رغم الصخب المدوّي الذي أثاره ظهورُ النجمة الجديدة الصاعدة في سماء عروض الأزياء هذا العام -بدايةً من مشاركتها في عرض مارك جيكوبس متألقةً بكاب ازدان بالريش وصنع خصيصاً من أجلها، وصولاً إلى كونها أول عارضة محجبة تتهادي على منصتيّ عرضيّ فندي ولانڤان ، فضلاً عن مشاركتها في عرض ڤالنتينو للأزياء الراقية- تتقدم نجمة عروض الأزياء المميزة أوغباد عبدي على درب النجاح بكل ثقة. وبفضل ملامح وجهها المفعم بالعاطفة وبكثير من الشاعرية، والذي يطلّ خلسةً من تحت غطاء رأسها الذي صنع بمواصفات خاصة من أجلها، تخرج عبدي إلى منصات العروض بنفس الثقة والاتزان اللذين تنعم بهما العارضات الخبيرات، لتشارك دائرة الضوء مع نجمات شهيرات مثل ناومي كامبل، وأليك ويك.
وتشبه بداياتُ نجمات عروض الأزياء الراقية بدرجة كبيرة بدايةَ نجمة غلاف هذا الشهر؛ فقد ولدت عبدي في مدينة كيسمايو الصومالية في أوج استعار الحرب الأهلية، وفرت في طفولتها مع عائلتها إلى كينيا، حيث أقامت في مخيم داداب للاجئين لمدة تسعة أعوام. وخلال حياتها في المعسكر الذي تولّت اليونيسف إدارته، لم تشعر الطفلة عبدي بأنها ينقصها شيء، مؤكدةً أن أفراد عائلتها عبّروا عن امتنانهم للبقاء إلى جانب بعضهم البعض، وبأن لهم أصدقاء، وبتوافر الطعام والمسكن. ومارست عبدي الألعاب مع إخوتها وغيرهم من الأطفال في المعسكر، حيث عاشت تجربة الارتباط العائلي أكثر مما كانت عليه قبل ذلك. تقول: “عائلتي هي الأكثر دعماً وحبّاً في العالم”.
واستقر بهم المقام في النهاية للانتقال إلى ولاية آيوا الأمريكية – في أحد أقدم المجتمعات المسلمة على مستوى البلاد، والذين وصلوا إلى هناك من سوريا ولبنان أواخر القرن التاسع عشر. تستذكر قائلة: “لم أشعر من قبل مطلقاً أنني مختلفة بشكل لافت لأني كنت أعيش بين رفقائي اللاجئين من كل أنحاء العالم”. ولكن المختلف في الأمر، رغم ذلك، كان مشاهدتها للثلج لأول مرة – وهو شيء لم تستطع الاكتفاء منه.
ولم تكن تطلّعات عبدي المهنية المبكرة تتجه نحو عروض الأزياء – فحينما كانت صغيرة، كانت “مهووسة” بالسلاحف، وأرادت إثر ذلك أن تعمل في حديقة حيوان. وكانت عبدي زميلة للاجئة الصومالية حليمة آدن التي أوضحت لها أن المسلمات المحتشمات يمكنهن أيضاً أن يصبحن عارضات للأزياء الراقية. وبعد مرور شهرين عقب انتهاء تعليمها المدرسي، خلال عام تفرغت فيه وحاولت خلاله استكشاف ما إذا كان مجال عروض الأزياء مناسباً لها أم لا، تم اكتشاف عبدي على انستقرام بفضل منشوراتها التي اهتمت بها بعناية، وأيضاً المنشورات التي تمت الإشارة إليها فيها [من قبل آخرين] – ناهيكم عن ما تستأثر به من سمات مرغوبة بشدة في العارضات، مثل: وجهها الذي ينمّ عن عاطفة مميّزة مع لمحة من الوهن. تقول عارضة الأزياء الصغيرة ضاحكةً: “ظننتُ أنه احتيال في البداية”، مضيفة: “أعجزُ عن تصديق كيف حدث هذا سريعاً. فبعد سنة، أصبحتُ أقيم في نيويورك وأمتهن وظيفة من عالم الأحلام!”.
وتدين نجمةُ الغلاف بالفضل لوكالتها، نكست مانجمنت، التي ساعدتها لا للسير لأول مرة في حياتها منتعلةً حذاءً بكعب عالٍ فحسب، بل وعلى الاحتفاظ بمظهرها المحتشم – والذي تقول إن المصممين والمصورين سَعِدوا باعتماده. تقول: “الحجاب جزء من شخصيتي. ويمنحني إحساساً بالراحة في جميع الأوقات. ويمنحني صوتاً مسموعاً”. وقد دأبت عبدي على ارتداء الحجاب منذ كان في سن الـ14، حينما قررت السير على درب أمها. وبينما ألقى بعض الفتيات في مدرستها تعليقات قاسية، وجدت عبدي مزيداً من الانفتاح الفكري واللطف في صناعة الموضة.
تقول: “لم أواجه أي تمييز أو ألتقي بأشخاص يشعرونني وكأنني غريبة بسبب حجابي. أتذكر بعض الحالات لأناس اعتادوا التلفظ بعبارات تنم عن الجهل، وعندها أشعرُ بأنّ عليّ مسؤولية تثقيفهم. أعتقدُ أن الأمور عن الحجاب وعن أسباب إقدام المرأة على ارتدائه باتت أوضح رغم تحسّنها ببطء، ولكني أتفهم أن بعض الناس فعلياً لا يرغبون في تثقيف أنفسهم عن ذلك، وهذا هو السبب في أنهم يؤمنون في خلفية تفكيرهم بأننا ليس لدينا خيار في ارتدائه. وهو شيء ينبغي تغييره”.
وكانت تجربة عملها مع بيتر ليندبيرغ، في واحدة من أواخر جلساته لتصوير أغلفة ڤوغ، استثنائية بكل معنى الكلمة. تقول: “ثمة عظماء كُثُر في هذه الصناعة ممن ظفرتُ بشرف العمل معهم وسعدت بذلك. وأتطلعُ إلى أشخاص يمثلون أنفسهم بكل إخلاص، ولطيفين بصدق، والذين يتقبلون الآخرين”.
ومن فترة ليست طويلة، كانت عبدي تناضل بحثاً عن قدوة من النساء اللواتي يشبهنها. والآن هي تمثّل ذاتها، وتساعد على فتح آفاق الموضة بطريقة لم تُعرَف من قبل. تقول بكل سمو وثقة: “سأواصلُ عرض الأزياء طالما كان ذلك يحمل معنىً لي ولسعادتي”. ومع ذلك، تواصل عبدي تهاديها على منصات العروض، بينما تتأهب بجسمها النحيف لتسطير التاريخ.
نُشر لأول مرة على صفحات عدد أكتوبر من ڤوغ العربية.
اقرؤوا أيضاً: هكذا تكرم إنجي شلهوب المصمم الراحل كارل لاغرفيلد بأسلوبها الخاص