قبل ثلاثة أيام على عرضه الضخم المرتقب في أبو ظبي، حيث دعا مصممُ الأزياء الراقية السعودي محمد آشي 250 ضيفاً تايلاندياً لخوض تجربة فريدة في عالم الأزياء يدور موضوعها حول الصحراء العربية -والتي تعيد إلى الأذهان صور المنتجعات البعيدة التي شهدت انتشاراً واسعاً في الفترة الأخيرة- بينما لا يزال المصممُ المعروف يقابل زبوناته، الواحدة تلو الأخرى، في غرفة العرض في ڤيلا فخمة يمتلكها في بيروت ويعود بناؤها إلى القرن الثامن عشر. ’’أحاول الحفاظ على وجهٍ باسمٍ، ولكني في الأعماق أشعر بتوترٍ كبير‘‘، يقول ضاحكاً وهو يحاول ضبط لهجته على أفضل ما يكون – الأمر الذي يشكل الطابعَ المميز لرجلٍ يقضي أيامه متحدّثاً إلى زبوناتٍ من أصقاع العالم كافة، بما في ذلك: الهند وأمريكا وتايلاند وسنغافورة والكويت والمملكة العربية السعودية. ويعتبر ضغط العمل بالنسبة إلى آشي أمراً ثابتاً ومسلَّماً به، حيث يدور عمله حول إلباس النساء اللواتي يسعين للتعبير عن أنفسهن وبثِّ الحيوية في مظهرهن من خلال الأزياء.
ويضيف: ’’ستتراوح أسعار الفساتين من 25 ألف إلى 30 ألف دولارٍ أمريكيٍّ، ولكن سيدات نادي الموضة الراقية -ومعظمهن من الولايات المتحدة الأمريكية- يقصدننا بميزانيات مفتوحة‘‘. وهو يرى أن تصميم أزياء لامرأة لاحدود لميزانيتها تحدٍ ينبغي أن يكون المصمم جاهزاً له، فيقول: ‘‘هنا تصبح الأمور أصعب، فأولئك السيدات يعرفن ما يردن، وهن مستعداتٌ لإنفاق ما يقارب 150 ألف دولارٍ أمريكيٍّ للحصول على مرادهن. الأزياء الراقية عالم مختلف. صدقوني‘‘.
وعلى مدار عشر سنوات منذ تأسيس دار الأزياء الخاصة به تحت اسم آشي ستوديو –حيث لم ينقطع الإقبال الكثيف من جانب الزبونات على غرفة العرض لديه- شهد آشي تغييراً كبيراً في الإنفاق على شراء الأزياء الراقية، حيث انخفض الطلب عليها بشكل ملحوظ بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية، وبدأت الزبونات الإقبال على مجموعات الأزياء الجاهزة. بل إنه هو بنفسه أطلق مجموعة أزياء جاهزة لخريف 2015 في ربيع ذاك العام، وهو يعزو فضل زرع فكرة تلك المجموعة في رأسه إلى رئيسة تحرير ڤوغ الإيطالية الراحلة فرانكا سوتزاني، حيث تلقّى في العام الذي سبقه رسالةً بالبريد الإلكتروني من محرِّرة ڤوغ الإيطالية، سارة ماينو، تطلب فيها أن يجمع تصاميمه ويتجه إلى ميلانو في غضون يومين لعرضها أمامها. يقول: ’’عرَّفتني إلى فرانكا سوتزاني التي قالت لي: ’أحبُّ ما تفعله. وأرغبُ في دعمك‘. ولم تبالِ من أيِّ مكانٍ أتيتُ أو من أيّ خلفيّة. وقد نقلت فرانكا إلى آنا وينتور أنني لبناني، بينما تقول سارة إنني من دبي. بالنسبة إليهن، أنا إنسان مبدع فقط‘‘. لقد دفعته سوتزاني بشكل دؤوب نحو ابتكار أزياء جاهزة. يقول: ’’لقد أرادت أن يكون لي اسمي، ولكن لم أكن أمتلكُ ما يكفي من المال، وكانت تقول لي: ’جد طريقة‘ وهذا ما فعلته‘‘.
درس آشي، الذي تحلّى بخيال خصب حتى عندما كان صغيراً، في جامعة نيويورك، ولكنه أدرك سريعاً أنه لن يصبح فناناً. وأمضى ساعات فراغه بالتهام الأفلام، حيث شاهد فيلم The Color of Paradise (لون الفردوس) عدة مرات، محلِّلاً سير الأحداث فيه. يقول: ’’ثم شاهدت فيلم The Hours (الساعات)، وكانت تلك نقطة تحولٍ في حياتي، فبدأت قراءة كتابات ڤيرجينيا وولف وعكفت على دراسة الشخصيات‘‘. وبهذه الطريقة، بدأ لأول مرة دراسة الشخصيات والتمحيص فيها. ويضيف: ’’تربيت في ظل ثقافة توجب عليك أن تكون عادياً كالبقية. وتعلّمت أن لا بأس إن لم أكن عادياً كالبقية‘‘. واليوم، تدور جميع مجموعات آشي -بفساتينها المتموجة ذات الطابع المميّز وتصاميمها النحتية التي تستثير عاصفة من الأحاسيس الفلسفية والأماكن التي لا تنتمي إلى عالمنا هذا- حول المفهوم ذاته. ولكن بالنسبة إلى ذلك الشاب الذي لا يتحلّى بأي خبرةٍ في مجال الموضة والأزياء، كان تصميم الأزياء درباً طويلاً وهدفاً بعيد المنال. يقول: ’’عندما أعلنتُ لوالدي أنني أرغب في دراسة الموضة والأزياء، كان على وشك أن يصاب بنوبة قلبية‘‘. لقد طلب آشي العون من صديقٍ لعائلته ليقنع والده بإعادة النظر في رأيه. بعدها، دعاه والده للسفر إلى ميلانو. ويتذكر قائلاً: ’’وفجأة، أعطى والدي السائق عنواناً، ثم وجدتُ نفسي أمام معهد مارينيوني‘‘. وبمباركة أسرته، التحق بمعهد التصميم الإيطالي الشهير، ولكنه عانى كثيراً من عدم إجادته اللغة الإيطالية. ثم حاول الدراسة باللغة الفرنسية في مدرسة إسمود لتصميم الأزياء في باريس، ولكن عدم إتقانه للغة وقف حائلاً مرة أخرى أمام طموحاته، فاقترح عليه أحد أساتذته الالتحاق بمدرسة إسمود في بيروت، حيث الدراسة متاحةً باللغة الإنكليزية. فأقدم على هذه الخطوة وكان الأول على دفعته، طوال ثلاث سنوات متتالية. وبعدما حصل على منحة تدريبية لدى دار جيڤنشي وعمل لفترة في دار إيلي صعب، قرر آشي أن يبدأ عمله الخاص، فاستأجر ماكينة خياطة، ووضعها في شقته ببيروت، وعيّن خيّاطة تتقاضى أجرها بالساعة. ويقول: ’’لم أستطع في بعض الأيام أن أدفع لها أجرها. كنت أرجوها أن تُنهي عملها‘‘. ثم حدث تحول آخر في حياته، عندما أخذ أحد أصدقائه تصاميمه وعرضها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حفل جوائز غرامي 2011 أصبح المصمم حديث الساعة بعدما خطفت تصاميمه الأضواء على السجادة الحمراء وتهادت بها النجمتان إيڤا لونغوريا ونايا ريڤيرا إحدى بطلات المسلسل الشهير Glee. وينفجر ضاحكاً قائلاً: ’’في تلك الليلة لم يتوقف هاتفي عن الرنين، ولم ترافقني مساعدة، ولا كنت قد أطلقت موقعاً على الإنترنت. كان لدي فقط حساب على موقع فيسبوك‘‘.
’’أريد أن أصبح مصمّماً أزياء عالمياً. أن أصنع موضة رائجة‘‘
واليوم، يشعر آشي بالأسى لأن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في زوال الغموض الذي كان يغلف عالم الموضة والبريق الذي كان يزهو به فيما مضى. ’’انظري إلى العارضات الملهمات. بات الأمر تجارة كبيرة. والملهمة مَنْ تجذبك كمصمم، وتجذب زبائنك أيضاً‘‘. كان جاني ڤيرساتشي يستعين بناعومي كامبل كملهمة له، كما كان أوبير دو جيڤنشي يستعين بأودري هيبورن، وإيڤ سان لوران اختار لولو دو لا فاليز. وجميع هؤلاء العارضات دخلن كتب التاريخ، وحتى اليوم لا يزال يُستشهد بهن كمنبع للإلهام في تصميم المجموعات. ويشير: ’’ولكني من دون ملهمة، فنحن لا نعيش في العصر الذهبي عندما كانت النجمات يتناولن إفطارهن في مطعم تيفاني. فعارضات اليوم يتناولن إفطارهن في مطاعم ماكدونالدز مرتديات السويتشيرت. لذا ’فالعارضة الملهمة‘ لا وجود لها الآن. أصبحت شخصية من الزمن الماضي‘‘.
ورغم كل التقلبات التي تشهدها صناعة الموضة، يظل آشي متمسكاً بهدفه الذي لا يحيد عنه. وبهدف إدارة عمله التجاري الذي يشهد نمواً سريعاً، عمد خلال العام الماضي إلى نقل نشاطه إلى إيطاليا. ويشير قائلاً: ’’لم تعد بيروت في الواقع تملك حرفيين مهرة كما كانت في الماضي. لدينا مدارس لتصميم الأزياء، ولكن ليس لدينا أي منصة لتعليم الخياطين. إذا رأيت العاملين معي في لبنان، تجدينهم في السبعين من عمرهم، وأصغرهم في الستين. والجميع يريد العمل كمصممين للأزياء ولكن لا أحد يلتفت إلى مَن يبصر هذا السحر الحياة بفضل أناملهم‘‘.
وتعد مجموعة ربيع 2018 التي يعرضها المصمم في أبو ظبي المجموعة الثانية التي تحمل بطاقة صنع في إيطاليا. وإذا كان المصمم يرى أن الخياطة قد شهدت تحسناً ملحوظاً، فإن مجموعة ربيع 2018 ستمثل أيضاً نقلة إبداعية كبيرة له. وآشي -الذي لم يقدم في أي وقت مضى سوى إطلالات أحادية الألوان (’’لا أستطيع أن أرى هذه الأشكال النحتية سوى بالأبيض والأسود‘‘)- يعرض الآن تصاميم تزهو بألوان الفوشيا، والأخضر بلون الزمرد، والأصفر الزاهي على منصات العرض بصور ناعمة مصحوبة بحقائب بأشكال متعددة مصنوعة من جلد التماسيح – والتي تعد المغامرة الأولى له في عالم تصميم الإكسسوارات. ويقول: ’’قبل عشر سنوات، قلت، ’لا أريد العمل كمصمم فني. كل ما أريده أن أعمل مصمماً‘، وأريد أن أصبح مصمم أزياء عالمياً. أن أصنع موضة رائجة. وسنبذل قصارى جهدنا وأقصى ما نستطيع أن نتحمله من نفقات. وما زلنا نسعى إلى أن نكون علامة معترف بها في صناعة الموضة‘‘.
نشر هذا الموضوع للمرّة الأولى في عرر شهر أكتوبر من ڤوغ العربيّة.
قوّة التفرّد في تنسيق العبايات والمعاطف الشتويّة داخل عدد أكتوبر من ڤوغ العربيّة