سواءً تمثّلت في الياقات أم ربطات العنق أم ربطات “جابو” الأرستقراطية، فإن إكسسوارات العنق الفخمة تحمل دلالات كثيرة هذا الموسم وغيره من المواسم، بفضل تصاميمها التي تتراوح من الحادة إلى الرقيقة.
في أيامٍ خلت، كان “حلُّ ياقة العنق” علامةً تدل على أن الأمور ستصبح مثيرةً أكثر. ويبدو أن تلك الياقات كانت ولوقتٍ طويلٍ مقياساً لمدى الاحتشام والالتزام بالأعراف والقيم الثقافية – قارني مثلاً بين تلك الأشرطة العملية الرزينة الملتفة حول ياقات الملابس التي كانت رائجة خلال الأربعينيات من ناحية والياقات الواسعة للغاية التي كادت تصل إلى السرّة وانتشرت بعد ذلك بثلاثة عقود من ناحية أخرى. ولكن مع النزعة نحو قبول ارتداء أي شيء في 2018، أصبحت تلك الصيحة تنحو إلى أن تحمل دلالات أكثر تحديداً (في الغالب نسوية على وجه التحديد) بعيداً عن كونها رمز لمجرد الاحتشام من عدمه. فمن شاشات السينما إلى مقاعد قضاة المحكمة العليا الأمريكية، فقد وصلت بالفعل الياقات الاحتجاجية، سواءً على منصات العروض أم في شوارع السويد!
نُشِر للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر 2018 من ڤوغ العربية
في العام 2014، قدمت القاضية في المحكمة العليا الأمريكية روث بادر غينسبورغ مجموعتها الواسعة من ياقات “جابو” [كانت تميِّز أزياء نساء الطبقة الأرستقراطية في القرن الـ19] الخاصة بقاعة المحكمة، واختارت غينسبورغ هذا النوع من الياقات المزينة بالكشاكش في بداية عملها بالمحكمة العليا كبديل أنثوي للقمصان ذات الأزرار أو ربطات العنق التي شوهدت على أعناق أرواب زملائها من الذكور. ومن الأمثلة على ذلك ياقة أنيقة بالأسود والذهبي مطعّمة بالمجوهرات لا تزال ترتديها لإصدار الأحكام على المعارضات تحديداً، والتي نالت فوراً رضا معجباتها. وعندما ارتدتها في اليوم الذي تلا الانتخابات الرئاسية في العام 2016، اعتبرها البعض صيحة حرب صامتة.
وبحلول شهر إبريل من العام الجاري، عندما تظاهر السويديون في الشوارع -وكذلك على صفحاتهم في انستقرام- مرتدين قمصاناً بأنشوطات معقودة على العنق، كان قد بدأ بالفعل تسيس أنشوطة الهرة. وترتبط ياقات الأنشوطة في السويد ارتباطاً وثيقاً بالسلوك السيء للرجال: فالبلوزة ذات أنشوطة الهرة هي القطعة المفضلة لسارا دانيوس، الأمينة العامة السابقة للأكاديمية السويدية التي يهمن عليها الذكور (التي تمنح جوائز نوبل للآداب)، والتي أقصيت من منصبها عقب فضيحة تحرش جنسي على غرار حملة #MeToo لها صلة بزوج عضوة أخرى في الأكاديمية. وعلى الرغم من أن دانيوس قادت حملة لإجراء تحقيق داخلي، إلا أن خلافات داخلية تلت ذلك وأدت في نهاية المطاف إلى استقالتها.
وعقب استقالتها، ارتدت النساء السويديات أنشوطة الهرة تضامناً معها، وقد حققت هذه البلوزة نجاحاً كبيراً سلفاً – فعلى غرار كشاكش “جابو” المرتبطة بالقاضية روث بادر غينسبورغ، شاعت أنشوطة الهرة في السبعينيات والثمانينيات على يد النساء العاملات اللواتي كن يبحثن عن مقابل نسائي للبذلات وربطات العنق التي يرتديها أقرانهن من الرجال.
ووسط هذه البيئة التي تتميز برمزية الأزياء جاء فيلم كوليت هذا الشهر، والذي يحكي قصة فتاة مثقفة من الزمن الجميل تلعب دورها النجمة كيرا نايتلي وهي الكاتبة الفرنسية المعروفة باسمها المفرد وزوجها الفاتن والمتكبر الذي يبالغ في تقدير قيمة نفسه، ويدعى ويلي، ويلعب دوره الممثل دومنيك ويست. وتدور أحداث الفيلم حول إجبار ويلي لزوجته الشابة على كتابة رواية سيرة ذاتية تحت اسمه، ودون أن نحرق الفيلم، تصبح تلك الرواية أهم عمل أدبي ناجح في فرنسا، وينسب الزوج كامل الفضل في ذلك إلى نفسه، ثم يعقب ذلك دراما شيقة.
وتبدو قصة الانتصار على محاولة المحو والتهميش في مطلع القرن عصريةً للغاية، وكوليت هي مع ذلك امرأة أخرى تدرك قيمة ارتداء ياقة لافتة، حيث تتمتع ياقاتها بالحزم على نحوٍ تدريجي، وتعكس تحولها من فتاة ريفية هادئة إلى شخصية ذات حضور باريسي قوي. ومع دلالات تشير إلى الأزياء الحداثية لتلك الحقبة إلى جانب نضال كوليت الشخصي من أجل تحقيق المساواة، أصبحت ياقاتها العديدة حادة وتمزج بين الأنوثة والذكورة على نحو متزايد، وتزينها البروشات وربطات العنق الصغيرة والكشاكش. وكما تقول مصممة أزياء الفيلم، أندريا فليش: “لقد أرادت أن تكون امرأة تنال التقدير الذي يمكن أن يناله الرجل”.
وبالنظر إلى الأجواء السائدة الآن، هل من المفاجئ إذاً أن منصات عروض هذا الموسم قدمت مزيجاً مذهلاً من إكسسوارات العنق الجريئة؟ في عرض ڤيرساتشي، تلألأت ياقات القمصان الرزينة ذات اللون الأبيض والأسود بأحجار الراين، في حين قدمت غوتشي صدريات سوداء مزركشة بدت شبيهة بياقة الرفض الخاصة بالقاضية روث بادر غينسبورغ، ولكن بشكل أكثر لفتاً للأنظار. وثمة شيءٌ يجمع بين ما هو هادف وما هو وقائي في آنٍ معاً في تلك التفصيلات، مع قربها من العنق برقّة وتأطيرها للوجه. وفي عرض شانيل، قدم كارل لاغرفيلد مجموعة فخمة تضمنت: معاطف كلاسيكية من العصر الإدواردي، وسترات تويد ذات ياقات بحجم مناسب تماماً، وفساتين سهرة سوداء ذات ياقات عالية ضيقة وأخرى بأنشوطة طويلة متدلية – بحيث لا تظهرين خارج السياق ضمن أطُر فيلم كوليت.
وفي الواقع، كان “جوهر كوكو شانيل” مصدرَ الإلهام الرئيسي للمصممة فليش خلال تصميمها أزياء الفيلم (كان اختياراً ملائماً جداً باعتبار أن نايتلي هي الوجه الدعائي للعلامة لأكثر من عقدٍ من الزمن). وتصف فليش ملهمتها بأنها: “المرأة التي لا تريد قبول التقاليد المتعارف عليها، والتي تحرِّر نفسها وتحرِّر النساء الأخريات”.
والآن اقرئي: تعيش قمة نجوميتها.. كيندال جينر تكشف عن أفضل مشهد صورته في حياتها