منذ أكثر من 100 عام، ضجّ المجتمع الإيطالي الراقي بأخبار اكتشاف مجوهرات من الحضارة الإتروسكانية خلال إحدى عمليات التنقيب الأثرية الحديثة. وكان الإتروسكانيون، وهم أبناء حضارة سادت إيطاليا عام 650 قبل الميلاد تقريبًا، قد صنعوا مجوهرات ذات ملمس متحبّب وثرية بزخارف مرصعة بالأحجار الكريمة الملونة، والخرز الزجاجي، والخزف. وقد استغل سيميوني كودوناتو من مدينة البندقية هذا الولع فافتتح متجرًا للمجوهرات الراقية الڤينتج وخصصه لهذه الاكتشافات في حي سان ماركو بالبندقية، ولا يزال المتجر قائمًا حتى اليوم. والمجوهرات التراثية هي تلك التي يزيد عمرها عادةً عن 100 عام، بينما يُشار إلى المجوهرات الراقية من منتصف إلى أواخر القرن العشرين بالمجوهرات الڤينتج. وكلاهما مجوهرات ساحرة تحظى بشعبية متزايدة، ومعًا تنقلاننا إلى لحظات أخرى من الزمن، وتجسّدان تاريخ المجوهرات كشكل من أشكال الفنون التي عاشت دورات الولادة والموت والبعث.
وحاليًا يشهد عدد من دور المجوهرات زيادةً مضطردةً في الطلب على مجوهراتها الراقية الڤينتج والتراثية، مثل “ڤان كليف آند أربلز” و”بولغري” و”بوتشيلاتي” و”تيفاني آند كو”، التي تعيد كلها شراء قطع من المجموعات الخاصة لجامعي التحف والعائلات النبيلة للاحتفاظ بها في أرشيفاتها كمجوهرات تمثّل تراث كلٍ منها. وفي الوقت نفسه، تستمتع دور المزادات بجني ثمار الأرباح الكبيرة لمبيعاتها التي تشمل قطع ڤينتج من “كارتييه” و”شوميه” و”بوشرون” و”شانيل” وغيرها. تقول جولي ڤالاد، مساعدة مدير قسم المجوهرات بدار “أرتكوريال” للمزادات في موناكو: “لطالما كانت القطع الموقّعة [بأسماء العلامات] أكثر شعبيةً من التصاميم الجميلة التي لا تحمل أسماء العلامات. فدائمًا ما يطمئن المرء للاسم ويشعر بالثقة في جدوى ما أنفقه من أموال. وفي هذه الآونة، ثمة اهتمام بمجوهرات الأربعينيات والستينيات، سواء كانت موقّعةً أم لا، وهو ما يمكن تفسيره بحقيقة أن جامعي التحف تجذبهم حاليًا الألوان (الجواهر والمينا) فضلاً عن التصاميم العجيبة للمجوهرات”.
ولمن بدأ بالفعل استكشاف هذا الميدان، فإن الرحلة داخل المنظومة الرائجة للمجوهرات التراثية تعج بالنقاشات عن سماتها المميّزة، وبصمات صانعي المجوهرات من رواة القصص، وطرق اكتشاف القطع المقلّدة، والأخرى النادرة مثل تراب الذهب. وقد لعب الوجهاء والمشاهير أيضًا دورًا مؤثرًا في زيادة الاهتمام بالمجوهرات الڤينتج في السنوات الأخيرة. ففي أول زيارة رسمية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى فرنسا بعد توليه رئاسة الإمارات، زيّنت السفيرة هند العتيبة فستانها، الذي صممته لها خصيصًا دار الأزياء الإماراتية “خييلي”، ببروش عمره 100 عام على شكل أنشوطة وباقة أزهار مرصعة باللآلئ الطبيعية والألماس من تصميم جوزيف شوميه مؤسس دار “شوميه”. وعن التحفيز الفكري الذي تثيره المجوهرات الڤينتج لدى نساء المنطقة، تقول الشيخة دانة آل خليفة: “كلما صادفت مجوهرات لأمي أو لخالاتي أو قطع لجدتي الراحلة، كنت دائمًا أتساءل: ’ما قصتها؟‘ و’ما مناسبتها‘؟ وقد وجدت أنني حين أستمع إلى قصص القطع المهداة خلال المناسبات الخاصة، يجعلها ذلك فريدةً في حد ذاتها، فلا شيء يضاهي الأصالة”. وفي الوقت نفسه، تعاونت المغنية وكاتبة الأغاني بيلي إيليش، الفائزة بجائزة الأوسكار في حفل 2022، مع فريق فْريد ليتون، صانع المجوهرات الڤينتج الشهير المقيم في نيويورك، لتحويل تاج من القرن التاسع عشر إلى خاتمين وقرطين. ولم يكن هذا التعديل صعبًا، إذ غالبًا ما تمتاز التيجان بزخارف يمكن إزالتها وارتداؤها كبروش أو زينة للشعر. وقد شهد حفل “ميت غالا” هذا العام، الذي كان موضوعه “البريق المُذْهَب”، إحياءً عصريًا للتيجان التراثية، وقد ارتدتها رئيسة تحرير ڤوغ آنا وينتور. كما تزينت أيقونة الأناقة البريطانية كيت موس بمجوهرات تراثية في هذا الحفل – عبارة عن قرطين مرصعين بالألماس على شكل الكمثرى بقطع “ماين” من عام 1860، مع خاتم ڤينتج من “كارتييه” من الخمسينيات مرصع بحجر صفير أصفر يزن 16.61 قيراطًا.
وربما يعدّ سعي دور المجوهرات الراقية إلى ابتكار أساليب جديدة استجابةً لهذه الرغبة في ارتداء ما كان يُعد ذات يوم “قديمًا”. فبعض الدور جعلت أرشيفها بمثابة القلب النابض لمجموعاتها، مثل خط “جوايري” من “ديور” التي ترغب في استنساخ أقمشة وزينات وزخارف الأزياء الراقية التي أبدعها مؤسسها وتقديمها على شكل مجوهرات. أما “شانيل” فقد عادت إلى أول مجموعة مجوهرات راقية صممتها غابرييل شانيل، بعنوان Bijoux de diamants، لتصميم مجموعتها الجديدة “1932” التي أطلقتها في شهر يوليو خلال أسبوع باريس للأزياء الراقية. وضمت المجموعة أكثر من اثنتي عشرة قطعة مستنسخة من التصاميم الأصلية التي عُرضت لأول مرة عام 1932. وقد تحدث باتريس ليغيرو، مدير مشغل “شانيل” لتصميم المجوهرات الراقية، عن ما تتميز به التأثيرات القديمة من حداثة دائمة قائلاً: “أردت العودة بهذا الابتكار إلى جوهر مجموعة Bijoux de diamants، عبر تركيز التصميم على الأجرام السماوية الثلاثة: المذنب، والقمر، والشمس”. وتمثلت اللمسة العصرية في وضع هذه العناصر السماوية في زمنها وإدخال أحجار كريمة ملونة مثل الصفير والأوبال والياقوت والتنزانيت. ومن ناحية أخرى، استلهمت “بوشرون” مجموعتها Histoire de Style New Maharajahs التي أطلقتها في يناير، من مجموعة المجوهرات التي قام بهوبيندر سينغ، مهراجا باتيالا، بتكليف الدار بصناعتها حين زار متجرها بساحة ڤاندوم عام 1928.
وربما يعدّ سعي دور المجوهرات الراقية إلى ابتكار أساليب جديدة استجابةً لهذه الرغبة في ارتداء ما كان يُعد ذات يوم “قديمًا”. فبعض الدور جعلت أرشيفها بمثابة القلب النابض لمجموعاتها، مثل خط “جوايري” من “ديور” التي ترغب في استنساخ أقمشة وزينات وزخارف الأزياء الراقية التي أبدعها مؤسسها وتقديمها على شكل مجوهرات. أما “شانيل” فقد عادت إلى أول مجموعة مجوهرات راقية صممتها غابرييل شانيل، بعنوان Bijoux de diamants، لتصميم مجموعتها الجديدة “1932” التي أطلقتها في شهر يوليو خلال أسبوع باريس للأزياء الراقية. وضمت المجموعة أكثر من اثنتي عشرة قطعة مستنسخة من التصاميم الأصلية التي عُرضت لأول مرة عام 1932. وقد تحدث باتريس ليغيرو، مدير مشغل “شانيل” لتصميم المجوهرات الراقية، عن ما تتميز به التأثيرات القديمة من حداثة دائمة قائلاً: “أردت العودة بهذا الابتكار إلى جوهر مجموعة Bijoux de diamants، عبر تركيز التصميم على الأجرام السماوية الثلاثة: المذنب، والقمر، والشمس”. وتمثلت اللمسة العصرية في وضع هذه العناصر السماوية في زمنها وإدخال أحجار كريمة ملونة مثل الصفير والأوبال والياقوت والتنزانيت. ومن ناحية أخرى، استلهمت “بوشرون” مجموعتها Histoire de Style New Maharajahs التي أطلقتها في يناير، من مجموعة المجوهرات التي قام بهوبيندر سينغ، مهراجا باتيالا، بتكليف الدار بصناعتها حين زار متجرها بساحة ڤاندوم عام 1928.
وتتطلع هذه المجموعات الجديدة إلى الماضي، ولكن ماذا عن أولئك الذين يشترون الماضي حرفيًا؟ في شهر يوليو، عرضت علامة “بوتشيلاتي” الإيطالية مجموعة من مجوهراتها الڤينتج التي كانت تعيد شرائها بانتظام على مر السنوات. ومن بين القطع البارزة في مجموعتها، التي تحمل اسم Vintage Collection، بروش من الأربعينيات، وخاتم كوكتيل مكلل بحجر صفير بقطع الوسادة يزن 10 قراريط من الخمسينيات، وخاتم مرصع بحجر زبرجد يزن 22 قيراطًا من الستينيات، وخاتم زاهٍ مرصع بحجر القمر يزن 8.50 قراريط من السبعينيات. ومن ناحية أخرى، عرضت “تيفاني آند كو” قطع ڤينتج لأحد أهم مصمميها المقيمين في القرن العشرين، وهو جان شلومبرغر، خلال أسبوع باريس للأزياء الراقية. وفي متجرها الذي افتتحته بشارع أڤينيو مونتاني مؤخرًا، يمكن للزوّار الاستمتاع بمشاهدة البروشات المزيّنة ببغاء برّاق وفرس البحر وسمك الكوي بترصيع الأحجار الكريمة المتعددة الألوان، إلى جانب الأساور والخواتم والأقراط والدلّايات المرصعة في أغلبها بأحجار ضخمة مذهلة، على الذهب الأصفر النابض بالحياة الذي يعد مرادفًا لتصاميم شلومبرغر.
وسيلاحظ أصحاب الأعين الثاقبة أن المجوهرات الڤينتج باتت أيضًا تُنسَج في مجموعات الأزياء الراقية العصرية. فقد قام المصممُ الفرنسي ستيفان رولان بتزيين العارضات في عرضه لمجموعة الأزياء الراقية لخريف 2022 بأساور ڤينتج مرصعة بالألماس من متجر المجوهرات الباريسي La Collection Noire. وعلق عليها بيتر جاردان، الشريك المؤسس للمتجر، قائلاً: “تحتفي هذه المجموعة بالمغنية الفرنسية باربارا. فقد كانت مولعة بفن الآرت ديكو ومجوهرات ذلك العصر. ورغم أنها لم تكن ترتديها كثيرًا، فقد كانت تقدر الجواهر حقًا. لذا غيّر ستيفان الإكسسوارات في إطلالتين ووضع أساوري الألماسية من الآرت ديكو بدلاً من أساوره العصرية”.
وبالحديث عن وجهات الشراء، يجب أن يكون المرء حذرًا وألّا يشتري المجوهرات الأثرية أو المجوهرات الڤينتج إلا من مصادر موثوقة. ورغم أنه من المدهش أن يحلم البعض بالعثور على إحدى بيضات “فابرجيه” الإمبراطورية في سوق محلية (وهو ما حدث فعليًا في وسط الغرب الأمريكي عام 2014)، من النادر العثور على قطع أصلية من المجوهرات الأثرية بعيدًا عن متاجر التجّار المتخصصين في هذه النوعية. ومن أبرز الأماكن التي يمكن البحث فيها دور المزادات، مثل “كريستيز” و”بونهامز” و”سوذبيز”، وكذلك البائعون الذين يطرحون قطعهم في المزادات ممن يمتلكون إثبات أصالة قطعهم، والأهم من ذلك أنهم يبرهنون عمليًا على حبهم للأعمال الجمالية. وفي أبريل 2022 على سبيل المثال، باعت “بونهامز” مجموعة مذهلة من مجوهرات تعود للقرن العشرين كان من بينها قلادة نادرة من الحرير والألماس تعود للسبعينيات من “ماكيكو موراكاوا”، وعقد مرصع بالألماس من “ستيرلي” يعود لعام 1967، وإسوارة مرصعة بالألماس وطقم مشابك للأذن من الثمانينيات من تصميم أنجيلا كامينغز لدار “تيفاني آند كو”، بتطعيم اللازورد والجاسبر واليشب الأسود وعرق اللؤلؤ. ويعدّ معرض الفنون الجميلة الأوروبية، الذي يُقام في مدينة ماستريخت التاريخية بهولندا، أحد المواقع التي يمكن العثور على مثل هذه الكنوز تحت سقفها. وثمة معرض شهير آخر، وهو “ماستربيس لندن”، يقام في شهر يونيو من كل عام بمستشفى تشيلسي الملكي. وهنا، تصادفون شخصيات مثل ڤيرونيك بامبس المتخصصة في المجوهرات الأثرية وتقيم في موناكو، أو متجر “ألا ڤيياي روسي” المتخصص في القطع الأثرية بنيويورك والذي يحظى بتقدير بالغ بفضل مجموعته المرغوبة بشدة من الجواهر التاريخية والمهمة. وفي إطار الجولة، احرصوا على زيارة متجر كودوناتو سالف الذكر الشهير في مدينة البندقية لاستكشاف الأساور الثعبانية، وبروشات “موريتو”، وخواتم الجماجم، والأقراط وأحجار الكاميو الأثرية التي تروي قصة المدينة الأسطورية. وعقب ذلك، تابعوا المسيرة برحلة إلى شركة “وارتسكي” المتخصصة في قطع “فابرجيه” ويقع متجرها في لندن. وخلال وجودكم في المدينة، احرصوا على زيارة “هانكوكس لندن” و”سوزانا لوڤيس” بمركز بيرلنغتون أركيد لتدللوا عشقكم للقطع التراثية أو البحث عن قطع محددة وموقّعة.
وينطوي جمع المجوهرات الأثرية ومجوهرات الڤينتج على شعور لا يُضاهى بالرضا عبر إعادة استكشاف عناصر من الماضي وإزاحة الستار عن قصصها. ورغم أن المجوهرات المقترنة بالدور الراقية والشهيرة تزدان بترصيع أحجار استثنائية من الياقوت والصفير والزمرد، والألماس عنصر مهم بطبيعة الحال، فإنها ليست السبب الوحيد الذي يجذبنا إلى مثل هذه الجواهر. وهذه النوعية لا تقلّص الرغبة لدينا في امتلاك المجوهرات الجديدة، ولكنها تفتح نافذة على عالم المجوهرات الراقية التي راحت في غياهب الضياع في مرحلة ما، ولكن تم العثور عليها الآن.
اقرئي أيضًا: مجموعة مجوهرات ’سابياساشي‘ الراقية المعروضة بمتجر بيرغدورف غودمان تستعرض رحلة تاريخية من كالكوتا إلى نيويورك