تابعوا ڤوغ العربية

إيقاظ الجميلات النائمات… ما الذي تتطلّبه إعادة إحياء علامة عريقة غابت في سباتٍ عميق؟

ترتدي العارضة أزياء من علامة سكياباريللي، من أرشيف شركة كوندي ناست الدوليّة

من بالمان إلى بواريه، ما الذي تتطلّبه إعادة إحياء علامة عريقة غابت في سباتٍ عميق؟ وهل تراثها وحده يكفي لتحقيق النجاح؟ 

نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر يناير 2019

“لا علامة تقليدية فاخرة من دون تراث”، هكذا يؤكد أرنو دو لومين، المدير الإداري للشركة الاستثمارية المتخصصة في إحياء العلامات التراثية، لوڤانيس. ويتصدر أرنو ووالده، غي دو لومين، طليعة القائمين على إيقاظ ما يُعرف باسم “الجميلات النائمات” – وهي العلامات الفاخرة التي خفت بريقها التجاري رغم ما تملكه من أهمية تاريخية كبرى. وتقع هذه العلامات خارج نطاق التكتلات الفرنسية المهمة مثل إل ڤي إم إتش، وكيريغ؛ وكذلك العلامات التي تخضع للملكية الخاصة مثل شانيل، وهيرميس. وعلى مدى العقدين الماضيين، لعبت لوڤانيس دور الأمير الوسيم الذي أيقظ بقبلاته الأميرات النائمات ڤيونيه، وسكياباريللي، وموانا، وبواريه. وتتمتع هذه العلامات القديمة، التي تعمل الشركة على إحيائها، بميزتين مهمتين، ألا وهما الاسم المعروف والصفحة الناصعة التي تتيح إبداع نموذج جمالي جديد على أنقاض القديم. ولكن هل شراء علامة معروفة وسيلة يستخدمها المستثمرون لتوفير الوقت؟ وطرح علامة في الأسواق دون بذل جهود طويلة ومضنية في الاعتراف بها وضمان جماهير وفيّة لها؟

شهدت السنوات العشر الأخيرة إحياء عدد من كبرى دور الأزياء القديمة، منها سكياباريللي، وبالمان، وكارڤن، ولا يزال الكثير منها ينتظر قدوم فارس أحلامها. يقول أرنو: “قد تُصاب العلامات بالضعف والخمول ولكنها لا تفقد بالضرورة قيمتها. بعضها يفقد بريقه، وأخرى لا تندثر”. 

لنأخذ ڤيونيه، أول علامة تعيد لوڤانيس إحياءها على سبيل المثال. فقد كانت فيما مضى أول دار أزياء فرنسية راقية تفتح فرعاً لها في الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك عام 1925 حيث كانت مدام ڤيونيه تبيع فساتينها الشهيرة ذات القَصَّات المائلة ودون أن تستكمل تسوية أطرافها حتى يمكن تفصيلها حسب رغبة كل عميلة. وقد وظفت في باريس 1200 خياطة، ولكنها قررت أن تغلق دارها وتتقاعد عام 1939، حين كانت الحرب العالمية الثانية تدق أبواب أوروبا. ولم يكن قرار غي دو لومين الاستحواذ على العلامة عام 1988 نابعاً من حبه للموضة، ولا بدافع قِصَة الجميلة النائمة الخيالية التي تستيقظ بقبلة حانية من الإبداع – لم يكن سوى قرار اتخذه رجل أعمال حصيف وجدها فرصة عمل مواتية ومنجماً لم تُستكشف كنوزه بعد. وقد عمل غي، الذي تدرب كمهندس نسيج، لسنوات في سوق الأزياء الجاهزة، لدى علامات مثل تيد لابيدوس، وبالمان. وقد واتته فكرة محاولة إحياء علامات الأزياء الراقية المرموقة عبر عمل التراخيص، ووقع اختياره على ڤيونيه بعد أبحاث وحسابات مضنية: فقد كان غي يبحث عن عصفورين يضربهما بحجر واحد، أي دار تملك التراث الثري ولها كذلك حقوق ملكية فكرية متاحة. واشترى هذه الحقوق بأمواله وعمل بدأب على التوعية بعلامة عتيقة لم تكن معروفة في الغالب سوى لخبراء الموضة، ويعلق ابنه أرنو قائلاً: “لم تكن علامة ضعيفة على الإطلاق، وهذه هي المفارقة الساحرة لڤيونيه: بالنسبة للمستهلكات تمثل علامة جديدة تحمل تاريخاً ثرياً”. وباعت لوڤانيس العلامةَ عام 2009.

قبل قرن من الزمان، كان عالم الأزياء الراقية في باريس يحكمه رجل واحد: مسيو بواريه. وكان له السبق في عدد كبير من الإنجازات –فقد كانت داره أول دار باريسية تقدم عطراً خاصاً بها وأول دار تصور أزياءها بين خلفيات فنية، أو ما يُعرف اليوم بالصفحات التحريرية- مع المصور إدوارد ستايتشن. ولكن نشوب الحرب العالمية الأولى وصعود نجم كوكو شانيل بعدها كان إيذاناً بموت علامته، ولولا أصدقائه من أهل الصناعة، منهم إلزا سكياباريللي، لمات فقيراً دون أن يذكره أحد. ولكن، وبعد مرور ثمانية عقود، يُعاد إحياء تراثه ليقدَّم لجيل جديد من الخبراء – ولكن الانتصار في هذه المعركة كان محفوفاً بالصعاب. وقد كان غي يضع بوارو نصب عينيه، حين بدأ رحلته في إحياء العلامات، قبل أن يستقر على اختيار ڤيونيه التي وجد الاستحواذ عليها أكثر يسراً. ومن المهم عند البحث عن علامة نائمة لإعادة إطلاقها، أن تكون أول خطوة تُتخذ في هذا الصدد هو البحث عن أصحاب الملكيات الفكرية لها في جميع أنحاء العالم. ويجب القيام بذلك لبناء العلامة مرة أخرى من الصفر، وحتى لا يظهر فجأة من المجهول من يطالبكم بفدية لقاء براءة اختراع أو ملكية فكرية. في حالة دار بوارو، كان هناك خمسة مالكين حقوقهم متداخلة. ولم يكن أياً منهم يملك حصة كافية من الحقوق تتيح له القيام بدور جوهري، ومع ذلك لا أحد منهم كان على استعداد للتخلي عن نصيبه. ونجح غي في إقناع أحد الملاك ببيع حقوقه، وتبعه الآخرون. وباعت لوڤانيس حقوق الملكية إلى المتجر الفاخر المتعدد الأقسام بكوريا الجنوبية، شينسيغاي، الذي اختار سيدة الأعمال البلجيكية آن شابيل لمنصب المديرة الإبداعية والرئيسة التنفيذية للدار. وتقف شابيل وراء النمو الذي شهدته علامتا آن ديموليميستر وحيدر أكرمان والذي أوصلهما إلى النجاح الذي تحظيان به الآن. 

“قد تغيب هذه العلامات في سباتٍ عميق لكنها لا تفقد قيمتها وتراثها” 

ومن أجل تحقيق النجاح في إحياء علامة تراثية، يجب أن تضع قواعدك على ركيزتين مختلفتين: مهارات العمل القوية، وتاريخ العلامة. فإن أقوى ثروة للعلامة الخاملة هو تراثها – أي الرموز، والتصاميم، والسمعة الحسنة التي تتمتع بها لدى المستهلكين. وعن ذلك يقول أرنو: “لا علامة تقليدية فاخرة من دون تراث”. ولكن النجاح قد يتحقق أحياناً عبر تغيير هذا التصور؛ فعلامة بالمان اليوم بعيدة كل البعد عن الأناقة التي وضعها لها بعناية بيير بالمان في الخمسينيات. وقد تمكن أوليڤييه روستينغ –المدير الإبداعي المقاتل والبالغ من العمر 33 عاماً– من أن يمنحها قبلة الحياة بتصاميمه الحسية الجريئة وحضورها على مواقع التواصل. ولا شك أن فريقه الذي كوّنه من صديقاته العارضات الشهيرات على انستقرام –والمعروفات باسم “كتيبة بالمان”– ساهم في هذا النجاح. سكياباريللي أيضاً بنت قواعدها وفق الرؤية الواحدة لمؤسسها بعد شرائها عام 2006 وقدمت أول عرض لها من الأزياء الراقية بعد انقطاع دام ستة عقود عام 2014. ولم يحالف الحظُ دارَ إيمانويل أنغارو؛ فرغم أنها ليست داراً أُسست منذ عقود وأنها بِيعت بمبلغ باهظ عام 2005، بعد تقاعد مؤسسها إيمانويل أنغارو، فقد توالى عليها المصممون، وكانت أشدهم سوءاً ليندساي لوهان التي عُينت عام 2009 (شبهتها صحيفة نيويورك تايمز بـ”طاهٍ للوجبات السريعة في ماكدونالدز يتولى قيادة مطعم حاصل على ثلاث نجوم من ميشلان”). كما لم يُحقق إحياء هالستون نجاحاً مدوياً، وتقع مسؤولية استقبالها الفاتر على عاتق أصحابها – بمن فيهم هارڤي واينستين الذي كان يرغب في تحقيق الكثير في وقت قصير. وقد تغيّر اسمها إلى هالستون هيرتاج، لتستهدف شريحة أقل قليلاً من السوق الفاخرة. واضطرت كارڤن أيضاً إلى تقديم طلب لإعلان إفلاسها مطلع العام الماضي واقتنصتها مجموعة الأزياء الصينية إيسكلي. وهو ما يقودنا إلى التساؤل: هل تراث العلامة يكفي لتحقيق النجاح؟ 

ومن أجل إعادة علامة نائمة إلى حركة السوق، يجب أن ينخرط المستثمر في لعبة طويلة الأمد وأن يمتلك ما يكفي من الأموال. فتوقعات المستهلكين من العلامات القديمة أكبر كثيراً من العلامات الجديدة، والتي يُسمح لها بقدر من الإخفاق. وتحتاج دار الأزياء التراثية الفاخرة للتريث لبرهة من الوقت لبناء ما تتطلع إليه وبلوغ المكان الذي ترغب في الوصول إليه. وقد سلك برنار أرنول، المدير التنفيذي لمجموعة إل ڤي إم إتش، هذا الطريق مع علامة موانا، وابتعد عن تقديم العروض وعن الصحافة واتخذ نهجاً أكثر روية، وقد حقق نجاحاً مع العلامة حتى الآن. وربما كان المصير الذي آلت إليه لانڤان أكثر ما حبس أنفاس أهل الصناعة؛ فهي أقدم دار فرنسية لا زالت تعمل حتى الآن، ولكن بعد الرحيل الصاخب لمديرها الإبداعي المحبوب ألبير الباز عام 2015، ربما تحتاج في القريب العاجل إلى قبلة من الأمير الوسيم لإيقاظها من غفوتها. ولكن هل يتعيّن على المستثمرين الاستثمار فقط في “الجميلات النائمات” في حين ثمة عدد كبير من المصممين الشباب الموهوبين في أمس الحاجة إلى استثمار مالي؟ يرى أرنو أن “أفضل العلامات لديها قصص جديرة بأن تُروى”. وفي حالة العلامات التراثية، فإن الزمن وحده كفيل بأن يروي قصتها. 

أماني اسيبي تتحدث عن رحلتها كأول عارضة عربية ممتلئة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع