احتفالاً بمرور عشر سنوات على تأسيسها، وإسهاماً في القضاء على أزمة حرائق الغابات بأستراليا، أبدعت علامة ’رالف آند روسو‘ باقة من أزيائها المرحة المخضبة بألوان الباستيل البهيجة التي كشفت بدورها عن خطط تمارا رالف ومايكل روسو المستقبلية الطموحة
كانت جدّة تمارا رالف تؤمن بأن “شكل الفستان من الداخل لا يقل أهمية عن مظهره الخارجي”، وقد تعلمت تمارا من جدّتها ووالدتها كل ما تعرفه تقريباً عن طرق تفصيل فساتين ’رالف آند روسو‘ الفاخرة التي تتألق بها ألمع النجمات، مثل بيونسيه، وبينيلوبي كروز، ونادين لبكي، ونانسي عجرم، وميغان ماركل، دوقة ساكس، فضلاً عن أنجلينا جولي التي ارتدت إطلالة بتوقيع هذه الدار أثناء تسلمها وسام برتبة ’قائدة‘ من الملكة إليزابيث عام 2014. وحين عادت بذاكرتها إلى الماضي، ضحكت تمارا ضحكة خافتة تمايلت معها خصلات شعرها الأشقر الشبيهة بحوريات البحر قبل أن تقول: “حين كنت أُفصّل فستاناً، كانت جدتي ترى كيف صنعتُه من الداخل. وإذا وجدَتْه غير مثالي، كانت تمزقه وتجعلني أصنعه من جديد”.
وطيلة سنوات طفولتها، كان محظوراً على المصممة المولودة في سيدني، والمعجبة بشدة بالمصممين الأوروبيين الرواد من أمثال كارل لاغرفيلد وجان بول غوتييه، استخدام ماكينات الخياطة فكانت تضطر إلى خياطة فساتينها بيدها إلى أن أتمت الثالثة عشرة من عمرها. كما كان محظوراً عليها أيضاً الاستعانة بالأعداد القديمة التي كانت والدتها تقتنيها من ’ڤوغ باترنز‘. تقول: “كنتُ شقية إلى حد ما فقد اعتدتُ على التسلل إلى غرفة الخياطة ومكتبة أعداد ’ڤوغ‘ التي تضم باترونات من الستينيات وحتى الثمانينيات. وكنتُ أقصّها وأحوّلها إلى تصاميم عصرية”.
وقد ذاقت المصممة البالغة من العمر 38 عاماً ثمارَ هذا التدريب الصارم فأصبحت اليوم مصممةً ناجحة يُشاد بها بفضل تصاميمها العصرية الملهمة. وتعيد عنايتُها بأدق التفاصيل وشغفُها بالإبداعات الخيالية إلى أذهاننا ذلك النوع من الحِرَف الفنيّة اليدوية التي تزخر بها الأزياء الاحتفالية التي كانت ترتديها أميرات الإمبراطورية الصينية أو الوصيفات المترفات في بلاط الملكة ماري أنطوانيت. وتشكّل هذه السمةُ النادرة القوةَ الدافعة للعلامة التي تديرها تمارا مع شريكها التجاري، وزميلها الأسترالي، وخطيبها السابق، رئيس مجلس إدارة الدار ومديرها التنفيذي، مايكل روسو.
وخلال عشر سنوات فقط، تمكنت الدار من أن تنتقل من غرفة صغيرة يعمل بها موظف واحد، وخيّاطة (تدير الآن مشغل الدار)، ولا تحتوي سوى على ماكينة خياطة وكمبيوتر، إلى صرح إبداعي جديد في لندن يمتد على مساحة 2700 متر مربع. ومع تلقيهما مؤخراً استثمار بقيمة 50 مليون دولار أمريكي من مجموعة ’لا بيرلا‘، أصبح الثنائي على أتم استعداد الآن لتحويل نشاطهما التجاري، الذي يمثّل إحدى أكبر دور الأزياء في العالم، إلى علامة عالمية لمستلزمات الحياة العصرية بعدما اقتحما عالم الأثاث، وقطاع مستحضرات التجميل، والنظارات، فضلاً عن تعزيز مجموعة أزيائهما الجاهزة التي بدآ في تقديمها عام 2018، هذا إلى جانب الحقائب، والأحذية، والحُليّ التي يصنعانها بالفعل. يقول روسو معلقاً على نجاحهما وتطورهما الشخصي: “من حسن حظنا أننا نتمتع بثقة متبادلة. وهو أمر في غاية الأهمية لأي علامة إبداعية”.
“لا نأخذ أبداً أي شيء على عواهنه، بل نضع دائماً لمستنا الخاصة، سواء على الألوان أم التشطيبات”
ورغم أنهما أنهيا علاقتهما العاطفية مؤخراً، إلا أنهما لا يزالان من ’أعز الأصدقاء‘ وأكثر تصميماً من أي وقت مضى على توسيع إمبراطوريتهما العالمية التي تملك متاجر في كلٍ من باريس، وموناكو، ومتجرين في لندن وآخرين في الشرق الأوسط أكبرهما في دبي. وعلاوة على ذلك، يعتزم المبدعان افتتاح متجر في نيويورك على مساحة 420 متراً مربعاً بشارع ماديسون أڤينيو في غضون شهرين.
يقول روسو: “بعد التمويل الذي قدمته مجموعة ’لا بيرلا‘، نتطلع إلى أن نصبح علامةً لأسلوب المعيشة وتقديم تشكيلة ضخمة وشاملة من المنتجات”، مضيفاً أن الشرق الأوسط الذي يقيم فيه عدد كبير من كبار عميلات الدار (منهن الأميرات والشيخات) يعد سوقاً رئيسية لهما. ولا يعرف كثيرون حقيقة أن غالبية قطع الأثاث –من طاولات القهوة إلى المقاعد– التي تزدان بها المتاجر الجديدة هي من تصميم رالف آند روسو ذاتها، حيث صنعتها العلامة خصيصاً لتلك المتاجر.
وخلال السنوات الأولى للدار، عكف الثنائي دون كلل على بناء شبكة من العلاقات، فاستغل روسو سنوات عمله في مصرف دويتشه بنك وشركة باركليز لجذب المستثمرين ومنهم جون كودويل، ورجل الأعمال البريطاني والناشط في المجالات الخيرية كاندي كابيتال، وكذلك مجموعة ’لا بيرلا غلوبال مانجمنت‘. وعلى الجانب الآخر، انشغلت تمارا في الوقت نفسه بمقابلة مورّدي الأقمشة والخامات الأوروبيين وتوظيف أمهر خبراء الصناعة الذين يمثلون سلعة نادرة في عالم الفخامة. وعن ذلك يقول روسو: “حين جئنا إلى هذا البلد، لم يكن لدينا أي علاقات ولا أحد يعرفنا”. كانا يتحدثان بصراحة وهما يخططان للمستقبل، ويواصل كل منهما حديث الآخر باحترام دون أن يمنعه من التعبير عن رأيه بحرية. وقد اتفقا على “اختلاف الثقافة والطقس في لندن، كما أن طول المسافة وفرق التوقيت بين البلدين أمر مرهق للغاية”.
وبعيداً عن براعتهما التجارية، شكّل انضمام دار ’رالف آند روسو‘ إلى الغرفة النقابية للأزياء الراقية نقطة تحوّل في تاريخها، إذا أصبحت أول علامة بريطانية (وأسترالية) منذ قرن تقريباً تُقبَل عضوة بها. تقول تمارا: “كان لدينا قاعدة ضخمة من العميلات في العالم بنتها سمعتنا الطيبة. وكانت أنجلينا جولي عميلة لنا منذ تأسيس الدار، إلى جانب شخصيات نسائية أخرى بارزة. ولكن أسبوع الأزياء الراقية في باريس انطلق بالعلامة نحو العالمية من حيث تعزيز ظهورها”.
ومع دخول الدار عقد جديد في تاريخها، تبقى حقيقة مؤكدة: أن الأزياء الراقية ستظل تمثّل روحها النابضة. تقول تمارا وروسو، اللذان يصل سعر بعض فساتين دارهما إلى 30 ألف دولار أمريكي وتتجاوز التصاميم الأكثر تعقيداً 100 ألف دولار، إن قطعهما العصرية الراقية يستغرق صنعها ما يصل إلى 300 ساعة من العمل، وبعضها مزين بالآلاف من حبات الكريستال، والأزهار ثلاثية الأبعاد من الدانتيل المرصع بالخرز، أو بلمسات زخرفية ملونة يدوياً يبدعها فريق من الحرفيين العاملين بالدار، الذين يشكّلون وحدة فنية أسهمت في ذيوع شهرتها. وقد ظهر حرفي بالدار في مسلسل أذاعته شبكة ’سي إن إن‘ عام 2018 يلوّن بيده طيوراً تمت خياطتها لاحقاً يدوياً أيضاً فيما اصطفت حولها بعناية حبات الكريستال. تقول تمارا: “لا نأخذ أبداً أي شيء على عواهنه، بل نضع دائماً لمستنا الخاصة، سواء على الألوان أم التشطيبات”.
ويكمن مستقبل الأنشطة التجارية بهذه الدار -التي تضم 400 موظف، منهم 250 موظفاً يعملون في ورشة الأزياء ويتحدثون 45 لغة- في برامج التدريب المهني ودمج المواهب المكتسبة قديماً مع الإبداعات الجديدة. يؤكد المصممان: “حين بدأنا توظيف الشباب، كان عدد كبير من الذين قابلناهم يرغبون في العمل بالتصميم ولكنهم لا يعلمون كيف تُصنع القطع. كما لاحظنا أيضاً أنهم لا يميلون إلى العمل بأيديهم. ولاحظنا مؤخراً رغبة كثير من الشباب في التعلّم”. وتماماً مثلما فعلت جدّتها معها، فإن تمارا بجوار روسو يرشدان هؤلاء الشباب نحو الطريق الصحيح.
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد مارس 2020 من ڤوغ العربية.
بقلم Sofia Celeste