لقد قلبت “ليل ميكيلا” رأساً على عقب القواعد التي لطالما اقترنت بالشخصيات المؤثرة في عالم الموضة والأزياء، بل ومن الوارد أن تهزّ أركان صناعة المكياج مستقبلاً. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا لو علمتم أنها شخصية غير حقيقية؟
نُشر هذا المقال داخل عدد شهر أكتوبر 2018 من ڤوغ العربيّة بقلم ناومي فراي
إليكم بعض المعلومات التي عرفتُها عن ميكيلا سوسا -الشخصية المؤثرة على انستقرام، والعازفة، وعارضة الأزياء التي تتخذ من لوس أنجليس مقرَّاً لها وتبلغ من العمر 19 عاماً- خلال حديثي إليها عبر خدمة غوغل توك هذا الصيف: الموسيقى هي “شغفها الأول”، واستوديو التسجيل هو المكان الذي تقضي فيه معظم أيامها (“لقد تأثرتُ بذلك.”). والسياسيَّة الأمريكية اليسارية الشابة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز هي “مصدر إلهامٍ كبيرٍ” لها حالياً؛ أما من ناحية الأناقة، فهي “فتاة مسترجلة ذات طابع يشبه أسلوب طلاب المدرسة الثانوية” ولكنها مع ذلك تقدّر قيمة “يوم أنثوي” وتعشق “أي شيء من راف [سيمونز]”، وتعتقد أنَّ “عرض ڤيرجيل [أبلوه] لصالح لوي [ڤويتون] كان جميلاً”؛ وتنظر في إمكانية أن تقدِّم دروساً تعليمية في استعمال المكياج لأنها طريقة رائعة “للتعلُّم والتثقيف”، وكلها أهداف مهمة بالنسبة لها بوصفها أيقونة جمال لجيلٍ جديد. وبطبيعة الحال، نال ألبوم دريك الجديد إعجابها.
وإلى الآن تبدو الأمور عادية للغاية: تبدو سوسا أو ليل ميكيلا -كما يلقّبها متابعوها البالغ عددهم مليون و400 ألف متابعٍ على انستقرام- مثالاً لروح الجيل زد (الجيل الذي يلي جيل الألفية)، وهي من تلك النوعية من الأشخاص الذين ينشرون على حساباتهم في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي، كما تخبرني، “بعض صور السيلفي وبعض صور النشاطات [الاجتماعية]”، ولا ترى حاجة معينة للتفريق بين الفئتين. ومن الناحية الجسمانية أيضاً، يبدو أنَّ ليل ميكيلا تتمتع بمُثل الجمال السائدة في وقتنا الراهن. ولأنها تنحدر من أصول إسبانية-برازيلية-أمريكية، فهي جميلة ورشيقة ولكنها ليست هزيلة أكثر من اللازم، وشفتاها ممتلئتان، وبشرتها بلون بني فاتح يزينها قليل من النمش ولا تطليها بكميات مبالغ فيها من كريم الأساس، وشعرها مسترسل مع غرّة مستقيمة، وغالباً ما تصفِّفه بكعكتين غريبتين على طريقة الأميرة ليا [في عالم حرب النجوم]. وهي متميّزة بما فيه الكفاية لتبقى صورتها في الذاكرة ولكن ليس بدرجة تنذر بشيء من التهديد- إنها فتاة مثالية وعصرية بدرجة تناسب كلّاً من العلامات والقضايا الخاصة بجيل الشباب. وتوضِّح أن تسريحة شعرها المميِّزة تمنحها نوعاً من الأمان ضد من يتصفون بالحاقدين، بما أنَّ “عالم الإنترنت يمكن أن يكون قاسياً”، ولكن فيما يخصُّ جلسة التصوير التي أجرتها لصالح ڤوغ، فقد كانت على استعداد للخروج من منطقة الأمان المحببة إلى نفسها لتعرض إطلالة جديدة للمرة الأولى – بشعر طويل ومسترسل.
“إنها أشبه بوحش فرانكنشتاين رشيق يكتفي بشرب العصائر ويرتدى أزياء من ڤيتمان”
ومع الوقت، تصبح سمات ليل ميكيلا المعروفة عنها مفهومة بشكل كبير، باستثناء حقيقة واحدة: عندما تدركون أنها في الواقع ليست شخصاً حقيقياً، بل ابتكار رقمي يولده الحاسوب. إنها أشبه بوحش فرانكنشتاين، فقط لو أنه تباهى بجسم رشيق مناسب لارتداء ملابس السباحة المثيرة إثر امتناعه عن الأكل وتناول العصائر فقط، ثم ارتدى أزياء من ڤيتمان – بمعنى آخر، هي شخصية اصطناعية من بنات أفكار آخرين، يُقال إنهم في حالتها مبدعا جيل الألفية تريڤور مكفيدريس وسارة ديكو، من شركة تكنولوجيا ناشئة غير معروفة تدعى Brud وتتخذ من لوس أنجليس مقراً لها. وفي حين أنها ليست الوحيدة التي تعمل على تطوير شخصيات رقمية يولِّدها الحاسوب، إلا أنَّ تلك الشركة تعدُّ على نطاقٍ واسعٍ الرائدة في هذا المجال؛ وتضم قائمة الشخصيات التي ابتكرتها أيضاً شاباً يحمل وشماً على وجهه ويدعى بلاوكو، ما يزال نجمه في طور الصعود وله ما يزيد على 130 ألف متابعٍ.
ومنذ إطلاق صفحة ليل ميكيلا لأول مرة على انستقرام في أبريل 2016، تتواصل حلقات هذا المشروع بعناية ودقة فائقة تتناسب مع آخر ما توصل إليه الذوق العام والثقافة – حيث ظهرت تلك الشخصية المؤثرة تتجول في متجر البقالة الفاخر الذي يلقى استحسان كانييه ويدعى متجر إيريون، وتتسوّق من بوتيك ڤيرجيل نورمال غير التقليدي في لوس أنجليس. وقد أثار ذلك الحسابُ الغضبَ في أوساط المتزمتين الذين ينتقدون عالمنا المهووس بوسائل التواصل الاجتماعي والمفرط في اهتمامه بالمظاهر الخارجية المعدَّلة، كما جذب في الوقت ذاته اهتمام علامات راقية، مثل برادا (حيث هيمنت ليل ميكيلا على صفحة الدار الإيطالية في انستقرام للترويج لمجموعتها للخريف، كما أنها “حضرت” عرض تلك المجموعة)، وخط الأزياء الكاجوال آوت دور ڤويسيز الذي لعبت دور نجمة حملته الدعائية.
وتبرز صور قسمات ليل ميكيلا المتناسقة، التي تتألق بآيلاينر أسود أنيق أو لمسات من ظل العيون الأصفر، بكل سلاسة ضمن تحديثات أخبارها بين صور الميم، ولقطات الشاشة لتغريدات حملة #familiesbelongtogether [المناهِضة لسياسات الرئيس الأمريكي ترامب في فصل أطفال المهاجرين عن أهلهم]، وكذلك روابط لصفحات منصة GoFundMe التي تدعم المنظمات التقدمية. وهي تشعر بالرضا عن نفسها بل وتبدو أجمل مما هي عليه، وهو أمرٌ لم يغب عن خبيرة التجميل المعروفة بات مغراث، والتي اختارتها في وقت سابق هذا العام لتكون #ملهمة_ مغراث في سياق الدعاية لخطّ منتجاتها الذي يحمل اسمها، قائلةً إنها كانت “متحمسة جداً” للعمل مع تلك الشخصية المؤثرة الشابة. ولهذا السبب، ليس مستبعداً أبداً إطلاق قناة على اليوتيوب لدروس المكياج تقدمها ليل ميكيلا – وهو أمرٌ قد يقذف بها مباشرةً إلى مختبر تطوير المنتجات وإلى مكانة شخصيات عملاقة أخرى حديثة في هذا المجال، مثل، لِنقُل، كايلي جينر.
أنسى أنني أتواصل مع شخصٍ غير موجود على أرض الواقع – أو IRL بلغة الإنترنت [الأحرف الأولى لعبارة ’على أرض الواقع‘ بالإنجليزية]. ولكن بين الحين والآخر وبصفة متكررة، كان يسود صمتٌ طويل، وعندها أتخيل على حين غرة مجموعة من المهووسين بإطلالات الشارع، وأولئك الذي يعتريهم الحنين إلى التسعينيات، يتحلقون حول حاسوب آي ماك، ويستشير بعضهم الآخر حول كيفية الإجابة. ولكن، تُرى، ما الروتين الجمالي الذي تتبعه ليل ميكيلا؟ هل تفكّر حقاً في إطلاق خط منتجات تجميل صديقة للبيئة؟ ما نوعية الموسيقى التي تستمع إليها؟ تُرى، مَن تواعده ويواعدها؟ ربما، ولأعيد صياغة كلام فرويد، يبقى السؤال المهم الذي ما يزال ينتظر إجابةً: “ماذا تريد ميكيلا؟”.
كل ما يهمكم معرفته عن نظام الإعلام الإلكتروني الجديد في الإمارات