“إذا استطعت أن تحافظ على رباطة جأشك / عندما يفقد كل مَن حولك صوابهم ويلقون عليك باللائمة / إذا استطعت أن تثق بنفسك عندما يفقد الآخرون كل ثقة فيك / وتترك المجال لشكوكهم في ذات الوقت / إذا استطعت أن تنتظر دون أن تملّ الانتظار / أو إذا افتُرِيَ عليك كذباً بينما ترفض المتاجرة بالأكاذيب / أو أصبحت موضع كراهية دون أن تدع لها المجال لتسلل إلى نفسك…”
تردد سارة، دوقة يورك، كل صباح قصيدة “If” (إذا) للشاعر روديارد كيبلينغ. فقد اتخذت منها شعاراً لها في حياتها كي تساعدها على تجاوز يومها والمضي في حياتها التي حتى الآن لا تخلو من ملاحقة الإعلام لها وتعقبه لأخبارها: على مستوى إطلالاتها، وعلاقتها بزوجها السابق الأمير أندرو، دوق يورك، ومؤخراً عن تورط الأخير مع الملياردير جيفري إبستين المتهم بالاعتداءات الجنسية والذي عُثِرَ عليه مشنوقاً في زنزانته في شهر أغسطس. “الوضع أصعب من أن يوصف”، هكذا قالت بصراحة تبرهن على أنها شخصية محبوبة وودودة، وليس لديها شيء لتخفيه. لقد عاشت كل هذا بالفعل، إنها مناضلة بمعنى الكلمة. في الواقع، رغم كل ما حققته من إنجازات على مدار حياتها –فهي مؤلفة كتب (أهمها سلسلة كتب الأطفال “مغامرات بادجي”)، ومنتجة أفلام (فيلم “ڤيكتوريا الصغيرة” الصادر عام 2009)، وراعية للمؤسسات الخيرية، ورائدة أعمال (لديها خط إنتاج لمنتجات مستلزمات الحياة العصرية باسم “سارة سينسيس”)– دائماً ما تقع الدوقة ضحية افتراءات الصحف الصفراء، وتصبح لقمة سائغة لها. “دائماً ما تقول بياتريس [ابنة الدوقة] عني إني أكثر شخص يُساء فهمه في هذه الدنيا”، هكذا صرحت الدوقة بكل جديّة، معلّقة “وأنا أتفق معها”.
وقد سبقت الدوقة سارة، التي أتمت مؤخراً عامها الـ60، بطريقة ما ميغان ماركل دوقة ساسكس في ملاحقة العيون لها. فمنذ أن تزوجت من الأمير أندرو عام 1986، باتت حياتها تحت المجهر ومحطّ أنظار العالم أجمع. فكل حركة تصدر عنها، وكل كلمة تتفوّه بها، وكل كيلوغرام زيادة في وزنها يتحول إلى فضيحة في عناوين الصحف. تقول موضحة: “أعلم جيداً ما تعيشه ميغان”.
كانت الدوقة تجلس بجناحها في فندق فورسيزونز الرياض حيث كانت تُعقَد فعاليات منتدى مسك العالمي الذي كانت ضمن المتحدثين فيه، متألقةً بعباية بالرمادي والوردي، ومتزينةً بإكسسوارات عبارة عن أساور تحمل اسميّ ابنتيها الأميرة بياتريس والأميرة أوجيني ، وترتسم على وجهها ابتسامة عريضة مثل ابتسامة القطة شيشاير لتقوم بأحد أدوارها العديدة، فهي المقدمة المُثلى للمنتدى. رحبت بي قائلة: “هل أقدم لكِ شيئاً لتشربيه أو تأكليه؟ تفضلي بالجلوس…”. وبينما كنا نجلس على إحدى الأرائك الوثيرة، أخرجتْ الدوقةُ بعض قطع المجوهرات من مقتنياتها، والتي شملت أساور ذات طابع عصري من الذهب والفضة، وقرطين مستديرين مرصعين بالألماس الاصطناعي طبعت عليهما كلمات مثل كلمة faith (إيمان)، إلى جانب سلسلة تزدان بدلّاية على شكل حرف S، فيما أشارت إلى سوار بدلّايات قائلة: “ولكن هذه إحدى قطعي المفضلة. كل دلّاية فيها تحمل أهمية بالغة على نفسي؛ الحصان المجنّح من أيرلندا [فهي تفخر بإرثها الأيرلندي]، والنحلة لبياتريس، والرِكَاب لأني أحب ركوب الخيل”.
“انظري إلى هذه العلبة”، هكذا قالت الدوقة بينما كانت تكشف عن عبوة أخرى أنيقة باللونين البني الداكن والذهبي تحمل شعاراً على هيئة حرف S دقيق التفاصيل، مشيرةً إلى أنها توصلت إلى تصميم لعبوات خط “سارة سينسيس” الخاص بها. “هذا هو صنف الشاي الذي أنتجه تحت اسم ’دارك نايتس‘ والمصنوع على يد خبير في توليف الشاي من كينت”. وأخرجت الدوقة عبوة مماثلة أخرى تحتوي على معطر للجو، مضيفة: “نعمل الآن على افتتاح متجر لنا على أمازون”.
حتى هذه اللحظة، لم نوجّه للدوقة أي سؤال. إنها تفيض بالطاقة والإيجابية والسمو. إنها كالكتاب المفتوح لا تجيد إخفاء مشاعرها، وليست لديها موضوعات تحظر طرحها.
في الحقيقة، يبدو من المستحيل أن نتطرق للحديث عن حياتكِ الملكية دون أن نلتفت إلى أوجه الشبه بينها وبين ما تمرّ به ميغان دوقة ساسكس. فما رأيكِ في ذلك؟
لا بد أن الأمر عصيب على ميغان، أتفهم وضعها. أنا على يقين من أنها امرأة عصرية للغاية ورائعة. وكانت مشهورة فيما سبق. وهي شخصية عظيمة. لِمَ لا يمكن لميغان أن تكون شخصية عظيمة؟ لِمَ لا يمكن الاحتفاء بها؟ وما نصيحتي لها؟ أفضّل ألا أُسدي لها أية نصائح لأنها ستكون خارج السياق، ولكني كنت في مثل موقفها، ولا أزال. دائماً ما يكون للأمور جانب سلبي، ومن ثم يصبح الوضع محزناً ومتعباً للغاية. إنه أمر شاق ومؤلم. أمقت التنمر، وآسف بشدة على الألم الذي حتماً يعيشونه، لأني عشته قبلهم.
اقرئي أيضاً: دوقة ساكس تكتب رسالة صادقة ومخلصة عن تجربتها في جنوب أفريقيا
هل لكِ أن توضحي كيف تجاوبتِ مع التغطية الإعلامية السلبية؟
بتُّ في نهاية الأمر أدمرُ نفسي بنفسي. لم أكن أفكر في تداعيات تصرفاتي، ووصلتُ لحالة مزرية، بل بلغتُ الحضيض، كما لو أني أردت أن أغدو شخصية غير محبوبة. ولكن بينما كنتُ في خضم هذه المرحلة، ألفّتُ كتاب “البحث عن سارة”.
وكيف تعاملتِ مع العواقب النفسية لكل ذلك؟
سعيتُ للحصول على الكثير من المساعدة وبدأتُ أفتح قلبي وأتحدث عن أخطائي بصراحة شديدة مع نفسي. وظهرتُ في برنامج أوبرا وينفري في سلسلة من ست حلقات دارت حول الصحة النفسية تحت اسم “البحث عن سارة” أيضاً، وناقشتُ خلالها مشكلاتي مع الناس، بحيث يتم تصويرها ويستفيد منها الآخرون فلا يعيشون ما عشته.
هذه شجاعة كبيرة منك.
أشكركِ. كان الأمر صعباً، ولكن ها أنا ذا الآن أشعر بأني تحررت من الأغلال التي كانت تكبل روحي. لا يزال الأمر صعباً مع ذلك. في كلمتي بمنتدى مسك، كنتُ آخر المتحدثين، وكان كثيرون قد غادروا المكان. كان من الممكن أن أظن أنهم يعتبرونني مملة. ولكن عليّ أن أغيّر طريقة تفكيري وإدراكي. عليّ أن أعي الأمور جيداً وأن أدير ظهري للتفكير السلبي.
يبدو أن لديكِ إحساساً عالياً بالوعي الذاتي بدرجة تفوق الوصف.
في الحقيقة، لا، لأني ببساطة ما زلت أحمل معي من الماضي معاناتي من مشكلات ضعف تقدير الذات، وضعف الثقة بالنفس. إذ ترين أن كل ما تفوهتِ به وما أقدمتِ على فعله لم يكن على صواب، وأن ليس في حياتكِ شيء واحد صائب. إنني أعمل جاهدة على مواجهة كل ذلك. ما يتصدر صفحات الجرائد عني من أخبار فيه قسوة شديدة عليّ، ثم تجدين نفسكِ تصدقينه شيئاً فشيئاً.
صفي لنا شعوركِ عندما ترين ابنتيكِ تلاحقهما الصحافة مثلما تلاحقكِ.
إنهما تقولان إنه لولا أنهما لا غبار عليهما لما تصدرت أخبارهما الصحف، وهو أمر صعب جداً.
كأسرة، ربما تشعرون أنكم أكثر واقعيةً وعمليةً من الشخصيات الملكية الأخرى…
هذا لأني أم رائعة. فقد كنت أقول لكل مَن يأتي لزيارتهما: “لا تلقي بمشكلاتكِ في وجه ابنتيّ، فهي لا تخصهما” واترك المشكلات على الباب مع غرورك. ما الداعي لمضايقتهما بهذه المشكلات؟
يقال عنكِ دوماً إنكِ أدخلتِ روحَ البهجة والمرح على العائلة الملكية البريطانية في وقت كانت تعتبر فيه في غير محلها تماماً؟ حسناً، لقد أسهمتُ في إرساء قواعد الإتيكيت الحديثة، وإدخال أجواء من البهجة والمرح مع الأميرة ديانا أميرة ويلز. لقد أمضيتُ أنا والأميرة ديانا أجمل أوقاتنا معاً، نعم، لقد فعلنا ذلك بالتأكيد. إنني أحبها من كل قلبي.
ماذا أضافت هذه التجربة لشخصكِ؟
علمتني التواصل، والوصول لحل وسط، والتعاطف. عبِّري عن أفكاركِ، وتعلمي أنه لا مشكلة إن لم تلق هذه المشكلات إعجاباً من أحد، ولكن من المهم أن تصلي لحل وسط. اتفقي على تقبّل الاختلاف وامضي في سبيلكِ الذي اخترتِه بكل ودّ. لقد تعلمتْ التسامح بكل أشكاله وصوره. وما أنا إلا تجسيد لكل فشل مررتُ به في حياتي، ولكن هذا الفشل هو ما جعلني اليوم أكثر قوةً وأقدر على التعامل مع كل عقبة تواجهني في حياتي. إنكِ بحاجة لتعيدي توجيه دفّة حياتكِ كي تعيشي في سعادة.
يبدو أن أعمالكِ الخيرية هي سبيلكِ الأساسي في تحقيق السعادة. فهل لكِ أن تطلعينا على خططكِ الخيرية في الشرق الأوسط؟
سألتقي نائب وزير الصحة بالسعودية للحديث عن دور الرعاية الرئيسية وأوضاع مرضى السكر داخل البلاد. كما أتأهب للتوجه إلى أكثر الأماكن فقراً وبناء مركز رعاية رئيسي بها، وسأعمل على تصوير فيلم وثائقي عن هذا المشروع. وقد ذكرتُ ذلك في معرض حديثي بمنتدى مسك، وخططنا في هذا الجانب تمضي قُدُماً بخطى حثيثة. وأودُ أيضاً أن أتوجه إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حيث سيكون هناك تعاون بيني وبين مستشفى “إن إم سي هيلث كير” بدبي. فسوف أكون سفيرتهم، وهم يمتلكون الكثير من المستشفيات في بريطانيا أيضاً، ويعتزمون تقديم الكثير من الأعمال الخيرية.
يعدّ قطاعُ الصحة النفسية من جوانب الرعاية الصحية التي يمكن أن تثريها بخبراتكِ داخل دولة الإمارات.
من المثير للاهتمام أن تذكري ذلك. إنني عندما أتحدث عن الأمير أندرو، أتحدث عن عائلتي، فالأشهر الست الماضية كانت عصيبة عليّ وعلى ابنتيّ. كان من الصعب علينا أن نرى هذا الرجل الرائع يمر بكل هذا الألم النفسي. إنه أفضل رجل عرفته، وما قدمه لبريطانيا شيء عظيم على نحو لا يصدق. كل ما يقال عنه هراء [وهنا، تعلو نبرة صوتها فيما تشير إلى فضيحة إبستين]، إنني أتحدث هنا عن الروابط الأسرية وأنا لا أتوانى في هذا الجانب. من المهم أن نهتم بالصحة النفسية لدى الرجال، وأعتقد أنه علينا تسليط مزيد من الضوء على هذا الجانب.
تقدمين أعمالاً ملهمة للغاية، فمَن هو مصدر إلهامكِ؟
الأطفال الذين أقابلهم. فقد علمني محمد التسامح، وأنيا علمتني التحلّي بالشجاعة في المواجع، ومونيكا علمتني التواضع. كل طفل من هؤلاء يجسّد قصتي. لقد تعلمت كثيراً من تجاربهم، بالإضافة إلى الأميرة لويز من ساكس-غوتا-ألتنبورغ ووالدة الأمير ألبرت، فهي المرأة التي أستقي منها إلهامي.
دوقة يورك بمنتدى مسك العالمي لهذا العام بالرياض. بإذن من منتدى مسك العالمي
تقولين إن اسمها “دخل التاريخ”.
نعم. فالأميرة لويز هي أغنى امرأة في ألمانيا وهي دوقة ساكس كوبورغ وغوتا، وكان والد ألبرت يسعى للزواج منها، وبالفعل تزوجها وأنجب منها ولدين. وبعد ذلك، شعر بالملل، وأراد أن يجرب نموذجاً جديداً، فطرد لويز في منتصف الليل وسط أجواء ماطرة. كانت لويز البطلة الحقيقية لبيت وندسور. وأعمل حالياً على إعداد كتاب وفيلم من المنتظر أن يخرجا للنور في 2020. كان فيلم “ڤيكتوريا الصغيرة” قد حاز على جائزة الأوسكار لأفضل تصميم أزياء، أما الجائزة القادمة فسوف تذهب لهذا الفيلم كأفضل إنتاج. لقد أعددت أيضاً فيلماً وثائقياً عن لويز والذي سيطرح خلال الشهر الجاري، وقد اشترت شبكة نتفليكس للتو حقوقه الدولية.
وأخيراً، بصفتكِ ملكة الإتيكيت، ما أهم نصائحكِ عن تقديم الحفلات ونحن على أبواب موسم الاحتفالات؟
تخيلّي نفسك عميلاً صعباً. فكّري في كل سيناريو يمكن أن يقع، وحاولي أن تتصوري ما يتوقعه منكِ العميل الصعب عند كل مستوى، واحرصي على توفيره له. إنني أقوم بذلك في كل مرة. ففي حفل زفاف أوجيني، أمضى السائقون وقتاً أفضل من جميع من كانوا بالحفل – فقد أعددت لهم خيمة رائعة، لقد تعلمت ذلك من والدي والذي كان دوماً يقول لي: “احرصي على أن يكون المطبخ أهم من غرفة تناول الطعام”. احرصي عند استضافتكِ لحفل عشاء أن يتناول فريق العمل مشروباً معكِ. عندئذ، ستطغى مشاعر الحب ومن ثم تنعكس على الحفل.
نشر للمرة الأولى على صفحات عدد ديسمبر 2019 من ڤوغ العربية.
اقرئي أيضاً: خلال مشاركتها في منتدى مسك العالمي.. ڤوغ العربية تكشف أسرار نجاحها