تابعوا ڤوغ العربية

عائلة صديقي.. إرث يحافظ على دقّات الزمن

عائلة صديقي بعدسة DAVID WANG

الدقة، الأصالة، الأناقة، العراقة، العصرية، مواكبة حثيثة للحداثة والموضة… كأنك هنا تصف ساعةً خرجت لتوّها من دار عريقة لصناعة الساعات؛ ولكن المقصود بهذه الصفات المميزة شركة أحمد صديقي وأولاده التي صنعت لنفسها مجدًا لا يُضاهيه مجد في عالم الساعات الفاخرة. وحكاية هذه الشركة حكاية يحلو الغوص في تفاصيلها، وتستحق أن تكون مثالًا يحتذي به كلّ راغب في خوض مجال الأعمال

شركة «أحمد صديقي وأولاده» اسم رائد على مستوى المنطقة في مجال الساعات، فهي تقدّم لزبائنها في مختلف أنحاء الإمارات إبداعات أكثر من 60 علامة متخصصة في صناعة الساعات والمجوهرات الفاخرة. إلا أن المشوار الذي قطعته هذه الشركة لتصل إلى مكانتها الحالية لم يكن بهذه السهولة.

شغف أحمد قاسم صديقي بالساعات كان عظيماً وقد دفعه إلى تأسيس شركةٍ وافتتاح أول بوتيك لها في منطقة بر دبي وتطوّرت ونمت لتتحول إلى شركة عائلية موثوقة تضم 51 بوتيكاً في أهم وجهات البيع بالتجزئة والمراكز التجارية المرموقة في دولة الإمارات.

صور من أرشيف أحمد صديقي وأولاده تعود إلى أول المتاجر التي افتتحتها الشركة في دبي بالإضافة إلى صور تذكارية تظهر النشاط البارز الذي ّ كانت تقوم به هذه الشركة العريقة.

ولعلّ أغرب ما في هذه الحكاية هو أن المؤسس الأب أحمد قاسم صديقي أسس الشركة وهو لم يزر يوماً سويسرا. بدلاً من التجربة الحسية، امتلك هذا الرجل رؤية وبعد نظر وبصيرة فذة، فأرسل اثنين من أولاده إلى سويسرا لتحصيل دراستهما الجامعية ولإتقان اللغة، فقد أراد أن يكونا قريبين من المقر الأساسي لصناعة الساعات الفاخرة وأن يتعرفا عن كثب على هذا العالم وأن يبنيا علاقات قوية.

وما ساهم في نمو هذه الشركة هو في المقام الأول شغف أحمد صديقي بالساعات الذي نقله إلى أفراد عائلته مما ساهم في الحفاظ على طبيعة الشركة كشركة عائلية قائمة على شغف منقطع النظير بالساعات، ويُضاف إلى ذلك التركيز الدائم على تقديم الساعات السويسرية عالية الجودة وتلبية متطلبات نخبة العملاء على مستوى المنطقة، وحذاقة المؤسس الأب الذي عرف كيف يعقد اتفاقيات امتياز حصرية مع أهم شركات الساعات السويسرية. فقد اعتمد المؤسس الأب على إتقانه فنّ المراسلة حيث كان يراسل الوكلاء في الكويت والبحرين والهند وقد نجح في العام 1949 بتوقيع أولى اتفاقيات الامتياز مع علامة الساعات السويسرية «ويست إند»، لتنمو محفظة الشركة من العلامات المرموقة حتى استطاعت أن تضم أكثر من 90% من علامات الساعات السويسرية الفاخرة.

ولا يمكن الحديث عن نجاح هذه الشركة من دون أن نأتي على ذكر الشيخ راشد بن سعيد بن مكتوم آل مكتوم رحمه الله. فقد كان الداعم الأوّل للتجار وقد أوصى سمّوه علامة رولكس بالتعامل مع شركة أحمد صديقي وأولاده ومنحهم الوكالة فمن ذلك الوقت إلى يومنا هذا ما زالت الحكومة تدعمنا بدءًا من المؤسسات الحكومية وصولاً إلى كبار المسؤولين.

في العام 2007، اتخذت الشركة منحىً جديداً مع تأسيس مجموعة صديقي القابضة بهدف توحيد الأعمال القائمة التابعة لعائلة صديقي تحت مظلة مشتركة. وكجزء من استراتيجية النمو، خضعت الشركات لعملية إعادة هيكلة كبرى شهدت تطوير خطة التعاقب للأجيال القادمة وإنشاء لجنة تنفيذية ومجلس إدارة بصفتهما هيئتين إداريتين للشركة. واليوم، تدير صديقي القابضة مجموعة متنوعة من الشركات في مختلف القطاعات، بما في ذلك أحمد صديقي وأولاده، وهي أول وأكبر وحدة أعمال داخل المجموعة؛ وخدمات الساعات السويسرية؛ وشركة صديقي وأولاده للاستثمار والتي تشمل صديقي للعقارات وميزن.

تعاقب على إدارة شركة صديقي القابضة أربعة أجيال من عائلة صديقي التي عملت يداً بيد مع قوة عاملة متعددة الجنسيات تضم أكثر من 900 موظف ضمن نهج أخلاقي مبني على المبادئ التي وضعها مؤسس الشركة الراحل أحمد قاسم صديقي.

من اليسار إلى اليمين: محمد عبد المجيد صديقي، مهره عبد المجيد صديقي، منى محمد صديقي، قاسم إبراهيم صديقي، محمد غازي خوري، محمد عبد الحميد صديقي، هند عبد الحميد صديقي، أسامة إبراهيم صديقي، عبد الحميد صديقي، حسن عبد المجيد صديقي. الصورة بعدسة DAVID WANG

في مبنى الشركة الفخم، كان لنا شرف لقاء عبد الحميد أحمد صديقي، وهو رئيس مجلس إدارة شركة صديقي القابضة، ويشرف على العمليات التجارية عبر مجموعة متنوعة من وحدات الأعمال داخل المجموعة. قبل أن يبدأ عبد الحميد أحمد صديقي العمل مع شركة «أحمد صديقي وأولاده» وبعد التخرج عمل في سويسرا كموظّف ومن ثمّ التحق بوزارة الخارجية. في تلك الأثناء كانت الشركة تضم متجرين في سوق مرشد وبر دبي فقط في دبي، فلم يجد فرصة للعمل مع أخوته. وفي عام ١٩٨٠ اتسعت الشركة وتم افتتاح أوّل متجر في برج ديرة، فانضم إليها وتولى الاهتمام بكل التفاصيل من تأشيرات الموظفين إلى التعامل مع البضائع في المطار ومكتب الهجرة، إلى جانب عمله كمندوب مبيعات.

يؤكد عبد الحميد أن نجاحه في الشركة لم يأتي من عدم. فهو شغوف جداً بالساعات، وقد ظهر ذلك جلياً من الساعتين التي زينتا يديه خلافاً لما جرت به العادة بارتداء ساعةٍ واحدة، وقد شرح ذلك قائلاً: «لم لا أنا في دولة الأمن والأمان يمكنني أن أتزين بساعتين!»، وأضاف: «لا أستطيع أن أتخلى عن ساعة Rolex فأنا أحب كثيراً هذه العلامة، لذلك قررت أن أزين بها يداً وأن أترك الأخرى لساعات أخرى!».

اكتسب عبد الحميد أيضاً من خبرة الوالد، فتعلم منه الصدق والأمانة، وهما صفتان ضروريتان اليوم لا سيما وأن السوق يعاني لعبة تقليد أهم العلامات التجارية وأكبرها التي بسببها تضرر كل شغوف بعالم الساعات، وأصيب المستهلك بمرض حبّ الماديات والتباهي بالمظاهر المزيّفة.

تعلّم عبد الحميد من والده كذلك أخلاقيات العمل والاهتمام بالموظفين واحترام كل فردٍ منهم وإن وصل عددهم إلى نحو الألف. تسلّح عبد الحميد بثقة والده به، فقد منحه هذا الأخير وإخوته كل الصلاحيات وترك لهم حرية إدارة الأمور تحت إشرافه طبعاً. يختصر عبد الحميد والده ببضع كلمات فيقول: «أسس إمبراطورية وأعطانا «الخيط والمخياط» وانتظر منّا أفضل النتائج».

وعن اهتمامات الشركة في المرحلة المقبلة قال عبد الحميد صديقي إن هدف الشركة اليوم هو الوصول إلى شريحة الجيل الجديد وتوعية جمهور الساعات الواسع على كيفية شراء أي ساعة، وقد شرح قائلاً: «إننا نعمل على تمكين الجمهور من معرفة ما وراء صناعة الساعات الفاخرة والحرفية والتقنية التي تحتاجها كل قطعة، فعلى المستهلك أن يعرف قيمة الساعة الحقيقة قبل أخذ القرار بشرائها، وهذا من خلال ورش العمل والمعارض والتدريبات التي نؤمّنها على نطاق واسع». وأضاف عبد الحميد إن الفئة المستهدفة اليوم هي فئة النساء من دون أن يلغي ذلك حقيقة أن الرجل اليوم هو من أهم العملاء كون الساعة التي يقتنيها ستكون بشكل أو بآخر الأكسسوار الوحيد الذي يتزيّن به.

ومن العلامات الفارقة في عائلة صديقي وفي مجموعتها القابضة، نذكر انضمام هند عبد الحميد صديقي إلى صفوفها، وقد تحدث عبد الحميد، والدها، عن هذا الأمر قائلاً: «نحن كشركة كنّا بحاجة إلى من يتوّلى أمور التسويق من فعاليات وعلاقات عامّة والتعامل مع الإعلام فأنا لا يمكنني أن أقوم بكل المهام. تخصص هند ساعدها في الانضمام إلى شركة العائلة. لم أتدخّل في اختيار ابنتي لدراستها، أنا كوالد أعطيتها كل الدعم ولم أقف في وجه طموحها».

وقد تشرفنا أيضاً بلقاء هند التي أطلت بعباءة تجسد التقاليد الإماراتية بأناقة ملفتة ويزيّن معصمها ساعة رولكس أخبرتنا أنها ابتاعتها كهدية لعيد ميلادها الثلاثين.

تنتمي هند إلى الجيل الثالث من عائلة صديقي، وقد انضمت إلى الشركة عن طريق الصدفة. كانت ترغب عند تخرجها من الثانوية بدراسة الأدب الإنكليزي إلا أنها تساءلت عن ماهية عملها في المستقبل وعدلت عن الفكرة وقررت الالتحاق بجامعة الـ AUS في الـ Mass communication. بعد تخرجها، عملت في شركة علاقات عامة كانت تهتم بحساب شركة «أحمد صديقي وأولاده»، وحين عرفت أن الشركة تعجز عن إيجاد الشخص المناسب لمناقشة الأمور المتعلّقة بقسم العلاقات العامة، تكلّمت مع والدها عن الخلل والضعف في قسم العلاقات العامة الأمر الذي أثار فضوله ودفعه للبحث عن مكامن الخلل الكامن وكانت النتيجة أن طُلب منها  تقديم شرح مفصّل عن كل ما ينقص هذا القسم لتجد نفسها في نهاية المطاف متدربة في الشركة مطلوب منها أن تثبت عملياً ما ورد في شرحها قبل أن تنضم إلى قسم التسويق في المجموعة.

كان عمها ابراهيم صديقي، نائب الرئيس، وراء قرار انضمامها وقد قالت: «كان عمي رجل أعمال صارم وقد استمتعت بهذه الصفة واعتبرت وجودي في الشركة تحدّياً. آمنت أنني إن لم أقنعه كشخص كيف لي أن أقنع الأشخاص الآخرين»

اجتهدت هند كثيراً لتثبت أحقيتها بالانضمام إلى المجموعة، وبدأت في تطبيق كل ما تعرفه إلى أن أصبحت مسؤولة عن قسم التسويق وتجربة العملاء وتجارة تجزئة القنوات المتعددة المتكاملة، من دون أن يمنعها ذلك عن الالتحاق بدورات تدريبة تزيد من خبراتها ومعرفتها وآخرها كانت دورة عن التحوّل الرقمي في لوزان للاطلاع على أفضل سبل التعامل مع العالم الرقمي.

كانت هند من أوائل النساء في المجموعة، فقبل انضمامها لم يكن للعنصر النسائي حضورٌ قويٌ. تتذكر هند بداياتها فتروي لنا: «أكثر ما أتذكّره هو دهشة الجميع في خلال الاجتماعات حين يعرفون أنني أتخذ قرارات فردية رغم أنني لا أبلغ من العمر إلا ٢١ عاماً». إلا أن هند تعترف أنها كانت تخاف في البداية من أخذ القرارات الكبيرة دون العودة إلى أولاد عمّها محمّد وأسامة واستشارتهما، وكانت تستمد قوتها من وجودهما معها في غرفة الاجتماعات، وأصبحت اليوم بعد ١٥ عاماً من العمل والخبرة والمعرفة قادرة على اتخاذ القرارات الصائبة بمفردها وإن كانت لا تزال تفضل مشاورة أفراد العائلة في كلّ ما يخص الشركة.

على غرار والدها عبد الحميد، تعلّمت هند من جدها، وإن لم تعمل معه عن قرب، الصدق وطريقة التعامل مع الناس والانضباط والتنظيم وشكر الله على النعمة وعمل الخير والكرم. أمّا في ما يتعلق بالعمل، فقد تأثرت بنهج والدها، فكانت تراقب ما الذي يقوم به وتستفيد من تشجيعه ودعمه لخوض تجارب جديدة من شأنها إعلاء شأن الشركة والعملاء معاً. استفادت هند أيضاً من دعم والدتها التي أدخلت في صلب تربيتها لأبنائها أهمية العلم مما دفعها لالتحاق بدورات تعليمية حتى بعد الزواج فتابعت دروس في اللغة الفرنسية لتواكب تعليم أبنائها، وقد عبّرت هند عن امتنانها لوالدتها حين قالت: «تعلّمت الكثير من والدتي، أهم الخصال التي أستخدمها اليوم في حياتي الشخصية والعملية هي عصارة تربيتها القويمة».

تعلّمت هند أيضاً من تجاربها في الحياة، فارتباطها بسنّ مبكر ساعدها على التفكير بشكل سلس وديبلوماسي وبعقلانية ومرونة، وقد قالت في هذا الصدد: «لو أردت أن أشبّه المؤسسة التي أنتمي إليها لما شبّهتها إلا بمؤسسة الزواج، لأنّ هاتين المؤسستين بحاجة إلى نفس المنطق».

وبعيداً عن عالم الساعات، هند أم لثلاثة أبناء وهي تقرّ أنها تربي أولاداً ينتمون إلى جيل مختلف تماماً عمّا عايشته هي، فالصرامة ليست ما تحتاجه للتعامل معهم إنما تحتاج إلى القدرة على حسن توجيههم والاستماع إليهم. وشخصية هند مميزة، فهي ليست تلك المرأة التي تنادي بالنسوية وبالمساواة بين الرجل المرأة، وترفض فكرة دعم المرأة أكثر من الرجل فهي تعتقد أنّهما يكمّلان بعضهما البعض وعلى كل واحد من الجنسين تأدية واجبه دون التعدّي على الآخر وليس من المعيب أن تطلب المرأة مساعدة الرجل، حتّى لو كانت تستطيع القيام بالمهام لوحدها، وهي تحب أن تتمثل المرأة بأنوثتها من دون أن يلغي ذلك تمتعها بالقوة والذكاء والثقافة.

تستفيد هند من أوقات فراغها في القراءة والتأمل والغوص في الروحانيات مما ساعدها على التعامل مع الضغوط والنظر إلى الأمور من زاوية مختلفة. وهي تحلم ببناء منزلها الخاص مع مكتبة كبيرة جداً وحديقة يمكنها أن تزرع ما يلحو لها من النباتات والأشجار وهي تطوق لطريقة عيش بسيطة جداً بعيدة عن كل التعقيدات.

وأمام هذه الضغوط والمسؤوليات التي تحملها على عاتقها، تكافئ هند نفسها بساعةٍ تبتاعها من مجموعة أحمد صديقي وأولاده، ساعة تختارها بناءً على حبها لها وليس على إعجاب الآخرين بها. فهند التي تمتلك أكثر من ٣٠ ساعة تخفي كل واحدة منها وراءها قصة مختلفة، تلفتها الساعات لرجالية لأنّها ترى فيها نوعاً من «الشخصية»، وتحب القيمة الفنية والحرفية للساعة وليس تلك المادية وتنتظر لاقتناء الساعة التي تتلاقى مع ذوقها المميز.

 

اقرئي ايضاً : سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك ’أم الإمارات‘ تكتب مقالاً لعدد ديسمبر 2021 من ڤوغ العربية احتفالاً باليوبيل الذهبي لدولة الإمارات

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع