تابعوا ڤوغ العربية

تعرفي على ملكة الجمال العربية الأولى والوحيدة جورجينا رزق

تتحدث جورجينا رزق، ملكة الجمال العربية الأولى والوحيدة التي فازت بلقب ملكة جمال الكون، عن ابتعادها عن الشهرة، وحبها للبنان، واكتفائها بالأصدقاء الحقيقيين وأفراد العائلة

تغمر تباشير ضوء الظهيرة الصالون الفسيح. وتجلس جورجينا رزق على أريكتها مرتديةً زيًا رياضيًا أصفر، وحذاءً رياضيًا، بينما تعلو وجهها ابتسامة عريضة. تجلس بلا تكلف بينما تقدم العصير الطازج والقهوة. لقد مر واحد وخمسون عامًا على تتويجها بتاج ملكة جمال الكون، ومع ذلك ما تزال تحتفظ بتألق ملكة الجمال وهيبتها. تومئ برأسها نحو طائفة من براويز الصور العائلية قائلة: “كان والدي رجلاً لبنانيًا وسيمًا، ولكن والدتي المجرية –والبارونة– هي التي منحتني جمالها وبشرتها البلورية وأيضًا شخصيتي المباشرة”، مضيفة: “أكره الكذب وأميل دائمًا للإيجابية”. وقد عرّفت العارضةُ التي كانت تبلغ من العمر 18 عامًا آنذاك العالمَ بالجمال اللبناني ليلة 24 يوليو عام 1971 إثر فوزها بمسابقة ملكة جمال الكون التي أقيمت في ميامي. وفي رحاب منزلها المريح، قبلت جورجينا، التي نادرًا ما تجري حوارات، أن تفتح قلبها وتتحدث عن الجمال والعائلة والشهرة.

 

كانت جورجينا في الرابعة عشرة من عمرها نجمة صاعدة بالفعل. وقد أخذت أندريا عقوري، أول عارضة أزياء عربية تشارك في عروض الأزياء العالمية والتي كانت تدير آنذاك مدرسة للعارضات، جورجينا تحت جناحها. ولأنها كانت تتمتع بكاريزما فطرية وقوام مثالي، امتلكت جورجينا جميع المؤهلات التي تتيح لها التألق. تذكر: “خضتُ أول تجربة لي في عروض الأزياء بفندق كارلتون ببيروت، وبعدها شاركت في عروض عديد من العلامات المحلية والعالمية”. وتتحدث عن مجد لبنان الغابر قائلة: “كان لبنان وقتذاك جنة وعصرًا ذهبيًا، عصرًا من الأناقة والرقي، وشعبه منفتح على العالم”. وتستطرد وصوتها يفيض بالمشاعر: “ورغم اندلاع الحرب عام 1975، كان وما يزال أجمل بلد. أنا مؤمنة بالجيل الجديد، وأرى أنهم سيملكون القدرة على بدء التغيير”.

 

وقبل بضع سنوات من اندلاع الحرب، كانت جورجينا تخطو بنجاح في رحلتها في عالم الجمال. تذكر: “ذات يوم، شاركت بدلاً من أختي غير الشقيقة، المصممة والكونتيسة فيليسينا روسي، في برنامج تلفزيوني كان يقدمه الراحل ڤيكتور بيرسان. وعندما شاهدني، طلب مني المشاركة في مسابقة ملكة جمال التلفزيون”. وتضيف ضاحكةً: “رفضت على الفور. كنت لا أهتم بالأمر، ولكنه أصر، فحذرته من أنني سأكشف أمرهم على الملأ لو لجئوا إلى الغش”. وهذا التتويج الذي كان من المفترض أن يحدث مرة واحدة قادها إلى تاج ملكة جمال لبنان. تقول: “لم أخطط لذلك. قصصت شعري ولم أكترث، ولكن بيرسان أصر مرة أخرى وقال لي إنه يجب عليّ المشاركة في مسابقة ملكة جمال لبنان لأني ملكة جمال التلفزيون”. وبعد فوزها باللقب، تعيّن عليها ببساطة تمثيل لبنان في مسابقة ملكة جمال الكون. وتبتسم قائلة: “لم أكن أعلم أني ’جميلة‘، ولكن عندما أفكر في سنوات المدرسة، أذكر أن الأولاد في المدرسة المجاورة كانوا ينظرون إليّ دائمًا”.

 

سافرت جورجينا أولاً مع شقيقتها وصديقة لها إلى هيوستن للمشاركة في عرض أزياء للمصممة آنا ماريا مالك، ثم إلى فلوريدا. وخاضت تدريبات لمدة عشرة أيام قبل الليلة الكبيرة، وتولت لجنة التحكيم المؤلفة من 11 عضوًا تقييم المرشحات. وعن ذلك تقول: “كانوا يراقبوننا خفية”. وكان الأعضاء وقتذاك من ذوي الخبرة فقط وهو ما تفضله جورجينا.

 

ولفتت جورجينا نظر الممثلة الفرنسية لين رينو التي كانت عضوة في لجنة التحكيم. “اتصلت بي وسألتني من أين أحضرت ملابسي. فأجبتها بفخر: من حيث أتيت – بيروت، باريس الصغيرة”. وكانت جورجينا، التي نشأت في عالم الموضة بحماس، معروفة بذوقها الرفيع والمميّز، إذ كانت تفضّل نمط السبعينيات السائد آنذاك. وفي الليلة الكبيرة، تألقت بأزياء سبّاقة ومميّزة وارتدت كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز: “إطلالة خضراء مطرّزة بالذهب تتكون من هالتر توب وبنطلون مثير مغطى ببنطلون شفاف بنمط “الحريم” المريح”. وكانت الإطلالة من تصميم أختها غير الشقيقة ونفذها المصمم اللبناني بيار كترا.

 

ومن بين 61 متسابقة من جميع أنحاء العالم، اُختيرت عشر متسابقات في الدور نصف النهائي ووصل خمس منهن إلى النهائيات. تؤكد: “عندما كان المذيع يعلن الأسماء، كنت أشعر في قرارة نفسي بأني سأفوز. فقد حصلت على تقييمات رائعة خلال التدريبات التي دامت 10 أيام، وكنت في أعلى مرتبة في جولة ملابس السباحة”. وفي تلك اللحظة أدركت أيضًا أنها تريد التاج. وتعلق: “ولم لا؟”.

 

وخلال قسم الأسئلة والأجوبة بالمسابقة، سألها مقدم الحفل بوب باركر قائلاً: “إذا كان لديكِ صديقة ستشارك في مسابقة ملكة جمال الكون، فما النصيحة التي ستقدمينها إليها؟”، فأجابت جورجينا بلغة فرنسية سليمة: “دخول المسابقة في حد ذاته تجربة رائعة، حتى لو لم تفوزي. فهناك كثير من المرح”. وقد عكست إجابتها البسيطة والقوية في الوقت نفسه شخصيتها الحقيقية – منافِسة نزيهة، وقبل كل شيء امرأة لا تبحث عن الشهرة، بل عن لحظة تجلي الحقيقة. تقول: “قبل ثوانٍ فقط من إعلان النتائج، لمحت البطاقة في يد باركر وعرفت بفوزي. كان الأمر سريعًا للغاية”.

 

ومن مسابقة ملكة الجمال، تتذكر موقفين نادرين. “ذات مرة، سُئلت عما إذا سبق أن توقع لي أحدهم أن أصبح ملكة جمال الكون. فتذكرت بعد وهلة أن أحدهم قرأ لي الطالع في فنجان القهوة وأخبرني أنني سأسافر في غضون ستة أشهر وبتاج على رأسي! المضحك في الأمر أن الناس في الولايات المتحدة لم يستطيعوا فهم كيف يمكن استقراء الطالع من فنجان القهوة”. وهناك ذكرى جميلة أخرى تتمثّل في الوقت الذي قضته مع ملكة جمال فرنسا وملكة جمال تونس. وتذكر جورجينا أن ثلاثتهن كن يشتهرن بالتسلل للخارج للاستمتاع بقليل من المرح، وكن ينكرن أنهن متسابقات إذا ما شاهدهن البعض. وبطبيعة الحال، غالبًا ما كانت جورجينا تلفت الأنظار.

 

وابتهج اللبنانيون في جميع أنحاء العالم بلحظة تتويجها، وتلقت ملكة الجمال المئات من برقيات التهنئة برفع اسم بلادها عاليًا. وبعد عام من أداء مهمتها، حان وقت عودتها إلى بيروت. وكان لبنان عزيزًا على قلبها لدرجة أنها لم تستطع البقاء بعيدًا لفترة أطول من عام، حتى أنها رفضت لعب أدوار بطولة في أفلام هوليوود. تقول: “لم تجذبني الشهرة، كان همي الوحيد هو العودة إلى وطني وأن أكون بين عائلتي وأصدقائي”. تم استقبال جورجينا كملكة من قبل أعلى السلطات، علاوة على الترحيب بها بعرض رسمي للدبكة التراثية في المطار احتفالاً بعودتها. كما تم إصدار طابع بريدي يحمل صورتها تكريمًا لتتويجها.

 

استقرت جورجينا في بيروت، ولعبت أدوار البطولة في ثلاثة أفلام هي “غيتار الحب”، و”الملكة وأنا”، و”باي باي يا حلوة”، ومسرحية واحدة هي “سنكف سنكف”. تقول: “لم أكن مولعة بالتمثيل؛ وإنما اتجهت له فقط من أجل أصدقائي”. وتؤكد أن دورها المفضّل في الحياة هو أن تكون أمًا. ولديها ابن واحد اسمه علي من زواجها الأول، ووليد جونيور ونورهان من زواجها من الممثل والمغني والملحن الشهير وليد توفيق. وقد التقيا في سوريا أثناء حضورهما إحدى الفعاليات وتزوجا عام 1990. وحافظت جورجينا على أطفالها من شهرة والديهم ووضعت حدودها الخاصة. تقول: “ليست لدي حتى حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي”.

 

وقد عاشت أيضًا لسنوات في باريس والقاهرة قبل أن تعود إلى بيروت. وبينما تحيط بها الشخصيات الداعمة لها، تؤكد بأنه غير مسموح سوى للأصدقاء الحقيقيين بالدخول إلى دائرتها. تقول: “لم تصبني الشهرة بالغرور أبدًا، فأنا متواضعة جدًا.” ورغم حبها للحياة البسيطة -الشاطئ والطهي في المنزل- إلا أن ذوقها الاستثنائي لم يمر مرور الكرام. ورغم مواكبة أحدث الصيحات، فإن اختياراتها للأزياء دائمًا ما تكون قطعًا خالدة تعكس جمال شخصيتها. وبينما تعلو الابتسامة وجهها، تقول بالفرنسية: “أحب الجمال”. وبالنسبة لها، لا تتعلق معايير الجمال بالملامح الخارجية فقط، ولكن بالروح أيضًا. تقول: “الجمال له جاذبيته بالطبع، ولكن الروح والذكاء والمعرفة والأخلاق الحميدة هي أهم مقومات الشخصية وأكثرها جاذبيةً لكل من النساء والرجال”. وتضيف: “يمكن اللجوء لعمليات التجميل للحفاظ على الجمال، وليس لتغيير الملامح الفريدة التي تميّز كل واحد منا.”

 

وبالنظر إلى مسيرتها، يتبيّن أن جورجينا رزق عاشت حياة هادفة بلا ندم. تقول: “أعتقد أنني اتخذت القرارات الصائبة لنفسي دومًا. لقد كنت دائمًا حرة، وأنا فخورة بما وصلت إليه”. ومؤخرًا، كرّست جورجينا وقتها لروتينها الخاص في الحياة، حيث تمشي في الطبيعة وتستمتع بالابتعاد عن العيون. وعندما سئلت عما إذا كانت تمانع في رؤية حياتها تتحول إلى فيلم، ظهر اهتمامها المميّز بأدق التفاصيل مرة أخرى، فأجابت: “ولم لا؟ أحتاج للتفكير في الأمر، ويجب أن يكون تحت إشرافي وأن يتم تنفيذه بإتقان.”

 

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع