مصممون ومبدعون من المنطقة العربية عازمون على المحافظة على تراثهم وثقافتهم رغم العولمة التي تكتسح العالم. يؤمنون بأنّ تنميق التراث واجب كل فرد وينطلقون من هذا المبدأ ويبدعون أزياء وإكسسوارات تحاكي الماضي وتتماشى مع المستقبل
لا تخلو منطقتنا العربية من الإبداعات والمصممين الخلّاقين، هم الذين واكبوا التطور وعاشوا في عالم يعجّ بالتكنولوجيا لكنّهم رفضوا التخلّي عن هويّتهم العربية. مطّلعون على كل جديد في عالم الموضة ولديهم القدرة على التزيّن بأرقى الأزياء وأكثرها معاصرة، غير أنّهم قرّروا بكل فخر حماية إرثهم وعملوا على إحياء الحرف المندثرة وابتدعوا قطعاً تعبق برائحة الماضي ومزجوا الثقافة العربية وأصبحوا الخيط الذي يربط بين أزياء الماضي الغني وتلك المعاصرة. ومعهم التراث ليس مجرّد لوحات فنية في متاحف العرض، بل أصبح واقعاً ملموساً.
فقبل الغوص في التفاصيل التي احتفظوا بها هؤلاء المبدعين، رغم مواكبتهم الموضة الحديثة، تجوّلنا في منطقتنا العربية والتقينا ما أطلقنا عليهم «حماة التراث والثقافة» وكان لنا وقفات في أكثر من دولة عربية.
بدأت رحلتنا في الإمارات مع الفنان الإماراتي المرموق، مطر بن لاحج الذي تعاون مرة جديدة مع علامة Loro Piana لتقديم وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك مجموعة كابسول فريدة تكرّم عشقه الدائم للخط العربي. وسوف تزين الأعمال الفنية المميزة بتوقيع مطر مجموعة غنية من القفطانات الأنيقة والعبايات البهية والشيلات الناعمة وبدلات البناطيل البسيطة المصنوعة من الكتان والكادي الحريري، والتي تكملها إكسسوارات وأحذية أيقونية بتوقيع Loro Piana، بألوان وجلود خصّت بها الدار منطقة الشرق الأوسط.
يتخذ خط مطر العربي الذي ابتكره الفنان بنفسه، أشكالاً متعددة للتعبير الفني، وسوف ينبض في شهر رمضان المقبل بروح جديدة من خلال كلمة «حب». وقد اختار الفنان هذه الكلمة لأنها تجسد وترمز إلى جميع القيم التي تطلع إلى ترسيخها في هذه المجموعة، بدءاً من السعادة والفرح وصولاً إلى الشجاعة والإصرار، وكلها سمات وصِفات تشاركه إياها Loro Piana بكل فخر.وعن هذا قال بن لاحج: «إن هذه هي أول مجموعة أزياء جاهزة لي على الإطلاق مستلهمة من «السمات المشتركة بيننا فيما يتعلق بالجماليات والألوان ومستوى الخامات التي نستخدمها وجودتها». وتدور المجموعة في فلك الاحتفاء بالثقافة العربية أثناء شهر رمضان المبارك مع التركيز على كلمة «حب». وعن اختيار كلمة «حب» للمجموعة، يقول الفنان إن الحب قيمة أساسية في شهر رمضان. ويؤكد «اخترت كلمة «حب» لأنها تجسد وترمز إلى ما يعنيه رمضان بالنسبة لي كأب وكمواطن إماراتي وابن لهذا البلد»، ويضيف: «إن كلمة «حب» تنطوي أيضًا على اعتراف مني بـ«حبي» الشخصي لفني، وتحديدًا فن الكتابة العربية والخط العربي». ويؤكد هذا التعاون على احترام مطر بن لاحج وحبه لثقافة الشرق الأوسط بالإضافة إلى التحلي بروح المودة في رمضان.
أمّا من مصر فقالت ريم علاء أحمد التي تتولى منصب المديرة الإبداعية لعلامة «رملة» للأحذية المحلية الصنع: «أؤمن، عن نفسي، بأن إحياء التراث هو واجب كل مصمم. لذا نحاول في كل مجموعة رد الجميل لمجتمعنا سواء بالاستدامة وتمكين النساء أم بتحديث تقنية قديمة». ففي عام 2017، قررت ريم إنشاء هذه العلامة لإحياء الثقافة الحرفية المندثرة وتمكين الحرفيات. و«رملة» هي علامة للأحذية ولدت في مصر كهواية للمصممة المصرية، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في التصميم الداخلي والهندسة المعمارية بالإضافة إلى درجة الماجستير في التجارة الفاخرة في مدينة فلورنسا الإيطالية. ومتأثرة بدراستها للماجستير في صناعة الجلود والأحذية في إيطاليا وفلورنسا، انصب اهتمام المصممة بشكل خاص على الأحذية وفكرت في المزج بين إرثها المصري وشغفها. وتؤكد: «رملة هنا لهدف، ألا وهو إحياء الحرف اليدوية المصرية».
فكرت ريم في إطلاق خطها الخاص وعقدت العزم على صنعه بأكمله في مصر من البداية إلى النهاية، مستلهمة من والديها اللذين حثاها على الفخر بثقافتها وتراثها وتقاليدها المصرية وذكراها بأهمية اللغة العربية والعمارة في مصر. وجميع أحذية «رملة» مصنوعة يدويًا من مصادر محلية في مصر ومصممة وفقًا لتاريخ البلاد وتراثها. ولهذا الهدف، تحافظ العلامة على التراث المصري. وتعلل ريم سبب تفرد علامتها: «أنا لا أحاول بيع منتجات فقط، وإنما ثقافة وقصة لديها الكثير لتقوله وتتخطى ما تراه العين». وتشكل الموضة المستدامة قيمة مهمة للعلامة نظرًا لأنها تعمل في الحرف اليدوية وإعادة التدوير لإثارة الاهتمام بالتطريز والقطع الجديدة والفريدة. وتصف ريم علامتها قائلة: «إنها الفن والتفرد والجودة وقصة مستدامة خالدة وُلدت في مصر».
من لبنان وُلِدَت «ڤانينا»، من رحم رؤية مشتركة لإبداع الفن جمعت بين صديقتي الطفولة تاتيانا فياض وجوان حايك اللتين تربطهما صداقة دامت على مدى 19 عامًا. وفي عام 2007، تحولت رؤيتهما إلى حقيقة بإطلاق خط للمجوهرات باسم «coined» والذي أبدعتا من خلاله إكسسوارات معاد تدويرها باستخدام عملة الليرة اللبنانية القديمة. وفي نهاية المطاف، بدأت العلامة توسيع نطاقها لتصبح علامة لأسلوب الحياة تنتج الحقائب والأحذية والأزياء علاوة على المجوهرات. واحتفاءً بالأنوثة، حقق الثنائي نجاحًا باهرًا بلا هوادة أو خوف بإبداع قطع أنيقة ورقيقة. وعن أهداف الشركة، التي أُسست أثناء الأوقات العصيبة التي مر بها لبنان: تقول جوان حايك: «رسالتنا هي استخدام الموضة كأداة للتنمية الاجتماعية والبيئية».
ويفخر فريق المبدعات لعلامة «ڤانينا» بتصنيع إبداعاته محليًا في لبنان. تقول جوان: «رغم التحديات الكثيرة التي تواجهها البلاد، نعتزم مواصلة مسيرتنا في ترسيخ قدم العلامة وجذورها المحلية. لبنان بلد ثري بالتراث الثقافي، بالحرف التقليدية، بالطبيعة الآسرة والطاقة والحضرية. إنه بلد ملهم إلى أبعد الحدود». حتى مع كل التحديات التي يواجهها لبنان اقتصاديًا واجتماعيًا، تظل «ڤانينا» وفية لجذورها في بلادها. ويقدر فريق «ڤانينا» أيضًا الحرف اليدوية الراقية. ولا تساعد البراعة الحرفية في الحفاظ على طرق الإنتاج التقليدية وحسب، وإنما تضيف لمسة من الشغف تتفق مع الأسس التي قامت عليها الشركة. وتوضح جوان: «الوقت والشغف اللذان يبذلهما المرء في سبيل ابتكار منتج، السعادة التي تجلبها للحرفي، التقاليد التي تحافظ عليها، والجودة والمتانة اللتان تتحققان في القطعة». وتتبنى العلامة، التي تجمع بين الأساليب التقليدية والرقمية في إبداع القطع، أساليب إعادة التدوير وإعادة استخدام الخامات لعمل منتجات جديدة وأكثر دقة. وهذا بدوره يمنح الشركة الفرصة للاهتمام أكثر بأساليب الإنتاج المستدامة. وتستعد «ڤانينا» لإطلاق مشروعها المقبل في خريف 2022 في دبي بدولة الإمارات. كما تخطط أيضًا لعقد شراكات توزيع مع عدد من الدول في أوروبا والولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، ستظل تعمل على تحقيق النمو محليًا داخل لبنان.
انتهت رحلتنا في المغرب وتحدّثنا مع ياسمين العرقبي وسميرة مضران مؤسستا علامة الحقائب والأحذية «دوم»، وعن ديناميكية العلامة قالت يا سمين: «تنميق تراثنا وحمايته وإثراؤه واجب كل فرد، ولكنه واجب المبدعين على وجه الخصوص». وقد وجهت الأم سميرة وابنتها ياسمين، وهما ثنائي مغربي الأصل، شغفهما بالموضة نحو تصميم الحقائب وإنتاجها. وتركز علامتهما التي تم إطلاقها تحت اسم «دوم» عام 2018 على إحياء التراث المغربي من خلال تصاميمهما الدقيقة وبراعة صناعتها اليدوية. وتتخذ علامة «دوم» من المغرب مقرًا لها، حيث تعمد جميع الحرفيات إلى «نسج تراثهن». ويعتبر الثنائي التمسك بتراثهما وثقافتهما من الأمور المهمة، موضحتين أن المبدعين يقومون «بسد الفجوة بين الحرفيين في بلدهم، حيث يقدمون انعكاسًا للماضي ومشهد الموضة الحالي». فمن واجب المبدعين تقديم انعكاس لتراثهم في منتجاتهم. كما تهتم «دوم» اهتمامًا خاصًا بمنتجاتها المصنوعة يدويًا وجهودها تجاه الموضة المستدامة. وتؤكد العلامة أنه “يتم تجميع كل منتجاتنا وخياطتها في ورشتنا. وهذا يتيح لنا ضمان أفضل جودة لعميلاتنا». ويقول الثنائي إنهما يستخدمان الألياف الطبيعية مثل القش والرافيا والقطن العضوي والجلد الصديق للبيئة والتطريز اليدوي لدعم النضال من أجل صناعة للموضة أكثر استدامة وصديقة للبيئة. تقول المصممتان: «إن «دوم» علامة أخلاقية مسؤولة بيئيًا ومستدامة ولديها التزامات اجتماعية وبيئية قوية». ويعمل تعاونهما في السلال، التي تصنعها النساء، كمبادرة خاصة لتمكين النساء من دوار توغانا، تلك المنطقة الريفية التي تبعد 20 كيلومترًا عن مراكش. وتسعى هذه المبادرة، التي أطلقتا عليها اسم «دوم للنساء»، إلى تمكين نساء المنطقة من الاستقلال ماديًا.
اقرئي ايضاً : 3 إطلالات رمضانية للنجمة اللبنانية رزان مغربي – هل أعجبتك؟