تابعوا ڤوغ العربية

هكذا تحافظ حِرفيات مركز الحِرَف اليدوية النسائية على الفنون التراثية الإماراتية من الاندثار

حِرفيات مركز الحِرَف اليدوية النسائية بأبوظبي. بعدسة روهيت سابو لعدد يناير 2020 من ڤوغ العربية

تتحرك الأيادي المزيّنة بالحنّاء بمهارة عالية، صعوداً وهبوطاً، بين سبع بكرات من الخيوط القطنية والحريرية، وتتلاعب بإتقان كبير بتلك الخيوط لنسج شريط من التلّي. وتلتمع خيوط الخوصة الذهبية فيما تصنع سريعاً أناملُ الحِرفية الماهرة مشغولات إماراتية تعود جذورها إلى قرون مضت. ويتطلب صنع شرائط متقنة من التلّي -التي دأبت المرأة الإماراتية على استخدامها لتزيين الكندورة النسائية عند الصدر وأطراف الأكمام- مهارة عالية وعناية فائقة وصبراً طويلاً ودقة بالغة. وقد يستغرق تطريز الكندورة باستخدام هذه الفنون التراثية الحِرفية ما يصل إلى شهر كامل، وهي المدة التي يستغرقها تقريباً صنع فستان راقٍ. وتعمل حرفية النسيج الماهرة وسط عشر نساء ينخرطن في دردشات ودية، مرتديات كنادير خضراء وتركوازية ووردية براقة، وتكلل رؤوسهن أحجبة سوداء مطرزة، فيما تغطي البراقع وجوههن، حيث انشغل بعضهن بصنع التلّي، بينما انهمكت الأخريات في غزل الصوف يدوياً لصناعة السدو، وهي طريقة تقليدية لنسج الأقمشة ما تزال منتشرة في أنحاء الإمارات حتى اليوم. وهناك مشغولات أخرى معروضة، منها حُصر متقنة مصنوعة من سعف النخيل تستخدم كسجاد أو لتغطية الطعام. 

سعادة نورة السويدي، مديرة الاتحاد النسائي العام. بعدسة روهيت سابو لعدد يناير 2020 من ڤوغ العربية

وتعمل هؤلاء الحِرفيات في مركز الحِرَف اليدوية النسائية، الذي أسسه الاتحاد النسائي العام في أبوظبي عام 1978، تحت رئاسة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك. وهذا الاتحاد هو الممثل الرسمي للمرأة الإماراتية، ويولي اهتماماً كبيراً بجميع جوانب حياتها، من الصحة إلى التعليم وحتى الاستشارات الأسرية والتشريعات. واليوم، وبتوجيهات من سمو الشيخة فاطمة، شهدت هذه المشروعات توسعاً كبيراً، كما يسعى الاتحاد إلى تطوير قدرات النساء، بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، حتى يتمكّنّ من دخول جميع مجالات العمل، بما في ذلك مجال التكنولوجيا والقطاع الحكومي في الإمارات. ويعدّ الحفاظ على التراث الفريد للبلاد من القضايا التي يهتم بها الاتحاد والأقرب إلى قلب سعادة نورة السويدي. وتعلل قائلةً: “إن أفضل وسيلة تضمن الحفاظ على تراثنا وإحياءه هو مزجه بالحداثة”. ومنذ توليها هذا المنصب قبل عشرين عاماً، تعمل سعادتها، بتوجيهات من سمو الشيخة فاطمة، على دعم النساء من جميع الجنسيات في الإمارات. 

 

00:00 / 00:00

ويضم مركز الحِرَف اليدوية النسائية معرضاً دائماً يقدم رموزاً من الحياة اليومية تروي تاريخ البلاد – من الطرق التي اعتادت بها النساء الاستعداد لزفافهن إلى العطور ومستحضرات التجميل التي شاع استخدامها على مر العصور. كما يعرض جميع جوانب الحياة اليومية في الإمارات، مسلطاً الضوء على ثراء التاريخ الإبداعي للشعب الذي لم تمنعه طبيعة بلاده الصحراوية القاحلة من أن يحقق أقصى استفادة من مواردها. وثمة قصص ترويها المطاحن اليدوية لطحن القمح وصنع الطحين، والأنوال المثبتة على الأرض لحياكة السدو، والمغازل اليدوية لنسج صوف الإبل والأغنام، والتوابل التي تستخدم للتداوي. وفي هذا المركز، تمكنت سبعون امرأة ماهرة من العاملات به من عرض إبداعاتهن وكسب عيشهن، والحفاظ على فنون حِرفية عريقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ. كما استطاعت هؤلاء الحِرفيات، اللواتي يعملن من التاسعة إلى الواحدة يومياً، من بناء مجتمع سعيد يتبادلن فيه الضحكات ورواية القصص وصناعة المنتجات المتقنة. 

حِرفية تشغل التلّي بمركز الحِرَف اليدوية النسائية في أبوظبي. بعدسة روهيت سابو لعدد يناير 2020 من ڤوغ العربية

وقد قَدِمَ إلى هذا المركز كثيرٌ من هؤلاء النساء -اللواتي تبدأ أعمارهن من 30 عاماً، بينما لا تعلم أكبرهن سناً عمرها لأنها لم تحصل قط على شهادة ميلاد- بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة، وبعضهن يعمل في المركز منذ عقود، ولولاه لم يكّنّ ليستطعن كسب لقمة العيش. وبعضهن تعلّم هذه الحِرَف على يد الوالدات والجدّات، فيما تعلّمت الأخريات داخل المركز. وبعد اكتساب المهارات اللازمة في جميع تقنيات الصناعة، يمكنهن اختيار الحِرفة التي يُجِدنها ويرغبن في التخصص بها. تقول أم علي، إحدى الحِرفيات العاملات بالمركز والتي تعزو الفضل له في مساعدتها على إعالة أسرتها: “توفي زوجي حين كان أطفالنا صغاراً للغاية. وأنا ممتنة للغاية لسمو الشيخة فاطمة لأنها منحتني فرصة القيام بهذا العمل، وعيش حياة كريمة”. وتضم المجموعة أيضاً نساءً من أصحاب الهمم، وجدن داخل المركز مجتمعاً هادفاً ومحبّاً لهن مكّنهن من المساهمة في ازدهار ثقافة بلادهن. 

تقول معالي نورة السويدي: “لا تزال النساء مرتبطات بتراثهن. ولا يتوقفن أبداً عن ارتداء التلّي أو الأثواب القطنية المخورة. ويتألقن دائماً بأزيائهن الشعبية المطرزة. ولا يمكن أن يكتمل زفاف امرأة إماراتية ما لم تقف العروس بجوار عريسها مرتدية ثوباً تقليدياً فاخراً باللون الأخضر”. 

بعدسة روهيت سابو لعدد يناير 2020 من ڤوغ العربية

ويعرض الاتحاد هذه الفنون الحِرفية كلما زارت الوفود الرسمية الإمارات، كما يرسل هذه المنتجات إلى سفارات الإمارات في أنحاء العالم. ولم تعد هذه الحِرَف تحظى بمكانة مهمة على المستوى الرسمي فقط – فقد تجدد اهتمام كثير من الشابات بالتراث، وصار يعتريهن فضول لمعرفة المزيد عن تطبيقاته. وقد أدت زيارة قامت بها طالبات كلية الهندسة للمركز مؤخراً إلى إدراجهن للحِرَف اليدوية في مشروعاتهن النهائية بأسلوب مبتكر. كما تتردد الطالبات بانتظام على المركز. وقد وقع الاتحاد مؤخراً اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم لتمكين الطالبات من زيارة الاتحاد ومقابلة العاملات للتعرف إلى حِرفهن اليدوية. وتجتذب مسابقة سنوية لأجمل زيّ تقليدي العديد من المشاركات، ما يبرهن على افتتان الجيل القادم بالتقاليد. وتقول نورة السويدي: “نحضر لإنشاء أكاديمية الصناعات لتعليم المزيد من النساء أصول الحرف الإماراتية التقليدية. ويسعى الاتحاد النسائي العام إلى الحفاظ على تراث الإمارات من الاندثار بنقله إلى الأجيال القادمة. فالتراث لا يمثل ماضي البلاد فقط، بل وحاضرها أيضاً”. 

نُشر للمرة الأولى على صفحات عدد يناير 2020 من ڤوغ العربية.

تصوير الفيديو: أرش سيد

المونتاج: هيو استوديوز

اقرئي أيضاً: حصرياً: نادين نسيب نجيم تتحدث عن حياتها بعد الطلاق فيما تستعد لفتح صفحة جديدة في حياتها

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع