تابعوا ڤوغ العربية

الموضة والتكنلوجيا… هل يقدر الذكاء الاصطناعي على الإبداع؟

من عرض ششانيل لربيع 2017. Indigital.tv

كيف تتأثر الموضة بالتطور التكنولوجي السريع الذي أصبح يؤثر في معظم تفاصيل حيواتنا؟ وهل يقدر الذكاء الاصطناعي على الإبداع؟

نشر هذا المقال للمرّة الأولى في عدد شهر مارس 2019

قبل أعوام أدهشتنا حقيقة رؤية «جرّاحين» آليين، روبوتات، في غرف العمليات يساعدون الجرّاحين البشر في إحراز نتائج دقيقة تمنح المرضى فرص شفاء أعلى. وكنا، نحن البعيدين عن مجالات الكومبيوتر، نقرأ عن الذكاء الاصطناعي، ذكاء الآلات والبرامج الذي يحاكي الذكاء البشري والقدرات البشرية، كأنه فيلم خيال علمي. إذا به يصبح سريعاً رفيق أيام الجميع. فقد شهدنا دور الذكاء الاصطناعي في عملية تداول الأسهم، وفي حقول علمية واقتصادية، وأصبحت سيري وألكسا صديقتين خدومتين تجيبان عن أسئلتنا وتنفذان ما نطلبه منهما. لكن أن يؤدي الذكاء دوراً في العملية الإبداعية التي تتطلّب صهر عواطف وتجارب ومخيّلات إنسانية، فهو أمر مخيف ومشوّق في الوقت نفسه. كان غريباً أن نستمع إلى مقطوعة موسيقية كلاسيكية «أبدعها» الذكاء الاصطناعي، وأن نعترف لأنفسنا بأنه سينافسنا في كتابة القصائد والروايات. ما أدهشنا بالأمس أصبح جزءاً من أيامنا، نعتمد عليه في تخيّل الغد الذي يسرع في المجيء. 

إذا كان الذكاء الاصطناعي يؤدي دوراً في صناعة الموسيقى، فهو يطوّر أدواره في صناعة الموضة التي تقدّر قيمتها بثلاثة آلاف مليار (3 تريليون) دولار أميركي. 

لم يحصل خرق في العلوم المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. لكن ما حصل هو ثورة في توافر البيانات وتطوّر في القدرة الحوسبية، وهما من العوامل التي أدت إلى بروز دور الذكاء الاصطناعي الذي يقوم على خوارزميات (لوغاريتمات) تعمل على كومبيوتر وتهدف إلى تقليد العقل البشري أو تجاوزه. ويشمل الذكاء الاصطناعي القدرة على التعلّم Machine Learning وتنظيم العلوم وتحليل اللغة والصوت وحلّ المشاكل وتحريك الروبوتات… 

لعلّ إدراكنا لفكرة جمع البيانات بدأ منذ أدمنا وسائل التواصل الاجتماعي. وربما تأخرنا في فهم هذه اللعبة، وربما فهمها بعضنا في وقت مبكر قبل أن تصبح قضايا تناقش في المحاكم (الحصول على بيانات عشرات الملايين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي). واللعبة هي خذوا هذه الفضاءات المجانية التي تجعل العالم بين أيديكم واعطونا بياناتكم (الداتا). فالبيانات هي السلاح المادي في القرن الواحد والعشرين. مَن منا لم يطارده قميص بحث عنه على الإنترنت مرة واحدة، وأصبح يظهر كلّما دخل موقعاً إلكترونياً؟ «اللوغاريتمات» (الطرق الحسابية) تقتفي آثارنا، تراقب أهواءنا وأسئلتنا، وما نتفرّج عليه ونمضي وقتاً بحثاً عنه، تعرف عنا ما قد لا نعرفه عن أنفسنا. ومَن يحصل على هذه المعلومات؟ الداتا تحكم العالم الآن، الداتا هي سلاح الرأسمالية في عالمنا المعتمد على تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل. 

شودو أول عارضة أزياء رقمية. @shudu.gram

بعض هذه البيانات إذا أدخلناها بأنفسنا (أي أننا موافقون على أن يحصل عليها هذا الموقع أو ذاك) يمكنها أن تمهّد لتجربة التسوّق الشخصي الذي أصبح أحد تأثيرات الذكاء الاصطناعي في الموضة. وها هي مواقع عديدة مثل    Matchesfashion.com وNet-A-Porter تقدّم خدمات تنسيق الأزياء، اعتماداً على البيانات وحسب المناسبات العامة أو الخاصة إذا أُفصح عنها، من خلال تجربة الإطلالات على أشخاص آليين. أمازون في الولايات المتحدة أطلقت «ذي إيكو لوك» وهي تقنية تساعد على اختيار الأزياء والأسلوب المناسب. هذه التقنية تدرس الإطلالة من خلال اللوغاريتمات بمساعدة خبراء في الموضة (هم بشر مثلنا، حسب مقالة في صحيفة «ذي غارديان»). كما تقدّم «ستيتش فيكس»، في سان فرانسيكسو، خدمة تنسيق الأزياء. وبحسب موقع «فوربس» تأسست هذه الشركة (أسستها امرأة، وهي كاترينا لايك، في عالم يسيطر عليه الرجال) عام 2011 وتحوّلت إلى شركة مساهمة عن طريق طرح أسهمها للاكتتاب العام عام 2017، وثُمّنت قيمتها بثلاثة مليارات دولار عام 2018. 

في منطقتنا يجمع موقع st-yl.com بين ذكاء التكنولوجيا ولمسات منسّقي الأزياء (البشر) ليقدّم أزياء تلائم الذوق الشخصي للعميل أو العميلة. يُطلب من زائر الموقع الخضوع لاختبار يكشف الذوق الخاص عبر عرض أزياء بأساليب مختلفة لفهم أي منها أقرب إلى ذوقه أو ذوقها، وطرح أسئلة عن العلاقة بالتسوّق ثم تعبئة البيانات. 

مقالات كثيرة تتحمّس لدور الذكاء الاصطناعي في عالم الموضة بدءاً من «التشات بوتس» (الروبوتات الدردشية التفاعلية) وصولاً إلى اقتراح الأزياء التي تلائم مناسبة شخصية مقبلة. في هذا الإطار يرى عميد معهد دبي للتصميم والابتكار هاني عصفور أنّ «التصفّح الذكي والحوسبة ذات التأثير التي تجمع بين تاريخ المستخدم على الإنترنت يمكن أن يلبّيا الحاجات والأذواق بسرعة أكبر خلال التسوّق الإلكتروني. فإذا كنتم على سفر إلى مكان معين ذي مناخ خاص، يمكن أن تربط خدمة التنسيق الذكي بين بحثكم عن الأزياء التي تناسب المناخ المحدّد وما اعتدتم البحث عنه في الماضي، فتقترح القطعة المناسبة التي تلائم حاجاتكم وأمزجتكم بدقة وسرعة». 

يمكن أن يجعل الذكاء الاصطناعي تجربة التسوّق الإلكتروني ممتعة ومفيدة، ويركّز، على عكس ما قد نظنّ، على الأسلوب أكثر من الأناقة، لأن الأسلوب هو الأناقة الشخصية. فهو قد يسمح لنا بأن نجد الأزياء التي تشبه أذواقنا، ومع الوقت يساعد في تصميم الأزياء بناء على الصيحات المطلوبة، وهذا الأمر يخفف من صناعة الأزياء التي سرعان ما تُرمى وتلوّث البيئة. 

ليلميكيلا روبوت ومؤثرة افتراضية @lilmiquela

إلى جانب إضفاء الطابع الشخصي تبدو التجربة مسلّية، أن نجد من خلال الذكاء الاصطناعي أزياءً تلائمنا وتعكس أذواقنا المختلفة. لكن يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونذكّر بأن الأسلوب يعكس الشخصية والثقافة والعواطف والتجارب، وأن التكنولوجيا باتت تملي علينا أذواقنا معتمدةً على عدد «اللايكات» وزياراتنا السابقة لمواقع إلكترونية واختياراتنا الماضية لأزياء معينة، لكنها لا تتحفنا باكتشافات جديدة. وهنا نجد مَن يردّ قائلاً إن أداء الذكاء الاصطناعي يتطوّر ويتحسّن مع الوقت. ولشرح تأثير الذكاء الاصطناعي في الموضة يقول هاني عصفور «إن اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي يسمح للمستهلكين في العالم ومنطقتنا بالاستفادة من توافر المنتجات التي يبحثون عنها، ومن عمليات تسليم سريعة ودقيقة، لأنه يؤدي إلى تحسّن في الخدمة على مستوى السرعة والكلفة والتعامل المرن». أما في ما يخصّ عملية الإبداع، فيرى عصفور أن «الذكاء الاصطناعي يساعد المصمّمين على التخلّص من عبء المهمات الصغيرة كاحتساب القياسات والكميات، فيمكن الاعتماد عليه لإنجاز تفاصيل من هذا النوع. ويُتوقّع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي أربعين في المئة من عمل المصمّمين. البعض يتخوّف من هذا الأمر ويتحسّر على الماضي، لكنني أظنّه أمر يحرّر المصمّمين. يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يوفّر نحو ستة الاف شكل في ثوانٍ. ويصبح مطلوباً من المصمّم أن يعرف أي شكل سيعتمد. كما يمكن أن يُطلب من الذكاء الاصطناعي ابتكار تعديلات حول الشكل المختار. إذاً يصبح إيجاد الأشكال أمراً سهلاً وأساسياً، ويتركّز دور المصمّم على الاختيار المبني على المعرفة وعلى نتائج واضحة. إضافة إلى أن التطبيقات الذكية تُظهر الزي نفسه على أشكال أجسام مختلفة وقياسات مختلفة، وتقترح تعديلات قد تكون ضرورية للحفاظ على روح التصميم». 

“يجب أن يتجنّب المصمّمون اتباع الصيحات التي تختارها اللوغاريتمات للحفاظ على عنصر الجرأة في الأسلوب، وللسماح لغريزة الإنسان بأن تغلب ما تقدّمه الآلة”

على مستوى آخر، يضيف عصفور أنّ «الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالصيحات التي ستروج وبتوقعات المستهلكين، مما يسمح للعلامات التي تعتمد تقنياته بأن تبقى مرغوبة وقريبة من المستهلكين، تفهم تطلّعاتهم وما يبحثون عنه. عبر الجمع بين دراسة اللوغاريتمات التي تفيد في توقع حاجة السوق وبالتالي اختيارات المصمّم، يمكننا فهم الصيحات والاتجاهات وتوسيع الآفاق نحو حدود جديدة، عبر مقاومتها ربما، من خلال إبقاء الإنسان في المركز ومنحه الأولوية على حساب القرارات التي تدفع إليها الآلة. ما يجب أن يتجنّبه المصمّمون هو اتباع الصيحات التي تختارها اللوغاريتمات للحفاظ على عنصر الجرأة في الأسلوب، وللسماح لغريزة الإنسان بأن تغلب ما تقدّمه الآلة. هذه النقطة أساسية، نعم نريد أن نتوقّع الاتجاهات أو الصيحات الجديدة والمقبلة، لكن يجب أن نحافظ على أدوار قدراتنا الإنسانية، على إنسانيتنا، لنحدث الفرق المهم ونتجنّب التطابق». 

يتمثّل التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي في تقليص كميات النفايات، كما يشير عصفور قائلاً «إذا استُخدمت بالطريقة الصحيحة، تستطيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تحسّن نماذج عمل تجار التجزئة، وبالتالي لا يحتاجون إلى التخلّص من كميات هائلة. ومن خلال المساهمة في تطوير العملية الإبداعية وتوقع احتياجات المستهلكين تقلّ كمية البضائع التي يجب رميها والتخلّص منها. حتى في ما يتعلّق بصناعة الأقمشة يمكن لقدرة التعلّم Machine Learning، التي هي إحدى قدرات الذكاء الاصطناعي وأهدافه، أن تقلّص كمية النفايات. وباستخدام التقنيات المتطوّرة يمكن أن نجري التجارب ونصنّع المواد في المختبرات، وهو ما تقوم به [مصمّمة الأزياء النيويوركية] سوزان لي عبر زرع الجلد. فصناعة الجلد هي إحدى الصناعات الأشد ضرراً بالبيئة، بدءاً من تعذيب الحيوانات وصولاً إلى الدباغة».

إيرينا شايك مع روبوت على منصّة عرض فيليب بلاين في نيويورك.

يستحيل تجنّب تأثير التكنولوجيا عموماً في الموضة، هذا ما توافق عليه مصمّمة الأزياء ومؤسِّسة Creative Space سارة هرمز التي درست في كلية بارسونز في نيويورك. «العالم كلّه يتأثر بتطوّر التكنولوجيا، ولن يختلف المسار في عالم الموضة. والإيجابيات كثيرة، منها تطوير أقمشة جديدة تحلّ مشكلات نواجهها كبشر، كأن يتم تصنيع أقمشة تقاوم الحرارة المرتفعة أو البرد الشديد. فالتطوّر التكنولوجي يأخذنا في اتجاه حلّ مشكلات الإنسان مع الطبيعة. يصبح التصميم إبداعاً جمالياً يلبّي في الوقت نفسه حاجات الإنسان. مع تطوّر التكنولوجيا يمكن أن تطرح الأزياء المبدَعة حلولاً نحتاج إليها. ويمكن أن تشمل هذه الحلول حماية البيئة لأجل تحقيق الاستدامة. في ما يخصّ إنتاج الأزياء، آلات الخياطة هي إحدى أقدم التقنيات المستخدمة، ولم تتطوّر على مر العقود بل القرون. لا بد أن تكون الخطوة الجديدة ابتكار طريقة إنتاج جديدة قد تفقد اليد العاملة البشرية دورها. ربما لن نرى نساء ورجالاً في معامل يسابقون الوقت للانتهاء من خياطة كمية هائلة من الأزياء. ربما تقوم الروبوتات بهذه الأدوار أو ربما تخيط الماكينة نفسها الأزياء في أشكال معيّنة. بالطبع أعداد هائلة من العمال سيفقدون وظائفهم، وهذا ما يحصل الآن، ولكنهم سيجدون أدواراً جديدة في صناعات أخرى، ربما ستبرز الحاجة إلى وظائف جديدة». 

تشير هرمز إلى أنّ إيسيه مياكي هو أحد المصممين الأكثر تطوّراً في اعتماده على التكنولوجيا. «لقد طوّرت هذه الدار اليابانية طرق إنتاج خاصة بها، كفساتين من دون حواش. الماكينات تصنع أقمشة هي فساتين في شكلها النهائي، وهي ماكينات خاصة بالدار، تم ابتكارها خصيصاً لها وليست متاحة للجميع». كما تضيف أنّ «المصمّمين أصبحوا أكثر اعتماداً على التكنولوجيا في ما يخصّ طرق الإنتاج. فما نراه اليوم من استغلال لليد العاملة وللأطفال أيضاً وتلويث للبيئة، من أجل إنتاج الأزياء، لا ينسجم مع أي منطق ولا مع حيواتنا في القرن الواحد والعشرين. كان ينبغي أن تتغيّر قواعد الصناعة». 

عن الملابس والأنسجة الإلكترونية الذكية سألنا الباحث والعالم الدكتور ودود حمد، أستاذ علم المواد في جامعة كولومبيا البريطانية الذي أوضح أنها «نوع جديد من الأنسجة التي تحتوي على بطاريات صغيرة جداً أو جسيمات لتوليد الضوء، وحتى جهاز حاسوب مصغّر للغاية. لهذا النوع من الأنسجة التي لا تزال في حيّز الأبحاث المخبرية غايتان: جمالية ووظيفية. جمالياً يمكن إنتاج أنسجة تتبدّل ألوانها، أو تتفاعل مع المحيط، وتتمكن من توليد موجات كهربائية أو صوتية للاتصال (مثلاً، أنسجة تُحذٌر من خطر محدد). أما للغاية الفنية، فالتركيز يكون على أنسجة تتمكن من تكييف حرارة الجسم، مثلاً، او تطويع العضلات لجهد فيزيائي محدد. ولهذا النوع من الأنسجة/الملابس استخدامات في الألعاب الرياضية المحترفة، أو المجال العسكري».

عارضات بالمان الرقميات.

الذكاء الاصطناعي الذي أعرب كلّ من ستيفن هوكينغ وبيل غيتس وإيلان ماسك عن تخوّفهم منه أصبح جزءاً أساسياً من عملية التطور التكنولوجي. وفي زمن نونوري وشودو وليلميكيلا، العارضات المؤثرات اللواتي يتعاون مع أهم دور الأزياء، بدأنا نعتاد تعابير مثل «الخزانة الرقمية» و«الذكاء المعزّز».

تتحدّث نونوري عن الأبواب المغلقة التي شرّعتها تكنولوجيا وسائل التواصل وعن الحدود التي أُلغيت، وهي تعرض أزياء أهم الدور من لوي فويتون وجيامباتيستا فالي إلى ميوميو وفالنتينو وغوتشي، وتسافر من الصين إلى اليابان، ومن بوسطن، حيث دُعيت إلى جامعة هارفرد، تطير عائدة إلى باريس. يمكن أن يحملها الخيال إلى القمر وهي مرتدية أزياء وأكسسوارات أشهر العلامات. «من خلال التكنولوجيا يمكن أن نحمل الناس إلى واقع جديد» قال المدير الإبداعي دمنا غفاساليا عن عرض بالنسياغا في الخريف الفائت الذي قدّم خلاله تصاميم الدار لربيع وصيف 2019 في نفق ليوحي أنّ العرض كلّه يجري داخل عقل رقمي. 

إطلالات حليمة آدن بعيداً عن منصات عروض الأزياء هي الإلهام الذي تحتاجه المحجبات

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع