عفاف جنيفان، وكنزة الفراتي، وهناء بن عبد السلام، وفريدة خلفة، بعدسة توم مونرو على صفحات عدد أكتوبر 2017 من ڤوغ العربية
عفاف جنيفان، وكنزة الفراتي، وهناء بن عبد السلام، وفريدة خلفة أحدثن معاً تحولاً مهولاً في الصورة النمطية المأخوذة عن المرأة العربية حول العالم. فهؤلاء الأيقونات يتمتعن بالحرية التامة التي من شأنها أن تفسح المجال أمام غيرهن من النساء العربيات للانطلاق نحو آفاق رحبة. ويشاركنا أربعة مصممين آرائهم وتجاربهم مع الجمال الساحر وقوة الشخصية التي تميّز كلٍ من هؤلاء الرائدات اللواتي حققن نجاحات غير مسبوقة في هذا الإطار.
حديث جيامباتيستا ڤالي عن عفاف جنيفان
’’سمعت عن عفاف جنيفان منذ فترة طويلة. لا أتذكر بالتحديد متى، ولكن عفاف شخصية فريدة من نوعها في إيطاليا. فقبل عشرة أو خمسة عشر عاماً، لم يكن هناك الكثير من النساء العربيات يعشنّ في بلادي. وقد أعادت عفاف الألق مجدداً. ولكنها علاوة على ذلك نقلت رسالة مهمة حول التعدد الثقافي: فمن خلالها استكشف الإيطاليون الثقافةَ العربية. أتذكر أنني عرفت أن هذه الشخصية التي تتمتع بجمال يبعث على الإبداع قد وصلت إلى بلادي حتى قبل أن ألتقيها ونصبح صديقين. وبدأنا نتقابل صدفةً في الحفلات ودعوات العشاء، ثم اقتربنا من بعض أكثر قبل عدة سنوات بفضل رئيسة تحرير ڤوغ الإيطالية الراحلة فرانكا سوتزاني، حيث كنا صديقين مقربين من فرانكا، وأصبحنا جميعاً عائلة واحدة؛ فالعائلة الحقيقية في هذه الحياة هي التي تختارها أنت.
وعفاف تمثّل صنفاً فريداً من النساء اللواتي يستحوذن على كامل اهتمامي. إنها أقرب إلى رجل من حيث تفكيرها، ولكن في جسد امرأة تنعم بجاذبية لا توصف. وهي أنثى ولكنها عملية وتلقائية في الوقت ذاته – بنفس أسلوب الرجال. وأرى عفاف ترتدي فستاناً بسرعة وتنطلق إلى إحدى الحفلات دون أن تقضي الكثير من الوقت في الاستعداد. ويعجبني هذا النوع من العفوية. أما فيما يتعلق بالأزياء، فتعجبني العديد من الإطلالات حينما ترتديها. ففي الصيف، تقبل على ارتداء تيشرت مع بنطلون جينز، أما في الشتاء فترتدي سترة ضخمة مع بنطلون مثل الذي يلبس في رياضة التزلج. ترتدي الأزياء التي تضمن لها الراحة. وأحبها كذلك في إطلالات السجادة الحمراء بالحفلات الساهرة. ولديها القدرة على ارتداء الشيفون بتلك الطريقة الرائعة. وهي تبدو مذهلة بالأقمشة الخفيفة والألوان الجريئة. ويبدو الأحمر رائعاً على عفاف، والأمر نفسه ينطبق على الألوان الباستيلية وتلك الدخانية مثل الرمادي الباهت. كما تبدو مدهشةً في البنطلون الرجالي المفصّل حسب الطلب، مع حذاء بكعبٍ عالٍ، إلى جانب بلوزة طاغية الأنوثة. وعفاف أيضاً مثيرة حسيّاً. وأنا أحب النساء حينما يكنّ مثيرات حسيّاً أكثر من أن يكنّ مثيرات جنسياً.
ويرسم شعرها -الغجري المجعد الطويل- أجمل إطار لطلّتها الجميلة. إنه بمثابة توقيعها الخاص. وأتذكر حفلة ديانا روس التي أقيمت في حديقة سنترال بارك، كان ذلك قبل سنوات طويلة، في بداية ثمانينيات القرن العشرين على ما أتذكر. وقد ظهرت على المسرح برداء شيفون بلون ملتهب زاد شعرها جمالاً، وبدأت تغني تحت زخات المطر. هذه هي عفاف. إنها متماسكة للغاية، ومتصالحة مع نفسها. ربما في الماضي كانت تبحث عن إجابة لسؤال ’من هي عفاف؟‘، ولكنها الآن تنبض بالفعل بحيوية عقلها وذهنها وجسمها، وهذا هو السبب الذي من أجله أقول إنها تلقائية. وهي تعرف ما يناسبها، وما تحب، وما لا تحب. ولكنها لا تخشى من خوض تجارب الحياة. إنه أصل كبير لامرأة ذكية. وتظل دوماً يعتريها الفضول، ولكن بطريقة صحيّة وجميلة.
ودائماً ما تدعوني عفاف لزيارتها في بلدها تونس، ودائماً ما أقول لها ’سآتي! سآتي!‘. أنا أعرف تونس جيداً، فالإيطاليون يذهبون إلى هناك كثيراً. إنها بمثابة ملاذنا الصيفي. وعلاقتنا بها تشبه تقريباً ارتباط الفرنسيين بالمغرب. وتمتلك عفاف داراً في ضاحية سيدي بوسعيد، وهي بالمناسبة من أجمل خمسة أماكن في العالم. وأنا أعشق هذا المكان. وتأتي سيدي بوسعيد الأولى على قائمة أفضل الأماكن بالنسبة لعفاف، فيما تحل بلدة بورتوفينو في المرتبة الثانية. وعفاف مضيافة بدرجة تثير الاهتمام. وأنا من روما وأدرك جمالها الداخلي الذي ينتمي إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط. وهي تستضيفني في بيتها تماماً كما لو كان بيتي، كما لو كانت حياتها هي حياتي أنا. وهذه الطريقة في الترحيب بالضيوف من صميم الثقافة اللاتينية، والثقافة العربية أيضاً. ولكن الجميل عن عفاف أنها تنجح في المزج بين هاتين الثقافتين: ثقافتها العربية الأصلية وثقافتها الإيطالية المكتسبة. وهي بذاتها تستعرض التوازن بينهما، حيث يمكنك أن تري فيها جمال هاتين الثقافتين، وهذا أمر مذهل ونادر جداً في إيطاليا. ولكن في فرنسا، هناك نساء -مثل فريدة خلفة- يمثلن مزيجاً رائعاً بين ثقافتين مختلفتين. ولكن في إيطاليا، تعتبر عفاف نموذجاً فريداً من نوعه. إنها الأيقونة. وهي تنقل رسالة جميلة إلى إيطاليا. ومع كل هذا الصراع السياسي الذي نشهده اليوم، تمثل عفاف نموذج الإنسان العالمي، وهي كذلك تستعرض أجمل ما في الثقافتين. ورغم إنها شخصية كريمة للغاية، تعشق عفاف أيضاً الخصوصية بدرجة كبيرة. وبطريقة ما، نحن متشابهان جداً في هذا الخصوص. فنحن انتقائيان ولسنا منفتحين على الجميع. ولكن اللحظة التي نعيشها ليس لها حدود. وفي عالمنا، نحن نعرف الجميع. ثم تصلين إلى نقطة معينة في الحياة حيث يكون عليكِ الاختيار، وإذا ما أحببتِ، فإنكِ تحبين بقوة.
واليوم، أصبحت النساء العربيات عصريات ويتميزن بالأناقة والحنكة. وتغيرت صورتهن تماماً. بعد أن أصبحن داعمات للفن والجمال. ويتمتعن بأنوثة مفرطة وقويات للغاية في الوقت ذاته. وتشبه عفاف صديقات غيرها في حياتي –مثل أمل كلوني، ورانيا العبد الله ملكة الأردن– فهي صادقة للغاية وتدعم قضايا مهمة. وتساعد الناس الأقل حظاً في الحياة، سواءً في تونس أو عندما تسافر إلى لبنان لدعم اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري. آمل أن نتحدث عن الناس في المستقبل على نحو ثقافي بحت، وليس جغرافياً. لا أحب أو بالأحرى لا أرغب في الحديث عن سيدة ’إيطالية‘ أو ’عربية‘. وتعد عفاف سفيرة ثقافية وقائدة، ونساء مثلها هن خير تجسيد لرسالة الحرية. وهي إحدى صانعات السلام. ولا عجب في ذلك فهي ابنة لأحد السفراء. وثمة امرأة أخرى تشبهها وهي فرانكا سوتزاني، ويمكنني القول بأنه في اللحظة التي رحلت فيها، في ديسمبر الماضي، كأن جزءاً منها كان يسكن عفاف واِنتُزع منها. فقد كانتا صديقتين حميمتين للغاية‘‘.
حديث ريم عكراعن هناء بن عبد السلام
’’شاهد أحد أصدقائي، وهو غازي فغالي، الجميلةَ هناء بن عبد السلام في تونس عام 2010. ثم نظر إليها وقال: ’تبدو كعارضة أزياء‘. ومنذ تلك اللحظة، أخذها تحت جناحه وساعدها، وأقنعها بأن تشارك في أحد برامج الواقع المعنية بالأزياء والموضة. وبسرعة متناهية، بدأت تلفت الأنظار، وعلى الفور تقريباً وقعت عقداً مع وكالة آي إم جي. وحينما حضرت هناء إلى نيويورك لأول مرة، جيء بها إليّ مباشرةً. ’إنها فتاة جديدة على المدينة. تونسية. نرغب في أن تمشي على منصات عروض أزيائك‘. وكانت الصناعة آنذاك تعجّ بالنشاط. وحينما شاهدت هناء لأول مرة، قلت: رائع. يا له من وجه. كانت جديدة تماماً. كنت أبحث عن شخصية مولودة في الشرق الأوسط وتحمل ملامح تلك المنطقة. وهناك الكثير من النساء القادمات من هناك، ولكن هناء كانت أقرب إلى مولود جديد. وكان شعرها العابث عصرياً للغاية. إنها تمتلك وجنتين جميلتين، وأطول ساقين يمكن أن تشاهديهما في حياتك. وعلى الفور أدركت أنها تمتلك قوام عارضة الأزياء. وكانت مدهشة للغاية لدرجة أننا وقعنا معها على الفور. وكان عرض ريم عكرا لربيع 2012 الأول لها في نيويورك، والأول لها على مستوى أمريكا.
وإذا ما نظرتِ إلى هناء عن قرب، سوف تلاحظين شيئاً من التشابه بين ملامحها وملامح إيزابيلا روسيليني – من حيث فكّيها وشفتيها الموردتين. ربما لانكوم أيضاً لمحوا هذا التشابه لأنهم تعاقدوا معها عام 2012. وحينما توقع العارضة عقداً مع علامة كبيرة مثل هذه، عادةً ما يكون العقد حصرياً. تعلمين، كانت هناء أول مسلمة تتحدث باسم الدار. وحينما سمعت بذلك الخبر، كنت سعيدة للغاية. فلا شيء يأتي سهلاً حينما تكون في مرحلة تمهيد الطريق، وأنا واثقة إنها كان عليها أن تعمل بجد واجتهاد حتى تأتيها هذه الفرصة. وفي العام التالي، كتبت هناء التاريخ ثانيةً حينما صورتها عدسات ستيف ماكوري -أول عارضة أزياء عربية يصورها ستيف- لصالح يوميات بيريللي .
وبعد بضع سنوات، أطلقنا مسابقة ’نجم الموضة‘ للمصممين في الشرق الأوسط ودعونا هناء لتشارك إلى جانبي في لجنة التحكيم. ودربناها على الحديث باللغة العربية – لأن لهجة أهل تونس تختلف للغاية عن سائر اللهجات العربية الأخرى. وقد أحبَّت ذلك كثيراً وكان من الممتع أن أراها تتفتح كالزهور وتكتسب الشخصية التي تميزها كامرأة حتى اليوم. لقد اكتسبت شخصية المرأة المستقلة. والآن، عندما أنظر إلى هناء، أرى إنسانة واثقة للغاية من نفسها. وأنا شديدة الإعجاب بها لأنها تمثل المنطقة بأسلوب بهي وبراق، وبطريقة مناسبة تماماً. كما تتصرف برقي بالغ. في بدايات عملها كعارضة، كانت هناء خجولة ومترددة. فكانت العارضات يطغين عليها بجاذبيتهن ولم تكن تشعر بالاستقرار. والآن، صارت تتمتع بشخصية مميزة ولا تقبل أن يُملي عليها الآخرون ما يجب أن تفعله. وهي تعلم مَن تكون، وما تريده وما لا تريده. وخياراتها تبرهن على أنه يمكن أن تعملي عارضة أزياء وتختاري أن تفعلي ما يناسبكِ ويتلاءم معكِ.
في أحد الأيام، جاءت والدتها لزيارتها في موقع التصوير، وبعد انتهاء العمل تناولنا العشاء معاً. وعلاقة هناء بوالدتها جميلة فعلاً. ويمكن أن تدركي من رؤيتهما معاً مدى قوة العلاقة بينهما. من الرائع أن ترين جيلين يختلف كل منهما عن الآخر اختلافاً كبيراً ولكن يظل الاحترام المتبادل هو السائد بينهما.
وستبلغ هناء 27 سنة من عمرها هذا الشهر، ولا تزال امرأة شابة وأمامها الكثير لتحقيقه. وهي تحب حقاً المواهب الشابة – والأجيال القادمة. وتبذل كل ما لديها من جهد لتثقيف هذه المواهب وحثهم على إدراك ما تريد المرأة ارتداؤه. وقد تحدثت معهم وجهاً لوجه وشرحت قائلةً، ’هذا ما يمكن أن أرتديه وسأرتديه على هذا النحو‘. وقدمت وجهة نظرها كعارضة وهو أمر ضروري لأي مصمم؛ لكي يفهم كيف تتناسب الأشياء. وتعرف هناء ما يلائم جسمها جيداً. وتحب الملابس العصرية والبسيطة والإطلالات القوية، بلا أدنى زخرفة. وهي بسيطة في ملابسها ولا تحب التعقيدات، ولكنها تضيف لمسات ودرجات لونية بسيطة – بالألوان الطبيعية. أعتقد أن المصممين محظوظون حقاً لأن لديهم مثل هذه العارضة. فهناء لا تكتفي بدورهاكعضوة لجنة تحكيم فحسب، بل وتعمل على توجيه المصممين أيضاً.
وفي السنة الثانية من عملها كعارضة، أصبحت هناء أكثر أريحية. صارت شخصية مرحة ولكن بطريقة متحفظة. في الواقع هي شخصية متحفظة للغاية. ولكنها محبوبة ونقية القلب. أعتقد أن هناء أدركت في سن مبكرة أنه في أغلب الأحوال لن تستمر في العمل كعارضة سوى لفترة قصيرة للغاية. وأدركت ذلك منذ بداية مسيرتها العملية، لذا فهي دائماً ما تستكشف طرقاً أخرى لترى ما يمكن أن يخبئه لها المستقبل من مشاريع أخرى. وقد اتخذت خلال مهنتها منحىً آخر عندما بدأت في تقديم برنامجها التلفزيوني. وقد كرست وقتها لا لمساعدة نفسها فحسب، بل ولمد يد العون للآخرين أيضاً‘‘.
حديث جان بول غوتييه عن فريدة خلفة
’’حدثني صديقي فريدريك لوركا عن فريدة خلفة – عن تلك الفتاة الجميلة التي ينبغي أن ألتقي بها. وعندما رأيتها للمرة الأولى، أصابني الذهول. فقد كان جمالها طاغياً، وشديد الاختلاف. لديها ذلك الأنف، الذي يشبه القوس. وشفتان ممتلئتان حتى كأنهما تتدليان بطريقة ما على جانبي وجهها. وذات شعر غجري بخصلات متطايرة عقصتها خلف رأسها. بدت امرأة استثنائية خارجة عن أي مألوف. كانت تجسيداً حيّاً لكل ما اعتبرته جميلاً، وخلفت لدي انطباعاً رائعاً عنها. في ذلك الوقت، لم يكن جسمها نحيلاً كما يبدو الآن؛ كانت ممتلئة قليلاً، ولم يكن ذلك مستحباً في مجال الأزياء، ولكني لم أكترث لذلك. كانت طويلة القامة. ولم أستطع أن أطلب من فريدة أن تمشي كالعارضات – فلم يكن بوسعها ذلك على أي حال! أجل، كانت تتمتع بنفس شخصيتها المميزة. ولكن الطريقة التي تحركت بها أمامي عندما تقدمت نحوي كانت مثيرة للإعجاب حقاً. كان بها شيء من الجلال، أو لنقل الرقي الملكي. تخيلتها كإمبراطورة، أو ملكة، بل هي إمبراطورية وحدها. وكانت أيضاً تجيد اختيار أزيائها. أذكر مرة كنا في الملهى الليلي ’بالاس‘ في باريس، حيث كانت تعمل، ورأيناها مرتديةً كنزة سوداء برقبة طويلة مع حزام جلدي لامع، وبنطلون ضيق مثل الذي يُلبس في رياضة التزلج، وجزمة سوداء، وقرطين ذهبيين بحلقات ضخمة. وكانت شفتاها مخضبتين باللون الأحمر. فأبرزت شكلها الرائع بأسلوب أنيق وبسيط. كانت رائعة بلا ريب. لم تكن تبدو كامرأة تقليدية من المغرب العربي. فقد كان جمالها فريداً وكنت أريد أن يراه العالم. أحببتها حقاً من النظرة الأولى.
في ذلك الحين، في سنوات الثمانينيات، كانت العارضات في الغالب سويديات، وجميعهن شقراوات. كان بعضهن جميلات ولكن لم تمتلك أي منهن تلك الإطلالة القوية التي كانت ولا تزال تتمتع بها فريدة. سحرتني شخصيتها. وكنت خجولاً منها. كانت شخصيتها تبعث على الاحترام. ورغم أنها سهلة وطبيعية، كانت تتحدث بنبرات واضحة ممزوجة بشيء من السيطرة. وعندما أفكر في ذلك الآن، أدرك مدى قوتها. كان ذلك ساحراً. ولكنها تتمتع أيضاً بروح الفكاهة. وهي مرحة للغاية! وتملؤها البهجة. كم من المرات اجتمعنا وانفجرنا في الضحك…
نجحت فريدة في الحفاظ على خصوصيتها ووضعت دائماً مسافة بينها وبين عالم الموضة. أعتقد أنها كانت منبهرة بهذا العالم إلى حدٍ ما، ولكنها لم تظهر ذلك بأي حال. لم تكن تريد قط العمل كـ’عارضة أزياء‘. لم تعجبها فكرة أن يُملي عليها أحدهم ما يجب أن تفعله. في تلك الأيام، كانت نظرة المجتمع إلى دور المرأة مختلفة كثيراً عن الآن. كانت بريجيت باردو هي نجمة ذلك العصر، وإذا كنتِ جميلة، فالناس تعتبركِ بلا عقل. أعتقد أنها رفضت هذا المفهوم تماماً. لم تكن ترى نفسها عارضة أزياء. كانت ترى أنها ’فريدة خلفة‘ فقط ولا شيء آخر.
أذكر عندما كنا نلتقط صوراً لحملة دعائية ضخمة أمام المسلة في ميدان الكونكورد بباريس. كانت تلك الصور تمثل حينئذٍ مفهومي عن ’فرنسا الجديدة‘، وأخبرتني فريدة حينها أن لديها موعداً بعد ذلك مع الفنان جان بول غود. قلت لها، ’سيُغرم بكِ’ و’سترين‘. كنت واثقاً من أنه سيعجب بها. ولم أكن مخطئاً في ذلك. تطورت علاقتهما لاحقا لتتجاوز ما هو أبعد من صلات العمل والتقدير. أنا معجب للغاية بغود. ومشاعره تجاه فريدة منحتني مزيداً من الثقة في نفسي، وفي خياراتي؛ أن يقدر رجل، بمثل موهبته، هذه المرأة مثلي. كنت بالطبع سأواصل العمل معها حتى إن لم يُعجب بها.
وتنتمي فريدة أيضاً إلى تلك الفئة النادرة من النساء اللواتي يحرصن على الحفاظ على صداقاتهن مع العارضات. لم يكن لديها أي مشاكل مطلقاً مع غيرها من النساء. وهي ليست غيورة، بل مخلصة للغاية لأصدقائها، مثل كارلا بروني ساركوزي التي تعرفت عليها عندما عملتا سوياً في عروض عز الدين عليّة وعروضي، وأصبحتا صديقتين حميمتين منذ ذلك الحين، حتى قبل أن تغدو كارلا سيدة فرنسا الأولى.
على مر السنين، شاهدتُ التحولات العديدة التي طرأت على حياة فريدة. ولن أنسى ما حييت ما قالته لي في أحد الأيام : ’سأترك عروض الأزياء وأقص شعري‘. وقص الشعر الجذري هذا عادةً ما يرتبط بتحولات كبيرة تحدث في حياة المرأة. كان شعرها يمثل جزءاً مهماً في إطلالتها المميزة. وقد قام غود بتخليد فريدة عندما صورها بخصلات شعرها المموجة والتي عرضها مثل الخط العربي. وعندما قصت شعرها كانت لحظة طبيعية؛ قامت بها بعفوية. عملت فريدة بعدها في عدد قليل من العروض، واحداً لي، والآخر لهيرميس، وتوم فورد، على ما أظن… ولكنها استمرت في القيام بأعمال أخرى. لم تكن عروض الأزياء مهنتها على كل حال. ولم يمر وقت طويل حتى استدعوها لتؤدي دوراً في فيلم ما. رفضت بعض الأفلام وبعض الأدوار لم تعجبها. ثم انتقلت خلف كاميرات التصوير وبدأت في إخراج الأفلام الوثائقية. وأخرجت فيلماً عن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وفيلماً أيضاً عني. كان البعض قد عرض عليّ تصوير فيلم وثائقي عني، ورغم أن فريدة لم تقم بمثل هذا العمل من قبل، كانت ذكية، وحساسة، وواعية وأثق فيها. وافقتُ على الفور. فهي تتمتع بعين ثاقبة ولديها عقل مفكر. وتعرف كيف تخرج الأفلام وتجعلكِ تشعرين بالراحة. كما أن لديها مقدرة على التحليل. وهي موهوبة جداً وستستمر في القيام بالعديد من الأعمال. وخلال عملها كسفيرة لدارسكياباريللي، قامت بعمل رائع. وأبهرت مؤخراً دار الأزياء. ولكنها عندما تنتهي من عمل ما فهذا يعني أنها ستبدأ عمل آخر.
منذ بضع سنوات، احتفلت فريدة بزفافها في ملهى ’بالاس‘. عندما جاءت إلى باريس أول مرة، كان الملهى بمثابة ولادة جديدة لها. فهناك تعرفت إلى العديد من الأشخاص وغدت لأول مرة امرأة مستقلة. وكان الزفاف ولادة أخرى لها. وقد أظهر مكان الحفل مدى تعلقها بماضيها رغم أنها امرأة عصرية للغاية. ومن النادر أن تجدي مَن يعترف بماضيه ويفهمه ويفخر به – ولكن لديها كثيراً من أسباب الفخر به. وفريدة إنسانة تعني لي الكثير في حياتي ولا تزال حتى اليوم. وآمل أن نظل قادرين على الاستمتاع ببهجة الحياة‘‘.
حديث جورجيو أرماني عن كنزة الفراتي
’’عندما بدأت كنزة الفراتي العمل معي، كانت لا تزال في بدايات مسيرتها المهنية. وبغض النظر عن جمالها الفريد، خلفت شخصيتها انطباعاً جيداً لدي؛ فهي فتاة قوية ولطيفة في الوقت ذاته. وخلال سنوات عملها معي كعارضة على منصات العروض –في جورجيو أرماني وأمبوريو– شاهدتها تنضج مهنياً. وأجدها الآن امرأة من الصعب نسيانها حقاً. وأرى فيها سحر المرأة العربية – ذلك السحر الذي يجعلها قادرة على الإغراء من نظرة واحدة منها. امرأة تنأى عن المباهاة والتفاخر مهما كلفها الأمر، ولديها مفهوم خاص ومتفرد عن الأناقة. ومما لا شك فيه أن سوق الشرق الأوسط من أهم الأسواق الآن، حيث نجد زبائن، فضلاً عن شغفهم بالأناقة، تتزايد مطالبهم مع عناية بالغة بالتفاصيل. وهؤلاء هم زبائني المثاليين، ذلك لأنهم يقدرون الجودة والأسلوب الراقي الأنيق‘‘.
حديث كنزة الفراتي عن جورجيو أرماني
’’كان السيد أرماني أول مصمم يختارني للعمل معه في أحد عروضه عام 2003، وواصل العمل معي حتى الآن. وتعد تصاميمه الرسمية تماماً مثل المنحوتات الباعثة على القوة. ومع الاحتفاظ بالبساطة في المكياج وتسريحات الشعر، إلى حد التشدد، وعبر معظم عروض أزيائه، تعلمت، أنا التي كانت يوماً ما مراهقة خجولة، أن الأنوثة أو حتى الإغراء يمكن أن يبدو بأشكال متنوعة وأساليب مختلفة. في أحد الأيام أخبرني بشيء رسخ في ذهني ولم أنساه حتى اليوم. فعندما بدأت العمل في مجال الأزياء في بدايات سنوات الألفية الجديدة، كنت العارضة الوحيدة القادمة من شمال إفريقيا والعالم العربي في عروض ميلانو، وباريس، ونيويورك، خلال مواسم الموضة. وكان وكلائي قد طلبوا مني تغيير اسمي من كنزة (’’لا يعطي انطباعاً جيدة‘‘، كما قالوا) إلى مايا وأن أذكر أنني من باريس، ولكني لم أوافق على ذلك. وأثناء إحدى تجارب القياس، قال لي السيد أرماني بلغة فرنسية متقنة، ’أيتها التونسية، اِرفعي كتفيك إلى الوراء، وقفي بفخر، قفي دائماً بكل فخر‘. ولا يزال صدى كلماته يتردد في أذني حتى اليوم. أن تقفي دائماً بفخر. فخورة بما أنتِ عليه وبما تفعلينه. وبملاحظة أخلاقيات العمل لدى السيد أرماني، فهمت شيئاً آخر. لكي تكوني رائدة، عليكِ أن تكوني خبيرة بكل جانب من جوانب رؤيتك. والسيد أرماني واحداً من المصممين الاستثنائيين الذين عملت معهم والذين يحرصون على التواجد في كل مراحل العمل؛ من تجارب القياس وحتى وضع المكياج. ولن أنسى ما حييت ذلك اليوم الذي كنت أتأهب فيه للظهور على منصة العرض، عندما استوقفني وتناول بعض الأدوات .وأصلح مكياجي بنفسه‘‘.
صدر حالياً عدد أكتوبر من ڤوغ العربية. تفضلوا بالاشتراك في المجلة هنا
حقوق الإنتاج:
العارضات: فريدة خلفة، وعفاف جنيفان، وهناء بن عبد السلام، وكنزة الفراتي
تصوير وإخراج: توم مونرو
كاميرا: ستيفن كيد
منسقة الأزياء: كاتي تروتر
مكياج: لويد سيموندز
تصفيف الشعر: سيب باسكل
العناية بالأظافر: كريستينا كونراد
تصميم الديكور: سميرة سالمي
موقع التصوير: روكون استوديو، باريس
ضبط الألوان: جيمي نوبل من استوديو آر إم
المنتج: ريتشي برودكشنز آند كرييتڤز
الفيلم: من إنتاج بوغ فيلمز
عدد أكتوبر من ڤوغ العربية يحتفي بأربع أيقونات عربيات