سرحت نادية ذويب، المديرة العامة لغاليري لافاييت، بفكرها بعيداً حين جلست إزائي على طاولة بمطعم أورسين داخل الفرع الجديد للمجمّع التجاري بشارع الشانزليزيه في باريس. وقد ذكرتني عظام وجنتيها العاليتين بوجنتيّ بيانكا جاغر البارزتين فيما كانت تنظر عبر النوافذ الضخمة للمبنى المشيّد على نسق الآرت ديكو الذي ازدحمت الأرصفة من حوله بالمارّة – من سكّان باريس والسيّاح الذين جاؤوا من كل حدب وصوب لزيارة “أجمل شوارع الدنيا” للتنزّه، ومشاهدة معالمه، والتسوّق أحياناً. وكنتُ قد زرتُ المجمّعَ قبل أسبوع، في نفس اللحظة التي وصل فيها العارضان تينا كوناكي ويونس بنجيما ، ولكن لم يلاحظهما أحد إذ اختلطا بالمتسوقين من الشباب المتأنقين الذين انطلقوا يجوبون أرجاء المكان.
وأمام طبق من الأخطبوط المشوي، شرعتْ تشرح لي رؤيتها التي تهدف إلى حثّ المتسوقين الذين اعتادوا التسوّق عبر الإنترنت إلى العودة مجدداً للتسوّق داخل المجمّع التجاري. وابتدرتني قائلةً: “إن عادة التسوّق داخل المتاجر لم تختفِ، ولكنها تبعث على الملل. ونحن هنا، نتطلع إلى توفير تجربة ثرية لعملائنا”. لذا يبدو الفرع الجديد لغاليري لافاييت بشارع الشانزليزيه أفضلَ متجر متخصص رأته عيناكِ، ولكن على نطاق واسع جداً. إنه أشبه بمجلة تجسّدت محتوياتها حيّة أمام ناظريكِ، حيث تشعرين، في هذا العصر الذي باتت تسوده وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنكِ تتجولين داخل أجمل صفحات الأزياء على انستقرام. ففي هذا المبنى، يرتدي البائعون والبائعات ما يحلو لهم، ولا عجب في ذلك فهم منسقو أزياء في الأساس تدربوا بالمعهد الفرنسي للموضة بهدف مساعدة المتسوقين على استكشاف مختلف العلامات في مجالات التجميل، والثقافة، والأزياء، والمجوهرات، والإكسسوارات.
كما أنهم يتحدثون الإنجليزية وأحياناً العربية والصينية، بمودّة صادقة فيما تعلو الابتسامة وجوههم، ما يبرهن على أن هذا المجمّع التجاري يقود مرحلة تحوّل مهمة في عالم التسوق.
اقرئي أيضاً: في حوار حصري: الشيخة لطيفة آل مكتوم تبرهن على أن الفوز بالبطولات ليس مرتبطاً بسن محددة
ولاحقاً، فيما كنّا نتجوّل بين أرفف المجمّع –العامرة بأحدث ابتكارات العلامات العصرية مثل فنتي، وذا رو، و برادا، وغوتشي، وأتيكو – أخذتْ نادية تصف لي كيف أبدعت شركة بيارك إنغلز غروب المعمارية الدنماركية على هذا النحو الطوابق الأربعة التي تبلغ مساحتها 6500 متر مربع لإضفاء بُعد إنساني، وصممت من أجل ذلك أثاثاً عملياً وحداثياً يدغدغ الحواس ليستفيد منه أي عدد من النشاطات التي تقام داخل المجمّع (مثل المعرض المؤقت لمتجر مونكلر هاوس أوف جينيوس بباريس الذي انطلق يوم 7 نوفمبر). وتتميز الأرفف الخشبية للنظارات الشمسية بشكل انسيابي حر يحاكي مبنى غاليري سيربنتين الذي صممه المهندس بيارك إنغلز عام 2016. ويهدف هذا المجمّع إلى المزاوجة بين الأزياء، والتصميم، والثقافة، حيث تمتزج الكتب وألواح التزلج المزيّنة بالرسومات الفنيّة من علامة ذا سكيت روم التي تسعى لإبداع أعمال فنية تؤثر في المجتمع، مع الأحذية الرياضية والمجوهرات الراقية من علامتيّ سبينيللي كيلكولين وريبوسي.
وبعينيها الناعستين، تجيل نادية -التي ترأست سابقاً قسم المشتريات بغاليري لافاييت بشارع هوسمان- بلا كلل بنظرات ثاقبة بين أرجاء هذا الطابق لتتأكد من أن الجميع، بل وكل شيء، يقدم خدماته بأعلى درجات الرقي والتميز؛ وتشير إلى التشكيلة الواسعة والمثيرة والمختارة بعناية من منتجات غاني، وباي فار، وميرا ميقاتي التي تصطف في المنتصف – قبل أن ندلف إلى طابق التجميل. وهنا أجدُ نفسي أمام ما يشبه مغارة علي بابا المكتنزة بمنتجات من موروكان أويل، وإيسوب، وكيبريس بيوتي، وأوداسيتيه، وذا أورديناري، وسط منتجات أخرى تصطف على الأرفف المضاءة، وهنا تؤكد نادية على توافر المنتجات المستدامة داخل المجمّع أيضاً.
تقود نادية –التي تنحدر من مدينة قرطاج وتقيم حالياً في الضفة اليسرى لباريس ، مع زوجها وابنتيهما– كتيبة من مبتكري اتجاهات الموضة الذين نجحوا في بثّ الحياة في وجهة جديدة تتيح الإطلاع على مباهج الحياة الفرنسية. وقبل أن أغادر المبنى مباشرةً، أصرتْ نادية، بحفاوة سكّان مدن البحر المتوسط، على أن أزور مطعم سيترون، الذي صمم ديكوراته جاكيموس، لتناول حلوى الليمون التي يعدّها حصرياً للمطعم الشيف الشهير سيدريك غوليه. ورغم أنني توقعت تذوق طعام لاذع، إلا أنني، بقضمة واحدة، وقعت في هوى هذه الحلوى – المستديرة، والمدهشة، والرائعة، والشهية التي يجب تناولها مراراً وتكراراً.
نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد نوفمبر 2019 من ڤوغ العربية.
اقرئي أيضاً: ڤوغ العربية تحتفل مع سانت ريجيس بافتتاح فندقها الفاخر في الأردن