أميرتان سعوديتان واثنتان من سليلات العائلتين الملكيتين المصرية والعثمانية في الماضي يتألقن جميعاً بمجوهرات دار ڤان كليف آند أربلز الراقية قبل انطلاق معرضها المقام هذا الشهر تحت عنوان ’كنوز وأساطير‘ بدبي أوبرا.
يبدو أن رحلة المجوهرات الراقية تأبى إلا أن تكون استثنائية وفريدة من نوعها، من بداية رسم تصاميمها الأولية على الورق. فما أن تُستخرَج الأحجار الكريمة من باطن الأرض، ثم تقطع وتصقل لترصّع بها الحُلي المصنوعة من الذهب أو البلاتين، حتى يُقدَّر لها أن تعيش لأجيال أو لقرون، أو ربما تخلّد للأبد. وتعرف التيجان والقلائد والخواتم والأساور والبروشات المصنوعة يدوياً طريقها إلى الخزائن، لتظل قابعة بداخلها في عزلة طويلة إلى أن تخرج للنور في مناسبات نادرة جداً، كي يلامس معدنُها النفيس بشرةَ امرأة ربما تكون سليلة عائلة ملكية. ومعروف عن الأحجار الكريمة أنها تجذب الضوء لتعكسه مرة أخرى بهالة رائعة من الألوان.
افتتحت دار ڤان كليف آند أربلز معرضاً فريداً لها في الشرق الأوسط هذا الشهر تحت عنوان ’كنوز وأساطير‘، والذي انطلق يوم 10 أكتوبر ويستمر حتى منتصف يناير 2020، حيث يعرض 57 قطعة تراثية من إبداعات الدار –وهي مجوهرات تعود ملكيتها إلى عائلات ملكية من إيران، وأوروبا، والهند- إلى جانب مجوهرات أخرى مميزة من بينها حوالي 24 قطعة من مجموعة “كاتر كونت دو غريم” – تلك المجموعة الشاعرية التي يحركها الخيال والتي كُشف النقاب عنها للمرة الأولى في باريس خلال صيف عام 2018. ويقام هذا المعرض داخل متجر “ليه صالون ڤان كليف آند أربلز دبي أوبرا” الجديد بدبي، ما يرسخ هوية الدار في المنطقة بصفتها دار المجوهرات الراقية والمتميزة التي تقبل على ارتداء قطعها شخصيات ملكية من كل أنحاء العالم.
واحتفاءً بعلاقتها الفريدة مع ڤان كليف آند أربلز، قررت ڤوغ العربية أن ترسم صورة جديدة لمجوهراتها الراقية، بالتعاون مع شابات ينحدرن من نسل عائلات ملكية. وقد وُلِدَت تلك اللحظة التاريخية في غرفة مُذهبة تملأ أرجاءها المرايا وتقع في شارع دانييل كازانوڤا الذي يمتاز بأجوائه الهادئة ويقع على مقربة من ساحة ڤاندوم بباريس. وأقيمت جلسة التصوير غير المسبوقة لهاتين الأميرتين السعوديتين في مدرسة “ليكول” لتعليم فنون صنع المجوهرات التي تدعمها الدار. وكان بطلا جلسة التصوير هذه عقدين ثمينين، أحدهما ضيق ويلتف حول العنق ومرصع بالألماس وبزنة 43.43 قيراطاً من الزمرد الأملس، أما الآخر فهو عقد طويل يزدان بتصميم يميل أكثر إلى البوهيمية، وينتهي بدلّاية مرصعة بالعقيق والزمرد. وارتدت هذين العقدين شقيقتان ملكيتان هما سمو الأميرة رغد بنت عبد الله بن سعود آل سعود وسمو الأميرة سارة بنت عبد الله بن سعود آل سعود. وقد وقفت الشقيقتان في الصورة تستندان إلى بعضهما البعض ويداهما تتصافحان، في إشارة إلى مدى الود والحميمية بينهما. كانت الصورة تضج بالمشاعر الصادقة والملموسة بفستانيهما بالأسود الحالك. وبوقفتهما هذه، تذكراننا بلوحة فرانسيسكو غويا المعلقة في متحف إل ريتيرو بمدريد. لقد وقعت الأميرتان في أسر هاتين القطعتين الراقيتين ما أن رأتهما أعينهما. “نحبّ قطعتيّ المجوهرات هاتين لتاريخهما ولما تمثلانه، ولما ينطوي عليه صنعهما من مهارة”، هكذا ألمحت الأميرة سارة بعد انتهاء جلسة التصوير، حيث خلعت عنها العقد الزمردي وارتدت رداءً بالأخضر الداكن، مع توب نيوني رياضي، وشورت، وحذاء رياضي. أما شقيقتها فبدت مختلفة تماماً بعدما ارتدت قميصها الأبيض على تنورة طويلة، ما أكد أن ما يهمهما بشأن هذين العقدين ليس قيمتهما المالية وإنما القصة الكامنة خلفهما. يبدو أن ملحمة الماضي هي ما تثير اهتمام النخبة الملكية وتحرك حفيظتها.
كانت الصفحات الأولى من هذه القصة قد طويت بالفعل قبل هذه الجلسة بثلاثة أيام؛ فقد فتحت الأختان اللبنانيتان زينة وسارة جورج أبواب فندقهما الصغير الفاخر، فندق سان ريجيس، ليرحبا بالضيفتين سليلتي العائلتين الملكيتين العريقتين. وقد وصلت أمينة الدمرداش، سليلة العائلة الملكية المصرية في الماضي، وياز بوكيه سليلة العائلة الملكية العثمانية في الماضي – واللتان اتخذتا مقعديهما على وجه السرعة لعمل تسريحة الشعر ووضع المكياج. وكانت الفنانة المصرية أمينة الدمرداش قد سافرت إلى باريس بناء على دعوة وجهت إليها بعد أن كانت تمضي إقامة فنية وسط الأجواء الريفية لعدة أسابيع. وكانت بوكيه أيضاً بباريس بالمصادفة تقضي وقتاً بين الإجازات. وانطلقت الفتاتان تضحكان تعبيراً عن سعادتهما بالمصادفة التي جمعت بينهما داخل هذا المكان، حيث أخذت كل منهما تتجهز بارتداء الأزياء وتتزين بالمكياج. وفي ركن مجاور لغرفة السيدات، وقف رجال أمن فرنسيون بأزياء مدنية وطاقم عمل من ڤان كليف آند أربلز في حراسة ثلاث قطع من أثمن المجوهرات التراثية بالدار، وهي: العقد المرصع بالألماس الخاص بالملكة نازلي آخر ملكات مصر، والعقد المرصع بالألماس والزمرد الخاص بابنتها فايزة، بالإضافة إلى بروش زهرة الفاوانيا المرصع بالياقوت الأحمر والألماس. يُذكر أنه في عام 1946، قام وزير مصر المفوض في باريس، محمود فخري باشا، بشراء بروش زهرة الفاوانيا للأميرة فايزة. ولا يزال هذا البروش يمثل تحفة فنية حقيقية، حيث يتكون من قطعتين منفصلتين ساحرتين من زهرة الفاوانيا، ومحاطتين بأوراق مرصعة بالألماس صنعته ببراعة أنامل فناني الدار.
اقرئي أيضاً: الشيخة حور القاسمي هي خليفة شقيقها الراحل خالد القاسمي في إدارة علامته للأزياء الرجالية)
تفاصيل جلسة التصوير: كانت الدمرداش أول مَن التقطت عدسةُ الكاميرا صورها، وتألقت بفستان بفتحة رقبة غائرة على شكل V يكشف عن قوامها الرشيق وندبة طويلة تشق صدرها إلى نصفين نتجت عن إجرائها عملية قلب مفتوح وهي طفلة ذات خمس سنوات. تقول الدمرداش ضاحكةً: “لم أكن متوترة هكذا منذ ذلك الحين [تقصد العملية]”. لقد عم الصمت المكان فيما كان طوق صغير ومرصع بالألماس بتصميم مستلهم من فنون آرت ديكو يُخرَج من علبته، وهو عقد مؤلف من ثلاثة صفوف من الأحجار تمتد على العنق من الخلف لتجتمع معاً عند المنتصف. ومن هذا المكان، تتفرع أربعة صفوف أخرى مرصعة بالألماس تتدلى بتصميم هندسي منقطع النظير. وكانت جلالة الملكة نازلي ملكة مصر، جدة والدة الدمرداش، قد أمرت بسرعة تصميم هذا العقد الرائع والانتهاء منه في وقت قياسي كي تتمكن من ارتدائه في حفل زفاف ابنتها الأميرة فوزية على ولي عهد إيران الأمير محمد رضا بهلوي في عام 1939. وما أن طوّق العقد رقبتها، قطبت حاجبيها حزناً لأنها ستعود لتخلع العقد عنها من جديد بعد أن تنتهي جلسة تصويرها بهذه الإطلالة. على كل، تعدّ هذه المرةَ الثانية التي تلتقط فيها صور لها وهي ترتديه، فقد ارتدته للمرة الأولى حينما شاركت في جلسة تصوير لعدد أكتوبر 2017 من ڤوغ العربية. لقد تأكدت أن الجواهر المكنونة التي تمتاز بهذا التفرد تولد من جديد في كل مرة. وها هي قد جلست مطمئنة في مقعد عميق، وطلبت من المصور أن يتفضل بتغيير الموسيقى الشرقية ليشغل بدلاً منها موسيقى فرقتها المفضلة، فرقة داير ستريت. وبعد انقضاء ساعة كاملة في التصوير –حيث كانت هناك صعوبة بالغة في تصوير العقد، نظراً لشدة لمعان أحجار الألماس الـ673 التي تزيّنه ما يجعلها تعكس ضوء الكاميرا –أخذ الطوق ليحفظ في مكان آمن.
أخذ الحراس يفتشون في هدوء في جنبات أحد الأركان، ثم ظهر بروش زهرة الفاوانيا المرصع بالياقوت والألماس والذي بجانب ارتباطه بالطبيعة، لا سيما الورود، يبرز أسلوب دار ڤان كليف آند أربلز الذي يمتاز بالغموض في ترصيع مجوهراتها. وكونه ثقيل الوزن نسبياً، اقترحت منسقة الأزياء أن يزيّن البروشُ طيّةَ سترة لأن قماش الفستان في رأيها لن يتحمله. أخذت الدمرداش تحدق في صورتها التي تتلألأ على أحجار البروش، فوقعت عيناها على الزهرة المقفلة التي لاحظت وجودها لأول مرة. فقد اندهشت لدى علمها أن البروش في الأساس كان عبارة عن مشبك مزدوج من زهرتي فاوانيا إحداهما تذوي والأخرى تتفتح، يمكن ارتداؤهما معاً أو منفصلتين. وبعد أن انفصلتا، ظل مكان زهرة الفاوانيا المتفتحة لغزاً غامضاً. “كم أنا سعيدة بعودة البروش مع ڤان كليف آند أربلز”، هكذا علقت الدمرداش مضيفة: “إنه على الأقل في مكان آمن. ترى، كيف سيكون شعوركم إذا رأيتم أناس غرباء يرتدون مجوهرات عائلتكم؟”.
وبعد أن انزوى وميض الكاميرات، طالعت ياز بوكيه، بنت حفيدة الأمير عمرو إبراهيم، لأول مرة العقدَ المرصع بالألماس والزمرد الأملس الذي يعود إلى الأميرة فايزة. “لقد تحركت مشاعري بشدة ما أن طوّق العقدُ رقبتي”، هكذا قالت بوكيه وهي تحدق بحبات الزمرد التي تتدلى على عنقها كما الدموع المتساقطة، وأردفت: “لم ينتابني هذا الشعور سوى عندما ارتديتُ بعضاً من مجوهرات أمي التي وافتها المنيّة وأنا لا زلت صغيرة. إنه يمنحني شعوراً وكأنه يحتضن جسمي. أستطيعُ أن ألمس الدفء ينبعث منه خاصة حول الأحجار”. ويبدو أن بوكيه -بتسريحة شعرها ذات التموجات الناعمة والتي تؤطر وجهها وعينيها الواسعتين وفمها المكتسي باللون الأحمر- سوف تستعيد البريق المفقود الذي كان لعمتها الكبرى الراحلة الأميرة فوزية أخت جلالة الملك فاروق الأول.
ومن الناحية التاريخية، كانت سيدات العائلات الملكية يرتدين مجوهراتهن في المحافل الاجتماعية ولحضور حفلات الزفاف سواء بسواء. وهناك صورة تظهر الأميرة فايزة مرتدية عقدها المرصع بالألماس والزمرد الأملس عام 1952 بينما تستمتع بأحد العروض المسرحية المقدمة على المسرح الوطني الفرنسي بباريس. وكانت تلك النخبة تعمد أيضاً إلى شراء مجوهرات ثمينة للتزيُّن بها أثناء إقامتهن في بيوتهن ولشؤونهن الشخصية. وقد عرف عن واليس، دوقة وندسور، شراؤها لمثل هذه القطع الثمينة لتهدي بها صديقاتها، فقد أهدت علبةَ أقراص دواء من الذهب مرصعة بالياقوت الأحمر والأزرق لإحدى رفيقاتها لتصطحبها معها أثناء الإجازات في عام 1944.
ومن بين القطع التراثية الرائعة التي يتألق بها معرض دبي أوبرا مجموعةُ “بالمير” التي تضم سواراً من الألماس وعقداً وقرطين من الذهب الأبيض. وعقب جلسة التصوير، بدت الأجواء خارج الفندق ملفتة، فكيف يتسنى للسيدات أن يتمتعن بكل هذه الحرية بينما ينتظرن وصول سياراتهن ويتجاذبن أطراف الحديث بعفوية هكذا خارج الفندق؟ إذ لم يمنعهن الحرس، بل أخذن يتحركن جيئةً وذهاباً كما يحلو لهن، ولهن مطلق الحرية في توجيه دفّة حياتهن على النحو الذي يرغبن. الإجابة بسيطة: إنهن سيدات لهن مشروعاتهن وحياتهن المهنية الخاصة، ويتميزن بنسبهن العريق الذي لم يفكرن أبداً في التعويل عليه من أجل شق أي طريق أمامهن. وكانت بوكيه في وقت سابق خلال هذا اليوم قد ألمحت إلى أن السيدات يحملن بداخلهن القدرة على أن يعشن أكثر من حياة. إن مثل هذه الأقدار هي ما تضيء كتاب تاريخ العالم، وصفحات هذا الكتاب هي تماماً مثل المجوهرات التي ترتدينها.
اقرئي أيضاً: حكام الإمارات يحتفلون بزفاف الشيخ خالد بن محمد بن حمدان آل نهيان والشيخة مريم بنت محمد بن راشد آل مكتوم