عبر المعرض الذي يقيمانه في الصيف احتفالاً بمرور 25 عاماً على تأسيس علامة أزيائهما ڤيكتور آند رولف، يستعرض المؤسِّسَان رحلتهما التي قطعاها لشق طريقهما الخاص في دنيا الأزياء والموضة.
“لطالما تطلعنا لمشاهدة أزيائنا تُعرَض في متحف. إنها طريقة رائعة لأن نصبح أكثر ديمقراطية”، هكذا بدأ كلٌ من ڤيكتور هورستنغ ورولف سنورن حديثهما. وعلى مدار 25 عاماً، دأب ثنائي التصميم الهولنديان على ابتكار أعمال تمتاز بإطلالاتها النحتية البارعة ووقعها السيريالي اللافت، ما منح الناس مساحة لمشاهدة التصاميم المألوفة من منظور غير مألوف. وعلى خلفية نهجهما الفكري المرموق، فإن المجموعات التي اعتادا على تقديمها مستوحاة من صناعة الأزياء ذاتها، أو ما يشير إليه المصممان بكلمة “منظومة العمل”. وفي بعض الأحيان، كانت تلك المجموعات بمثابة رد الفعل العملي لثورة هذين المصممين. وحتى التعليقات المقترحة لم تأتِ بتاتاً كحُكم مطلق [على تلك المجموعات]، ولكن ببساطة كمفردات لغوية قائمة بذاتها.
نُشِر لأول مرة على صفحات عدد يونيو 2018 من ڤوغ العربية.
يقام معرض ’ڤيكتور آند رولف: 25 عاماً لفناني الموضة‘ في متحف كونستال بمدينة روتردام عقب إقامته لأول مرة في مدينة ملبورن داخل صالة ناشونال غاليري أوف ڤيكتوريا. وبسعادة ممزوجة بحماس مُحكَم، يعبّر المصممان -اللذان لا تفارق نبرةُ صوتيهما مطلقاً طابعَ الرطانة والهدوء- عن عرض أعمالهما في بلدهما الأم، على مقربة من أفراد العائلة والأصدقاء. ومَن يتحدثون لغة ڤيكتور آند رولف هم أشخاص مهتمون بالفن والتصميم، وفي هولندا تكثر أعداد هؤلاء بشكل ملحوظ. وفي النهاية، فإن هذه الدولة هي مَن أنجبت رامبرانت، وڤيرمير، وبوش، وڤان غوخ، وموندريان، وكذلك آبل. وبنبرة ساخرة يقول سنورن: “ليس المهتمين بالموضة فقط”. ومن بين زبونات العلامة الأميرةُ الهولندية مابل من عائلة أوراني-ناساو؛ فخلال حفل زفافها على الأمير فريزو، أبدع المصممان لها فستاناً ثرياً بما مجموعه 264 عقدة أنشوطية. وقد شرفت الأميرةُ المعرضَ بافتتاحه، كما أقرضت فستانها لتلك المناسبة. وبينما خفتت نبرة صوته لدى تذكّره ما كان بالفعل لحظة متعة مشوبة بالألم، يقول هورستنغ: كان إحساساً عظيماً أن نمشى إلى جوارها”. وقد انتهت قصة الحب الملكية تلك حينما تُوُفِّيَ الأمير إثر حادثة تزلق عام 2013.
ويقام هذا المعرض تحت رعاية تييري-ماكسيم لوريو، ويعرض أعمالاً سابقة وأخرى جديدة، وأزياءً مسرحية مثل فستان البيبي دول بلون العلكة الوردية المزدان بطوق رقبة مكشكش الذي ارتدته مادونا في معرض ميامي آرت بازل، ونحو 60 قطعة أزياء. وهناك أيضاً 25 دُمية معروضة مصنوعة يدوياً من الخزف، وكلٌ منها تم إلباسها من تصاميم الأزياء الأكثر أيقونيةً والتي صنعت حسب المقاس، حتى إن هذه الدُمى تتألق بشعر ومكياج يحاكيان تماماً الإطلالات التي ازدانت بها منصّة عرض الأزياء السابق. وينعم الزوّار بإمكانية الاختيار لتحديد البارز من بينها. وهناك المعاطف على شكل الألحفة المحشوة بالريش، وفساتين النوم الرقيقة المستوحاة من مجموعة “قصص ما قبل النوم” (مجموعة الأزياء الجاهزة لخريف وشتاء 2015)، والأزياء الهولندية الوطنية المأخوذة من مجموعة “عرض الأزياء” (مجموعة الأزياء الجاهزة لخريف وشتاء 2007) والتي تم عرضها لأول مرة مفتوحةً باستعمال أدوات فولاذية تعوزها البراعة، علاوة مجموعة “أزياء السجادة الحمراء” (مجموعة الأزياء الراقية لخريف وشتاء 2014) التي اشتملت على فساتين فاتنة من وحي السجادة الحمراء.
اقرئي أيضاً: تعرفي إلى هؤلاء السعوديات اللواتي يطالبن بتشكيل فريق نسائي لكرة القدم في المملكة
ومن الفوائد الجمالية لمشاهدة عرض ڤيكتور آند رولف أن تلاحظي كيف يبنى التطلّع إلى المستقبل عبر الدقة والتكرار – تصاعد تدريجي في النغمات المتباينة بمثالية. وأحياناً، يسطع نجم هذين المصممين في عروضهما، تماماً كما كان الحال حينما ألبسا العارضة ماغي رايزر بتسع طبقات من الملابس، في بث حي. وبعيداً عن ذلك، وعبر كثير من القطع التي تمت الاستعانة بها، ظهرت روح الفريق، وعندها لا يمكن للمشاهد إلا أن يهتف فرحاً. ويومئ المصممان قائلين: “حينما نسير في جنبات المعرض ونرى أبرز المعروضات، نلمس طابع الوحدة”، ويضيفان: “حتى في أول فيلم قدمناه -لمجموعة Hyères عام 1993- كانت كل العناصر متوفرة بالفعل، ربما بشيء من الغموض، ولكنها كانت موجودة”، مشيرين إلى فوزهما الثلاثي خلال المهرجان الدولي الشهير للموضة والتصوير الفوتوغرافي.
وكل الحكايات وفصولها نُسِجَت بالاستعانة بمكونات من مشغلهما في أمستردام، والمقام داخل مبنى يعود إلى القرن السابع عشر سبق وامتلكه عمدة المدينة – وما تزال صورتان شخصيتان له ولزوجته معلقتين على جدرانه. ويتولى فريق مؤلّف من 8 إلى 15 من أصحاب الأيادي الصغيرة [في إشارة إلى أصحاب الحرف اليدوية الماهرين] ابتكار كل شيء داخل المشغل. وعن ذلك يقولان: “من الصعب العثور على الموهبة”، ويضيفان: “ليس فقط العثور على الأشخاص الذين يمكنهم العمل بأيديهم، ولكن أيضاً مَن يعشقون القيام بذلك”. إنه واقع عادل للغاية. بعض القطع الراقية -مثل فساتين السجادة الحمراء- يمكن أن تستغرق ما يصل إلى 300 ساعة من العمل لإنجازها. ومن داخل مشغلهما، ينظران إلى الحديقة المشيدة على نمط الفناء الإنجليزي. لا يوجد بالكاد أي سياج، ولكن هناك شجرة، وبركة ماء صغيرة، وبعض الطيور ترفرف هنا وهناك. ويضيفان: “هناك طائر ْكُرْكِيّ يأتي ويجلس وسط البركة كالملك، ويأكل كل الضفادع”.
بعدما التقيا خلال دراستهما في أكاديمية أرنهيم للفن والتصميم، بدأ هورستنغ وسنورن العمل سوياً بعد تخرجهما مباشرةً. وعن صداقتهما الدائمة يقول هورستنغ: “إنها أقرب إلى هبة من الله، أن تجد شيئاً يمكن أن تشاركه [مع غيرك]”، ويضيف: “عملنا هو بمثابة احتفاء بصداقتنا. ونحن شريكان في العمل، ولكنه أقرب إلى قِران إبداعي”.
في عام 2015، أدى تطور النظام، تحت مقصلة مواعيد التسليم التي لا تنتهي، إلى تهديد مبادئ العمل متناهي الدقة الذي يقوم به الثنائي. ويتحدثان عن إدراك أنه “هناك الكثير في الحياة بخلاف العمل”، وعن الحاجة لفرض القيود. وتم الإعلان عن أن خط الأزياء الجاهزة الذي تم إطلاقه عام 2003 سيتم إيقافه. ويعقّب هورستنغ: “كنت تقريباً مجبراً على ذلك، لأنه جعلني أشعر بالحزن”، ويضيف: “نشعر كلانا وكأن مواهبنا لم تسفر عن ميلاد أجمل الملابس العصرية، بأفضل الأسعار الممكنة”. ويشدد المصممان على أن حياتهما الخاصة بُدِّدَت وبفارق كبير، “نحن معجبان بهذه الدعايات الكثيفة، ولكن في نفس الوقت لا نفهمها. الحفلات، بل والجانب الاجتماعي بالكامل، نحن فعلاً لا نقوم بذلك”. وهما معاً يعشقان القراءة. وعلى المكتب تستقر نسخة مهترئة من كتاب Sea of Poppies للمؤلف أميتاف غوش. ويعتاد هورستنغ على التأمل والسفر -سيزور الأمازون هذا الصيف- بينما يفضل سنورن الذهاب إلى النادي الرياضي وأن يبقى قريباً من وطنه.
وإلى جانب افتتاح المعرض، فإن عروض الأزياء التي تقام مرتين في العام تعتبر ذات شأن بالغ الأهمية بالنسبة للثنائي، واللذان يصفان نفسيهما بأنهما انطوائيين. ويؤكدان: “بنفس قدر حبنا للكتابات التحريرية، فإن المجموعة تنتهي مع نهاية العرض. وبالنسبة لنا، فإن الملابس ليست أكثر من مظهر، بينما العرض هو العمل الحقيقي”. وحينما يتأملان مراحل مسيرتهما العملية، فإنهما يفضلان استعراضها عبر مقطع فيديو يخصص للعرض. يصرحان: “يمكن أن نكون شخصين شديدي التركيز على الجانب الفكري، وفي كثير من الأوقات نرى النتيجة النهائية حينما نبدأ”. ويعبّر هورستنغ عن أنه بعد العرض، يمكن أن نمر بحالة من تراجع المعنويات. “أشعر بالانفعال. أريد أن أبقى هادئاً. فالعرض يستنفد الكثير من الطاقة، بينما تحيط به أعداد كبيرة من الناس. وبعد ذلك، نريد إعادة شحن بطاريات طاقاتنا”.
Img: العرض الفني للأزياء الراقية الملائمة للارتداء لخريف وشتاء 2015
وهل فترة التوقف مخصصة للتخطيط الاستراتيجي للخمسة وعشرين عاماً المقبلة؟ يقولان: “بدأنا ونخن صغيرين للغاية”، ويضيفان: “كنا دائماً نفكر في السنوات الخمس المقبلة وما أردنا تحقيقه، وفي مرحلة معينة أصبح الأمر مستغرِقاً”. وقد بدأ هورستنغ التدريب على يد مدرس لليوغا كوسيلة لتصريف هذا الضغط برمّته. يقول: “جعلني ذلك أدرك أنني لست في حاجة للتفكير في الخمسة وعشرين عاماً المقبلة. يجعلني ذلك غير سعيد. نريد الآن أن نشعر بالامتنان. ونأمل أن يستمر ذلك”.
يستمر معرض ’ڤيكتور آند رولف: 25 عاماً لفناني الموضة‘ بمتحف كونستال في روتردام حتى يوم 30 سبتمبر.
اقرئي الآن: مزاد يضم بلوزة ارتدها أودري هيبورن في فيلم “سيدتي الجميلة”
الصور: صورة لتجهيزات وين تايلور لصالح معرض ’ڤيكتور آند رولف: 25 عاماً لفناني الموضة‘ بصالة ناشونال غاليري أوف ڤيكتوريا