواتي يطرزهن على أثوابه، فمن المؤكد أن المصمم الشاب سيحقق ثراء واسعاً يوماً ما.

دار راقية للعطور تعيد إحياء العطر الأسطوري الفاخر إيريس غريس

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع