“عندما تتشابه أرواحنا، يحدث التلاقي. أتينا من مكانين مختلفين، ولكنها شقيقتي”.
في غاليري بوربون بباريس الكائن بمبنى خاص فخم بُني لعائلة بوربون الإسبانية عام 1860، كانت ضحكات فريدة خلفة وكارلا بروني يتردد صداها في الأسقف البالغ ارتفاعها ستة أمتار. ولم يكف توأم الروح، خلال جلسة التصوير التي أجرياها لڤوغ العربية، عن الدردشة الودية في موقع التصوير الذي غمرته أجواء لطيفة مرحة. وبدت فريدة كالملكات بفستان أسود منتفخ، عندما اندفعت كارلا لتقول ضاحكة: “لقد أخذت أجمل فستان!”، بأسلوب أخوي واضح. وبسرعة ارتدت كارلا بدلة مجسمة سوداء ببنطلون، عكست أسلوبها الأنيق في الأزياء الرسمية. ووقفت العارضتان معًا براحة تتحدثان وقد تأبطت كل منهما ذراع الأخرى لتتخذا مظهرًا فنيًا بكل سهولة.
ومن جانب مخرجة الأفلام الوثائقية والممثلة وسفيرة الموضة والعارضة الفرنسية، فريدة خلفة، فتحت لها الموضة عالمًا بأسره وانطلقت بها بعيدًا عن عائلتها ومدينتها ليون الفرنسية. ففي سن مبكرة، غادرت فريدة، التي تتمتع بعزيمة لا تلين، منزل أسرتها وهربت إلى باريس. وعن ذلك تقول: “فجأة قررت أن أمتلك حياتي وأترك عائلتي [الجزائرية الأصل]. وقد حالفني الحظ. كان الأمر صعبًا عليّ كطفلة ولم يكن مثاليًا، ولكنني اليوم سعيدة جدًا بحياتي. كان طريقي وقد قبلته”. وأتاح لها انتقالها إلى باريس “اكتشافها” من عالم الموضة والذي احتضنها ودعمها من البداية. والتقت جان بول غوتييه الذي قدمها بدوره إلى المبدع والمثقف جان بول جود. ثم قابلت كريستيان لوبوتان والرجل الذي تعتبره فردًا من عائلتها، عز الدين عليّة. وهؤلاء دفعوا فريدة إلى سماء النجومية في دنيا الموضة وأصبحت مع ناومي كامبل ملهمتين لعليّة. واليوم، فريدة متزوجة من رجل الأعمال أونري سيدو؛ ولديهما طفلان بالغان وتُعد زوجة أب للممثلة ليا سيدو. وتتمتع فريدة ببصمة إبداعية تغلغلت في عالم الأزياء والسينما – وقد عملت سفيرة لدار “سكياباريللي” منذ عام 2012 حتى عام 2017، ويقدم فيلمها الوثائقي الأخير “الجانب الآخر من الحجاب” (2021) نظرة ثاقبة على النساء المستقلات القويات اللواتي يحطمن الأحكام المسبقة عن معنى أن تكوني امرأة في المنطقة. وفي هذا الفيلم، تتجاوز العبارات الجوفاء وتقدم منبرًا غربيًا للنساء للحديث عن أنفسهن.
ولدت كارلا بروني، التي كانت سيدة فرنسا الأولى من عام 2008 حتى عام 2012، في إيطاليا وتعيش وتعمل في فرنسا. وقد جاءت كارلا، العارضة والمغنية وكاتبة الأغاني والأم لطفلين، من خلفية مختلفة – بل يمكننا قول مناقضة – لفريدة، فهي من عائلة ناجحة تعمل في الصناعة وعاشت حياة مرفهة. وتتجاهل كل هذا قائلة: “علاقاتك في الحياة لا تصنعها باسمك أو بلونك. أعلم أن هذا يبدو كلامًا عاديًا، ولكن ما هي روحك؟ ومَن أنت كإنسان؟ عندما تتشابه الأرواح، يحدث التلاقي”. وتتحدث عن فريدة قائلة: “أتينا من مكانين مختلفين، ولكنها شقيقتي”. وقد بدأت كارلا مشوارها في عالم الأزياء في عمر الـ19 وشاركت في عروض جياني ڤيرساتشي وكارل لاغرفيلد في “شانيل” وقد أطلقت ألبومها السادس عام 2020. وفي عروض الأزياء، حدث اللقاء بين كارلا وفريدة. وتوضح كارلا بحماس: “لا تسأليني متى حدث هذا، ولكننا كنا في العشرينيات من عمرنا. وكانت فريدة تعمل كثيرًا مع عز الدين وكانت من ملهماته. كنت أعمل مع مصممين آخرين ولكني كنت أتوق للعمل معه لأنه كان يعطي الأزياء للفتيات كأجر! وكان مثل عائلتك في عالم الموضة. كان دائمًا يقدم لنا طعامًا جيدًا. وكان مصممًا مميزًا للغاية ولم يخضع أبدًا لعالم الموضة”. وتردف فريدة: “أجل، أذكر ذلك جيدًا. قابلنا عز الدين وبعد العرض ذهبنا لتناول القهوة وحدث الانسجام بيننا على الفور. تولدت شرارة الحب بيننا ولم نكف عن الحديث”.
وعلى الرغم من أن كلتا الصديقتين ليس لديهما متسعًا من الوقت “للتسكع معًا”، فإنهما أحيانًا ما يتمكنان من تناول وجبة غداء لطيفة معدة بالمنزل معًا أو اللقاء لتناول وجبة بمطعم اللولو أو رويال مونسو. “أو يمكننا قضاء بعض الوقت في الدردشة على الهاتف” على حد قول فريدة. تقول: “كارلا إيطالية، ولذلك، فهي ثرثارة جدًا، وأنا أيضًا”. وحضرت كل منهما حفل زفاف الأخرى، وربما يُشاهدَان يقضيان الإجازة معًا في فصل الصيف بصحبة صديقات أخريات مثل كامبل. وبدافع الحرص على دعم إحداهما للأخرى في مساعيهما المهنية بعيدًا عن دنيا الموضة والأزياء، وقفت كارلا خلف فريدة عندما كشفت عن فيلمها الوثائقي مؤخرًا في المعهد العربي، فيما لم تتوانى فريدة عن حضور العديد من الحفلات الغنائية لصديقتها.
وتذكر كارلا أنه في بداية مشوارهما في مجال عرض الأزياء قائلةً: “كانت فريدة مميزة جدًا آنذاك، كانت العارضة العربية الوحيدة في تلك الفترة. كانت النجمة الوحيدة، وتحظى بشهرة كبيرة. كانت في كل مكان”. ويتفق الثنائي على أن عالم الموضة والأزياء كان مختلفًا آنذاك مؤكدتين أن كل شيء كان “أشبه بحفلة، وكان هناك الكثير من المتعة والمرح”. وأضافت كارلا: “كان الوقت مواتيًا بالطبع، وكان العالم المعروف لنا. كان هذا المجال دومًا يتسم بالجدية، ولكنه كان أكثر متعة”. وكان هناك العمل الجاد. تقول فريدة: “كان علينا أن نركض ونركض ونركض! كان لدينا ست أو سبع إطلالات في كل عرض، على عكس العارضات اليوم، حيث يكتفين بعرض إطلالة واحدة أو اثنتين فقط”.
ولا تزال الأيقونتان تشاركان في عروض الأزياء حتى يومنا هذا، وتتفقان على أن هناك نهجًا جديدًا للموضة، يهتم بالشمولية، وهناك مساحة لجميع الأشكال والأحجام والألوان والأعمار. وتؤكد فريدة: “هذا مجتمع احتضنني في بدايتي” وتبرهن فريدة على أنها رائدة في هذا الاتجاه نحو الشمولية. “الفكرة التي لدينا عن العالم العربي في الغرب مختلفة تمامًا. والآن، بتنا نرى نساءً قويات ومؤثرات يعبرن عن أنفسهن. وهذا شيء رائع جدًا”. وأيدتها كارلا قائلة: “أؤمن بأنه يجب احترام التقاليد. لقد سبق لي زيارة جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد حضرنا أسبوع الموضة بقطر قبل بضع سنوات. لقد تغير العالم، لقد تقدم العالم. لقد أصبح الشرق الأوسط مركز العالم”.
وعندما تطرقنا بالحديث عن العائلة وكل شيء وكل شخص، قالت كارلا: “عندما يكون الأطفال صغارًا، يأخذون منا الكثير، ولكنهم يمنحونا الكثير أيضًا، ثم يكبرون”. وأضافت فريدة منهية قول صديقتها: “ثم يتركوننا”. وأردفت كارلا: “يقول الناس دومًا إنه من الصعب الزواج من رئيس، ولكن لا، لم يكن الأمر كذلك. وإنما كان الأمر أصعب كثيرًا على أطفالي. عليك أن تغيري من جدول أعمالك، كما كنا محظوظين بالقدر الكافي بأننا لم نضطر لشغل وظيفة. فنحن نعمل في مجال عروض الأزياء، ولدينا وقتنا الخاص. أغلب عملي يكون في فترة المساء. وأبدأ الكتابة في الساعة 6 مساءً حتى منتصف الليل، والآن، أعمل بين الساعة 10 مساءً و2 صباحًا. أنا لست من الشخصيات التي تنشط في الصباح.” ويحفل جدول أعمال كارلا بالعديد من المشروعات المرتبطة بعالم الموضة والأزياء، والسفر لتقديم أغانيها، فضلاً عن الاهتمام بعقار لزيت الزيتون في جنوب فرنسا. وفي الوقت نفسه، تقر فريدة بأنها من الشخصيات النشيطة في الصباح، وهي تعمل في الوقت الحالي على مدونة صوتية مع كارتير تضم نساءً مثل نادين لبكي والشاعرة السودانية إيمي محمود. وأكدت الصديقتان أن عالم الموضة احتضنهما، وعلقت كارلا قائلة: “لقد منحتنا الموضة الشهرة” فيما أضافت فريدة: “بالنسبة لي، الموضة هي الحرية، ومجال يفيض بالبهجة والحياة، وأنا أحبه حقًا”. لقد تغير المجال حقًا منذ بداية مشوارهما في عالم عرض الأزياء، ولكنها من أحد ثوابت الحياة العظيمة لكل منهما، إلى جانب صداقتهما الحميمة.
نشر الموضوع للمرة الأولى على صفحات عدد شهر مارس 2022 من ڤوغ العربية
تنسيق الأزياء: أمين جريصاتي
تصفيف الشعر: إلهام مستور
المكياج: آية فوجيتا، وهارولد جيمس
العناية بالأظافر: شيرين تامر
مساعدو التصوير: إيميل كوسوج، ولوسيل بريزارد، وأوليڤيا تران
مساعدة تنسيق الأزياء: غابي كامبيرو
المساعد الرقمي: لورنزو توزيت
المنتجة الإبداعية: لورا بريور
الإنتاج المحلي: مجموعة برلين للإنتاج
جميع الأثاث من: إنفاينايت ميرور تابلز من تصميم أكسيل هوين باريس لصالح هنريوت آند سي
تم التصوير في لا غاليري بوربون
شكر خاص لكل من مجموعة موما، وبنجامين باتو، وجريجوري لنتز