تابعوا ڤوغ العربية

الهوس بالمظاهر على منصات عروض الأزياء.. ماذا يخفي؟

المغنية دوجا كات بـ30 ألف كريستالة حمراء في عرض «سكياباريللي» للأزياء الراقية

على منصات العروض، يتم توظيف الحِيَل -وليس الأزياء- للفت انتباه الجميع. فهل هذا العبث يخفي من خلفه جوهر البراعة؟

اجتاح الحذاءُ الأحمر الكبير ذو الساق الطويلة مواقعَ التواصل الاجتماعي كشخصية كرتونية خرقاء. وقد ارتدى هذه القطعةَ من MSCHF عددٌ من الشخصيات المؤثّرة والمشاهير على حد سواء احتفاءً بشهر الموضة، ليصبح هذا الحذاء بذلك أحدث إضافة لقائمة الحِيَل الطويلة التي تهدف في المقام الأول للفت الأنظار. لقد أصبح الاهتمام سلعةً نادرة بعدما أصبحنا نعيش حياتنا في مقاطع فيديو على الإنترنت مدتها 15 ثانية تكاد تخلو من أي سياق، أو فوارق دقيقة بينها، أو عُمق. ومن اختراق العارضات والعارضين لصفوف المقاعد في عرض Sunnei، إلى أطراف الحيوانات الاصطناعية التي أحالت العارضات إلى كلاب ودلافين في عرض Collina Strada، لا يخلو أسبوع الموضة أبدًا من عناصر الإثارة. كما ظهر فستان مرصّع بسكاكين زبدة حقيقية في عرض «ديلارا فينديك أوغلو»، وفساتين سهرة ذات طبعات ثلاثية الأبعاد ارتدتها العارضات مقلوبة رأسًا على عقب في عرض «ڤيكتور آند رولف»، ما يبرهن على لهث المصممين الجُدد منهم والمعروفين خلف حصد الإعجابات. وفي أسبوع كوبنهاغن للموضة، نهضت عارضة أزياء من على طاولة، لتسحب ذيل تنورتها، الذي كان هو ذاته مفرش للطاولة، ليسقط كل شيء على الأرض؛ بينما في عرض «هيليوت إميل» في باريس، سارت إحدى العارضات على المنصة مشتعلةً بالنار حرفيًا. كما شهدنا مشاركة حضور أسبوع الموضة في اللعبة، حيث غُطِّيَت المغنية دوجا كات بـ30 ألف كريستالة حمراء في عرض «سكياباريللي» للأزياء الراقية.

وتنطوي عروض الأزياء في جزء منها، بالطبع، على فكرة تقديم عرض لافت، ليس إلا. فلو كان الأمر يتعلق بالأزياء فقط، لكان بإمكان المشترين والمحررين إلقاء نظرة عليها وهي معلّقة على الشمّاعات أو فيما ترتديها عارضات القياس في الأتيلييه. وعلى منصة العرض، يذوب الخط الفاصل بين الموضة والمسرح. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يمكن أن يؤدي هذا اللهث المستمر خلف حصد الإعجاب إلى قتل الإبداع – أو حتى إخفاء الافتقار إليه؟ هل نضب معين عالم الموضة من الأفكار الإبداعية الحقيقية ومن ثم بات يلجأ إلى أمور غير أساسية لتعويض غياب التصاميم الرائعة؟

وفي حين أن الحيلة الدعائية لأحدهم تمثل بذاتها عملاً عبقريًا لآخر، فقد بات واضحًا أن الموضة أصبحت تركز وبشكل متزايد على الترفيه، حيث يتنافس المصممون وعلامات الأزياء باستماتة على جذب الانتباه من خلال تقديم عروض تزهو بالمبالغة، وحضور مشاهير الشخصيات، ومشاركة منشورات لافتة على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي حين أن هذه الحِيَل يمكن بالفعل أن تُحدِث ضجة ومن ثَم تسهم في إبراز علامات الأزياء وسط سوق مكتظة، فإنها أيضًا قد تصرف الانتباه عن الأزياء المعروضة. وعلى هذا النحو، يرى بعض النُقّاد أن التركيز على سُبُل التحايل هذه إنما يلقي بظلاله على الإبداع وحرفية الصنعة اللذين من المفترض أن يكونا في صميم اهتمام الموضة. وقبل عقد من الزمان، رأت ناقدة الموضة كاثي هورين أن «الاستعراض اللامتناهي للحِيَل والخِدَع يجرّد الموضة من الحياة»، بينما أشارت الناقدة المعاصرة سوزي مينكس أيضًا إلى أن «هوس الموضة بالحِيَل والعروض المبهرة يقوّض بذاته جوهر الإبداع وحرفية الصنعة». وثمة أيضًا رأي يقول بأن التركيز على الصيحات التافهة يغذّي ثقافة الموضة السريعة، حيث تُنتَج الأزياء على وجه السرعة وبتكلفة منخفضة، والتي ينتهي مصيرها بالتخلّص منها بعد فترة وجيزة. وكما ذكرت ليڤيا فيرث، المحررة المساهِمة للاستدامة في ڤوغ العربية، بوضوح شديد: »هل من المنطقي أن نشتري أشياءً لنتخلّص منها بعد بضع مرات من الاستخدام؟».

كوبيرني لموسم ربيع وصيف 2023

وفي عالم يبدو فيه أن بإمكان أي شخص أن يصبح مصممًا، فهذا لا يعني بالضرورة أن يتحوّل الجميع إلى مصممين. فالأمر يتطلّب امتلاكَ الموهبة، والعمل الجاد، والتعلّم، وامتلاك المهارة لتصميم ما يمثّل في جوهره تحفةً فنيةً، قطعة يدوم جمالها وإتقان صنعها. ومع ذلك، فإن الوتيرة التي تسير بها الموضة قد أدت ليس فقط إلى تزايد مثل هذه الاستعراضات الفارغة أكثر وأكثر، بل أيضًا إلى حدوث الظاهرة الأكثر خطورة ألا وهي احتراق المصمم. وبعدما اعتاد أليساندرو ميكيلي المدير الإبداعي لعلامة «غوتشي» على إبداع منظومة عرض متكاملة يتحدث عنها الجميع خمس مرات كل عام، انسحب من الساحة في نهاية العام الماضي. كما برهن الصعود المذهل لعلامة «باير موس» وسقوطها على أن أية رسالة مهمة وذات صلة يكمن خلفها، في بعض الأحيان، وعد لم يتحقق يبرزه التضارب والجودة المتدنية.

متى تدنت قيم البراعة والسرد الثقافي حتى غدت استعراضًا مجانيًا؟ ثمة قاسم مشترك بين العرض المثير الذي قدمه ألكسندر مكوين في مجموعة ربيع وصيف 1999، حيث جعل المصمم الراحل الروبوتات ترش الطلاء على فستان شالوم هارلو، وختام عرض «كوبيرني» لربيع وصيف 2023 بوقوف بيلا حديد شبه عارية بينما كان رجلان يصنعان فستانًا لها برش رذاذ من القماش على جسمها. وقد تكون العارضتان الشهيرتان في نفس العمر وقت سباق الرش –26 عامًا– بيد أن الفوارق بينهما أكثر جاذبيةً من أوجه التشابه. على سبيل المثال، كانت هارلو ترتدي إطلالة كاملة بينما وقفت بيلا بسروال داخلي، حيث قُدِّم جسم الشابة المرتجف كعرض رائع لتكنولوجيا ليست حتى جديدة. وقد عاد الثنائي كوبيرني هذا الموسم بعرض حَفِلَ بالكلاب الآلية، وقد تحفظ المصممان عن توضيح ما إن كانت الكلاب بمثابة تعليق على المراقبة التكنولوجية البغيضة أم استكمال لعمل بيلا الباهر.

ولكن أي حيلة دعائية من دون وجهة نظر تظل أحادية الأبعاد، بينما تلك المتأصلة في طبقات الفكر والتاريخ تحمل قيمة أعلى. وقد افتتحت «ستيلا مكارتني» عرضها لخريف وشتاء 2023 بسبعة خيول تعدو لتتخطى كل المقاطع المتداولة تأكيدًا على القيم البيئية الراسخة للمصممة. وقد علقت مكارتني قائلة: «هناك الكثير من الجلد والفراء والريش على منصات العروض هذه، وخاصة في الشتاء. وأردتُ أن أبيّن أن بوسعكِ إظهار الحيوانات بطريقة مختلفة». نعم للمسرح، لا للحيل الدعائية. وإن كانت جهودها قد ذهبت أدراج الرياح بسبب عاصفة الانتقادات التي طالتها من المتابعين الذين أدانوا استخدامها للخيول المروضة خلال العرض. وفي «موسكينو»، أصقل جيريمي سكوت أيضًا جمالياته المشاغبة ببصمة حملت إشارات ذكية للمطّلعين. إذ يرى أن العلامة تُبنَى على المتعة الهادفة وليس السخيفة أو العابرة. ولطالما أدرك الحرس القديم هذا الأمر، مثل ميوتشا برادا التي علّقت بعد عرضها الأخير قائلةً: «لا يمكنني أن أترك الموضة لتكون مكانًا للهراء. أنا أساسًا أرى أن علينا ارتداء أزياء تحثّنا على التفكير والقيام بأعمالنا». ويتفق معها بييرباولو بيتشولي، المدير الإبداعي لدار «ڤالنتينو»، في هذا الرأي قائلاً: «أردتُ شيئًا أكثر صرامةً. كان هناك قدر كبير من الانتقائية والضجيج الشديد».

وقد أدرك أيضًا مصممو الأزياء الفاخرة التراثية الآخرون أن البندول قد بلغ نقطة التوازن. وإذا كنا قد تأرجحنا أولاً بين أقصى حد من البناطيل الرياضية مع حمالات الصدر الناعمة ثم الحد الأقصى الآخر من الأحذية ذات الكعوب الشاهقة المسببة للدوار وحقائب اليد البالغة الصغر، فقد اِسْتَقْرَرْنَا الآن في المنتصف حيث لا تريد النساء سوى بناطيل رائعة مصممة لتلائم أجسامهن وتزيدها جاذبيةً. وقد استعرض جورجيو أرماني ثقته الإبداعية بمجموعة لخريف وشتاء 2023 تألّفت من بدلات حريرية ببناطيل، وجواكيت بأطراف مدببة، وأزياء خارجية مفصّلة، بينما مالت «ماكس مارا» نحو إبراز أصولها التي لا تشوبها شائبة في الأناقة الكلاسيكية بمجموعتها لخريف وشتاء 2023 التي تميّزت بفساتين تونيك من الكشمير وتنانير بأحزمة. وفي “لوي ڤويتون”، عرض نيكولا غيسكيير كنزات محبوكة سميكة ومعاطف. وتستند العودة إلى القطع القابلة للارتداء على الأرجح إلى سهولة بيعها، إذ أن «الأزياء غير المعقّدة –التي لا تتطلّب درجة الدكتوراه أو لعب عدد كبير من الأدوار لفهمها– يسهل بيعها»، على حد قول ناقدة الموضة ڤانيسا فريدمان. ورغم أن الحِيَل والاستعراضات قد تكون ممتعة ومثيرة، يجب أن تكون الموضة في النهاية معبّرة عن الأسلوب الخاص والإبداع، وأن تبتكر أزياء جيدة الصنع وخالدة ومستدامة.

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع