نوشين نور تستكشف كيف أعاد الشيخ محمد بن فهد آل ثاني تجديد منزل باريسي قديم في عدد يونيو من ڤوغ العربية.
يعيش سمو الشيخ محمد بن فهد آل ثاني، أحد أفراد العائلة المالكة في قطر وعضو مجلس إدارة الخطوط الجوية القطرية، حياةً حافلة بالعمل والعطاء، فقد مارس العديد من المهام الرسمية وشغل مناصب بارزة في الحكومة القطرية منذ أن تولى في السابق رئاسة الشرطة العسكرية. وبسبب نشاطه الواسع وجدول أعماله المزدحم، كثيراً ما يلجأ سموه إلى مقر إقامته في باريس للاستجمام بعيداً عن أعبائه الرسمية وحرارة الصيف القائظ في قطر، ما يوفر الراحة له ولأفراد أسرته وأحفاده الصغار.
ويقع قصره الباريسي الفخم، الذي يتألف من عدة طوابق، قبالة شارع مونتاني بالدائرة الثامنة، المعروفة أيضاً باسم المثلث الذهبي، في العاصمة الفرنسية، وتبلغ مساحته 800 متر مربع، ويحتوي على 15 غرفة، وتم بناؤه في الأصل خلال القرن التاسع عشر من الحجر الجيري، وله واجهات طويلة وضيقة على نسق هوسمان التقليدي في البناء. وكان مُلّاكه السابقون قد أهملوا مرافقه وأزالوا تصاميمه الداخلية وتركوه خالياً من أي تفاصيل تشير إلى فترة بنائه. لذا، استعان سمو الشيخ بمصمم الديكور تيموثي كوريغان المعروف بخبراته الواسعة في تجديد العقارات التاريخية وإعادتها إلى سابق مجدها الغابر، سواء كانت منازل من العصر الجورجي في لندن، أم قصور مبنية في القرن الثامن عشر في فرنسا.
وقد نجحت شركة كوريغان للديكور في إحلال وتجديد أنابيب المياه والصرف الصحي وأعمال الكهرباء، وتزيين الحجرات بالألواح الخشبية والقوالب والأعمدة، وتجديد تشطيبات الجدران والطلاء الجصّي المميز لأسلوب هوسمان. وعلى هذا المنوال، تمكنت الشركة، من خلال التعاون مع عدة طواقم وحرفيين متخصصين مقيمين في باريس، وخلال مدة تربو على العام، في أن تعيد هذا المنزل القديم إلى سابق عهده. وفي هذا الصدد، يقول كوريغان: “كان الشيخ محمد بن فهد آل ثاني مهتماً بأدق تفاصيل التصاميم الداخلية للمنزل”، ويضيف: “من الرائع أن تعمل مع رجل يعبّر بصراحة تامة عما يحبه وما لايحبه”.
ولا ريب في ذلك، فقد أمضى الشيخ محمد بن فهد آل ثاني، خريج أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية العريقة في إنجلترا، سنوات طويلة من عمره في الخارج، ما نمّى بداخله حساً مرهفاً وعالمياً يتناسب تماماً مع مكانته الراقية. ويضيف كوريغان ضاحكاً: “يتمتع الشيخ محمد بن فهد آل ثاني بذوق رفيع. وقد أظهر اهتمامه بأدق التفاصيل، وعبّر بوضوح عما يعجبه وما لايعجبه. والشيء المدهش أن تسعة أعشار ما يختاره كنت سأختاره أنا أيضاً لو لم يبادر هو بذلك”.
ويتمتع هذا المصمم المقيم في لوس أنجليس بموهبة فذة، وقد نال شهرة واسعة لنجاحه في تجديد المنازل ذات العبق الأرستقراطي. ويحتوي قصر الشيخ محمد بن فهد آل ثاني على أثاث ومفروشات بعضها تم تصميمه حسب الطلب، والبعض الآخر تم جلبه من دور المزادات ومتاجر التحف القديمة حول العالم. ومما لاشك فيه أن المنزل يتمتع بالترف والفخامة، لكن من دون أن يتخلى عن أهم وظيفة له، وهي: راحة الأسرة. ورغم أن الشيخ محمد بن فهد آل ثاني يحب الأماكن المترفة، إلا إنه فضّل أن يحتفظ هذا المنزل بأجواء أكثر راحة واستجماماً، وهو ما تعكسه الأرائك الوثيرة والتحف التي تحمل طابعا ذكورياً.
وما يسترعى الانتباه هو عدم هيمنة لون معين على طلاء جدران القصر، فلكل غرفة طابعها الخاص المميز لها. ومع ذلك، نلاحظ استخدام اللونين الأزرق والذهبي في جميع أنحاء المساحات المشتركة، لتعطي إيحاءً بأضواء مدينة الدوحة المتألّقة المنعكسة على صفحة مياه الخليج العربي. ويترك القصر انطباعاً رائعاً في النفس فور دخوله، بفضل بهو مدخله الثماني الأضلاع، وجدرانه التي كُسيت بما يشبه الحجر الجيري، وأسقفه التي رُسمت عليها عريشة متشابكة، تماماً وكأنك تعيش أجواء يوم ربيعي مشمس لا يفنى سحره بباريس. ويؤدي هذا البهو إلى غرفة مركزية دائرية الشكل تتوسطها نافورة مزينة بالزخارف تستطيع أن تسمع خرير مائها العذب وهو ينساب منها. ويربط بينهما دهليز مغطى بالمرايا ومزود بإضاءة سقفية تحاكي ضوء السماء باستخدام تقنية الخداع البصري. ويقول المصمم: “أردت أن أثير في نفس الضيف شعوراً يجذبه من باب المنزل إلى الردهة من خلال مجموعة غرف تتعلق بأكملها بالنهر ومعالم المدينة”.
وتتميز الغرفة الدائرية بسقف مزين بغلالة رقيقة من السحب تُشعرك بأنك تستظل تحت سماوات طبيعية مفتوحة. وتزخر الغرفة بالعديد من المقتنيات الثمينة، منها طاولة تعود إلى العصر الإمبراطوري مزينة بزهور نقشت في مزهريات خزفية من نوع سيڤر الشهيرة، وأبرزها هذه النافورة التي تتوسط الغرفة والمصنوعة من المرمر والبرونز المطلي بالذهب على شكل مَلَكَين يحتضنان بجعة. وهي إحدى نفورتين كانتا تزينان مسرح قصر ڤرساي قبل أن يتم نهبهما إبان الثورة الفرنسية. ورغم استعادة هذه النافورة وشرائها من مزاد بلندن، إلا أن النافورة الأخرى لم يعثر لها على أثر حتى الآن.
قديماً، كان الطابق أو البهو الرئيسي مقسّم إلى غرفتي استقبال تفتقران للأناقة، ما دفع كوريغان إلى هدم أحد الجدران لإقامة بهو واحد واسع له مدخل تحيط به الأعمدة، وعمد إلى فرشه بأثاث يعيد له التجانس والتناسق الذي تشتهر به العمارة الفرنسية.
وترسم منضدةُ كونسول ضخمة مغطاه بلوح من المرمر ويبلغ طولها ثلاثة أمتار معالم منطقتين للجلوس، كلاهما في مواجهة مدفأة صُفت على أنحائها الأرائك الوثيرة المكسوة بالمخمل الحريري. وقد صمم كوريغان طاولات للقهوة من المرمر والبرونز المطلي بالذهب بمواصفات خاصة. أما الستائر الثلاثية المعلقة فهي متكررة في جميع أنحاء القصر، وتم وضعها بناء على رغبة سمو الشيخ الذي تستهويه ستائر العالم القديم بجمالها الباذخ، حيث كانت تُصنع من القماش الدمشقي والديباج والحرير المطرز يدوياً.
ونلاحظ لوحتين معلقتين بين النوافذ لفنان الروكوكو چان-باتيست أودري، تعودان لسنة 1736. وحالياً، يزور الشيخ محمد بن فهد آل ثاني مدينةَ باريس من ست إلى ثمانِ مرات في السنة، ويمكث خلال كل زيارة بضعة أيام. وتعد غرفة السيجار أكثر الأماكن التي يفضلها الشيخ للراحة في هذا القصر، فهي تتميز بجدران رائعة مغطاة بالألواح الخشبية ومزينة بصدفة سلحفاة. أما غرفة النوم الرئيسية فهي دافئة وآسرة على نحو خاص ومطلية بحرفية باللون الأزرق الشاحب والكريمي والبرونزي. ويقول كوريغان مازحاً: “لا يملك أحد يدلف هذه الغرفة سوى أن يصيح متعجبا ًبكلمة، ’مدهش!‘”.
ويبدي سموه شغفاً من نوع خاص بثريا من الكريستال تتدلّى أعلى فراش الغرفة. وهي تبدو، في غياب أذرع تربط الإطار الرئيسي بشمعدانات الثريا المتشعبة، وكأنها تسبح في الهواء. ويقول كوريغان: “هو يقدرها لأن تصميمها مستوحى من الماضي، ولكنه منقول بتطور أكثر حداثة”. ومن اللافت أيضاً شاشتان مغطيان بالمرايا تعكسان المنظر الرائع الذي تشرف عليه النافذة الجنوبية، والتي تطل على نهر السين. وقد أتاح اللون الأزرق الشاحب الذي طليت به الجدران خلفيةً محايدة أبرزت لوحة للرسام كلود مونيه وأخرى تجسد منظراً طبيعياً للفنان أوچين لوي بودان. وبذلك يمثل هذا القصر مكاناً مثالياً للراحة والاستجمام لرب أسرة ورجل كرّس حياته للعمل العام. ويعبّر كوريغان عن إعجابه بسموه قائلاً: “إنه رجل بالغ الطيبة والنبل، وأحد أفضل زبائني على الإطلاق”.