نشأ وقَّاص أحمد وترعرع بجوار ماكينة الخياطة. يقول مصمم العبايات المقيم في لندن مستذكراً: “كانت أمي خيَّاطة، لذا كانت الملابس تحيط بي طوال الوقت. وفي المدرسة الابتدائية، كنت التلميذ الوحيد الذي كان قادراً على خياطة خطٍّ مستقيم باستعمال ماكينة الخياطة. ولكن لم يكتسب اهتمامي بالموضة وصناعة الأزياء زخماً حقيقياً إلا في مرحلة الدراسة الثانوية”. ثم تابع بعدها دراسته الرسمية في كلية الأزياء في لندن (لندن كوليج أوف فاشن)، حيث تعلم فن الخياطة، وقصَّ الأنماط (الباترونات)، وصناعة الملابس، وفنون الخياطة اليدوية.
ولم يكتشف وقَّاص السوقَ الفخمة المتنامية وحاجة الزبونات الملحّة للحصول على عبايات فاخرة إلا بعد أن انتقل إلى دبي في العام 2010. وعاد بعدها إلى لندن حيث قام بشحذ مهاراته بالعمل مؤقتاً لدى كلٍّ من بربري، وسان لوران، ودولتشي آند غابانا، قبل أن يقوم بإطلاق علامته الخاصة للأزياء المحتشمة – وهي الأولى من نوعها في المملكة المتحدة.
وُلِدَت مجموعة وقَّاص أحمد -التي تحمل الاسم “أيوا”، وهو لفظ عامي مصري لكلمة “أجل”، وتشمل العبايات المستدامة التي تتبع المعايير الأخلاقية- من رحم الحاجة إليها في العام 2015. وينوّه المصمم بالقول: “قبل عدة سنواتٍ، كانت شقيقاتي وصديقاتهن يعانين الأمرّين في سبيل إيجاد قطع أنيقة ومحتشمة لارتدائها في المناسبات الخاصة وحفلات الزفاف”، ويضيف: “جلُّ ما يمكن إيجاده في إنجلترا كان عبايات سوداء مطعمة بالكريستال، وكانت تحمل لُصاقة تقول بأنها ’من دبي‘ لكنها كانت في الواقع منتجة بالجملة في الصين”. وهكذا بدأ المصمم التجريب بألوان وطبعات وأقمشة مختلفة لا ترتبط عادةً بالعباية التقليدية لإلباس أخواته وصديقاتهن.
ولم يستغرق الوقت طويلاً حتى بدأت القطع تجذب الاهتمام. يستذكر قائلاً: “سرعان ما بدأت عباياتي بلفت الانتباه، وبدأ الناس يتساءلون عن مصدرها، وكانوا مذهولين لدى معرفة أنني من كان يصنعها”، ويضيف: “بدأتُ بتلقي طلبات شخصية وكان الكثير من النساء يتركن لي حرية الإبداع. ومع طلب المزيد من النساء مني صنع عباياتهن، أصبحتُ ملتزماً جداً بابتكار شيءٍ مختلف، وجعلني ذلك أشعر بأنَّ الناس قد أحبوا عملي”. والآن يتراوح سعر كل قطعة من 1800 إلى 2800 درهمٍ إماراتيٍّ، ويمكن شراؤها عن طريق الإنترنت.
ويوضِّح أن هدفه هو: “توسيع نطاق جاذبية العباية لتتجاوز أسواقها التقليدية”. حقاً، عندما تتصفَّحين دليل تصاميم ’أيوا‘، ستواجهين صعوبة كبيرة في إيجاد موديلات بسيطة بلون أسود وطول يجر على الأرض. وعوضاً عن ذلك، توقعي مجموعة لافتة من التصاميم الجريئة النابضة بالحيوية تأتي بقصات متنوعة وأطوال مختلفة. وما يجعل القطع المصنوعة يدوياً أكثر جاذبيةً أنَّها كلها تم إنتاجها وفق معايير أخلاقية باستعمال مواد مستدامة مستخرجة من مصادر طبيعية.
يقول أحمد: “نحبُّ ونفضّل استعمال المواد الطبيعية والأصباغ الصديقة للبيئة، وليس المواد الاصطناعية التي قد تكون ضارة بالبيئة وبالأشخاص المعنيين باستعمالها”، مضيفاً: “نريد أن نتخذ قرارات بفاعلية تُحدِث في نهاية المطاف فرقاً في العالم والناس. إن كان هناك خيارٌ، عندها سنقوم باتخاذ ذاك القرار. إن لم يكن هناك [خيار]، عندها سننظر في طرقٍ بديلة. نحن نتعلم على نحو دائم أموراً جديدة ونكتشف معلومات مثيرة للاهتمام خلال مشوارنا”.
وفيما يلي، أجرى موقع ar.vogue.me حواراً مع وقَّاص للحديث عن مراحل عملية التصميم التي يتبعها، ومصادر إلهامه، وعن شعوره كرجل يصمم عبايات للنساء، وغير ذلك من الأمور المهمة.
كرجل، كيف تطّلع باستمرار على احتياجات زبوناتك من النساء؟
“لا أعتقد أن النوع الاجتماعي يلعب دوراً في هذا الأمر. أردت تحقيق حلم للنساء اللواتي يرتدين قطعي. لقد توصلت إلى فكرة #سيدة_أيوا، وهي إنسانة مفكرة مستقلة – راقية، وأنيقة، ودائمة الشباب. جميع عباياتنا مصنوعة يدوياً وفريدة من نوعها، وأريد أن تشعر النساء بأنهن أنيقات ورائعات وواثقات عندما يرتدين تصاميمنا الحصرية. أرى أنَّ عباياتي خالدة ومرغوبة، ما يمنحكِ شعوراً بالتميز في كل مرة ترتدينها، وأعتقد أن هذا ما يجب أن يشعر به الجميع”.
كيف ساهمت الفترة التي قضيتها بدبي في تشكيل معالم تخصصك المهني اليوم؟
“كانت [الفترة التي قضيتها في] دبي وقتاً مميزاً ومثيراً جداً للاهتمام في حياتي، بما أنها كانت المرة الأولى التي انتقل فيها بعيداً ليس فقط عن منزلي، بل وعن بلدي وأسرتي وأصدقائي. لقد تعلمت الكثير من المهارات الحياتية من الأشخاص الذين ينحدرون من ثقافات مختلفة ويعملون في جميع مناحي الحياة. تعلّمت قوة الإرادة والمواظبة وحسن العِشرة، وهي أمور سأراعيها دوماً وأطبقها في أخلاقيات عملي”.
حدِّثنا عن عملية التصميم التي تتبعها.
“عندما يلهمني شيءٌ ما، أبتكر قِصةً في ذهني وأتخيّل تفاصيلها، ثم أبدأ بعدها بالبحث فيما يلهمني، وأبتكر لوح الأفكار (مود بورد). واختيار الأقمشة جزء هام من العملية. وأثناء اختيار الأقمشة، أقوم كذلك بالتجريب المبدئي لمزج طبعات وألوان مختلفة لتصاميم وقَصات معينة أفكّر بها من أجل المجموعة. وأحياناً أقوم برسم اسكتش، وفي أغلب الأوقات لا أفعل ذلك، حيث إنني أحبُّ أن تأتي إليّ الأمور في سياقها الطبيعي خلال العملية. ثم أبدأ مرحلة انتقاء العينات، وأخطط للأنماط [التي سأستعملها] وأبدأ بقصِّ الأقمشة. ورؤية الحياة تدبُّ في عملي وهو بين يدي أمرٌ مرضٍ للغاية، حيث إنني أبتكر كلَّ شيءٍ فعلياً بنفسي”.
لماذا تعدُّ الاستدامة أمراً أساسياً بالنسبة لعلامتك؟
“أؤمن بصناعة ملابس جميلة تدوم مدى الحياة. إنها مسؤوليتنا كبشر أن نعتني بالبيئة مهما كان الفرق الذي يمكن أن نُحدثه. علينا أخذ دقيقة والتفكير بالأثر الذي يترتب على قراراتنا. الأمر يتعلق باحترامنا لخياراتنا وتحمل مسؤوليتها”.
بوصفكم علامة واعية بقضايا البيئة، ما التحديات التي تواجهكم؟
“أعتقد أن الزبونات لسن واعيات على الدوام بالفكرة والأخلاقيات الكامنة وراء الأزياء المسؤولة، فهن يملن إلى عدم السؤال عن المصدر الذي تأتي منه الأزياء وكيف صُنِعت. نحن نكافح لنقول لزبوناتنا ومتابعاتنا كيف تُصنَع أزياؤنا ومَن يقف خلفها من أشخاص وعمليات. وأحد أكبر التحديات التي واجهتنا عندما أسسنا العلامة في العام 2015 تمثّل في أننا كنا نستعمل الخامات الطبيعية مثل القطن والكتان بدلاً من المواد الاصطناعية التي كانت تُستعمَل بصفة تقليدية في صناعة العبايات. وقد اعتبرت زبوناتنا من الشرق الأوسط على وجه التحديد أن أقمشتنا أقل راحة وأثقل وزناً، إذ كنَّ يجهلن خصائص الألياف الطبيعية. وفي بعض الأحيان، نحتاج إلى تثقيف زبوناتنا حول خصائص بعض المواد، وهو أمر مثمر حيث نقوم بنشر معلومات لربما لم تكن معروفة لدى الناس من قبل”.
ما الرسالة التي تأمل في إيصالها عبر تصاميمك؟
“أعشق فكرة رواية الحكايات من خلال عملي. أريد أن أروّج لطرق الإنتاج والحرفية التقليدية وأن أحافظ عليها، وأن تعرف زبوناتي ويقدرن العمل الشاق الذي تتطلبه عملية ابتكار الأزياء الفاخرة التي تمتاز أيضاً بالاستدامة”.
ما الذي يلهمك؟
“يلهمني أي شيء، وعلى وجه الخصوص عندما أسافر يعجبني كل ما يحيط بي ويستحوذ على انتباهي. لقد صممت مجموعة كاملة بعد أن زرنا مقهى في مدينة طنجة بالمغرب، وقمت بتجديد القماش التقليدي المطبوع باستعمال قوالب خشبية مصنوعة من أخشاب مستوردة من إقليم السند في باكستان، وأبرزت ذلك في تصميم العباية. سأجلب دوماً أشياءً من رحلاتي وأعكسها في مكانٍ ما ضمن مجموعتي. وأحبُّ أيضاً الاطلاع على الأزياء التاريخية، والفنون، والثقافة. قد يكون شيئاً صغيراً للغاية مثل قطعة تفصيلية أو بحث أكثر تعقيداً قد أُجريه. أستمتع بفكرة تشكيل التنوع ضمن عملي – عبر الجمع بين ما هو عصري وتقليدي ورجولي وأنثوي. أعشق مزج الأشياء وجعلها تبدو جميلة”.
والآن اقرئي: الأميرة ديانا كانت سترتدي البرقع خلال زيارتها إلى السعوديّة في الثمانينيات