تابعوا ڤوغ العربية

طفولة تحت وطأة الاحتلال.. عهد التميمي تروي ذكريات سجنها وحياتها بعد إطلاق سراحها في رسالة مؤثرة

عهد التميمي بعدسة نينا ويسيل على صفحات عدد أكتوبر 2018 من ڤوغ العربية

في رسالة مؤثرة، تروي الناشطة الفلسطينية الشابة عهد التميمي ابنة الـ17 عاماً قصة اعتقالها وقضائها ثمانية شهور داخل السجون الإسرائيلية – والتحديات التي تواجهها بعدما أصبحت رمزاً للمقاومة الفلسطينية.

“أنا من الفتيات اللواتي ولدن تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، الجاثم دائماً على أنفاسنا هنا. وأول ذكرى أحتفظ بها كانت أثناء اعتقال والدي عام 2004 وزياراتي له في السجن. كنت آنذاك في الثالثة من عمري؛ ولقد اُعتقِل [والدي] في حادثين آخرين. وفي العام الماضي، عندما بلغت السادسة عشرة من عمري، جرى اعتقالي أنا أيضاً أثناء غارة ليلية لصفعي أحد الجنود كان يقف في فناء منزلي. وقد حُكم عليّ بالسجن ثمانية شهور في أحد السجون الإسرائيلية”.

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد أكتوبر 2018 من ڤوغ العربية.

عهد التميمي تتظاهر أمام قوات الاحتلال في رام الله عام 2012. الصورة:Getty

“كانت الحياة خلف القضبان شديدة القسوة. فقد كان الجنود يوقظوننا في الخامسة والنصف صباحاً لإحصاء عددنا وفي الثامنة صباحاً يعودون لتفتيش الزنزانات. ويفتحون لنا الأبواب في العاشرة والنصف صباحاً، ويطلقوننا لتناول الإفطار. بعدها، كنا نتوجه إلى الغرف الأخرى، حيث يمكنني الحديث مع زميلاتي السجينات. وكنا نحو 25 أسيرة. ولم يكن مسموحاً لنا بالخروج خارج المبنى ولكن يمكننا المشي في قاعة رحبة لممارسة التمارين. وبمشاركة فتيات أخريات، حاولت تنظيم مجموعات دراسية، ولكن إدارة السجن لم تتحمس لذلك وهدمت الفصل. وبدلاً من ذلك أخذنا نقرأ، وتمكنت من اجتياز امتحاناتي النهائية في السجن. ولم يكن مسموحاً سوى لأفراد أسرتي من الدرجة الأولى بزيارتي، وتقتصر مدة الزيارة على 45 دقيقة نتحادث أثناءها عبر حاجز زجاجي، وذلك مرة كل شهرين”.

“وخلال اعتقالي، أصبحت رمزاً لمقاومة الاحتلال، ولكن هنالك 300 طفل آخر في السجون الإسرائيلية لا يعرف أحد عن قصصهم شيئاً. فقد اُعتقلت نورهان عواد حين كانت في السادسة عشرة من عمرها وحُكم عليها بالسجن ثلاثة عشر عاماً. قيل إنها حاولت قتل أحد الجنود. ولكنها كانت تسير برفقة قريبة لها، والتي أُطلق عليها الرصاص وتُوفيت أمام عينيها. وأطلقت قوات الأمن الإسرائيلية النار على نورهان أيضاً، ونُقلت على إثر ذلك إلى المستشفى. ومن هناك، أخذوها إلى السجن لتقضي 13 عاماً مدة عقوبتها. إنها اليوم في الثامنة عشرة من عمرها. وكانت هدية عرينات أصغر فتاة في السجن، وهي في السادسة عشرة من عمرها وقضت بالفعل ثلاث سنوات في السجن؛ ويجب أن يُطلق سراحها بعد أربعة شهور. ويقولون إنها حاولت أيضاً قتل أحد الجنود؛ وكانت في طريقها إلى المدرسة في أريحا حينما اُعتقلت”.

“منذ إطلاق سراحي يوم 29 يوليو، أصبحت متحدثةً باسم القضية الفلسطينية، وهو أمر ليس سهلاً. فهذا الدور يأتي معه قدر كبير من المسؤولية والضغوط. وفي الوقت ذاته، أقضي فترة عقوبة مع وقف التنفيذ تستمر لخمس سنوات مقبلة. فإذا قلت شيئاً لم يعجبهم، يمكن أن أُحتجز لثمانية شهور أخرى. لذا يجب أن أتحسس موضع أقدامي بحذر. وعادةً ما يسألني الناس من أين واتتني القوة والشجاعة لأقف في وجه الاحتلال، ولكني أشهد مواقف تدفعني دفعاً لأكون قوية. وبالطبع، يرجع ذلك أيضاً إلى تأثري بوالديّ، فهما سيظلان مصدر إلهام لي. ولكني أرى الجميع مثلي في قريتي؛ ولا شيء يميزني عنهم. هل أتمنى أحياناً أن أدع الأمور تجري في نصابها وأتخلى عن قوتي؟ لا. فتحت الاحتلال، يجب أن تتحلي بالقوة. ولطالما تحديت مخاوفي ووجدت القوة التي أحتاج إليها”.

عهد التميمي مع والدتها ناريمان ووالدها باسل خلال مؤتمر صحفي بعد إطلاق سراحها. الصورة: Getty

“لو كانت فلسطين دولة عادية غير محتلة، لكنت انتقلت للإقامة في عكا لأعيش على شاطئ البحر وأذهب للسباحة. ولم أذهب إليها سوى مرة واحدة – رغم أن البحر يبعد 30 كيلومتراً فقط عن منزلي. فقبل بضع سنوات، أثناء شهر رمضان، سمح لنا الإسرائيليون بزيارة القدس. في ذلك اليوم، اصطحبنا والدي معه نحن الأطفال إلى البحر. كنا خائفين، بالطبع، لأننا انتهكنا القانون – فالتصريح الذي كان معنا لا يسمح لنا بالبقاء في القدس سوى بضع ساعات، ولكن والدي أصر على ذلك”.

“أتمنى أن أعيش كفتاة عادية في السابعة عشرة من عمرها. فأنا أحب الأزياء، والمكياج. وأستيقظ صباحاً وأتفقد صفحتي على انستقرام، وأتناول إفطاري، وأتنزه بين التلال المحيطة بقريتي. وأحياناً أذهب إلى رام الله مع صديقاتي لنلعب البولينغ، ونأكل الآيس كريم، ونذهب إلى المطاعم – لكني لست فتاة مراهقة عادية. فقد سُجن والداي، مثلي، والآن شقيقي الأكبر، وعد، مسجون أيضاً. ولو كان مسموحاً لي الحياة كفتاة مراهقة عادية تعيش في بلد عادي، لكنت مارست الرياضة. فقد كنت أتمنى أن أغدو لاعبة لكرة القدم ولكني لا ألعب هنا لأنه لا وقت لذلك. وبدلاً من اللعب، أشارك دائماً في المظاهرات والمواجهات مع الجيش الإسرائيلي منذ طفولتي. كثيرون ينتقدون ذلك، ولكن لماذا لا تنتقدون الجيش الذي يضع نفسه في مواجهات مع الأطفال؟ فتحت هذا الاحتلال، كل شيء يُعتبر جريمة. ولا ينبغي للناس أن تتهمنا؛ فهذا خطأ الاحتلال”.

لوحة جدارية لعهد التميمي على سياج أمني ببيت لحم بريشة فنان الشارع الإيطالي أغوستينو شيروين الذي اعتقلته السلطات الإسرائيلية وقامت بترحيله. الصورة:Getty

“وكل ما نفعله نحن الفلسطينيون ما هو إلا رد فعل على الاحتلال. ولا أرى أي علامة على تحسن الأوضاع. بل على العكس – ستواصل المستوطنات التوسع وحتى نقاط التفتيش ستتزايد؛ وهذا ما أراه بعد ثلاث سنوات من الآن في الضفة الغربية. لكننا لا زلنا نتمنى أن يأتي اليوم الذي نعيش فيه في فلسطين الحرة. ولن تنجح فكرة إقامة دولتين على الإطلاق. وقد كنا نعتقد أن اتفاقيات أوسلو (تم توقيعها عاميّ 1993 و1995) ستكون خطوة في سبيل تحقيق هذا الهدف في النهاية – ولكن انُظري إلى الوضع اليوم”.

“الآن بعدما أكملت دراستي الثانوية، أرغب في دراسة القانون، رغم أنني لا أعرف أين. ويراودني حلم العمل على الصعيد العالمي، بعد خمس سنوات من الآن، والقيام بدعم فلسطين على أعلى المستويات والحديث في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي”.

“إنني أدرك أن لي دوراً الآن، ولكن لم يعد لدي أدنى خصوصية. أحياناً أشعر وكأنني أخسر نفسي – وشخصيتي. والناس تسألني كيف كانت الحياة داخل السجن، ولكن أتمنى ألا أضطر للحديث عنها. فأنا لا أرغب سوى في النسيان”.

يوم 15 ديسمبر عام 2017، صُوِّرَت عهد التميمي وهي تصفع جندياً إسرائيلياً بعدما أُطلق على ابن عمها البالغ من العمر 15 عاماً آنذاك رصاص من الفولاذ المغلف بالمطاط من مسافة قريبة. وسرعان ما تناقلت وسائل الإعلام العالمية هذا الحادث ما أدى إلى اعتقالها بعد أربعة أيام من منزلها بقرية النبي صالح. وحُكم عليها بالسجن ثمانية شهور وغرامة مالية، بعد طلب تسوية لتخفيف الحكم إثر إدانتها بالاعتداء، والتحريض، وإعاقة عمل الجنود. وكانت عهد واحدة من بين 1467 قاصراً فلسطينياً اعتقلهم الجيش الإسرائيلي عام 2017.

والآن اقرئي: نادين لبكي في دائرة الضوء: المخرجة اللبنانية الرائدة هي نجمة غلاف عددنا لشهر أكتوبر

روت عهد قصتها إلى نينا ويسيل التي التقطت لها صورتها المنشورة في بداية المقالة.

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع