ستظل العباية أجمل زي للنساء في أنحاء الشرق الأوسط بفضل المبدعات السعوديات اللواتي صنعن منها تصاميم متدفقة بالحياة. وبالتعاون مع الهيئة السعودية للسياحة، تسلط ڤوغ العربية الضوء على مصممات علامات العبايات الرائدة بالمملكة على صفحات عدد العيد السنوي الرابع للمجلة المكرس للاحتفاء بالإبداع.
يقال إن العباية، ذلك الرداء الأسود المسبل الشهير، يرجع تاريخها إلى 4 آلاف عام مضت، وأنها ظهرت في بلاد ما بين النهرين القديمة أو شبه الجزيرة العربية حاليًا. فهنا، بين المساكن ذات التضاريس الوعرة، كانت الفتيات والنساء يمارسن مهام حياتهن اليومية، والتي كان أهمها رعاية الأسرة وكبار السن، فيما يسبلن جميعًا عليهن أرديتهن السوداء. وكانت ذيول عباياتهن تجر على الأرض حين يمشين وتتطاير مع رياح الصحراء القاحلة. وإذا كان البعض ينظر إلى التغييرات التي طرأت على العباية بأنها عصرية بامتياز، فإن دور المرأة في المجتمعات الشرق أوسطية ازداد قوة ورسوخًا من أي وقت مضى، وأزياؤها خير دليل على ذلك. وقد رافقتها العباية منذ سنوات الصبا إلى أن أصبحت امرأة راشدة. والآن، قد تُملي عليها خيارات معينة في الألوان والتطريزات بهدف الكشف عن شخصيتها وليس جسدها أبدًا، والذي تصونه دائمًا مثلما تصون عقلها وروحها.
وإذا كان هذا الرداء الفضفاض يحمل تاريخًا ممتدًا يعود إلى عصور ما قبل الإسلام، فمن المرجح أن هدفه في الأصل كان إبراز المكانة الاجتماعية العالية لمرتديته. وفي حين استمر هذا المفهوم طيلة قرون، إلا أنه مع ارتقاء وضع المرأة ومكانتها، عادت العباية أيضًا إلى جذورها، لتكون رمزًا للاحتشام والأناقة. تقول سارة باسعد، المديرة الإبداعية لعلامة العبايات السعودية “موجا ماجكا”، إنها حين تفكر في تصميم عباية تحاول دائمًا تحويل أي مفاهيم مسبقة عن القمع إلى أفكار عن التحرر والاستقلالية. “إنها ترجمة شخصية لثقافتنا وتراثنا”. وتشير إلى أنه على مدى عقود “تحولت العبايات إلى وسيلة للتعبير تمنح مرتديتها اللون والانسيابية والحرية”.
وقد أصبحت دور الأزياء المحلية والنساء العربيات المسلمات اليوم يتفننّ في تطوير العبايات، وليس هذا سوى دليل على الحب الخالد الذي تكنّه المرأة لهذا الثوب القديم. ففي بلد يموج بحراك التغيير، من المتوقع، بل ومن المرحب به أيضًا، أن يتطور هذا الرداء ليكون مرآة للمجتمع. وفي هذا الصدد، تتولى المصممات، السعوديات منهن على وجه الخصوص، زمام هذا التغيير، فهن يرين العباية كلوحة إبداعية ووسيلة للتعبير الخارجي عن الذات. ولا يقتصر هذا الأمر بالضرورة على هذا القرن، بيد أنه مع مرور الزمن، باتت الممارسات الإبداعية أكثر رقيًا وتركيزًا على الحِرَف المحلية والتطريزات وأساليب الزخرفة التقليدية بالخرز.
وخلال الثمانينيات، كانت العباية ذات الأكمام الطويلة تكسو الجسم بأكمله، فيما تحولت أقمشة الكريب والشيفون والحرير إلى أزياء خفيفة ينساب الهواء بسهولة من خلالها. وكانت تلك إحدى أولى الخطوات في تطوير العبايات. وفي مطلع الألفية، شهد هذا الرداء تجارب تصميمية عدة بلغت حد المغالاة والإفراط، ذكرتنا بالأزياء المبالغ فيها التي ظهرت في الغرب خلال الثمانينيات. ولكن في العقد الماضي، تم بنجاح إقران الفردية بالذوق.
ولعل ما يكتنف العباية من غموض هو ما أسهم في استمرارها في عالم الأناقة، بل وتجاوزها لمرحلة المهارة الحرفية لتصل إلى التقنية. وتقدم مصممتا علامة Torba Studio الكائنة في الرياض، نازك الخليفي وسارة العامل، نهجًا تجريبيًا في تصاميمهما مستوحى من “ظلام الليل المتصاعد”. وهما تزينان عباياتهما الكاجوال بمواد تتوهج في الظلام وطبعات كونية. وتقولان: “نستلهم من غموض المجهول وفلسفته”، مضيفتان بأن تصوراتهما للنقاب تعبّر عن قيمة جوهرية. ولم تقدم العبايات الملونة خيارات ملهمة للنساء، اللواتي لم يعدن يرغبن الغرق في بحر من الأقمشة السوداء، سوى منذ سنوات قليلة مضت. وقد بلغت التصاميم العصرية الحديثة حدًا من الجمال والسحر جعلها تتغلغل داخل ثقافات أخرى وتصل إلى أماكن بعيدة مثل الغرب منذ بضع عقود. وتعد “شادور“، العلامة المتخصصة في تصميم العبايات والأزياء العربية التقليدية التي تتخذ من الرياض مقرًا لها، إحدى العلامات الرائدة في العبايات العصرية بالسعودية اليوم. وتقدم هذه العلامة، التي تترأسها المصممة نورة الضامر خريجة كلية بارسونز للتصميم في نيويورك، ضمن تصاميمها الأساسية للعبايات ملابس خارجية منها البونشو الكشمير، والصديري، والمعاطف الخفيفة الطويلة المزينة بإكسسوارات عملية تجمع بين الثقافات، حيث يمكن للمرأة الشرق الأوسطية العاشقة للسفر والترحال لقاء المرأة الغربية عند مفترق طرق بين الأناقة والاحتشام.
وتعد الحرية، والتعبير عن الذات، والاستقلالية، وتقرير المصير أفكارًا تتبناها وتتحمس لها المصممات اللواتي يتولين قيادة علامات العبايات الرائدة في أنحاء المملكة. وتعتمد رؤية علامة “أورانج بلوسوم”، التي تتعاون مع علامة الأزياء “نوكلير” في مجموعة مستوحاة من السيدة الأرستقراطية الإنجليزية جين ديغبي (التي قضت سنوات حياتها الأخيرة في دمشق)، على تحديث العبايات لتكون محتشمة وعملية في آن واحد، وبذلك تنسجم مع أسلوب معيشة المرأة العصرية العاملة في السعودية. إذًا لقد مضى عهد العبايات السوداء وولى؛ وأصبحت الغلبة لألوان البرتقالي المحترق، والوردي الفاقع، والأصفر الخردلي، والأرجواني، واللافندر، والتي تذكرنا بتلال الطائف العامرة بالورود. وترى آلاء الجيفري، من متجر “بابوشكا“، أن العباية ليست مجرد رداء أساسي تضعه المرأة السعودية في خزانتها بل “قطعة تفصح عن كل شيء. أسلوبكِ، ومزاجكِ، وشخصيتكِ”. ومن ناحية أخرى، تتفنن صفاء على رضا، مؤسِّسَة علامة “بايا” للعبايات في جدة، في صنع عبايات متنوعة وواعية للرحلات الساحلية، من القطن والرايون والأقمشة المجعدة التي تعد مثالية للارتداء خلال الطقس الدافئ في أنحاء البلاد، ولا سيما عند قضاء عطلات نهاية الأسبوع في واحة الأحساء أو مدينة أملج.
وقد أبهرت الهالة التي تضفيها العباية على المرأة النساء في العالم أجمع. فقماشها الخفيف يتطاير ويتماوج مع الرياح أثناء الحركة مثلما كان يحدث على الأرجح قبل 4 آلاف عام. ومثل أثر السفينة المبحرة على الماء والرائحة التي تخلفها المرأة المتعطرة وراءها، يظل الانطباع الذي تتركه العباية اليدوية الصنع طويلًا بعد أن تختفي مرتديتها عن الأنظار.
تصوير لينا مو
بقلم كاتيرينا مِنت
تصفيف الشعر عائشة النجار
المكياج صفاء علي رضا
مساعدة التصوير بشاير العمري
إنتاج دانيكا زيڤكوڤيتش