تابعوا ڤوغ العربية

عودة للرومانسيّة… تفاصيل رحلة المصمم جورج حبيقة داخل عدد الذكرى السنويّة الأولى

تعتمد رؤية المصمم اللبناني جورج حبيقة على التصاميم الجريئة رغم تصاعد صيحة الأزياء المحافظة، وتتميز فساتينه بحضور طاغٍ على السجادة الحمراء

نشر هذا اللقاء للمرّة الأولى داخل عدد شهر مارس 2018 من ڤوغ العربيّة. بقلم كاتيرينا منت، تصوير جوليان توريس. 

جلس جورج حبيقة على أريكة وثيرة في فندق لوموريس الفخم بباريس في قاعة ارتسمت على سقفها سماء بلون الفانيلا داخل إطار من الزخارف الداكنة، فيما صدحت في أجوائها نغمات البيانو العذبة. وكانت القاعة الرحبة والمترفة تليق تماماً بجلوس رجل بمكانة حبيقة. تزيّن وجه الرجل شديد الوسامة -بالأحرى النسخة اللبنانية من جورج كلوني (لا يمكن إغفال الشبه بينهما)- ابتسامه مثل نجوم السينما، وصافحني بودّ قبل أن ينحني ليطبع على وجنتيّ ثلاث قبلات كما جرت العادة. كان موعدي معه في اليوم الذي تلى عرض مجموعته لربيع 2018 أثناء أسبوع الأزياء الراقية في باريس، والتي ازدانت قطعها الراقية بالترتر، والفتحات الطويلة، وأقمشة الشيفون التي داعبها الهواء. وقد وصف هذه المجموعة بالفرنسية قائلاً: “كنت أبحث من خلالها عن المرأة القوية”. “وكيف هذا؟”، كان بوسعي أن أسمع هذا السؤال يتردد على ألسنة الموجة الجديدة من النساء الثائرات من أجل حقوق المرأة. ففي هذه الآونة، وأكثر من أي وقت مضى، أخذت الفساتين الضيقة والشفافة تتوارى لتمهّد السبيل أمام ظهور الفساتين الطويلة التي تصل إلى الكاحل كأحد مظاهر صيحة الاتجاه نحو الأزياء المحافظة. ربت حبيقة على ذقنه غير الحليقة وقال: “لست من المعارضين للموضة المحافظة، فالأزياء أمر شخصي ويجب على كل امرأة أن تتمتع بحرية الاختيار. ولكن في الماضي، كان يُنظَر إلى النساء مرموز للجمال، ولم تكن المرأة تخفي جسدها. حقاً، أنا أصنع فساتين شفافة تكشف عن الجسم، لهدف واحد وهو أن أبيّن أن المرأة هي الإبداع الفني للحياة، وهي مَن تصنع الحياة“.

من إبداعات جورج حبيقة، بعدسة جوليان توريس لصالح عدد شهر مارس 2018

في بداية حياته، درس هذا الرجل العصامي الهندسة المعمارية ولكنه غيّر مساره في نهاية المطاف بعد أن وجد ضالته في ابتكار الأزياء للنساء اللامعات. ولم تكن مسيرته الانتقالية تلك من مجال إبداعي إلى آخر خاليةً من المصاعب، فقد رحل إلى عاصمة الأزياء الراقية في العالم للمرة الأولى وهو في الثامنة عشرة من عمره عندما أرسلته والدته، التي تعمل خيّاطة، إلى باريس فراراً من الحرب الأهلية اللبنانية. وعاد بذاكرته إلى سنوات المراهقة في بيروت وقال: “كنا كل ليلة نختبئ في قبو تحت الأرض. واستمر هذا الحال لشهور”. وقد ساعدت إحدى زبونات والدته، التي كانت تعمل آنذاك في سفارة لبنان بفرنسا، هذا الفتى الذي أظهر موهبة فنية واعدة، على الحصول على تأشيرة للسفر. “لم ترحب أمي بهذه الفكرة في بادئ الأمر، ولكن قلبها كان ينبأها بأن إرسالي إلى الخارج يمكن أن ينقذ حياتي”. ورغم أن حبيقة وقع في غرام مدينة النور الآسرة على الفور، إلا أن مباهجها لم تحيده عن جادة الصواب. وبرر ذلك قائلاً: “نحن عائلة كبيرة –ثمانية أشقاء وشقيقات– ولا نمتلك أي أموال”، وأضاف: “لم أكن أستطيع الخروج مثل سائر الفتيان. كنت في باريس للبحث عن عمل، وكنت أرى معالم الطريق واضحة أمامي”. وسرعان ما نجح حبيقة في إنشاء صداقات، تعرف من خلالها على خيّاط باكستاني عمل لديه لمدة عامين في وضع رسومات الفساتين الجاهزة في حي صناعة الملابس هناك. وبعد انتهاء الحرب، عاد إلى بيروت وطلب من والدته العمل معها. “في ذلك الوقت، كان جورج شويتر، ونجيب نصيف، وجان لويس صبجي، هم المصممون الوحيدون في لبنان. وقد حذّرتني والدتي من صعوبة البداية، ولكنها وعدت بمساعدتي”. ثم تمكن حبيقة من افتتاح مشغله الأول بمشاركة ثلاثة أشخاص، لينال بعدها شهرة واسعة وينجح في غضون عامين في افتتاح مشغل أكبر من مشغله الأول. واليوم، يملك حبيقة في بيروت فريقاً من الفنيين وخبراء التطريز المهرة يبلغ عددهم قرابة 70 شخصاً، كما افتتح سنة 2000 صالة عرض في الحي الثامن، وهو أحد الأحياء الراقية في باريس. ويصمم حبيقة كل إبداعاته داخلياً في دار أزيائه، باستثناء بعض التعاونات التي يجريها سنوياً مع شركة ميزون ليساج، التي تشتهر بفنون التطريز الراقي.

من إبداعات جورج حبيقة، بعدسة جوليان توريس لصالح عدد شهر مارس 2018

وتتمتع تصاميم حبيقة، الذي أصبح عضواً فخرياً في غرفة نقابة مصممي الأزياء الراقية الفرنسيين، بحضور طاغٍ على السجادة الحمراء، كما يتألق كثير من النجمات اللامعات -من آيشواريا راي إلى نانسي عجرم وحتى ستيلا ماكسويل وإيفا لونغوريا- بتصاميمه المبدعة من الفساتين التي تنسدل باتساع، وتلك الغنية بالزخارف وتطريزات الكريستال. وقد تحمل كل مجموعة من تصاميم أزيائه الراقية 45 إطلالة مختلفة. وبالنظر إلى ما تتطلبه صناعة فستان راقٍ من العمل الدؤوب ليلاً ونهاراً، والتي قد تستغرق شهراً ونصف الشهر، يمكننا القول إن حبيقة –الذي يملك أيضاً دار أزياء خاصة به- يدير عملاً ضخماً. بيد أن ذلك لم يشغله عن إقامة علاقات شخصية وطيدة مع عميلاته. وظهر هذا جلياً عندما دعى ڤوغ العربية إلى مصاحبة النجمة التونسية ريم السعيدي في غرفة القياس في دار أزيائه ليريها فستان الزفاف العاجي –الذي زوّده بكاب وصممه لكي ينسدل باتساع– فجعلا ينظران إليه وقد أغروروقت عينا كل منهما بالدموع. واليوم، تمثل فساتين الزفاف عنصراً مهماً في عمله. وشرح كيف اختلفت أذواق العرائس على مر السنين وقال: “في الماضي، كانت الفساتين أكثر كلاسيكية وأناقة. وحالياً، تطلب النساء فساتين ضخمة ولكن يعيبها أنها ثقيلة ولا تترك لهن حرية الحركة. وفي يوم الزفاف تجد العروس نفسها في حاجة إلى التحرك كثيراً والرقص، لذا أحاول أن أصنع لها شيئاً مذهلاً وخفيفاً في الوقت نفسه”. وفيما يدخل حبيقة عامه الثالث والعشرين في هذه المهنة، أتاح لمتدرب جديد أن ينضم إلى دار أزيائه. ومثلما فعلت والدته منذ سنوات مضت، يستعين حبيقة بابنه جاد، البالغ من العمر 22 سنة والذي درس الأزياء في مدرسة غرفة نقابة الأزياء الراقية الباريسية، ليساعده في عمله. وقد وضع جاد رسومات بعض الأحذية والأزياء في أحدث مجموعات الدار. أما ابنه الآخر مارك، البالغ من العمر 20 سنة، فيسعى إلى دراسة التصميم الداخلي.

“في يوم الزفاف تجد العروس نفسها في حاجة إلى التحرك كثيراً والرقص، لذا أحاول أن أصنع لها شيئاً مذهلاً وخفيفاً في الوقت نفسه”

وتمثل العائلة دائماً محور حياة حبيقة واهتمامه. وعن ذلك قال: “بيتي مفتوح دائماً للناس. حتى عندما كان وَلَداي صغيرين، كان أصدقاؤهما دائماً معهما في البيت. ولم يكن صخب الأطفال يزعجني أبداً. يمكن أن تجدي صباحاً ومساءً 20 ضيفاً يجلسون حول مائدتي”. ثم صمت المصمم قليلاً واستطرد: “لم أكن أنوي الحديث عن ذلك، ولكني أشيّد الآن محمية للطيور في الفناء الخلفي لبيتي”. ولهذا الهدف، أخلى المصمم مساحة في الفناء لبناء بيت زجاجي تعلوه قبة يبلغ مساحة قطرها 100 متر. وسوف ينشئ داخلها حديقة للخضروات، والزهور الغريبة، والنباتات، والأشجار، ويجمع بها مجموعة رائعة من الطيور. وقال: “سأجمع داخلها جميع أنواع الطيور من الببغاوات حتى الطواويس”. ولكنه أردف: “كنت أظن أن الأمر سهل، ولكنه يتطلب إجراء بحوث كثيرة ومتعمقة. وهناك طيور لابد من جلبها من الخارج”. وفي منتصف هذا البيت الزجاجي سيقيم حبيقة حفلات عشاء، تحيطها حديقة غنّاء عامرة بمتع الحياة تحت سماء الليالي التي تتناثر على صفحتها أضواء آلاف النجوم. وعند مائدته، نتوقع أن نرى أجمل الطيور ترفرف بأبهى ما أبدعته أنامل حبيقة من الأزياء الراقية – وتتخايل بريشها الزاهي وزينتها من الرقائق اللامعة والجلود.

فستان للعروس من جورج حبيقة، بعدسة جوليان توريس لصالح عدد شهر مارس 2018

موضوع متصل: تفاصيل ظهور إيمان وإيمان همّام على غلاف عدد الذكرى السنويّة الأولى لڤوغ العربيّة

الاقتراحات
مقالات
عرض الكل
مجموعة ڤوغ
مواضيع