إن كان العام 2019 يكافح ليكون العام الذي تُواصل فيه الموضة الاحتفاء بالتنوع، فإن المصممة المصرية التي تقف وراء علامة المجوهرات المبتكرة ساندبوكس، سهيلة الشيخ، ملتزمة بهذه القضية، حيث تتمحور حملتها الدعائية لأحدث خط مجوهرات لها، ويدعى “تمبر”، على نساء لديهن بشرات من الأنواع المهمَّشة سعياً منها لتسليط الضوء على رسالة مهمة عن النظرة الإيجابية للجسم.
وتستذكر الشيخ عندما كانت طفلةً صغيرةً ترفع يدها لتمسك الضوء في محاولةٍ لاستكشاف نسيجها، وتقول: “جريبات الشعر التي تربطها خطوط على الجلد جعلتني أفكر في شبكة — تشبه الصلة التي تربط جميع البشر، مثل كيانٍ واحدٍ”. واليوم ما يسحرها هو الدرجات اللونية المتنوعة لدى الناس المصابين بالبهاق والبرص والنمش، إلى درجة أنها أصبحت دلالة مرجعية لسادس مجموعة مجوهراتٍ لها.
فمجموعة “تمبر”، وهي كلمة فرنسية تشير إلى نغمة أو خاصية موسيقية مميزة، هي انعكاس لرؤية الشيخ الخاصة لأنواع البشرة المتنوعة وكونها “متناغمة” حقاً مع بعدٍ آخر. ويزدحم مشغلها، الذي يقع في قلب القاهرة، داخل سوق خان الخليلي النابضة بالحيوية والنشاط، بما يزيد على عشرة حرفيين متخصصين بأشغال الفضة، حيث يصنعون حلياً من المعدن بالاستعانة بتقنيات حرفية مغرقة في القدم تجعل الحياة تدبُّ في أفكارها المجردة. وتصرِّح الشيخ بالقول: “أتولى عمل التصاميم الحجرية، حيث أعمد إلى سحقها وفلترة أحجامها، وأضع الأحجار على قطع المجوهرات باستعمال مادة كيميائية معينة تحافظ عليها في مكانها”. وإن كانت تقنيتها تلك هي ما منحت علامتها العصرية بصمتها المميزة، فإن رسالتها التي تعزِّز مفهوم التنوع هي جوهر نجاحها.
من أين ينبع هذا الاهتمام بالبشرة؟ هل جاء بسبب إحدى ذكريات الطفولة؟
بالرغم من أنني نشأت في بيئة تضم أناساً من جميع الجنسيات والخلفيات — ما يعني قبول حتمي لجميع أنواع البشرة — إلا أنني لطالما وجدت أن هناك نفورٌ من الأشخاص الذين يعانون البهاق. عندما كنت طفلة كنت أقابل رجالاً مصابين بالبهاق، ولسببٍ ما كنت على الدوام واحدة من القلة — إن لم أكن الوحيدة — المسحورة ببشرتهم. حتى أنني أذكر تحديقي المتواصل بهم أحياناً، والذي كان يدفع والداي إلى أمري بالتوقف عن ذلك حتى لا يشعر الرجل بالارتباك! ومع مرور الوقت بدأت أتساءل أيضاً لما لم أرَ إطلاقاً نساء مصابات بالبهاق. ومن هنا نما اهتمامي بذلك أكثر وبقي معي حتى يومنا هذا.
كانت لوجينا [وهي عارضة تظهر في الحملة الدعائية] في الواقع أول امرأة أراها في حياتي تعاني البهاق، وهذا أمرٌ معيبٌ نوعاً ما ويحمل دلالات كثيرة، وكان الأمر عينه ينطبق على المصابين بالبرص ولكن بدرجة أقل، إذ يُنظر إليهم بنوعٍ من الشفقة وليس الاشمئزاز. ومرةً أخرى لم أفهم مطلقاً سبب ذلك. في حين كان النمش يعتبر طبيعياً خلال نشأتي في السعودية، ولطالما اعتبرته مثل قطرات المطر على البشرة، وأردت أن يكون لي قطرات مطرٍ خاصة بي! ولكن عندما انتقلت إلى مصر سمعت الكثير من التعليقات المنفِّرة عن الأشخاص ذوي النمش، أو “النمش يبدو قبيحاً”، “لديها نمش”. وذلك أزعجني. هذه كانت الحالات أو الأسباب التي كشفت انبهاري واهتمامي بأنواع البشرة تلك، ولكن سبب وجود هذا الانبهار في الأساس أمرٌ لا يسعني شرحه صدقاً. في عيني هي فقط أمرٌ آخر. غريبٌ على نحوٍ جميلٍ للغاية.
هل أجريتِ أي نقاش مع العارضات حول حالة بشراتهن؟ هل يشعرن بالارتياح تجاه بشراتهن مع رؤيتهن لتنامي تمثيل التنوع؟
أجل، عندما طُلِب من مينا في بادئ الأمر المشاركة في هذه الحملة كانت كلماتها حرفياً كما يلي: “أشاهد النساء المصابات بالبرص يُحتفى بهن ويظهرن كعارضات على الإنترنت في دول أخرى، ولكن ليس هنا في مصر!” ومع تعرُّفي عليها أكثر وأكثر، بدأت أُدرك أنها تبتعد عن استعمال كلمة “برصاء”، كما لو أنها كانت كلمة مُعيبة. وعلى الرغم من أن عائلتها تجعلها تشعر بأنها جميلة على نحوٍ فريدٍ، إلا أن نظرة المجتمع إلى البرص كمرضٍ يُتوخَّى الابتعاد عنه، أثر عليها كثيراً، ومع ذلك فإن تنامي مفهوم تمثيل التنوع الذي كانت تحترمه من بعيدٍ قد ساعدها على قبول ورؤية الجمال فيما تكون عليه، كما أنها بدأت أيضاً عبر حملة “تمبر” تشعر كما لو أنها أصبحت جزءاً ملموساً من هذه الحركة، التي بعثت فيها بالمقابل مشاعر التمكين ومنحتها إحساساً أكبر بالثقة.
ولوجينا من ناحيةٍ أخرى أصبحت راضية عن بشرتها نتيجة رغبتها في إلهام نساء أخريات مثلها والوقوف بجانبهن، حيث تمتلك نحو مئة ألف متابعٍ على منصتها، وتتلقى على نحو متواصل رسائل وتعليقات وأسئلة من نساء أخريات يعانين البهاق. وقد حصلت في الواقع على فرصة لإزالة البهاق طبياً، وقبل أن تمضي قدماً فيها، عدلت عن قرارها ورفضت تلك الفرصة، إذ شعرت أنها بحاجة إلى قبول ما كانت عليه واستغلاله في فعل الخير، نتيجة التجارب السلبية التي مرَّت بها في مجتمع جاهل، وبيئة غير متسامحة إزاء النساء اللواتي يعانين البهاق. وفي واقع الأمر نشهد نمو مفهوم تمثيل التنوع بفضل أشخاص مثلها، ممن يستعملون تأثيرهم على أفضل وجه.
لطالما شعرت ياسمين على الدوام بالتمكين من ذلك النمش الذي يشوب بشرتها والفخر به، وبالرغم من أنها وخلال حياتها كعربية، تعرضت دوماً لأسئلة تتعلق بهذا النمش ونُصحت في بعض الأحيان باللجوء إلى علاج الليزر لإزالته، إلا أنها كانت راضية دوماً بما هي عليه، “لم أمتلك مطلقاً علبة كريم أساس”. على العكس من ذلك، طرحت سؤالاً كان بالنسبة لي قوياً للغاية، ومفاده: “هل سأكون مرتاحةً بدونه؟” والتمثيل الذي جرى مؤخراً لمفهوم التنوع قد عزّز ثقتها في نهجها هذا وحسب.
التصوير الفوتوغرافي:
إنتاج: أو آرت-استوديو
المصوران: هنار شريف وعادل عصام
خبيرة التجميل: عصمت الخولي
الفيلم:
إنتاج: أو آرت-استوديو
مصورا الفيديو: محمود مصطفى ومحمد الحرمل
خبيرة التجميل: عصمت الخولي
والآن اقرئي: هذه هي أفضل وجهات السفر في 2019